عبدالمنعم الاعسم
الحوار المتمدن-العدد: 797 - 2004 / 4 / 7 - 09:18
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
جملة مفيدة
اذا كان التمثيل بالجثث، كنزعة مستعارة من خسة الذئاب، فولكلورا عراقيا، فان اول التباس يعترض هذا القول ياتي من حقيقة ان أول من مارس التمثيل بالجثث في العراق كان زياد بن ابيه الذي لم يكن من العراقيين بل كان مستوردا لهم متحاملا عليهم مولغا في دمائهم، وقد قال فيه الاعمش انه كان يتلذذ بتعذيب قتلاه ويعلق النساء منهم عرايا بعد قتلهن، وربما كان علي الوردي قد استند الى هذه الدالة حين اعاد هوس التمثيل بالجثث الى فائض البداوة في الشخصية العراقية فيما ذهب العالم (ثورانديك) صاحب نظرية (اللذة والسلوك) الذي اجرى تجاربه على مخلوقات مهووسة بالانتقام مثل الذئاب الجريحة والكلاب الجائعة ليكتشف (شعور الراحة) لدى الحيوانات(المكلومة) حين تمثل بجثث ضحاياها.
وبما أننا إزاء نزعة منحرفة في آخر صورة لها الاسبوع الماضي حين مثل مناهضون للوضع الجديد في العراق بجثث قتلى امريكان في بلدة الفلوجة وعلقوها على اعمدة الكهرباء في محاولة للتشفي بها فان الاستدراك الثاني هنا يتمثل في ان البعض من الكتابات السريعة حول الواقعة نقلت بشاعة التمثيل بالجثث من سياق سياسي(استثنائي) الى سياق طائفي ( عام ) تم فيه حشر سكان المدينة الامنين ومدن عراقية اخرى جميعا في جريرة الحادث، فيما يعرف الذين عاشوا في الفلوجة- وكنت معلما في احدى مدارسها- ان الغالبية الساحقة من سكانها تترفع عن نزعة الايذاء ، بل ان اسرها تتفاخر بالكسب الحلال وتعف عن اعمال القرصنة والتعرض لعابري السبيل على الطرق العامة وفق ما نسمع عنها ، واغلب الظن ان حفنة من شوائب سكان الفلوجة- كما هو الحال بالنسبة لمدن اخرى- لوث بالعمل في الدائرة الجهنمية للنظام السابق وقد يأمل في عودة عقارب الساعة الى الوراء، عدا عن طارئين على المدينة ممن يجدون فيها ملاذا وظروفا مواتية لشن الحرب على الولايات الامريكية لهدف يتصل بالمشروع الارهابي، لا التحريري، ولا التنويري.
الاستدراك الثالث في حادث الفلوجة يتبدى في ما ذهب اليه سياسيون في إلقاء الواقعة الشائنة، بدم بارد، على عاتق ما فعله الاسبان من مجازر بمسلمي الاندلس أو في ما تركه الفرنسيون من قصص التنكيل في الجزائر وبلاد الشام، ويبدو الاستدراك هنا اكثر حاجة في ما ذهب اليه مشايخ في عسف التفسير(الفقهي) حول الحادث ما يسقط حرمة الجثث المثبتة في اكثر من نص قرآني وحديث نبوي، إذ برروا الواقعة بشرعة رد الفعل والانتقام من (الكفار) لمقتل زعيم حركة حماس احمد ياسين من قبل الاسرائيليين(الانتقام من عدو الله) وكما أظهرت صور الحادث صبيانا يمثلون بجثث الموتى مسترشدين بصور الشيخ الفلسطيني..وبين هذا وذاك يظهر التمسيح الكيدي في اقبح صورة له، ليضيع الخيط الفاصل بين شريعة العدل وشريعة الباطل على يد أناس اطالوا اللحى وقصروا النظر.
ومضة:
" مازلنا نتباهى بأمجاد حققها اسلاف بعيدون زماناً عنا لا نشبههم تحملاً وصبراً وبناء، ولا نقلدهم الا في الشكل دون الجوهر متوهمين اننا بواسطة اللحى والحجاب سنعيد مجدهم الحضاري!"
محمد جابر الانصاري- مفكر بحريني
#عبدالمنعم_الاعسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟