أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المثقف ومرجعيات الروح المبدع















المزيد.....

المثقف ومرجعيات الروح المبدع


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2597 - 2009 / 3 / 26 - 09:46
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن الإبداع محرقة تصهر فيها معاناة الوجود الإنساني من اجل تأسيس المعنى. وتتوقف أبعاد هذه المعاناة الفردية وقيمتها التاريخية والمعرفية على ما فيها من قدرة واستعداد لسماع صوت الحقيقة. الأمر الذي يجعل منها مفارقة يصعب حدها بمعايير المنطق، لكنها غاية في الجلاء بالنسبة للحدس، كما لو أنها البديهة الجلية الوحيدة للوجد والوجدان، أي للمعاناة واكتشافاتها. فالمعاناة الحقيقية هي معاناة الحقيقة، أي حيرة البحث عن المعنى. وهي القوة المثيرة للعقل والوجدان في محاولاتها تأسيس النسبة الضرورية بين الحس والعقل والحدس. وكلما يقترب البحث من تمثل وتمثيل هذه النسبة الضرورية كلما يرتقي إلى مصاف الإبداع الكبير.
فالإبداع الكبير على حجم المعاناة الفردية في كيفية تمثل وتمثيل نسبة المحسوس والمعقول والحدس في تأسيس المعنى. إذ تصنع هذه النسبة الجميل والمتسامي، وتجعل منهما أسلوب التراكم الثقافي في مسام الوعي الاجتماعي والتاريخي للأمم. فالإبداع الثقافي الكبير هو توليف دائم للجمال العلمي والعملي، أي للنسبة النموذجية التي تصنع على قدر مكابدتها صرح الثقافة القومية والإنسانية. الأمر الذي جعل ويجعل من غيب الإبداع علامة جلية على طريق المسيرة الفردية للمبدعين، والغاية المثيرة للمثقفين. ولا تنتهي هذه العملية، لأن المجهول هو عين الحيرة، والإبداع تراكم في مجراها. وهو الشيء الذي ميز ويميز على الدوام الإبداع الحقيقي بوصفه بحثا في غياهب المجهول.
إن الإبداع الحقيقي هو معاناة البحث عن المعنى، أي عن الأبدية المجهولة. وهي المفارقة الأكثر إشكالية بالنسبة للإبداع. فالأبد مجهول الغاية معلوم الهوية. وما بينهما يترامى الوجد والوجود بوصفهما معادلة الكينونة الصانعة لهوية المثقف المبدع. إذ ترتقي هذه المفارقة في الواقع والمثال إلى مصاف الإشكالية الأشد تعقيدا. وذلك لأن المجهول في الأبد هو الأنا المبدعة، والمعلوم فيه وجودها. وتتمظهر هذه المفارقة في سر التفسير والتأويل الدائمين لإبداع الأرواح، وتفنى في التاريخ وتبقى في الذاكرة ووعي الذات الثقافي.
فالتاريخ الحقيقي الفعال والدائم للأمم هو تاريخ الفكر. وفيه ومن خلاله فقط يمكن "تحجيم" الأبد وجعله ملموسا معلوما، بوصفها العملية التي تغّيب الأنا المبدعة وتجعلها لغزا، ومن ثم قوة وميدانا للتفسير والتأويل. وفي مجراها تترابط حلقات التاريخ وتتكامل في وعي الذات القومي. إذ يجعل هذا الواقع من المبدع الكبير روح التاريخ الثقافي. ففي فناء المبدع تبقى الوحدة الحية للمراحل والأطوار الثقافية في تاريخ الأمم. بمعنى انه يجّسد في ذاته وإبداعه، أي في مواقفه وإنتاجه، مرجعيات الروح القومي والثقافي المبدع. وبالتالي لا يعني فناءه الجسدي سوى بقاءه في تاريخ الروح أو الفكر. وهو المعنى الذي يعبر عما أسميته بأن المجهول في الأبد هو الأنا المبدعة، وذلك لما في إبداعها الكبير من لغز هو احد نماذج أو مستويات التاريخ الروحي. من هنا تجدده وتنوعه في إشكاليات المعاصرة والمستقبل.
إن المبدع الكبير إشكالية لا تنتهي. وهي إشكالية تستمد مقوماتها وديمومتها من قدرننه على توحيد حقائق المنطق وحقائق المرجعيات المتسامية للروح الثقافي، أي قدرته على توحيد العقل والوجدان بطريقة تستطيع مع مرور الزمن تفعيل الهموم المشتركة وتنقيتها في معارك العقل النظري والعملي المتعلقة بإشكاليات المعاصرة. ونتلمس هذا الواقع في تحول إبداعه واكتشافاته المعرفية إلى ميدان التفكر اللاحق ومختلف محاولات استكناه تجارب الماضي وتأمل المستقبل، أي تحوله إلى خميرة العملية الدائبة للمعرفة. ومن خلالها تتجلى حقيقته بوصفه القوة الوحيدة القادرة على تجاوز الزمن والبقاء قي التاريخ، ونفي التاريخ والعيش بمعاييره، وصنع الحكمة بوصفها خروجا إلى ما وراء العقل والعمل بمقاييسها. وفي كلها ليست إلا التجربة الفردانية للمبدعين الكبار في تمثل حقائق التاريخ القومي والعالمي. مما يجعل من إبداعهم خميرة عملية دائبة للمعرفة. إذ لا يمكن للتطور المعرفي والإنساني النضوج دون خميرة الماضي. والماضي مستقبل. وعلى قدر ما فيه تتحدد معالم المستقبل بوصفه بنية بديلة متجددة. ولا يمكن للفكر التقليدي أيا كان شكله ونوعه صنع هذه الظاهرة وترسيخها في الوعي الاجتماعي والوجود التاريخي للأمم. وذلك لأن التقليد زمن، أي اجترار للوقت والبقاء فيه دون معاناة وبدائل. أما تجاوزه إلى ميدان التاريخ الفعلي فهو حصيلة الجهد النظري والعملي للمثقفين المبدعين. وهو جهد مهمته نفي الزمن الميت وتذليله بمعايير التاريخ الواقعي والخروج عليه إلى فضاء البدائل المتنوعة واحتمالاتها غير المتناهية. فهي العملية التي تنتعش فيها وحدة التاريخ ونفيه، بوصفها أسلوب بلوغ الحكمة. إذ ليست الحكمة من حيث الجوهر سوى الاستعداد والقدرة على تجاوز "حدود العقل" والعمل بمعايير الرؤية الإنسانية المتسامية.
إن الارتقاء من الحس إلى العقل ومنهما إلى الحدس، أو من الزمن السياسي إلى تاريخ الدولة ومنهما إلى حكمة الوعي الثقافي للأمة، أو من طور الوعي الأسطوري والديني إلى العقلي الفلسفي ومنهما إلى الحكمة العقلانية، هي العملية التي يصنع حلقات ارتقاءها جهاد واجتهاد المثقفين الأحرار. بمعنى انه الارتقاء الذي يؤسسه المثقف المبدع في مجرى معاناته حل إشكاليات الوجود الطبيعي والماوراطبيعي للفرد والجماعة والأمة. وهي معاناة تجعل من المثقفين الأحرار وإبداعهم إشكالية حرة، أي جزء من تاريخ الأبد. كما أنها تحدد القدر التاريخي للمثقف المبدع، باعتبارها النتيجة المترتبة على قدر إشكاليته بالنسبة للثقافة العقلية والبدائل العقلانية. وهي الإشكالية التي تعيد إنتاج البدائل وتنوع الاحتمالات بوصفها مصدر الحرية الفكرية والروحية، وذلك لما فيها من وحدة خفية لمكونات الفردانية المبدعة والتاريخ الواقعي، التي تجعل من اجتهاد وجهاد المثقف المبدع تحد دائم لكل ما حوله. وهو تحد يجعل من الحرية مبدأ وغاية الوجود. بمعنى التحرر من رق الاغيار والعيش ضمنها، أي الفناء والبقاء في مرجعيات الروح المتسامي. وهو روح لا يعقل بدون نموذجية الأبد وإشعاعه المغري في الروح والجسد. وهي المفارقة المعذبة والعذبة للإبداع. كما أنها الحالة الوحيدة القادرة على جعل الإبداع أبديا. وذلك لأن الإبداع الأبدي هو القدرة على الاستماع لصوت الأبد. ولا يمكن سماع الأنغام العذبة لهذا الصوت دون بلوغ الحرية الذاتية. بعبارة أخرى، إن الحرية الذاتية للمثقف المبدع هي الشرط الأبدي لأبديته! وهي مفارقة وجوده التاريخي والروحي، بل مفارقة الإبداع عموما.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
- (أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
- -الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
- الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
- الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المثقف ومرجعيات الروح المبدع