أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مثنى حميد مجيد - عن قدم الصابئية المندائية وإنحيازها التاريخي لقضية الإنسان















المزيد.....


عن قدم الصابئية المندائية وإنحيازها التاريخي لقضية الإنسان


مثنى حميد مجيد

الحوار المتمدن-العدد: 2613 - 2009 / 4 / 11 - 09:55
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


تثير مسألة أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية جدالا واسعآ ومشوقآ ، شرقآ وغربآ ، قديمآ وحديثآ ، لكأن هذه المسألة بما أثير ويثار ويبتكر ويستحدث فيها وعبرها من نظريات وإجتهادات واراء قد غدت نفسها مسألة معرفية قائمة بذاتها وهو ما يستدعي التساؤل إن كان الخوض في تاريخ الصابئة هو ذاته عملية عرفانية فاعلة ونشاط إستقطابي يستبطن الجدل ويستحثه عفويآ في تاريخ المعرفة الكونية.نحن إزاء ديانة يتفق أهل البحث والعلم على قدم جذورها ويعتقد أهلها بادم عليه السلام نبيآ لهم ومعلمآ لإصولها وشعائرها وهي ديانة تكاد تمتلك في جوهرها ولبها ولبابها كل بذور وجينات المذاهب الروحانية للبشرية على إمتداد حقب التاريخ الأمر يوفر للدارس المنقب من خلالها مجالآ علميآ وبحثيآ فريدآ يمكنه من رؤية شاملة وإطلالة واسعة على كل الخارطة الروحانية للبشرية.

وليس من قبيل المبالغة القول أن الديانة الصابئية المندائية تعود في أصولها القديمة وجذورها ونشأتها الأولى إلى عصور سابقة للحقبة السومرية، وثمة أدلة أولية في المكتشفات الأثرية وفي الطقوس والتراث المندائي تدل وتؤكد ذلك كتوفر التشكيلة الطقوسية والشعائرية للديانة على مبدأ الخصب القديم الذي كان سائدآ ونافذآ في البنية الفكرية والعقائدية لفترة سيادة مشاعية الأرض وتنظيم الري في وادي الرافدين والذي يعبر في المحصلة عن التعاشق والوحدة العضوية بين جهد الإنسان وطاقة عمله مع شروط حياته الإجتماعية والنفسية من جهة ومع وسائل الإنتاج وقوى الطبيعة التي يحاول إخضاعها من جهة أخرى ، إضافة إلى طابع المشاركة والروح الجماعية لمراسيم الأعياد الصابئية وطقس طعام الوفاني الجماعي خصوصآ والذي يوحد أفقيآ وزمنيآ الماضي بالحاضر وعموديآ وروحانيآ النفوس المقيمة في عالم المادة بتلك المقيمة في عالم الأثير ،إضافة إلى سمة تقديس العمل وعناصر الطبيعة التي تسم التراتيل والصلوات المندائية المتناقلة حفظآ قبل زمن تدوينها . ويحرم الشرع المندائي أي إباحة أو تحليل لتقديم أنثى الحيوان كطعام طقسي ويتواجد العنصر الإنثوي كمكافيء للعنصر الذكري في كافة التدرجات الهرمية لبانثيون الملائكة والأثري بل أن الإسم الأول الدال على الذات الإلهية ـ اد هيي ـ يحمل دلالتين فمن الممكن ترجمته إلى العربية بدلالة الذكر ـ الحي ـ أو بدلالة الأنثى ـ الحياة ـ والمندائية بهذا التفسير الضمني الكامن في بنية الكلمة تحل إشكالية لاهوتية طالما تطرح في حقل الفلسفة.وتستخدم الكتب المندائية بتواصل صيغتي المذكر والمؤنث وبشكل يستعصي على التفريق في وصف الذات الإلهية بكلمتين أساسيتين هما نهورا، نور، المؤنثة وكلمة زيوا ، ضوء ، المذكرة ـ زيوا دكيا ونهورا ربا اد لا باطل ـ الضوء الزكي النور العظيم الخالد ـ أو ـ .نهور نهورا وتقنا زيوا لكلهن الميا ـ نور ساطع وضوء تقن لكل العوالم ـ ومئات التعابيرالمشابهة.مقدمة الكنزاربا

هذه النظرة الكلية التي تكافيء الذكورة بالإنوثة ،الموجب بالسالب، رموز الوعي برموز اللاوعي، لا تشمل النصوص المندائية فحسب بل تتغلغل في كل التفاصيل الدقيقة للطقوس والشعائر الصابئية التي هي كما تستنتج الليدي دراور أكثر قدمآ وتوغلآ في التاريخ منها وأكثر أهمية للباحث في معرفة وفهم الديانة وأصولها وجذورها وكل ذلك يؤشر إنتساب الديانة إلى زمن قوة العنصر الأنثوي الذي يتفق علماء الإنثروبولوجيا والتاريخ على مرور البشرية به*.ومازال الصابئة يستخدمون الأواني الفخارية في شعائر الزواج والأواني الطينية، الطرايين ، ويقوم رجل الدين بطلي سقيفة المندي بالطين ودفن جزء من لحم الحمامة الطقسية في جدارها الداخلي في مراسيم تكريز المندي.لقد تم العثور أيضآ تحت دفة معبد سومري في أريدو على حلقة طينية شبيهة بالسكيندولة طبعت عليها أربعة حيوانات يؤكد المختصون أنها تشير إلى العناصر الأربعة ذكرتها في مقالة منشورة في موقع الحوار المتمدن قبل سنوات مكرسة لدراسة الجذور الإجتماعية والإقتصادية لطقس التعميد الصابئي في أريدو بإمكان القاريء الكريم العودة إليها. وعمومآ يجد بعض الباحثين والمختصين في التاريخ القديم ومنهم الدكتور خزعل الماجدي من أوجه التشابه العديدة بين ديانة الصابئة المندائية والديانة السومرية ما يجعلهم يعيدونها في جذورها إلى أصول سومرية.ونحن كصابئة مندائيين ، نؤمن بالمعرفة والبحث العلمي ، ينبغي أن لا نتطير من أي جهد أكاديمي لمختص في تناول ديانتنا بل علينا أن نحترم إن لم نبارك تلك الجهود .إن مجرد مقارنة المندائية بالديانة السومرية هو دليل على قدم ديانتنا.إننا نقول للعالم إننا أبناء ادم عليه السلام ونفتخر أننا ورثة الصحف المقدسة التي تنزلت عليه لكن هذا الكلام من الناحية العلمية الصرفة هو مجرد ـ أسطورة ـ تحتاج إلى تفسير عقلاني وبراهين علمية وشواهد اثارية لدعمها وتبريرها ومع ذلك فبعضنا حين يجد باحثآ مختصآ يحاول وبجهد علمي مشكور أن يقارن بين الطقوس المندائية والسومرية ينتقده ويغبن حقه في إبداء رأيه ويتهمه بإنتقاص ديانتنا.ومع كل التقدير للدكتور خزعل الماجدي وبحوثه العلمية التي تحاول الربط بين ما هو مندائي وسومري أود القول أن هذا التوجه كان سائدآ في الوسط الثقافي المندائي منذ الثمانينات.أتذكر أني في عام 1988طرحت أمام العلامة المرحوم نعيم بدوي هذا السؤال مستفسرآ فقلت ـ يذكر الدكتور مهدي المخزومي في هامش لمقالة له منشورة في مجلة التراث الشعبي إن سبب إختفاء حرف الحاء في اللغة المندائية قد يعود إلى إختلاطهم بالفرس ، لماذا لا نعزي هذا الإختفاء إلى إختلاطهم بالسومريين أو إن أصولهم فعلآ هي أصول سومرية أو غير سامية فهذا الإفتراض ينسجم ويتفق مع طقوسنا القديمة وتراثنا وأساطيرنا ـ لقد نال إستفساري إهتمام العلامة نعيم فأجابني وبإسلوبه المعرفي الذي لا يقبل إلا بالجدل المنطقي إن تساؤلي وجيه ومعقول ويستحق البحث والتقصي.لم ألتقي بعد ذلك بالعلامة المرحوم نعيم بدوي إلا أن سؤالي ظل يشغله إذ ذكر لي صديق زاره بعد ذلك بسنوات عديدة ـ ما زال العلامة أبو رياض يتذكر إستفسارك منه ويقول إنه لم ينسى السؤال الذي وجهته له ـ.

المفترض والمطلوب من المثقف المندائي أن لا يتهيب من دخول ميدان البحث العلمي فهذا ما تطالبه به تعاليم ديانته العريقة التي تؤمن بالعلم.يؤكد الدكتور بيتر نوفاك، المختص الإستشاري في الطب النفسي والباحث العلمي في أصول الأديان ،أن المندائية هي من الأديان القليلة جدآ والأقدم التي تؤكد اخر ما توصلت له نتائج البحث العلمي والإكتشافات في علم تشريح الدماغ والطب النفسي.وقد سبق أن أشرت إلى أهمية بحوث الدكتور نوفاك بالنسبة إلى المختصين والمثقفين المندائيين**.وبالتأكيد ليس الدكتور نوفاك هو المهتم الوحيد في العالم المسيحي بالمندائية إذ إن هناك أجيالآ من المستشرقين والإختصاصيين ممن أسدى خدمات جليلة للتراث المندائي تقف على القمة من هرمهم طيبة الذكر الليدي دراور التي تحولت في المنظور المندائي من باحثة أنثروبولوجية إلى ما يشبه الشخصية الروحانية الملهمة ضمن التاريخ المندائي الحديث لجلالة قدرها لدى الجيل الحالي من المندائيين الذي إعتمد وأفاد كثيرآ من دراساتها وبحوثها وترجماتها للنصوص المندائية إلى الإنكليزية.ومنهم من إستلهم وإعتمد فيما إعتمد من التراث المعرفي الشرقي على المندائية كعالم النفس السويسري المعروف كارل يونغ 1875-1961في صياغة نظريته عن اللاوعي واللاوعي الجماعي فأحدث إنقلابآ في علم النفس الذي كانت مدرسة فرويد تؤكده في قطبية واحدة هي قطبية الوعي.ومثله الفيلسوف الألماني الغنوصي هانس جوناس 1903-1993الذي درس وإعتمد بشكل مباشر على التراث المندائي في إستنتاجاته الفكرية والسايكولوجية.أما على المستوى العربي فقد ظهر أيضآ ومنذ الثمانينات إتجاه جديد في الدراسات المندائية أسست له الباحثة المعروفة ناجية المراني يحاول إستكشاف ما هو مشترك ومتقارب من مفاهيم ومفردات بين الصابئية والإسلام والتراث العربي عامة وقد ساعد في ريادة الباحثة المراني لهذا الإتجاه معارفها الواسعة في العربية والمندائية واللغات الأخرى والأدب المقارن والشعر وعلوم البلاغة والتاريخ وهو ما لم يكن متيسرآ بشكل كاف للمستشرقين الغربيين.

وكل تلك الدراسات والبحوث ووجهات النظر المنقبة في أصول الصابئة المندائية وما يربطهم من وشائج ومفردات طقسية ولاهوتية مع الأديان الأخرى والمذاهب المختلفة صغيرها وكبيرها إنما هو دليل على غنى الفكر المندائي وأصالة الديانة وقدمها وهو أمر طبيعي في مذهب يعطي للمعرفة منزلة سامية ويعظمها كطريق للوصول إلى الحق.لقد إستطاع الفكر المندائي قديمآ أن يشق الطريق ليصل إلى البوذية شرقآ ويؤثر عميقآ بجوهرها فأكتسبت من المانوية ، التي إنتحلت من المندائية العديد من مفاهيمها ونصوصها ومفرداتها ، طقوس الماء والنور ،وما التاو إلا المقابل الإشتقاقي الوارد في الكنزا ربا عن أسبقية النور على النار ،والهدوء على الغضب، وهو أيضآ المفردة البوذية المقابلة لمفهوم الإتحاد أو اللوفا بين النفس وشبيهها السماوي الدموثا.والكارما أيضآ ما هي إلا الرمز الهندوسي للتواصل الروحاني والإتحاد أو اللوفا بين النفس والروح.لكن تأثير المندائية بالهندوسية يعود إلى زمن أكثر قدمآ أي إلى الحقبة السنسكريتية التي جاورت فيها المندائية الديانة البارسية القديمة والتي إنتقلت جنوبآ إلى الهند لتشكل الأساس الذي قامت عليه الهندوسية.لقد ترك الفكر المندائي على مر عصور التاريخ بصماته العميقة في المذاهب العالمية الأخرى فكان مثله كمثل الشمعة التي تحترق لتنير الظلمات. إن عظمة أي فكر أو مذهب لا يتم التعبير عنها بعدد الذين ينتمون إليه إذ يكفي أن يتبنى ملك أو حاكم مذهبآ ما لينشره بالقوة على شعبه أو الشعوب الأخرى أما الفكر الصابئي المندائي فلم يؤثر هذا التأثير العميق شرقآ وغربآ في المذاهب الروحانية والمدارس الفكرية إلا بغنى محتواه الداخلي وجدلية ميكانزم علاقته بالمحيط الإجتماعي وإلتزام رواده الأوائل وإنحيازهم الفطري إلى ماهو إنساني في الصراع الإجتماعي بين ما هو حق وباطل أو خير وشر ،وظل دائمآ بمنأى عن الحكام ولم يخضع نفسه لإغراءات بلاطاتهم ودواوينهم لجني ثمار مجد زائف، وإنتشار واسع، وهيمنة شكلانية فارغة من المحتوى الإنساني الحقيقي***.وبناء على ذلك ، يجدر بأبناء هذا الجيل من المندائيين الذي يشهد عصر التكنولوجيا والثورة التقدمية الهائلة في العلوم والإتصالات وكافة حقول المعرفة أن يعود وبمزيد من الثقة والإصرار إلى تلك التقاليد المعرفية لأولئك الرواد الأوائل من الأجداد التي إستطاعوا بها أن يؤثروا بعمق في تاريخ الفكر الإنساني وأول ما ينبغي فعله في هذا المجال هوالبحث عنهم وعن تراثهم وأسمائهم وبصماتهم التي تركوها على مدى التاريخ في المذاهب الأخرى خاصة وأنهم في الغالب ،ولأسباب القمع والتنكيل والإضطهاد، كانوا ممن يفضلون إتباع ما يمكن تسميته بإسلوب التأثير والفعل عن بعد، ولتواضعهم وكرمهم وإيمانهم بالقوة الذاتية الفاعلة والكامنة في العلم.ولكي أكون أكثر وضوحآ سأعطي مثلآ بسيطآ واحدآ فقط عن المساهمة الصابئية المعروفة في رسائل إخوان الصفا ونشاط هذه الحركة فهذا الحقل الهام مازال ينتظر البحث العلمي من قبل المختصين في الفكر الإنساني عامة والفكر الصابئي المندائي خاصة****.

ورغم أن الشخصية المندائية تتميز ببساطتها وإنفتاحها على الاخر المختلف وفطرتها اللاواعية المتبصرة والمتوارثة جمعيآ في توخيها للحقيقة نجد اليوم ،وبفعل عوامل الإحتكاك بالوسط الإجتماعي والهجرة والشتات وتفشي الإتجاهات الأصولية في محيط التجمعات الدينية الكبرى، نجد وبشكل محدود إنعكاسآ لأفكار الأصولية والتعصب والنظرة الفوقية الوعظية والعشائرية وإدعاء حيازة المعرفة وإحتكار الحقيقة المطلقة تطفح خلال بعض النقاشات والمداخلات المندائية مما يتطلب توجيه النقد الصريح لهذه الطفحات غير المقبولة والغريبة عن الشخصية المندائية المتسامحة والمحبة للمعرفة والمنفتحة على العالم.

وتتميز الشخصية المندائية أيضآ بديمقراطيتها وعشقها للجدل والحوار ورفضها العفوي والفطري لأي صنف من صنوف الهيمنة الفكرية والأبوية وهذا يتطلب تفهمآ وبذلآ لجهود كبيرة من قبل قادة الطائفة لإدارة دفة أي حوار فالمندائي لا يسيره النمط الفوقي في إدارة الجمع بإسلوب الأوامر والفتيا الملزمة لأنه حر وذكي ومخول تاريخيآ بلاوعيه الجمعي في الإدارة الذاتية لنفسه أو عائلته أو طائفته حتى لو كانت معارفه الدينية قليلة وشحيحة فالناصيروثا أو الضمير المندائي قد يكون حيآ منيرآ لدى مندائي بسيط المعارف أكثر مما هو لدى مندائي اخر واسع المعرفة.إن هذا يتطلب من المثقف المندائي أن يتجرد تمامآ ويتواضع وينفتح على الاخر فقد يفصح إنسان بسيط عن فكرة عظيمة أو رائعة في مجرى الحوار لا تخطر في بال حكيم متبحر في المعرفة الدينية أو الدنيوية. من جانب اخر يجب وضع حد لأي مظهر من مظاهر الغيبة والتجريح الشخصي ومواجهة النقد الصريح بالرد الصريح وتسمية الأمور بمسمياتها بعيدآ عن توجيه الطعون الشخصية على حساب المباديء والأفكار الصحيحة وبغض النظر عن الوضع الطبقي للفرد ومقدار ما يملكه من مال ونفوذ ومصالح .

من جانب اخر ترك النظام الصدامي الفاشي جروحآ عميقة في الجسد المندائي الغض من خلال بعض من خدم بوضاعة أجهزة هذا النظام عابثآ ومستهينآ بمقدرات الطائفة وقيمها السامية وفكرها المنحاز دائمآ وتاريخيآ إلى قضية الإنسان وكرامته.وبدلآ من أن يصلح هؤلاء النفر من أمرهم ويراجعوا بتجرد وإخلاص تاريخهم الملوث ويعلنوا بجرأة وصدق عن إعتذارهم للشعب العراقي وللطائفة وأبنائها وبناتها الذين ضحوا بحياتهم وأسرهم ومصالحهم في موقفهم المشرف والمبدئي من الدكتاتورية والمنحاز دائمآ وأبدآ للشعب المظلوم ،بدلآ من ذلك ،نجد العديد منهم يكابر مصرآ على أخطائه وذنوبه.ومما يثير السخرية أن البعض من هؤلاء من خريجي المدرسة الفاشية أو الذين ذلوا أنفسهم في خدمتها يدعون الورع والتدين والحرص على الدين وقيمه ناسين أن المندائية لها القدرة التاريخية والمناعة الذاتية لطرح جراثيمهم التي إكتسبوها من معاشرتهم لأبناء الظلام.أحد هؤلاء وإسمه المستعار ادم سامي يكاتبني ومنذ خمسة سنوات ناقلآ إلى بريدي الإلكتروني جراثيمه البعثية الظلامية بشكل يثير الرثاء والألم وقد ناشدته مرارآ أن يظهر إلى النور والهواء الطلق ومازلت أناشده وأناشد من يعرفه أو يقف وراءه أن يخرجوا إلى النور ويتعمدوا به ويعودوا إلى مندادهيي، إلى دينهم الحقيقي ،إلى ضميرهم المندائي، إلى الأخوة الصادقة الرحبة، إلى الكرمة الخضراء الشامخة والمثمرة فمثل هذا الإصرار على العيش في الظلام ومعاشرة الأشرار من شراذم خدم الفاشية ليس فقط غير لائق بالمندائي بل هو الطريق المؤدي إلى الهلاك الأبدي.

رأس رصانتك أن تدين نفسك ـ
ريش تريصتاك انت دين نفشاك
رأس معرفتك أن لا تهوى الخلط ـ
ريش يادتاك لا تهوا مزيجا
رأس رياستك أن لا ترمي نفسك في القلاقل ـ
ريش بريشيتاك لاترميا نفشاك بقلالا
رأس قوانينك أن تقنن نفسك وتتقبل كلمات الحكمة ـ
ريش كنتاك كنن نفشاك وقبل منيليا اد هكيما
رأس إحساسك أن تتحسس للنفوس العانية المضطهدة ـ
ريش هياستاك هوس لنشماثا اد انيا ومردفا.الكنزا ربا
..........................................................................
*
في اللحظات الأخيرة للوفاة الطقسية الكاملة يتم عقد طرفي قميص الرستا ـ الملابس الدينية ـ حول رقبة المتوفي كرمز لوحدة الذكورة الممثلة بحبة الذهب في الطرف اليمين بالإنوثة الممثلة بحبة الفضة في الطرف اليسار.وفي نفس اللحظات تتم عملية مشابهة أخرى في طريقة عقد الهميانة وهي سوار صوفي يلف حول وسط المتوفي تحت سرة البطن بحيث يركن طرف العروة ـ أروه ـ بعد عقدها إلى الأسفل من الجهة اليمنى للمتوفي أما الطرف الاخر غير المنسوج من الهميانة التي تتكون من ستين خيط وخيط إضافي تنسج به فيركن إلى الأسفل من الجهة اليسرى له.يرى الدكتور نوفاك إن أحدث الإكتشافات ذات العلاقة بنشاط وميكانزم الدماغ تؤكد أن الفص الأيمن من الدماغ الذي يسيطر على فعاليات الجانب الأيسر من الجسم يمتلك الصفات والميزات الإنثوية السالبة للاوعي كمركز ومخزن للذاكرة والمشاعر والإنفعالات والقدرات المتعلقة بالفن والشعر والتذوق والتلقي في حين يمتلك الفص الأيسر من الدماغ الذي يتحكم بالجانب الأيمن من الجسم صفات وميزات ذكورية موجبة مشابهة لتلك التي تميز الوعي فهو مركز للتفكير والعمليات الحسابية واللغوية ذات الطبيعة التركيبية والبنائية الفاعلة والمنفدة والمخططة. ويرى الدكتور نوفاك إستنادآ إلى مسوح إحصائية وميدانية لتجارب الإقتراب من الموت في العمليات الجراحية والحوادث الخطرة وحالات الموت السريري إضافة إلى الخبرات المستحصلة عن تحليل كم من الرؤى والتهيؤات والقدرات الباراسايكولوجية والأساطير على مر التاريخ ومن مختلف الأديان والمذاهب يرى أن اللاوعي والوعي يمران بعد الموت في عملية إختبار لمدى قدرتهما الذاتية على الإتحاد وهو ما يطلق عليه مندائيآ باللوفا حيث يستيقظ اللاوعي مدخلآ الإنسان عند إتحاده بالوعي في حالة من النعيم وعند إنفصامة عنه فإنه وبإستعادته للذاكرة الكلية يدخل صاحبه فيما إعتادت الأديان أن تسميه بالجحيم أو العذاب أما الوعي الذي يفقد ذاكرته فيعود ثانية إلى الحياة المادية ليدخل إختبارآ جديدآ.مع ذلك يرى بعض العلماء إن حالة الشعور بالخروج من الجسد والسرور الذي يرافقها لدى بعض الأشخاص ممن تعرضوا لتجارب الإقتراب من الموت هو ضرب من الوهم.أدعو القاري المهتم العودة إلى ترجمتي لتجربة إقتراب كارل يونغ من الموت المنشورة في موقع الحوار المتمدن إذ تتميز بصدقها وشفافيتها ودقة تصويرها من قبل عالم نفس قدير وغنوصي كيونغ.

**
ما يؤاخذ على نظرية الدكتور نوفاك عدم تمييزة بين العقل ـ مانا ـ والروح ـ نشمثا وهو ما تميزه النظرية المندائية. ونستغرب حين نجد أن الفص الأيسر من الدماغ يمتلك في نشاطه مواصفات العقل ـ مانا ـ في حين يمتلك الفص الأيمن مواصفات الروها أو النفس بإستخدام الكلمة العربية ، تمامآ كما يستغرب عالم اللغة حين يجد أن كلمة نفشا المندائية تقوم مقام كلمة روح في العربية وكل اللغات السامية الأخرى في حين تقوم كلمة روها المندائية مقام كلمة نفس أو نفشا في العربية وباقي اللغات السامية.
إن كلمة نفشا المندائية تبدو بنية مغتربة عن معناها الروحاني الذي تحمله تمامآ كما يبدو الفص الأيسر من الدماغ الحامل لمواصفات العقل الواعي الموجبة ـ مانا ـ مغتربآ عن مكانه في الجانب الأيسر من الرأس ونفس الأمر بالنسبة لكلمة روها .إن الإشكالية اللغوية تبدو مشابهة لل ـ إشكالية ـ البايلوجية بشكل مثير.ومع ذلك نجد إنسجامآ وتكاملآ في النظرية المندائية فيما يخص الدلالة الجنسية للكلمة ومحتواها فكلمة مانا تدل على المذكر في حين تدل كلمة روها على المؤنث. وكلمة نشمثا ـ نسمة الحياة ـ المؤنثة أكثر دلالة روحانيه من الإثنين معآ رغم إن هناك من لا يفرق بينها وبين مانا المذكرة ويضع الكلمتين على مستوى واحد.
إن المانا هي التعبير اللغوي لقوة الوعي أما الروها فهي التعبير اللغوي لقوة اللاوعي. والنفشا ذات المحمول الأثيري هي التعبير اللغوي للنفس الإنسانية عند إتحاد قطبيها في حين أن النشمثا هي قبس أكثر شفافية وقدسية لا يمكن معرفته بل الإستدلال عليه ضمنيآ فهي القوة أو الطاقة النورانية التي تتحكم بهذا الإتحاد الأفقي والعمودي الثنائي بين الروها والمانا من جهة وبين النفس وشبيهها ـ دموثا ـ من جهة أخرى.

***
عن المضمون الطبقي والإنساني المنحاز للفقراء والذي تحفل به نصوص الكنزا ربا وكتاب تعاليم يحيى ـ دراشة اد يهيا ـ يمكن مراجعة مؤلف الأستاذ عزيز سباهي ـ أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية ـ وخاصة دراسته التحليلية والتفصيلية ، الفصل الرابع ، عن الشخصية التاريخية للنبي يحيى بن زكريا ـ تمجد إسمه ـ وقيادته لإنتفاضة الفئات الفقيرة والمعدمة المناهضة لسلطة الكهنوت اليهودي في وادي الأردن .إن مساهمة أبناء وبنات الصابئة في الحركة الوطنية العراقية وتوجههم إلى الفكر التقدمي اليساري في القرن العشرين لم يكن تفريجآ لمشاعرهم القهرية كونهم ينتمون إلى فئة دينية صغيرة كما يحاول كتاب اليمين تفسير أسبابه فالمجتمع العراقي عموما لم يكن مجتمعآ متميزآ بالطائفية وبذور الطائفية نشرها الإنكليز لتنتعش خلال الحقبة الفاشية الصدامية ومن ثم لتعطي ثمارها السامة والمهلكة مع الإحتلال الأمريكي .إن الأسباب العميقة لذلك التوجه تكمن في الطابع الإنساني الموروث لديانتهم وإنحيازها في الجوهر لمفاهيم العدالة والعلم والتقدم ومناهضتها للإستغلال
والجهل والغبن .

****
كان إخوان الصفاء يستقبلون الشمال في حلقات قراءاتهم وتراتيلهم على عادة الصابئة ومن المحتمل أن الغموض الخاص الذي أحاط بالرسالة الجامعة كان مقصودآ منهم فعدد رسائلهم كما ذكروا في مقدمتهم لها هو 51 رسالة ورسالة أخرى جامعة ربما هي بمثابة المعادل الروحاني والرمزي للخيط السري الذي يوحد وتنسج به خيوط الهميانة المندائية الستين مع إفتراض كون الهميانة المندائية ، الإيمانية ، التعبير الطقسي المقابل لمفهوم العروة الوثقى الإسلامي. والعدد 60 ، وهو مساو للرقم 6 إذ لا يعتد بالصفر في الحسابات الفلكية ، هو حاصل جمع الرقمين 1 + 5 . فهل تعمد إخوان الصفا أن تكون رسالتهم الجامعة إستنتاجية مستقبلية أي متروكة لمدى معرفية وملكة استلهام المريد والمؤمن بمدرستهم الفكرية في زمنهم أو الأزمنة التي تلي وهي بذلك مشروع مؤجل وإفتراضي ومفتوح على المستقبل والتطور المعرفي وهو أمر مرجح كون الرسالة الجامعة الحالية التي تنسب لهم ذات طابع تلخيصي مبسط ومكتوبة في غير زمن ظهورهم في القرن الرابع الهجري ولا ترقى للمواصفات العالية التي خصوها بها . أم ترى إنها ، الرسالة الجامعة ، وبشكل ما مبثوثة وموزعة ضمن الرسائل ،وهل أريد بهذه الرسائل أن تكون بمثابة الهادي أو العروة الوثقى للمؤمن وفق مباديء وأسس مدرستهم ذات المنحى الباطني.علمآ بأن المنظومة الطقسية الصابئية تقوم بشكل تفصيلي وشامل على النظام الستيني للأعداد وهو ذات النظام الذي تقوم عليه المنظومة البنيوية والفكرية والرمزية لرسائل إخوان الصفا وبشكل تفصيلي وشامل أيضآ.

...............................................................
مصادر
......
مفاهيم صابئية مندائية.ناجية المراني.بغداد.1981.
الصابئة المندائيون .دراور ، ترجمة نعيم بدوي وغضبان رومي ، بغداد 1969.
رسائل إخوان الصفاء وخلان الوفاء ، دار صادر، بيروت.
أصول الصابئة ومعتقداتهم الدينية .عزيز سباهي ،المدى، الطبعة الثالثة 2003.
The Cananoical Prayerbook of the Mandaeans.Translated with notes by E.S.Drower.Leiden.E.J.Brill.1959.
Peter Novak´s Website
MandaeanWorldResearch



#مثنى_حميد_مجيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البعث الفارسي والبعث العربي كقط بسبعة أرواح
- رسالة حب إلى خالتي خيرية دبش في يوم المرأة العالمي
- حديث روحاني مع بعثي متصوف
- نبع يحيى بن زكريا ...الشاعر المبدع عماد عبد الرحيم الماجدي
- قراءة في مذكرات الشيخ حسن البنا ، التنظيم المثلي كبديل قمعي ...
- الديالكتيك في العملية التعليمية إلى طلبتي وطالباتي وزملائي ...
- نداء إنتخابي إلى أصحاب البسطيات ومن رسمتهم في الباب الشرقي و ...
- إنتخبوا الشيوعيين ، وأكرموا عماتكم النخيل ياأهلي
- غوانتنامو في السعودية لعراقيين أبرياء لا تعلم به البشرية
- نداء - كي لا تتحول المرجعية الدينية السيستانية إلى بؤرة للدك ...
- شجرة مثمرة بالعطاء والعلم إسمها فؤاد النمري
- المطلوب من المرجعية الدينية أن تلقم الدجال جلال الدين الصغير ...
- خطاب إلى ماركسي عروبي عن لينين ونجمة داوود
- إسماعيل هنية ، ثور حنيش وبقرتنا الطيبة الخيرة المعطاء
- الفرق بين سلفادور الليندي واسماعيل هنية،من ثمارهم تعرفونهم
- فان كوخ وسعدي يوسف، خارقية العملية الإبداعية
- تعليم الكردية في مدارس العراق واجب وطني ومهمة لها أولوية
- حسن العلوي وصدام ، علاقة المفكر الشقي بالرئيس البلطجي
- لماذا وقفت ضد حذاء منتظر ، رسالة إلى صديق يعاتبني-
- إلغاء قانون رقم 50 وسيناريو الحرب على إيران


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - مثنى حميد مجيد - عن قدم الصابئية المندائية وإنحيازها التاريخي لقضية الإنسان