أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الراديكالية السياسية للغلاة الجدد!















المزيد.....

الراديكالية السياسية للغلاة الجدد!


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2611 - 2009 / 4 / 9 - 11:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن المفارقة الكبرى للغلاة الجدد ترتسم في ظاهرة يمكن تصويرها بعبارة: "ملثم مفضوح الأسرار"! بمعنى محاولة الاختباء وراء غطاء مثقوب، تبرز من خلاله عيون فاقدة للحس الإنساني وقيمة البدائل العقلانية. الأمر الذي يجعل من حقيقة اللثام وما وراءه مجرد غطاء للقتل والجريمة المنظمة. وهي الخاتمة التي تعكس حقيقة المضمون الفعلي لظاهرة الغلاة الجدد.
فالغلو هو خروج غير عقلاني على ابسط مقومات الاعتدال التي تبدعها الثقافة القومية. وبالتالي، فان لكل ثقافة كبرى غلاتها، أي القوى المتناثرة على أطراف إبداعها العقلاني الكبير. وضمن هذا السياق ليس الغلو سوى إحدى الخمائر المعقولة والمقبولة لحد ما حيث كونه ظاهرة مثيرة للحس والعقل والوجدان. مع ما يترتب عليه من اثر بالنسبة لشحذ طاقة العقل النقدي. ومن الممكن رؤية مختلف مظاهر هذه الحقيقة على مثال الإبداع الإنساني الأصيل في مختلف حضارات الأمم التاريخية الكبرى. وليس مصادفة أن تبرز ظاهرة الغلو في مراحل الانحطاط ومراحل الصعود أيضا. ففي الأولى هي تعبير عن احتضار تام، وفي الثانية تعبير عن استثارة حية للبدائل.
وإذا كانت هذه الظاهرة في اغلب مكوناتها ملازمة للماضي، بمعنى ملازمتها للحالة التي جعلت من الممكن ظهور ما يسمى بالحركة الدورية للتاريخ، فإنها لا تحتوي، شأن كل ما هو تاريخي، على صفة الإلزام المنطقي. وبالتالي، فإن المفارقة الجلية القائلة، بأن الذروة الحضارية للأمم عادة ما تتحول إلى مقدمة الانحطاط، تماما كما يصبح الانحطاط مقدمة للارتقاء الحضاري، لم تعد تحتوي بحد ذاتها على إلزام منطقي. أما الإلزام المنطقي الوحيد بوصفه بحثا عن البدائل العقلانية، فيقوم في جعل الحضارة استحضارا دائما أو ديمومة حية لإبداع النسب المثلى في بناء الدولة والمجتمع والثقافة. بمعنى صنع الوحدة الحية للأمة الحديثة بوصفها امة ثقافية متحررة من جميع أصناف البنية التقليدية أيا كان شكلها ومضمونها. وما لم يجري انجاز هذه المهمة التاريخية الكبرى، فإن الغلو يصبح النسق الأكبر للوعي الاجتماعي والممد الأكبر لمجاري الانحطاط المعنوي. وهي الحالة التي مازال العالم العربي يعاني منها منذ صعود الراديكالية السياسية الدنيوية في مجرى النصف الثاني من القرن العشرين. بمعنى هيمنتها شبه التامة على الوعي الاجتماعي، وتحولها إلى الممد الوحيد لانساق الوعي، وبالتالي لمجاري الانحطاط المادي والمعنوي. وليس مصادفة أن "تتفوق" وتسود مختلف الأصوليات المتشددة للغلاة الجدد، أي لمختلف نماذج ما يمكن دعوته بالوهابية الجديدة من حركة طالبان والقاعدة وغيرها بعد سقوط الراديكاليات الدنيوية.
إن تحول الغلاة الجدد إلى "طليعة" الصراع الاجتماعي والسياسي الداخلي للعالم العربي (والعراقي في الحالة المعنية) والخارجي (على الصعيد الإسلامي والعالمي) هو الوجه الآخر أو الاستكمال "المنطقي" للخروج على منطق التطور الطبيعي للدولة الحديثة والأمة الثقافية. بعبارة أخرى، إن صعود الأصوليات المتشددة هو الوجه الآخر (المضاد والمكمل) لزمن الراديكالية السياسية الحزبية.
فالراديكالية السياسية الحزبية لا تصنع تاريخا لأنها محكومة بهاجس العقائد المقدسة من هنا دنسها العقلي والأخلاقي. وليس ذلك معزولا عن كونها نتاجا للذهنية الأصولية المغلقة، التي لا تلمس ولا تسمع ولا ترى ولا تشم إلا ما فيها. وما فيها عقائدها فقط. وليس مصادفة أن تبقى الأحزاب الراديكالية السياسية في خطابها خارج التاريخ. بمعنى تطابق خطابها مع عبارة "الدفاع عن الفقراء والمحرومين" و"النضال من اجل الخبز" في بلدان تمتلك من الثروات التي تجعل من أكل الخبز المفرط "جريمة صحية"! إضافة إلى ما في ذلك من إشارة على سريالية وجودها في مجرى عقود مديدة من الزمن وانعدام قدرتها على تغيير هذه الحالة البائسة في ظل تشدق ممل ويتسم بقدر هائل من الفراغ العقلي عن امتلاك "النظرية العلمية الوحيدة" وما شابه ذلك من ترهات غير مفهومة لحامليها أولا وقبل كل شخص آخر.
وحالما نضع هذه الحالة ضمن سياقها التاريخي والمنطقي، فإنها تشير في أفضل الأحوال إلى إننا نقف أمام جمعيات خيرية. أما من الناحية الفعلية، فإنها تشير إلى أننا نقف أمام أحزاب أعلاف البقر والأغنام وليس أحزاب الطبقات الاجتماعية والأمة القومية. وذلك لأن المهمة الحقيقة للحزب السياسي تقوم في إرساء أسس البنية الاجتماعية المتطورة للدولة الحديثة وحداثة كينونتها المتكاملة في الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والعلم والتكنولوجيا. فعندما يناضل حزب سياسي لمدة قرن من الزمن من اجل إشباع بطون الناس بالخبر فانه يكشف عن بؤسه التاريخي بوصفه سائسا في إسطبلات الزمن الفارغ وليس سياسيا في تاريخ الدولة والأمة. لكنها تبقى مع ذلك من مفارقات التاريخ الواقعي، التي تنعكس فيها حالة الوجود الراديكالي وتقاليده الذهنية الخربة، التي جعلت من العراق بعد ستة عقود من الزمن يراوح في مكانه، ويقف حائرا أمام قضية الدولة والمجتمع والهوية والدستور والثقافة والعلم والإنتاج والمياه والأيتام والعوانس وكثرة القتلة والجهلة!
لقد كانت الحالة المشار إليها أعلاه المقدمة الفعلية لصعود الغلاة الجدد. الأمر الذي جعل ويجعل من جوهر الصراع الحالي والمستقبلي في العراق محتدما بين ممثلي تقاليد الاستبداد والتقليدية من جهة، وقوى الديمقراطية والدولة الشرعية والمجتمع المدني من جهة أخرى. وإذا كانت قوى الاستبداد والتقليد قد تعرضت إلى هزيمة سياسية ساحقة بعد 2003، فان رصيدها الأيديولوجي والاجتماعي مازال يتمتع بقوة نسبية في العراق. كما انه رصيد له موارده القوية على الصعيد المحلي والعربي والإسلامي المتمثل بمجموعة متنوعة من القوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية. وليست هذه القوى في الواقع سوى السبيكة الجديدة من التطرف والإرهاب التي يشكل الغلاة الجدد في العراق نواتها الفاعلة. فهي القوى التي تحاول استلهام فكرة المقدس المزيفة والجهاد المقلوب من اجل تحويلهما إلى غطاء سياسي لاستعادة البنية التقليدية وتراث الاستبداد.
فهي قوى لا تدرك لحد الآن الحقيقة البسيطة القائلة، بأن الاستبداد مصيره الزوال. إلا أننا نعرف في الوقت نفسه، بان زواله عادة ما يثير كميات هائلة من المشاكل والمعضلات التي تقع على الأجيال اللاحقة مهمة حلها. وليس ما يجرى في العراق الآن سوى الاستمرار«الخفي» لتقاليد الاستبداد، التي جرى إعادة إنتاجها من خلال ملابسات تاريخية هائلة، مرتبطة بطبيعة الاحتلال الكولونيالي للعالم العربي وتجزئته وبعثرة التراكم الفكري والاجتماعي والمؤسساتي فيه من خلال الانقلابات العسكرية وصعود الهامشية إلى السلطة وسيادة النزعة الراديكالية. وبمجموعه أدى إلى صنع توتاليتاريات دنيوية ودينية، ليس الغلاة الجدد سوى إحدى صيغها الأكثر همجية.
ومن الممكن فهم آلية نشوء الغلاة الجدد إذا أخذنا بنظر الاعتبار كون الدكتاتورية الصدامية كانت «عتبتهم المقدسة»، بحيث اخذوا يتحسسون سقوطها التاريخي، باعتباره خيانة تاريخية «لمقدساتهم». وليس مصادفة أن تكون ردود فعلهم عنيفة للدرجة التي تتطابق من حيث الوسيلة والغاية مع أكثر مظاهر العنف الهمجي، تماما كما تغيب صورتهم الفعلية وراء ملامح الملثمين والمقنعين، أي المختبئين وراء أغشية تمثل في رمزيتها غطاء الغيلة والغدر.
فمن المعلوم والمعروف عن التاريخ الفعلي للراديكاليات «المتنورة» و«اليسارية» هو وضع نفسها وإعلاناتها السياسية في صف واحد يرتقي إلى مصاف الاستعداد المباشر والعلني للتضحية الفردية، باعتباره أسلوب تأييدها وتوكيدها وتحقيقها للفكرة العامة. في حين يمثل الغلاة الجدد في أساليبهم احد أكثر نماذج السقوط السياسي، كما يظهر ذلك في هذا الكم الهائل من التفجيرات القاتلة في مختلف مدن العراق. وهي ممارسة تشير أولا وقبل كل شيء إلى طبيعة الفراغ الذي صنعه زمن طويل من نفسية الاستبداد والقتل الجماعي، كما مثلها تيار «القاعدة» أو «الجهاد في بلاد الرافدين». وسوف تطرح هذه الحالة والنموذج في وقت لاحق مهمة تحليل الأبعاد الأخلاقية في الفكر والممارسة السياسية العراقية الحالية، إلا أنها تبقى من حيث كونها ظاهرة سياسية حادة جزء من قضايا الحاضر، وبالتالي جزء من حالة الانحطاط السياسي والروحي الذي عادة ما يثير في مراحل الانعطاف الكبرى نفسية الراديكالية المتنوعة. وليست ظاهرة الغلاة الجدد في الواقع سوى النموذج الذي يمثل حالة الحراك الشرس لترهل التقاليد أو جمودها المحاصر بقيود الغيرة وحمية الإيمان التقليدي.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف – الحلقة الرابطة لديمومة الروح التاريخي للأمم
- الراديكالية الشيوعية والبعثية العراقية وانقلاب القيم!
- المثقف وإبداع الأبد
- الموجة الأخيرة للزمن الراديكالي
- طوفان الزمن الراديكالي وبداية التاريخ العقلاني
- المثقف ومرجعيات الروح المبدع
- المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - الراديكالية السياسية للغلاة الجدد!