أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!















المزيد.....

ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2600 - 2009 / 3 / 29 - 09:18
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


قانون "الضرورات" يعلو ولا يُعْلى عليه..

المعلِّم الأوَّل والأعظم.. والأبدي للبشرية إنَّما هو "الضرورات والحاجات"، فـ "الضرورة"، أو "الحاجة"، هي التي تَحْمِل الإنسان على التعلُّم والعمل؛ ونحن نحفظ عن ظهر قلب مقولة "الحاجة أُم الاختراع (أو الابتكار)".

الأديان جميعاً هي، في بعضٍ من معناها الجوهري، ميزان للحلال والحرام، فكل دين ينبغي له أن يتوفَّر على تمييز الحلال من الحرام للمؤمنين به. ومع أنَّ "الأصل"، بحسب الدين الإسلامي، هو "الإباحة"، فإنَّ تبيان وشرح المحظورات قد استأثرا بالاهتمام الإسلامي. ولقد أسَّس الإسلام لعلاقة سوية بين "المحظورات" و"الضرورات" إذ قال إنَّ الضرورات تبيح المحظورات.

وها هي الأزمة المالية والاقتصادية الرأسمالية العالمية، التي لم يَعْرِف لها العالم مثيلاً، لجهة حِدَّتها وخواصها الجوهرية، تأتي بـ "الضرورات" التي تبيح كثيراً من "المحظورات"، فَمِن العاصمة الروحية للعالم الكاثوليكي، أي الفاتيكان، انطلقت "الدعوة"..

لقد دعت الصحيفة الرسمية للفاتيكان، "أوسيرفاتور رومانو"، إلى تبني "النظم المالية الإسلامية"، التي تتَّخِذ من تحريم الربا أساساً لها، من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية العالمية، فالمبدأ الأخلاقي الديني الإسلامي الذي تقوم عليه تلك النظم، يَصْلُح، بحسب تقرير الصحيفة، للتغلب على "أزمة الثقة" في العلاقة بين المصارف وعملائها، وللتأسيس لعلاقة جديدة جيدة بين الطرفين.

وقبل "التقرير"، كان البابا بنديكتوس السادس عشر قد نعى النظام المالي الرأسمالي إذ قال في خطاب له: "إن المال يتلاشى، وما عاد يساوي شيئا".

"الدعوة الفاتيكانية"، والتي يمكن فهمها أيضاً على أنَّها جزء من الموقف العام السلبي للفاتيكان من نظام السوق الحرة لليبرالية الجديدة، لن تنزل برداً وسلاماً على "المحافظين الجدد" الذين يمثِّلون أيضاً قوى مالية لها مصلحة جلية في العداء لـ "الصيرفة الإسلامية"، والذي يعبِّرون عنه الآن بقول من قبيل إنَّ هذه الصيرفة و"الإرهاب" صنوان، وإنَّ الدعوة إلى تبني "نظم مالية إسلامية" لا يمكن أن تفيد إلاَّ في تذليل عقباتٍ من طريق التوسُّع في تمويل "الإرهاب".

ودعوة الفاتيكان إنَّما هي جزء من اتجاه عالمي شرع ينمو ويقوى، فمجلس الشيوخ الفرنسي تحدَّث في تقرير له عن "النظام المصرفي الإسلامي"، الذي لم يكن بذي أهمية في الغرب قبل نشوب واحتدام الأزمة المالية العالمية، فانتهى إلى استنتاج مؤدَّاه أنَّ هذا النظام يمكن أن يعود بالنفع والفائدة على الناس جميعاً، وليس على المسلمين فحسب، كما يمكن الأخذ به في فرنسا.

وبعد تحليلها لأسباب نجاح المصارف الإسلامية في أن تدرأ عنها كثيراً من الخسائر التي لحقت بالمصارف الغربية، أقرَّت صحيفة روسية بأهمية وضرورة التأسيس لنظام مصرفي عالمي يقوم على تحريم الربا.

وفي العالم الإسلامي تشجَّع كثيرون بهذا التفاوت الكبير والجلي في حجم الخسائر بين المصارف الغربية والمصارف الإسلامية، فالرئيس الإندونيسي قال إنَّ المصارف الإسلامية حان لها أن تُعرِّف الغرب بماهيتها وخواصها، توصُّلاً إلى جعلها في موقع قيادي للاقتصاد العالمي الذي يعاني أزمة ليست بالعادية؛ أمَّا ماليزيا فدعت إلى "تدويل (أو عولمة) النظام المالي الإسلامي" من أجل الخروج من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، مقترِحةً على بريطانيا التعاون معها في نشر "الأدوات المالية الإسلامية"، غرباً وشرقاً.

ولندن الأكثر ميكيافلية وبرغماتية من واشنطن، في السياسة المالية على وجه الخصوص، عرفت كيف توظِّف نظامها التشريعي في سعيها لتكون، وقد أصبحت، سوقاً غربية كبرى للتمويل الإسلامي. إنَّها، أي لندن، تحتض الآن خمسة مصارف، تعمل وفق "الشريعة الإسلامية"، وتزِن قوتها الاقتصادية 18 بليون دولار. وثمَّة نحو 300 مصرف إسلامي في العالم الآن، تزِن قوتها الاقتصادية 700 بليون دولار، مع توقُّع أن تزِن 1000 بليون دولار بعد أربع سنوات.

إنَّ أحداً لا يستطيع أن يُنْكِر أنَّ الإسلام كان للربا عدواً مبيناً؛ ولقد جاء في القرآن: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ.

على أنَّ هذا لا يعني أنَّ "العهد القديم" و"العهد الجديد" لم يحرِّما الربا، أو أنَّهما لم يقفا منه موقفاً سلبياً، ففي "العهد القديم"، أي التوراة، جاء "إذا أقرضت مالاً لأحد أبناء شعبي, فلا تقف منه موقف الدائن. لا تطلب منه ربحا لمالك"؛ وفي "العهد الجديد"، أي الإنجيل، جاء "إذا أقرضتم لمن تنتظرون منه المكافأة, فأي فضل يعرف لكم؟ ولكن افعلوا الخيرات وأقرضوا غير منتظرين عائداتها، وإذن يكون ثوابكم جزيلا".

التحريم الإسلامي للربا، وعلى ما نرى من ذلك، هو الأكثر وضوحاً؛ أمَّا "التحريم" المسيحي فهو متأتٍ من "خطيئة حُبِّ المال". وفي "التحريم" اليهودي، نرى عنصرية كريهة، فإذا كان المدين يهودياً فإنَّ على الدائن اليهودي ألاَّ يقف منه موقف الدائن!

ولكن، ما هو هذا الربا الذي حرَّمه الإسلام تحريماً قاطعاً لا لبس فيه؟

في الجاهلية، عَرَف العرب الربا، وعرَّفوه على أنَّه قرض الدراهم أو الدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما اسْتُقْرِض على ما يتراضون به.

ويعرِّف الشيخ القرضاوي الربا على أنَّه كل زيادة مشروطة مقدَّمة على رأس المال مقابل الأجل وحده.

والآن، يُنْظَر إلى الفائدة المصرفية على أنَّها ضرب من الربا.

وينبغي لنا ألاَّ ننسى أنَّ جون مينارد كينز قد تحدَّث عن الأهمية الاقتصادية لسعر فائدة مصرفية يقارب (ولا يبلغ) الصفر، فأزمة النظام الاقتصادي الرأسمالي تعنف وتشتد إذا ما سُمِحَ لسعر الفائدة بأن ينمو بما يرجِّح كفَّة "الاقتصاد النقدي" على كفَّة "الاقتصاد الحقيقي"، أي الاقتصاد المنتج للسلع.

وأحسب أنَّ الليبرالية الجديدة ستَدْخُل التاريخ بصفة كونها ذلك الجزء من طبقة الرأسماليين الذي حَمَلَتْهُ مصالحه الفئوية الضيقة على إطلاق "الوحش الربوي" من عقاله حتى أوشك أن يفترس الاقتصاد الرأسمالي الحقيقي، الذي هو الآن مثخن بجراح وأمراض لا يمكن أن يداويها حتى "النظام المالي الإسلامي" الذي يقوم على تحريم الربا، فما أفسده الدهر يعجز كل العطارين عن إصلاحه.

إنَّنا لا نُنْكِر أنَّ "الصيرفة الإسلامية" قد حالت بين المصارف الإسلامية وبين تكبدها خسائر مماثلة لتلك التي تكبدتها المصارف الغربية؛ ولكن هل يمكن أن تتفادى المصارف الإسلامية ما حلَّ بالمصارف الغربية لو قُيِّض لها أن تَسْتَجْمِع في "خزائنها" من الفوائض النقدية العالمية ما استجمعته "وول ستريت"؟!

ما يتحدى "الصيرفة الإسلامية" في المقام الأول ليس أن تخسر أقل ممَّا خسرت المصارف الغربية، وإنَّما أن تنجح في أن تجتذب إلى المصارف الإسلامية فوائض نقدية عالمية في حجم ما اجتذبته إليها المصارف الغربية من تلك الفوائض، فأباطرة المال في العالم، أي أولئك الذين يملكون حصة الأسد من الفوائض النقدية العالمية، ليس لهم، ولن تكون لهم، مصلحة في أن يستثمروا أموالهم القارونية، بحسب النظم المالية الإسلامية، التي تقوم على تحريم الربا، ولو في معنى التحريم الذي نقف عليه في واقع "الصيرفة الإسلامية".

إنَّ المستثمر المالي المسلم هو وحده من يفهم الفائدة المصرفية على أنَّها ضرب من الربا، وعلى أنَّها، بالتالي، من جنس الحرام؛ أمَّا غيره، أي أولئك المستثمرين الماليين الذين يملكون حصة الأسد من الفوائض النقدية العالمية، فليس لديه من الرادع الديني ما يردعه عن أن يكون متصالحاً مع النظام الربوي الرأسمالي. ويكفي أن يَقْتَرِن غياب هذا الرادع بحضور المصلحة في الاستثمار الربوي حتى يظل النظام الربوي جزءاً لا يتجزأ من النظام الرأسمالي، فلو أنَّ الرأسمالية حرَّمت الربا لكفَّت في اليوم التالي عن الوجود.

إنَّنا نتمنى أن يشتد الميل لدى كل مالكٍ لفائضٍ نقدي، أكان هذا الفائض صغيراً أم كبيراً، إلى أن يستثمره بما يتَّفق مع "المعنى الحقيقي" لتحريم الربا، وأن يحصل، بالتالي، على نصيبه العادل من الربح والخسارة، على أن يكون المستثمِر للمال صادقاً في بيانه للربح والخسارة؛ ولكن التمني لم يكن قط، ولن يكون أبدا، طريقاً إلى نيل المطالب.

وبعد هذا التمني نطالب..

نطالب المستثمرين الماليين المسلمين بالحيطة والحذر واليقظة، فعواصم النظام الرأسمالي العالمي المفلس، ومنها لندن، لا رادع يردعها عن الغش والاحتيال والنفاق والتدليس، فإنَّ أخشى ما أخشاه أن يكون هذا الميل الذي يظهرون لـ "أسلمة" بعضٍ من نظمهم المالية جزءاً من سعيهم إلى إعداد "مصيدة"، أو ما يشبه "الثقب الأسود"، للفوائض النقدية في العالم الإسلامي. إنَّهم متعطِّشون إلى "السيولة" فهلاَّ نعي.



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -الاحترام-.. حلال على حكومة نتنياهو وحرام على الحكومة الفلسط ...
- أوباما ينفخ في -وول ستريت- ما يشبه -روحاً إسلامية-!
- التَّحدِّي اللغوي!
- -الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
- في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
- -أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
- شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
- على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
- وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
- -الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
- أزمة -مقالة الرأي-!
- -العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
- حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
- رواتب الوزراء والنواب في الأردن تعلو ولا يُعلى عليها!
- أزمة العلاقة بين -السياسة- و-المبادئ-.. فلسطينياً!
- -إعادة إعمار- من طريق -الهدم السياسي-!
- -تحرير- المصالحة بين الفلسطينيين!
- أهي بداية تعافٍ في السياسة العربية؟!
- على نتنياهو أولا أن يلتزم ما التزمه عباس!
- أوباما يطلب -الترياق- ولو في السويد!


المزيد.....




- صندوق النقد: حرب غزة ضغطت اقتصادات المنطقة بدرجات متفاوتة
- ارتفاع الاحتياطيات الدولية لروسيا إلى 600.7 مليار دولار
- مديرة صندوق النقد الدولي تعرب عن قلقها من الوضع -المروع- في ...
- صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد العربي 2.6% في 2024
- جدل متزايد في الأردن بعد عفو عام شمل إصدار شيكات بدون رصيد
- لبنان، أزمة اقتصادية وسياسية عميقة
- أولويات تخصيص الإنفاق في مصر ومشكلة عجز الطاقة
- هل تأثرت السياحة الروسية في مصر بسبب الضربات الإيرانية لإسرا ...
- وزير ألماني يتحدث عن -البؤس- الاقتصادي في بلاده
- صندوق النقد الدولي: عجز الميزانية يحمل مخاطر على الاقتصاد ال ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - جواد البشيتي - ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!