أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - زهير الخويلدي - أوراق حول منزلة الفلسفة عند ابن خلدون















المزيد.....

أوراق حول منزلة الفلسفة عند ابن خلدون


زهير الخويلدي

الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 09:21
المحور: مقابلات و حوارات
    


أوراق حول منزلة الفلسفة عند ابن خلدون

تغطية ومناقشة زهير الخويلدي

"إن الوجود أوسع من أن يحاط به أو يستوفى إدراكه بجملته روحانيا أو جسمانيا"

عبد الرحمان ابن خلدون - المقدمة

1- تصنيف السلطة الاجتماعية عند ابن خلدون

كان اللقاء مع المفكر اللبناني صاحب كتاب "صدام الهمجيات" جيلبير الأشقر في إطار الأيام الدراسية: "ابن خلدون والفلسفة" يومي 16- 17 أفريل 2009 الذي نظمته وحدة البحث في تاريخ الفلسفة والعلوم العربية والإسلامية بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية (9 أفريل تونس) بالتعاون مع المركز القومي للبحث العلمي بباريس والمهداة إلى فقيد الفكر الأممي المناهض للامبريالية والمناصر للقضايا العربية: جورج لابيكا، وقد تناول أستاذ دراسات النمو والعلاقات الدولية بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن في الإشكال التالي: على أي أساس يقوم ابن خلدون بتصنيف السلطة الاجتماعية؟

هذه الورقة مستلهمة من خلال كتاب طريف الخالدي حول تاريخ الفكر العربي في الحقبة الكلاسيكية وتعمل جاهدة على انجاز المقارنة بين فكرة فيبر وفكر ابن خلدون.

الغاية ليست إظهار ابن خلدون على أنه يعرف كل شيء بل الإشارة إلى اعتراف فيبر بمجهودات ابن خلدون والتعامل مع ابن خلدون من وجهة نظر علم الاجتماع الفيبري. كيف يمكن التمييز بين الاجتماعية والسياسية بالمعنى الفيبري وبالمعنى الخلدوني؟

السلطة مبنية عند ابن خلدون على الغلبة والغلبة في العربية هو الهيمنة وصنف أول من الغلبة هي الرئاسة والغلبة إنما تكون بالعصبية الذي يسمح بالرئاسة التي تترجم chef. ان الملك صنف آخر من الرئاسة ونمط آخر من الغلبة وهي السؤدد وصاحبه متبوع وليس عليهم قهر في أحكامه والقهر هو الذي يميز الملك عن الرئاسة. في حين أن القهر هو الجزم بالقوة ونجد فيه الوصف الفيبري للسياسة بالمعنى الحديث بأنها مبنية على القوة بالدرجة الأولى أي الاجتماع السياسي.

يصنف الملك إلى النظام الملكي والملك بالمعنى العام أي السلطة والحكم بشكل عام Pouvoir يستعمل جورج لابيكا Souveraineté السيادة التي تعني الملك في المعنى الوسيط. لكن الملك الذي يبنى على القهر لا يدوم.

Domination هي هيمنة تقليدية وكاريزماتية وقانونية نجدها عند ابن خلدون، ان الهيمنة التي مصدرها الدين والنبوة وهو مماثل لمفهوم السلطة السلطة الكاريزماتية (النبي هو كاريزم). أما الهيمنة التقليدية فتحدث عندما يتحول الملك إلى تقليد نجده عند ابن خلدون بقوله إذا استقرت الدولة استغنت عن العصبية وتصبح بالوراثة. تحول الملك إلى ملك مبني على الزمن والعادة. في حين أن الهينة القانونية الشرعية والعقلانية، اذ يؤكد ابن خلدون إلى تأكيد ضرورة بناء الحكم على القوانين عندما يصرح:" فوجب أن يرجع في ذلك إلى قوانين سياسية مفروضة في ذلك كما أن الشأن في الفرس وغيرهم".

يميز ابن خلدون بين قوانين العقلاء وقوانين ترجع إلى الله التي يسميها السياسة الدينية ولكن السياسة العقلية هي مبنية على قوانين الغاية منها المصلحة العامة. كما تفوق السياسة الدينية على السياسة العقلية في علاقة بالآخرة بينما في مجال الدنيا فالتفوق يكون إلى السياسة الدينية.

النوع الآخر من الملك هو الخلافة وهنا يحيل إلى نوعين من القوانين: القانون العقلي الذي يستند إلى المصلحة العامة والشرع الذي يستند إلى النجاة في الآخرة

أنماط العمل أربعة وأنماط الهيمنة ثلاث فقط وهذا خلل في حد ذاته. أشار الخالدي خطأ شائع من قبل الباحثين حول التناقض بين الخلافة والملك، لكن الملك الذي يناقض الخلافة هو الجبروتية والكسروية بينما الملك الذي هو خلافة فهو الحكم الصالح.

حتى فكرة وجوب النبوات فهي غير برهانية في السياسة وقد تتم من دون ذلك لأن أهل المجوس لهم أنظمة سياسية ناجحة. النظرة الخلدونية العلمية هي نظرة تنسيبية تاريخية للملك.

أبو بكر الطرطوشي هو الذي ميز بين السياسة الاصطلاحية والسياسة النبوية ,الأولى في نجاح الحكم هو السياسة وليس الشريعة والإيمان دون حنكة سياسية تؤدي إلى ضياع الدول والحنكة السياسية دون إيمان يمكن أن تحفظ الدول. "الجور المرتب أفضل من العدل المهلك" الأمم التي استطاعت أن تقيم الحكم على أصول صحيحة.

ابن خلدون تجرأ على تفسير الدين بالسياسة والتاريخ، زمن الطرطوشي فيه أكبر من حرية الفكر والتعبير أكثر من زمن ابن خلدون حسب عبد العالي والتي تسمح بفهم علماني للسياسة ونظرة تاريخية للمجتمع. ان الرغبة في الإصلاح عند ابن خلدون ليست ناتجة عن فقدانه للإيمان الديني بل متأتية من إيمانه العميق بصدقية النص الديني.

ظهور الكاريزم ضرورة تاريخية من أجل التغيير في طريقة بناء الدول من قدوم العصبيات من البادية والسيطرة على الحكم في المدينة إلى الاعتماد على دعوة دينية تتشكل كإيديولوجية تتعالى على الواقع من أجل تأسيس الدولة على الفكرة والهيمنة الأيديولوجية.

الحالة الوحيدة التي يقترب فيها فيبر من ابن خلدون حسب رأي الأستاذ صالح مصباح هي السلطة الكاريزماتية ومفهوم الكاريزما هي قضية المهدي المنتظر وخاصة الحاجة إلى المهدي ولذلك يعظم ويركز على الانتظار والتوقع والهالة.

يمكن مناقشة هذه الورقة بالتساؤل عن جدوى منهج تبرير الفكر الحديث بالبحث عن ما يتطابق معه في النصوص القديمة، إذ أن الانطلاق من نظرية ماكس فيبر حول الأسس الثلاث للسلطة( التقليدية والكاريزماتية والقانونية) ومحاولة البحث في مقدمة ابن خلدون عما يشبهها هو نوع من الإسقاط التاريخي والوله بالذات وقد يعبر عن نوع من العجز عن الإبداع لدي العقل العربي والشعور بالتبعية للثقافة الغربية.

زد على ذلك أن البحث في علاقة الدين بالسياسة عند ابن خلدون والتصريح بأن ابن خلدون كانت له مثل الطرطوشي جرأة قراءة الدين من وجهة نظر سياسية وأن قوله بأن الدعوة السياسية ولا تقوم إلا بدعوة دينية وأن الدعوة الدينية لا تقوم إلا بالعصبية هو رأي يغلب الاجتماعي الطبيعي على الإلهي والشريعة ويجعل المقدس مجال صراع وتجاذب من طرف رجال السياسة، وهو أيضا توصيف يجعل من ابن خلدون واحد من الذين خاضوا في تجربة الإصلاح الديني عند العرب والمسلمين، فإلي أي حد يمكن أن نعتبر ابن خلدون مصلحا دينيا؟ وفيم يتمثل هذا الإصلاح؟ وعلى ماذا يقوم؟

2- مدني وسياسي:

العمل القيم الثاني أنجزه رئيس قسم الفلسفة بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بتونس الأستاذ صالح مصباح وكان بعنوان رئيسي: مدني وسياسي في المقدمة وبعنوان فرعي: ابن خلدون والفكر السياسي في العصر الوسيط.

يمر معظم الباحثين في الدراسات الخلدونية سريعا على المقدمة السادسة التي تتحدث عن تعريف الإنسان على أنه "مدني بالطبع" وكأن هذا الأمر بديهي ولا يثير أي إشكال، لكن إذا كانت كلمة مدني تعني سياسي والإنسان حيواني سياسيun animal politique في المدونة القديمة فإنها لا تعني نفس الشيء في الفلسفة السياسية العربية والحديثة. فأين موطن البداهة والإشكال في ذلك؟ ولماذا يجب أن نتوقف عند هذا التعريف البديهي للإنسان ونفكر فيه؟ وما المقصود بالسياسة في المدونة القديمة والوسيطة؟ وما الذي يميز النظرة الخلدونية؟

إن هذه الإشكاليات أثاراتها ترجمة الشدادي لمصطلح ابن خلدون مدني إلى اللغة الفرنسية بسياسي وليس مدني وهو ما يفرز ابتعادا عن المعنى الأصلي واقترابا من معنى جديد حديث.

السياسة في التصور الخلدوني وخاصة في المقدمة تعني فن تدبير الشأن الإنساني أي الحكم فحسب وليست لها علاقة بتدبير الصنائع والمنزل والمدينة، كما أن كلمة مدني وكلمة سياسي كان مصيرها الانتقال إلى كائن اجتماعيun animal sociable.

تمثل المدينة تجمع اجتماعي والسياسة تلحق فيما بعد، إن المرة الوحيدة التي تم فيها الجمع بين السياسة والمدنية في الفلسفة العربية كانت مع مفهومي العلم المدني والسياسة المدنية هي عند الفارابي ولكن ما قام به ابن خلدون هو رفض هذه المدونة القديمة.

ماهو وضع ابن خلدون في الفلسفة العربية والفلسفة العالمية من جهة التناول للمسألة السياسية ؟

ابن خلدون هو أرسطي في تفكيره السياسي وبعيدا كل البعد عن المثالية الأفلاطونية وغير أرسطي في نفس الوقت،فهو أرسطي لاحتفاظه بمفهوم المدينة ولاعتباره الإنسان مدني بالطبع في المرة الأولى دون مناقشة ذلك ولكنه عندما يتكلم عن كتاب السياسة لأرسطو فهو في الحقيقة يتحدث عن كتاب سر الأسرار المنسوب إلى أرسطو خطا وليس عن كتاب السياسة المعروف والمتداول.

السياسة عند العرب هي سياسة طوباوية تهتم بما ينبعي أن يكون وتغطي الواقع التاريخي بطبقة من التأويلات المضللة وابن خلدون يحاول أن يؤسس السياسة بمعنى الحكم المرتبط بالوازع والسلطان والتي يستمدها من ثلاث مصادر:

المصدر الأول هو علم الفقه الإسلامي وخاصة من نظرية الماوردي في الأحكام السلطانية وقد وضح هذه الفكرة المستشرق هنري لاوست بطريقة جيدة.

المصدر الثاني الذي استلهم منه ابن خلدون هو نصائح الملوك ومرايا الأمراء وخاصة ما نجده عند الطرطوشي من آداب ووصايا ومواعظ موجهة إلى تربية الحكام وتوجيههم ، وآيتنا في ذلك أنه يورد رسالة كاملة لأبي طه إلى ابنه حسين تضمنت نصائح حول المكارم الخلقية والسياسة الحكيمة التي ينبغي التقيد بها نقلها عن الطبري وقد اعتبر ذلك أحسن ما وقف عليه من السياسة.

التقليد الثالث هو التجربة التاريخية وحركة التاريخ والتقلبات السياسية والسيرة الذاتية وعلاقته برجال الحكم في حياته وما حصل له معهم من تقريب وإبعاد ومن استشارة واهتداء إلى عقاب واستغناء.

من هذا المنطلق يفيد مفهوم السياسة عند بن خلدون فن الحكم وأما المفهوم القديم Polisفيعني تدبير المدن ومفهوم مدني بعيد كل البعد عن مفهوم سياسي وقريب من مفهوم اجتماعي.

من المعلوم أن ابن خلدون هبط من السماء إلى الأرض وحاول دحض الفلسفة السياسية المثالية وينتج خطاب علمي حول مجال السياسة سمي عند البعض علم السياسة وعند ابن خلدون نفسه علم العمران البشري وإقصائه للفلسفة الكلاسيكية هو إقصاء للسياسة المعيارية التي تطلب السعادة في الدنيا والآخرة لتجاوز ربط النبوة والسياسة في عيون الحكمة والكتاب العاشر من الشفاء ويحتفظ بالسياسة بالمعنى التوصيفي غير المعياري والذي يمكن أن نسميه الواقعية السياسية إلا باستثناء السياسة النبوية وذلك لانبهار الناس بالنبي.

السياسة المعيارية التوصيفية الخلدونية تتلاءم مع الاستبداد السياسي وذلك لغياب مفهوم الحرية في الفكر السياسي في الفلسفة العربية القائم على باراديغم الخضوع والطاعة والشوكة والغلبة والطاعة والعصبية.

لم يقترح ابن خلدون فلسفة سياسية جديدة بل اقترح نظرة واقعية براغماتية تعتمد على علم الفقه والسياسة الاصطلاحية والعرفية التي نقلها عن الفرس والساسانيين والهنود والتي ترجمها ابن المقفع وعبد الحميد الكاتب وتنبه إلى أهمية دراسة قوانين العمران البشري من أجل تفسير ما يحدث من تبدل وتغير في الحياة السياسية.

هكذا كان موقف ابن خلدون من الفلسفة حازما ومستبصرا يرفض الميتافيزيقا من أجل بناء العلم والفلسفة الطبيعية التجريبية ولذلك لم ينقد حكماء الإغريق ولم يبطل تعاليمهم بل عظمهم ومجدهم ولكنه حمل بشدة على الفلاسفة العرب واعتبرهم من أصحاب الأقاويل المغشوشة المقصرين عن فهم الحكمة والشريعة والطبيعة والمجتمع.

ننتهي إلى القول بأن ثراء تجربة ابن خلدون السياسية تعود إلى تأليفه بين هذه المصادر الثلاثة والتي أدت به إلى استنتاج غياب الخصومة بين العلم والدين.

في الواقع يمكن مناقشة هذه المداخلة بالتأكيد أن تعريف الإنسان على أنه كائن اجتماعي هو تعريف لا ينتقل من الحد الأول: الإنسان مدني بالطبع إلى الحد الثاني: الإنسان حيوان سياسي بل يؤلف بين الحدين مع أي أن الاجتماعية تضم المدنية والسياسة في الآن نفسه ، كما أن المدونة الإغريقية عرفت مصطلح السياسة وأرسطو نفسه عرف الإنسان على أنه حيوان سياسي والمدونة الحديثة ركزت جميع جهودها تقريبا على التمدين والمواطنية .

فالي أي مدى يصح ذلك وهل يمكن اعتبار ابن خلدون هو المؤسس الفعلي لما سيسمى بعد ذلك بالعلمانية؟

شهدت المداخلات الأخرى محاولة تأصيلية مستحدثة من قبل رئيس وحدة البحث الأستاذ مقداد عرفة منسية بعنوان "مزاج الدولة" وتتمثل خطة بحثه في قراءة السياسة عند ابن خلدون على ضوء مفهوم المزاج المأخوذ من سجل طبي طبيعي وقد جاءت ورقته المتأنية كتحدي كلامي مرتكزا على عدة منطقية لنظرية فلسفية سياسية لها قاع طبيعي وتقف فوق أرضية دينية وقد حاول الأستاذ تبرير أطروحته بالاستناد إلى تحليل منطقي للغة ابن خلدون العلمية ساعده في ذلك العمل الذي قامت به الأستاذة سلوى الشطي حول التناسب والعلية والذي أخضعت بعض نصوص المقدمة إلى أسلوب التقليد التحليلي في قراءة النصوص الفلسفية وخاصة ذلك الذي نجده عند كواين وهو ما مكنها من الاستنتاج أن مقدمات ابن خلدون غير معرفة وغير بديهية وليست كلية وأن خطابه غير برهاني وبالتالي غير علمي من الناحية المنطقية أي أن النتائج لا تكون لازمة لزوما ضروريا عن المقدمات وأن بعض المقدمات غير مثبتة بالتجربة وتتناقض أحيانا مع الواقع وبالتالي هناك مقدمات أخرى لنتائج حاصلة وهناك نتائج أخرى لمقدمات حاصلة.

بقيت مداخلة افتتاحية قدمها المغربي الأستاذ عبد العالي العمراني بعنوان: "شكوك ابن خلدون على نظرية العقل للفلاسفة" والتي نذكر أهم ما جاء فيها وهو تأكيده على أهمية التمييز الخلدوني بين العلماء والعلماء الأولياء والأنبياء وكذلك التفطن إلى منزلة الحس الباطني والقوى الواهمة والذاكرة والمتخيلة في ربط نظرية النبوة بنظرية الحكمة المتعالية واللافت للنظر أن الباحث انتهى إلى الإقرار بأن غربلة ابن خلدون للطبيعة والفيزياء هو تجسيد للتحدي الذي رفعه السحرة في وجه الأنبياء وتبرير للتصوف والميتافيزيقا وحركة الارتقاء الفكري التي يقوم بها الحكيم نحو العقل الروحاني.

غير أن الإشكال لا يتعلق بالتمفصل بين المدني والسياسي بقدر ماهو إشكال يطرح ضمن تمفصل أول بين الفرداني والجماعاتي وضمن تمفصل ثاني بين الطبيعي والاصطناعي وتمفصل ثالث بين القوة ( السيف والحرب والغلبة) والحق( القلم والتمدن والشرع).

في البداية هل يصح القول من الناحية المنطقية بأن خطاب ابن خلدون في المقدمة غير برهاني وجدلي؟ ألسنا نحاول الانتقال من إثباتات واقعية إلى أحكام قيمة؟ وأليس الأنسب هو إخضاع النص الخلدوني للتحليل المنطقي الذي عاصره ونقصد المنطق الاسمي الذي حاول تأسيسه ابن تيمية والغزالي؟ وماذا استفاد ابن خلدون في إعادة تعريفه لمفهوم السياسة من العلوم الدينية وخاصة الفقه؟ وهل انتهى به الأمر إلى الفصل بين الملك والخلافة أم إلى التمييز الوظيفي بينهما بحيث يكون الملك للدنيا والخلافة للآخرة؟ هل برر ابن خلدون واقع الخضوع والهرمية الاجتماعية وكان فكره السياسي مشرعنا للاستبداد وهل خلت المقدمة من أية إشارة إلى فكرة الحرية والديمقراطية كما بين رزونتال؟ هل السبب هو استلاف العدة التنظيمية القانونية من الفقه؟ وهل كل فقه سياسي وكل سياسة فقهية هي مانعة لقيام الديمقراطية؟ وهل يساعد علم الفقه السياسة على أن تكون علما واقعيا ذرائعيا أم أنه يجعله في تبعية ووصاية دائمة للاهوت؟ أليس ما يوجد في الفصل الخاص بعلم الفقه في المقدمة بذورا تنويرية نقدية للمدونة الفقهية القديمة ودعوة إلى بناء علم أصول فقه جديد يكون خير سند لعلم السياسة بالمعنى الواقعي والبراغماتي؟

ألم يكتف بنقل مفهوم التدبير الإلهي للكون الذي ذكره ابن باجة إلى تدبير الإنسان للشأن الدنيوي ؟ لماذا ختم ابن خلدون فصله الشهير حول إبطال الفلسفة وفساد منتحلها بتأكيده على ضرورة التسلح بالعلوم النقلية من أجل حسن الاستفادة من العلوم العقلية لما صرح بما يلي: " هذه هي ثمرة هذه الصناعة مع الاطلاع على مذاهب أهل العلم وآرائهم ومضارها ما علمت. فليكن الناظر فيها متحرزا جهده من معاطبها وليكن نظر من ينظر فيها بعد الامتلاء من الشرعيات والاطلاع على التفسير والفقه. ولا يكبن أحد عليها وهو خلو من علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها."؟

ماذا نفعل لابن خلدون ومقدمته؟ هل نكتب لها مقدمة جديدة أم نكتب خاتمتها ونحفر قبر أهم نص عربي سجل اسمه من ذهب في رواق الفكر العالمي؟ وهل نفكك قلاع الاستبداد السياسي والديني ونقتلع جذور الخضوع ونشيد قصر الحرية بمجرد مغادرتنا لابن خلدون وطي مقاله غير البرهاني؟ أليس الأحق هو أن نبطل إبطال ابن خلدون للفلسفة و نصلح ما أفسده منتحلوها ؟ ما حاجتنا إلى تصور ابن خلدون للسياسة الاستخلافية؟ هل يعني ذلك أن السياسة لا يقع تصحيحها إلا بالواقع وأن الحكمة لا يتم تسديدها سوى بالشريعة وأن العقل لا يتقوم إلا بالعودة إلى عالم التجربة وأن الإنسانية لا يحسن معادها إلا متى دبرت معاشها؟

ملاحظة:

ما دونته هو ما استطعت أن أنقله من المداخلات وربما فاتتني بعض الأفكار لثراء الأوراق المقدمة وجدة المقاربات التي أنجزت لذلك أطلب المعذرة من الأصدقاء الأساتذة الأجلاء إن سهوت عن جوانب من تحليلاتهم واستخلاصاتهم ويمكنهم تسديدي تغطيتي والرد على مناقشتي.

كاتب فلسفي



#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمل بين مطلب النجاعة ومبدأ العدالة
- في الحقيقة والدين والايمان
- طلوع الفكر من المنجم هو مثل طلوع الفطر من الأرض
- الخطابة الجديدة: الإقناع بدل المغالطة
- كيف يكون المرء حرا؟
- درء التعارض بين الكونية والخصوصية
- هل الأخلاق مشكلة معطلة أم تربية مهذبة؟
- أسباب الصدام بين الثقافات حسب صموئيل هنتغنتون
- التفكير في الإسلام من زاوية العلمنة
- هل من ضرورة للتواصل اليوم؟
- القلعة الغزاوية في مواجهة آلة الحرب الهمجية
- الانتفاضة الثالثة قد تبدأ من غزة
- ما معنى أن تكون كاتبا فلسفيا؟
- هل أحيلت منظومة حقوق الإنسان التقاعد في عيد ميلادها الستين؟
- أية علاقة بين الاسلام والأفكار التقدمية؟
- متى تخرج غزة من الكماشة؟
- في اليوم العالمي للفلسفة يظل العرب زاهدين عن التفلسف
- اتيقا الاحساس بالغير
- حال فلسطين بعد أربعة سنوات من رحيل عرفات
- جدوى التسامح في وضع غير متسامح


المزيد.....




- الطلاب الأمريكيون.. مع فلسطين ضد إسرائيل
- لماذا اتشحت مدينة أثينا اليونانية باللون البرتقالي؟
- مسؤول في وزارة الدفاع الإسرائيلية: الجيش الإسرائيلي ينتظر ال ...
- في أول ضربات من نوعها ضد القوات الروسية أوكرانيا تستخدم صوار ...
- الجامعة العربية تعقد اجتماعًا طارئًا بشأن غزة
- وفد من جامعة روسية يزور الجزائر لتعزيز التعاون بين الجامعات ...
- لحظة قنص ضابط إسرائيلي شمال غزة (فيديو)
- البيت الأبيض: نعول على أن تكفي الموارد المخصصة لمساعدة أوكرا ...
- المرصد الأورومتوسطي يطالب بتحرك دولي عاجل بعد كشفه تفاصيل -م ...
- تأكيد إدانة رئيس وزراء فرنسا الأسبق فرانسو فيون بقضية الوظائ ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - زهير الخويلدي - أوراق حول منزلة الفلسفة عند ابن خلدون