أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!















المزيد.....

المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 2595 - 2009 / 3 / 24 - 08:34
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تكن هزيمة حزب البعث في العراق نتاجا للغزو الأمريكي والإطاحة بالسلطة الصدامية، بقدر ما ترتبت على ما في زمن سيادته المطلقة من تخريب تام للروح والجسد الفردي والاجتماعي والدولتي. فقد كانت هذه النتيجة جلية للعيان بعد الانتفاضة الشعبية (الشعبانية) بأثر حرب الخليج الأولى (عاصفة الصحراء). حينذاك أصبح "حزب البعث" مجرد أداة تابعة بصورة تامة لسلطة عائلية قبلية جهوية فئوية طائفية علنية ومستترة. وليس مصادفة أن يندثر ويتلاشى كما لو انه "لا شيء" من حيث الإمكانية الفكرية والروحية والأخلاقية، أي من حيث المكونات الضرورية للحزب السياسي الاجتماعي.
بعبارة أخرى، إن حزب البعث ليس أكثر من أشباح موتى! لكنها قادرة على التأثير شأن خرافات الوعي والذاكرة الخربة! وبالتالي ليس ظهور مشكلة "المصالحة مع حزب البعث" في الفترة الأخيرة، سوى التعبير المشوه عن طبيعة وحجم الخلل الفعلي في إعادة بناء الدولة والمجتمع بعد سقوط التوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية. وليس هذا الخلل معزولا عن مستوى وحجم وطبيعة الخراب الذي تركه حزب البعث في كل مسام الوجود العراقي، بحيث جعل عرقه دما!
غير أن المسئولية الكبرى في نهاية المطاف تتحملها النخب السياسية العراقية الحالية. مما يفترض بدوره إعادة تحديد المواقف العملية من "المصالحة مع حزب البعث" على أسس جديدة تتجاوز الصيغة المباشر والفجة لفكرة وممارسة "اجتثاث البعث"، دون إلغاء مضمونها الضروري بالنسبة لإعادة بناء الدولة والمجتمع والثقافة السياسية على أسس جديدة.
وليس المقصود من ضرورة الإبقاء على فكرة "اجتثاث البعث"، سوى مهمة تحويلها إلى ميدانها الحقيقي عبر بناء الدولة الشرعية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني. فهو الأسلوب الوحيد الفعلي القادر على تذليل تقاليد الراديكالية السياسية والحثالة الاجتماعية التي كان البعث الصدامي احد نماذجها "التامة".
فمن بديهيات الحياة والتاريخ والوعي السياسي الواقعي القول، بأن المصالحة الوطنية وقت الشدائد ترتقي إلى مصاف المرجعية الضرورية بالنسبة للرؤية والأفعال. لكنها شأن كل حقيقة تتصف بطابع ملموس. بمعنى أن إنزال البديهيات المجردة إلى الواقع يفترض التعامل الملموس معها. وفي حالة النقاش والجدل الدائر حول معنى وجدوى "المصالحة مع حزب البعث" فمن الضروري وضعها أيضا ضمن الفكرة القائلة، بأن "المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين". بمعنى أن الفكرة المتسامية للمصالحة ينبغي التعامل معها أيضا بعيون الحكمة العملية والرؤية النقدية التي تفرق بين الغباء السياسي والعفو عند المقدرة، بوصفه التعبير الأخلاقي للرؤية الواقعية.
كل ذلك يستلزم النظر إلى قضية "المصالحة مع حزب البعث" بمعايير المصالحة الوطنية الحقيقية، أي النظر إليها بمعايير المصالحة مع النفس. وذلك لأن حقيقة المصالحة الوطنية تعني المصالحة مع النفس. وإذا أخذنا بنظر الاعتبار أن جذر المصالحة من الصلاح والأصلح، فإن هذا يعني اشتراط "المصالحة مع حزب البعث" بتفكيك فكرة البعث وحزب البعث. بعبارة أخرى، من الضروري التفريق بين فكرة البعث وحزب البعث من جهة، والنظر إليهما بمعايير الواقع والمستقبل.
فعندما نضع السؤال حول طبيعة العلاقة بين البعث كفكرة وأيديولوجية وحزب وأشخاص، وعما إذا كانت هذه العلاقة مكافئة لعلاقة أجزاء أو مظاهر، فان الرؤية الواقعية والتاريخية تكشف عن أنها كانت في ظروف العراق والنتائج التي توصل إليها في ظل السيطرة المطلقة لحزب البعث وفكرته وأيديولوجيته وأشخاصه إلى أنها علاقة أجزاء وليست مظاهرا. أو أنها في أسهل المواقف مكونات لا يمكن الفصل بينها. وهذه بدورها كانت النتيجة المترتبة على جوهر الراديكالية السياسية والعقائدية الأيديولوجية والهامشية الاجتماعية والثقافية التي كان حزب البعث والصدامية أنموذجها "التام".
من هنا فان المصالحة مع حزب البعث تفترض وضع فكرة المصالحة نفسها ومبادئها وقيمها وغايتها ضمن سياق الفكرة السابقة. مما يتطلب بدوره ضرورة المحاكمة الفكرية والتاريخية والسياسية والحقوقية والأخلاقية لحزب البعث بوصفه الأداة السياسية للجرائم التي جرى اقترافها بحق الوطن والدولة والمجتمع والمستقبل. بمعنى التعامل مع حزب البعث بمعايير الرؤية السياسية المستندة إلى مبادئ وقواعد الحقوق. مما يفترض بدوره إخراج فكرة البعث والأيديولوجية البعثية من سياق المحاكمة القانونية ووضعها ضمن سياق المحاكمة الفكرية وتاريخ الأفكار والعقائد. أما الأفراد (البعثيون) فينبغي النظر إليهم بمعايير المواطنة والحقوق المدنية فقط.
بعبارة أخرى، إن "المصالحة مع حزب البعث" من الناحية الفعلية لا يمكنها أن تتعدى حدود ومستوى الرؤية النقدية والإصلاح المحتمل في الأشخاص (البعثيين) لتجاربهم. وبالتالي إعادة توظيفها بطريقة تسهم في بناء شخصية اجتماعية وطنية وقومية عربية متحررة من العبودية لأصنام وجهلة وتخلف وجريمة مهلكة.
فحزب البعث بتراثه السياسي في العراق يتسم بقدر هائل من الإجرام بحق الدولة والمجتمع والوطن والقومية! وبالتالي، فإن الدولة الشرعية ينبغي أن تفرّق دوما بين الجريمة ومصادرها. من هنا، فإن المهمة تقوم في وضع أسس جديدة للدولة والمجتمع والثقافة تذلل بصورة نهائية إمكانية ظهور مختلف مظاهر الراديكالية السياسية الأيديولوجية التوتاليتارية والمتحزبة!
طبعا أن ذلك لا ينفي إمكانية انتقال حزب البعث إلى ميدان الحياة السياسية الاجتماعية والمدنية والشرعية. غير أن ذلك يفترض منه أولا وقبل كل شيء إعادة النظر النقدية الشاملة بتراثه السابق ككل. بما في ذلك فكرة المصالحة الوطنية باعتبارها مصالحة مع المجتمع. وهذا بدوره يستلزم القيام بإصلاح شامل للنفس. ويستحيل بلوغ ذلك دون محاكمة النفس على طبيعة ومستوى الجريمة التاريخية التي جرى اقترفها بحق العراق من تخريب مروع للدولة والمجتمع والاقتصاد والثقافة، وهدم للفكرة الوطنية والقومية، وإثارة مختلف أشكال البنية التقليدية واللاعقلانية من جهوية وفئوية وحزبية ضيقة وطائفية ومذهبية. إضافة إلى المسئولية التامة عن حجم وطبيعة المهانة التاريخية التي تعرض لها العراق بأثر الاحتلال.
كل ذلك يجعل من أولويات المصالحة مع "حزب البعث" بالنسبة للدولة العمل على تحويلها صوب المصالحة مع الأفراد من اجل إدراجهم في صيرورة المجتمع. وضمن هذا السياق فقط يمكن إعادة بناء أنفسهم بالطريقة الاجتماعية المقيدة بحكم القانون والشرعية.
ذلك يعني أن حقيقة المصالحة ينبغي أن تقوم في رجوع البعثيين بمعايير الوطنية والشرعية والمدنية، أي كأفراد عاديين والعمل من اجل الاندماج الطبيعي والعقلاني بالمجتمع والدولة، أي شرعنة رجوعهم بمعايير المواطنة والشرعية وليس بمقاييس الحزبية السياسية.
فالبعثي الحزبي والسياسي أما مجرم أو مخطئ أو يتحمل بأقدار مختلفة وزر ما حدث بما في ذلك الاحتلال. من هنا مهمة المحاكمة لمن يستحقها، والعفو بمعايير الدولة والمستقبل لمن يستحقه، والمساهمة في إعادة تطهير النفس لمن يشارك فكرة البعث ويرفض أسلوب تجسدها السياسي بالصورة التي جرت على امتداد كل عقود الاستبداد السابقة.
فالغاية من المحاكمة هنا ليست المعاقبة، بل إعادة بناء الشخصية بمعايير الحقوق والنزعة الإنسانية من اجل طي صفحة الراديكالية السياسية وزمن الخراب التي دفعت العراق إلى الهاوية في مجرى خمسة عقود من الزمن، بدأت بانقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958 وتوجت بالهيمنة المطلقة للتوتاليتارية البعثية والدكتاتورية الصدامية وسقوطها المريع بأثر الغزو الأجنبي (الأمريكي) عام 2003!
إن مستقبل المصالحة الوطنية العراقية الحقيقية لا تقوم في "المصالحة مع حزب البعث" بل في إرساء أسس المستقبل، أي في إرساء أسس تاريخ العراق العقلاني والإنساني المحكوم بالشرعية وفكرة المواطنة والحقوق المدنية.



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن الطائفي والتاريخ العربي
- الحركة الصدرية – (تيار الداخل) وصعود الباطن العراقي(4)
- مقدمات المعترك السياسي والأيديولوجي للحركة الصدرية(3)
- الحركة الصدرية-غنيمة الزمن العابر وتضحية الانتقام التاريخي ( ...
- مقتدى الصدر - ميتافيزيقيا الثورة الصدرية( 1)
- المركز السياسي والمركزية الثقافية
- كتاب (العراق والمستقبل – زمن الانحطاط وتاريخ البدائل).
- الدكتور علي ثويني – الفكرة المعمارية وهندسة الروح العراقي
- حدود الصراع الروسي الجورجي وتجارب -الثورات الملونة- (1-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (2-2)
- نهاية الزمن العرقي (الكردي) في العراق (1-2)
- نهاية الزمن الطائفي في العراق
- تقسيم العراق – يقين الأقلية العرقية وأوهام الطائفية السياسية
- فلسفة الثقافة البديلة في العراق
- العراق ومرجعية الرجوع الى النفس
- (أشجان وأوزان الهوية العراقية) كتاب جديد لميثم الجنابي
- -الروافض- وفلسفة الرفض العراقية
- الحركة الصدرية - الغيب والمستقبل (6)
- الحركة المختارية والحركة الصدرية – الماضي والمستقبل 5
- عقيدة الثأر السياسي في العراق - من الحركة المختارية الى الحر ...


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - ميثم الجنابي - المصالحة الحقيقية وأشباح الموتى!