أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين ((1))















المزيد.....



الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين ((1))


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2599 - 2009 / 3 / 28 - 06:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


مدخل:

))إنَّ كلَّ باب هام إلى هذا الحد أو ذاك من تاريخ الثورة ما بين عامي (1848 - 1849) باستثناء بعض الفصول، يحمل العنوان التالي: هزيمة الثورة! فالثورة تنتقد ذاتها على الدوام، وتقاطع نفسها بصورة متواصلة أثناء سيرها، وتعود ثانية إلى ما بدا أنَّها أنجزته لتبدأ فيه من جديد، وتسخر من نواقص محاولاتها الأولى، ونقاط ضعفها وتفاهاتها باستقصاء لا رحمة فيه – كارل ماركس((.

وهكذا، لا تفسر الهزائم إلاَّ بوقفة مؤقتة للثورة نفسها لاستخلاص النتائج النهائية للمعارك الطبقية السابقة، والتحضير للمحاولة المقبلة لمواصلة سیرتها التاریخیة المتتابعة، فانتقاد الثورة لنفسها، لا يعني سوى ترك التقالید القدیمة المیتة التي لا ترجع بأي نفع في المحاولات الثوریة اللاحقة. أمَّا الثورة كما بینت بنفسها، تؤدي في قوتها إلى نشوء ثورة مضادة، لا تحارب البروليتاريا بآلياتها العسكرية وحسب، بل وبأشد الأساليب غرابة عن الحیاة الواقعیة للبرولیتاریا أيضاً، وعدا عن الاعلام والسینما والفن إلخ... تحاول الثورة المضادة تعزیز الأوهام الآیدیولوجیة والمذهبیة، في صفوف البرولیتاریا خلال قسمها الأكثر عملية والمتغلغل في وسط العمال، ونعني به الاشتراكية – الديمقراطية. وإذا ما رجعنا إلى زمن أكبر محاولة ثورية في التاريخ، وفريدة في طابعها الأممي لإنهاء علاقات الملكیة الرأسمالية، والسلطة السیاسیة خلال إنشاء كومونات إدارية وإنتاجية أثناء ثورة (1917 - 1923) نرى أنَّ القوة المضادة للثورة، لم يكن بمستطاعها السیطرة على القوى الأممية التي كانت ناهضة ليس في روسیا فحسب، بل وفي القارة الأوروبية بأجمعها أيضاً، دون احتواء هذه القوى خلال نشر الأوهام حول أهمية التمسك بالتقالید القدیمة التي قد تفسخت بالنسبة للبرولیتاریا منذ أمد بعيد، هذا وبالاضافة إلى الأوهام حول الديمقراطية، والبرلمانية، والاشتراكية كوطن. وأكثر من ذلك، فلقد خلقت الاشتراكية – الديمقراطية في تطورها دیناً سیاسياً يسميه الآيديولوجيون (علم الماركسية)، وهذا (العلم) يتكون من الفلسفة الماركسیة، والاقتصاد السیاسي الماركسي، والاشتراكیة العلمیة. والمصادر الماركسية الثلاثة هي، كما يقول لينين: الفلسفة الكلاسیكیة الألمانية المتمثلة بهیغل وفیورباخ، والاقتصاد السياسي الإنجليزي المتمثل بآدم سمیث وریكاردو، والاشتراكیة الطوبویة الفرنسیة المتمثلة بفوریه وسان سیمون.

وهكذا، فما حاولته الاشتراكیة – الدیمقراطیة في نشاطاتها، ما هو إلاَّ نشر للأوهام حول تاریخ الحركة الشيوعية بوصفها تاریخاً للفلسفة، فكأن القوة المحركة للتاریخ هي الفلسفة، وكلُّ هذا لإعادة الحیاة إلى الفلسفة التأملیة في عصر تفسخها، وترسيخ الإيمان بسلطان الفلاسفة، وقدرتهم على إنتاج الأفكار التي تؤدي إلى الثورة والتحولات الاجتماعية الكبرى في الحياة البشرية. أمَّا الغرض من نشر هذه الأوهام، ليس سوى تمجيد المجتمع الطبقي، والسیادة الطبقیة، وتوجیه حركة الشغيلة بما یتفق مع مصالح السیاسیین المتعطشین إلى السلطة.

إنَّنا نحاول هنا أن نلخص التناقضات الموجودة بین (الشیوعیة( و(الماركسیة) و(ماركس) و(لينين) في مجموعة من الأطروحات المتعلقة بالفلسفة، والاقتصاد السياسي، وما يسمى بالجمهورية الاشتراكية، والموقف العملي للبلاشفة من الثورة الأممية في الفترة ما بين (1917 - 1923) وسياسة لينين الاقتصادية للجمهورية الاشتراكية. ويعود تاريخ هذه الدراسة إلى أواسط الثمانينات، ففي عام (1984)، كتبتُ كراساً تحت عنوان (ملاحظات أولية حول شيوعية لينين). و في عام (1985) كتبتُ كراساً تحت عنوان (دروس حركة البرولیتاریا التارخية في الفترة ما بعد هزيمة (1917 - 1923)) والذي یتضمن بعض الدروس من الثورة والثورة المضادة. أمَّا في عام (1992) فكتبتُ كتاباً تحت عنوان (الشیوعیة) والذي یعالج الموضوع بالتفصیل، ولكن لم یكن بإمكاني تنقیحه حتى عام (2008م)، فمع تنقيح هذا الكتاب، ولد الموضوع الذي يقع تحت أيديكم. ولكن لم يكن بإمكاني تقدیم موضوعٍ متكاملٍ نظراً لعدم سیطرتي التامة على اللغة العربیة، وسوف أحاول تقدیم الأقسام الأخرى لهذه الدراسة في القریب العاجل.

الأطروحة الأولى: الشیوعیة والفلسفة

لیست الشیوعیة فكرة فلسفیة أو عقیدة سیاسية، بل هي صيرورة تاريخية ستقود البشرية في النهاية نحو هذا الاتجاه، والمقدمات المادیة التي تنطلق منها الشیوعیة، لیست المذاهب أو التأملات الفلسفية، بل هي الأسس الواقعية للتاریخ نفسه، فالشیوعیة لیست تأملاً مجرداً للإنسان المظلوم، وإنَّما حركة واقعية تفرضها في آخر المطاف الطبیعة المادیة لحركة التاریخ ذاته.

((ليست المقدمات التي ننطلق منها أسساً اعتباطیة أو معتقدات، بل هي أسس واقعیة، فحین ینقطع التخمین في الحیاة الواقعیة یبدأ العلم الواقعي، إنَّ العبارات الجوفاء عن الوعي تنقطع، ويجب أن تحل معرفة واقعية مكانها، وإنَّ الفلسفة لتكف عن أن تكون لها بیئة توجد فیها بصورة مستقلة ذاتیاً، بید أنَّها لا تقدم في حال من الأحوال مثل الفلسفة، وصفة أو مخططاً یمكن وفقاً له تكییف العصور التاریخیة - كارل ماركس)).

ویتضح من ذلك أنَّ الشیوعیة، لیست مجتمعاً ینبغي إقامته من العدم، وحسب خطة مسبقة من هذا الفيلسوف أو ذاك العبقري، وأنَّ الشیوعیة نفسها لیست أسلوباً للحیاة اكتشفه الفلاسفة، بل هي حركة طبقیة تسيطر في آخر المطاف على الطابع الأعمى للقوانین الاقتصادیة للمجتمع الرأسمالي، فالشغيلة بوصفها طبقة، مكلفة تاریخیاً، ليس لإقامة أسلوب جدید في الإنتاج كما یقول لينين وفلسفته أي الماركسية، بل للإطاحة بالوضع القائم وإخضاع الحركة العمیاء للمجتمع، للإشراف الجماعي لكلِّ فرد من أفراد المجتمع بدل نخبة مثقفة بيروقراطية، فالمهمة التاریخیة للشغيلة، هي الاستعاضة عن الملكية الخاصة بملكية جماعية، أي بكومونات إنتاجية في المدینة والریف، یشارك فیها كلُّ فرد من أفراد المجتمع. ویتضح من ذلك أنَّ الملكیة الجماعیة لیست ملكیة الدولة، بل الكومونات الإنتاجیة التي تدیرها، لا الدولة آلهة الملكیة الخاصة بل الكومونات الإدارية.

))ليست الشیوعیة بالنسبة إلينا أوضاعاً ينبغي إقامتها مثلاً أعلى ينبغي للواقع أن يتطابق معه، إنَّنا ندعو الشيوعية الحركة الواقعیة التي تلغي الأوضاع القائمة حالیاً- كارل ماركس((.

إنَّ الممثل التاريخي لهذه الحركة هي البروليتاريا، الطبقة التي لا تنظر إلى التاريخ إلاَّ من خلال شروط حياتها الخاصة، فعلى العكس من البرجوازية، لا تملك البروليتاريا شيئاً خاصاً بها حتى تصونه وتحميه، وكلُّ ما تملكه هو قوة عملها، القوة التي تجلب لها التعاسة، بينما الثروة لمضطهديها. ومادامت البروليتاريا لا تملك ملكية خاصة بها، فإنَّها لا تحتاج إلى الامتلاك الخاص للوسائل الإنتاجية في الدولة، فإنَّ كلَّ ما تملكه البروليتاريا هو الشرط الشخصي للإنتاج، أي قوة العمل، لذا فإنَّها لا تصارع الرأسمالية، إلاَّ لتجريد نفسها من هذه الملكية، أي القضاء على نفسها بوصفها بائعة قوة العمل، منتج القيمة. والثورة الشيوعية تستهدف في الأساس إزالة بائعة قوة العمل، لأنَّ قوة العمل مصدر للعمل الزائد لجمیع حشرات المجتمع الرأسمالي، لذلك لا تعلن البرولیتاریا ثورتها إلاَّ لإزالة نفسها بوصفها شرطاً من شروط وجود الرأسمالية، لذا فإنَّ سیادة البرولیتاریا لیس لها أي معنى في الواقع التاریخي. وحین يوجد العالم الهمجي الموجود بوجود البرولیتاریا، والملكیة الخاصة توجد بوجودها، تضطر بالضرورة إلى إعلان القضاء على ذاتها بدل الحفاظ على وجودها، ولكن ليس هذا وحسب، بل ولا یمكن للبرولیتاریا تحریر نفسها من الاضطهاد، دون تحریر المجتمع من الاضطهاد، وعلى العكس من لینین وفلسفته أي الماركسیة، بینت ثورة الكومونة أنَّ البرولیتاریا لا تستهدف من نضالاتها سوى الإطاحة بالدولة، لأنَّ الاستیلاء على الملكیة الخاصة وجعلها ملكیة جماعیة (كومونات إنتاجیة) أمر غیر ممكن، دون الإطاحة المسبقة بسلطة الدولة بجمیع أشكالها.

((لم تكن الكومونة ثورة ضد هذا الشكل أو الآخر من السلطة، شرعي، دستوري، جمهوري، أو ملكي، إنَّها ثورة ضد الدولة نفسها – كارل ماركس)).

الأطروحة الثانیة: الشیوعیة والاقتصاد السیاسي

كان ظهور الكومونة بوصفها حركة اجتماعیة جدیدة في التاریخ، یعني انتهاء الفصل التاریخي الخاص بالجمهوریة وانتقال الحركة التاریخیة من (الدیمقراطیة) إلى (الشیوعیة)، فمع وصول البرجوازیة إلى الحكم السیاسي، انتهى الوهم الشائع الذي یتخیل أنَّ الانسجام الاجتماعي والسلم الطبقي في المجتمع المدني، أمر ممكن خلال ممارسة الجمیع للدیمقراطیة، وسرعان ما انكشف أنَّ الانسجام الاجتماعي في المجتمع الدیمقراطي الحدیث أمر مستحیل، تماماً بقدر ما كان من غير الممكن الانسجام بين العبد وسيده في المجتمع القديم، فالحق والحرية في المجتمع المدني، ليست سوى الحق والحرية لعبد مأجور لبيع قوة عمله من جهة، ولاستغلال حر للعمل من قبل سيد العمل، من جهة أخرى.

((إنَّ الاعتراف بحقوق الإنسان من قبل الدولة المعاصرة يتسم بنفس المغزى الذي اتسم به الاعتراف بالعبودیة من قبل الدولة القدیمة – كارل ماركس)).

وهكذا، ظهرت الدیمقراطیة، ليس لإنهاء العبودیة بل لتغيیر شكل العبودیة. أمَّا العبودیة المعاصرة فتقودها التجارة والمنافسة الحرة، التجارة التي لم تكن سوى حریة رأس المال الذي یقوم بتحطیم القیود القومیة التي كانت ما تزال تعيق تطوره الطليق، وعلى العكس من لينين واقتصاده السياسي (الماركسي) بدأت الشيوعية بدحض الاقتصاد السیاسي بوصفه وجهة النظر الاقتصادیة للبرجوازیة الدیمقراطیة في المجتمع، وما جعل هذا الدحض أمراً ممكناً هو انتقال الحركة التاریخیة من مرحلة إلى أخرى، أي من (الدیمقراطیة) إلى (الشیوعیة)، لأنَّه على النقیض من الدیمقراطیة ( نظام العمل المأجور) طرح التاریخ على بساط البحث، مسألة جدیدة فی التاريخ هي: الملكية الجماعية! وهذا بعدما وصل الصراع إلى صراع حاسم بين رأس المال والعمل، أي بالتحديد بين الديمقراطية والشيوعية. أمَّا لدى الاقتصاد السياسي، فيشترط (رأس المال) و (قوة العمل) بعضهما البعض بصورة متبادلة، وینتج كلٌّ منهما الآخر بصورة متبادلة، لذا فإنَّ مصلحة البرجوازیة والعمال متماثلة في المجتمع البرجوازي، فالعامل سیموت ما لم یجد وسیلة عیشه لدى الرأسمالي، ورأس المال یتوقف ما لم یستغل قوة العمل، وهما في الوقت نفسه بإمكانهما العيش سلمياً في ظل الديمقراطية نظراً لأنَّ الديمقراطية أحلت الحرية محل الامتیاز، والعبد المدني له حقوق متمیزة في المجتمع الدیمقراطي، وهو البیع الحر لقوة عمله، اي اختیار سيده بنفسه أولاً، وحق انتخاب ممثليه للبرلمان البرجوازي، أي الى (المجلس الوطني) الذي يقرر عبوديته ثانيا. وهنا يصل الاقتصاد السیاسي إلى استنتاجه الأخير: أزلیة المجتمع الرأسمالي!

((إنَّ الاقتصاد السیاسي برجوازي، إنَّه یدرس النظام الرأسمالي ليس كدرجة عابرة تاریخیاً من درجات التطور، بل على العكس كشكل مطلق نهائي للإنتاج الاجتماعي – كارل ماركس)).

وهكذا، يزعم الاقتصاد السياسي أي الاقتصاد البرجوازي، أنَّ تطور الديمقراطية والمدنية، والنمو السريع لرأس المال، يخلق حالة من (الرفاهية) الاجتماعية بحيث يجعل من نضال الشغيلة ضد رأس المال أمراً نافلاً، علماً بأنَّ كلَّ نمو لرأس المال ومدنیته ورفاهيته، لا يعني سوى الازدياد في الهوة الاجتماعية بين الرأسمالي والشغيلة، فرأس المال لا یزید إلاَّ على حساب العامل وإرهاقه الجسدي والنفسي، وتعاسته وعلاقاته العائلیة إلخ... ولا یكون هناك تطور ولا رفاهية دون التبذیر بحیاة الشغيلة. وعلى العكس من الاقتصاد السياسي، فما يجمع بين رأس المال والعمل هو حاجة غير إنسانية، فنظام العمل المأجور، حوَّل وسائل العيش إلى رأس المال، والعمل إلى وسيلة للعيش أي لاكتساب هذه الوسائل، فرأس المال لا يدخل في علاقة مع العمل ما لم ينتج له فائض القيمة، وهو يبادل قيمة بقيمة، فحين يواجه العمَّال رأس المال في السوق، يواجه الأفراد الذين ينتجون القيمة الزائدة خلال بيع قوة عملهم، وهذا لشراء المنتجات التي ينتجونها بأنفسهم، فرأس المال لا يستطيع أن يكون مصدراً مستقلاً للقیمة الزائدة كما یقول كارل ماركس، فالقیمة الزائدة لا تتحقق إلاَّ من خلال علاقة إنتاجیة، والعلاقة الإنتاجية هذه لا تعبر إلاَّ عن التناقض بين جانبي العمل المأجور، رأس المال والعمل، والشیوعیة بوصفها حركة اجتماعیة، لم تظهر إلى الوجود إلاَّ لكي تعبر عن هذا التناقض.

وهكذا، نرى أنَّ الاقتصاد السیاسي هو أصلاً اقتصاد برجوازي، یدرس المجتمع من زاویة مصالح الطبقة السائدة، أي من زاویة أبدیة المُلكیة الخاصة. وإنَّ إحدى أهم إسهامات كارل ماركس، هو انتقاده بعمق لمنهج الاقتصاد السیاسي في كتابه (رأس المال – نقد الاقتصاد السیاسي) من وجهة نظر المادیة التاریخیة، فبعد ظهور الشیوعیة بوصفها نقیضاً للدیمقراطیة، أي بعد تطور الصراع في المجتمع المدني بین (البرولیتاریين الشیوعیين) و (البرجوازیين الدیمقراطیين) أعلن الاقتصاد السیاسي إفلاسه النهائي كالفلسفة.
لذلك، فإنَّ العودة إلى ما خلَّفه الاقتصاد السياسي ورائه، مثله مثل العودة إلى الأوهام الفلسفية وباسم الشيوعية، لم تكن سوى نشر للأوهام وسط الشغيلة حول أهدافهم، وكیفیة وصولهم إلى الهدف، ثم شلُّ هجومهم على العالم القائم، فالاقتصاد السياسي (الماركسي) الذي لم يكن سوى تطوير خلاق للاقتصاد السياسي البرجوازي نفسه، لم يستهدف منذ ظهوره، سوى تمجید الرأسمالية ودیمقراطیتها، وتعزیز سیادتها السیاسیة على المجتمع في زمن تفسخها.

إنَّ ميدان الاقتصاد السياسي هو المجتمع المدني كما يقول كارل ماركس، أمَّا ميدان الشيوعية أي المادية التاريخية فهو التاريخ العالمي. لذلك فالأول یدرس مجتمعاً مدنياً كما خرج من الامتیازات الطبقیة، بینما الثاني يدرس مجتمعاً مدنياً كما دخل محور تناقضاته الأخيرة، الأول یدرس الماضي نحو الحاضر، بينما الثاني يدرس الحاضر نحو المستقبل، الأول ینطلق من الدیمقراطیة بوصفها نظاماً یعطي الجمیع حق التملك الخاص، بينما الثاني ينطلق من الشيوعية بوصفها حركةً تًناقض كلَّ تملك خاص، الأول ينطلق من إلغاء الامتيازات الطبقية، بينما الثاني ينطلق من إلغاء الطبقات ذاتها وكلِّ ما یلازمها من (الوطن) و(الشعب) و(القومیة) فالأول یجعل من كلمة الشعب والوطن شیئاً مقدساً، بینما الثاني لا تجد حركة طبقتي المجتمع البرجوازي إلاَّ في المستوى العالمي، فالشیوعیة لا تنظر إلى الطبقات إلاَّ من زاویة التاریخ العمومي و(الاستقطاب الطبقي) بین طبقتي المجتمع الرأسمالي على صعید التاریخ العالمي.

((إنَّ البرولیتاریا لا یمكن أن توجد إلاَّ على صعید التاریخ العالمي، تماماً كما أنَّ الشيوعية التي هي نشاطها، لا یمكن أن تصادف على الإطلاق إلاَّ من حیث هي وجود (تاریخي عالمي) ))، وبينما برجوازية كلِّ أمة تحتفظ بعد بمصالح قومیة خاصة، فقد خلقت الصناعة الكبرى طبقة تملك نفس المصلحة في جميع الأمم، وقد ألغیت القومیة سلفاً بالنسبة إليها))، ((إنَّ التعلق العنید بوجهة نظر القومیة لا تصادف في الوقت الحاضر لدى جميع الشعوب، إلاَّ بين البرجوازيين وكتابهم))، ((إنَّ العمل الصناعي الحديث الذي يضم في طياته استعباد العامل من قبل الرأسمال، قد جرَّد العامل سواءاً في انكلترا، أو فرنسا، أو أمیركا، أو ألمانیا من كلِّ صبغة وطنية – كارل ماركس)).

وهكذا، فالبروليتاريا مدعوة تاريخياً للقضاء على المجتمع المدني والفوضى الناتجة منه، والنظام الديمقراطي الذي يضمن الفوضى التي تلازمها المدنية.

((الفوضى هي قانون المجتمع المدني المتحرر من الامتيازات المتفرقة، وفوضى المجتمع المدني هي أساس النظام العام الحديث، تماماً كما أنَّ النظام العام يضمن بدوره تلك الفوضى – كارل ماركس)).

الأطروحة الثالثة: الشیوعیة والجمهوریة الاشتراكیة

كما كانت الفلسفة الهیغلیة آیدیولوجیة رسمية للمَلـَكية في مرحلة معينة من التطور البشري، أصبحت الفلسفة الماركسیة أيضاً آیدیولوجیة رسمیة للجمهوریة في مرحلة أخرى من مراحل التاریخ. وكما تفسخت الفلسفة الهیغلیة بدافع التطور الصناعي، وظهور الجمهوریة، وموقف الشغيلة منها على الأخص، تفسخت الفلسسفة الماركسية أيضاً، بدافع تطور جديد في حركة الشغيلة ضد الجمهوريات المقَنَعة بالشيوعية على الأخص، فالشغيلة، الطبقة المُكَلَّفة تاریخیاً بقلب سلطة الدولة، آلهة الملكية الخاصة، لا تظهر إلى السطح إلاَّ لكي تصارع الدولة، فالدولة بالنسبة إليها هي الدولة مهما كان شكلها وحكامها.

في الأطروحتين الأولى والثانیة، حاولنا تحدید كلِّ ما یمكن تحدیده في موضوع كهذا، من التناقضات الفكرية بين (الشیوعیة) و(الماركسیة). وفي الأطروحة الثالثة، نحاول تحدید كلِّ ما یمكن تحديده من التناقض العملي بين (الشیوعیة) و (الماركسیة). ولكن لا یمكننا النظر إليه إلاَّ من زاویة الصراعات الطبقیة التي كانت موجودة داخل روسيا وخارجها في الفترة ما بين (1917 - 1923) نظراً لأنَّ هذه الصراعات أصبحت مختبراً تاریخياً للثورة التي ماتزال تشق طريقها الشاق نحو الشيوعية، والجمهورية الاشتراكية التي لم تكن سوى أسطورة من أساطير البرجوازية نفسها.

كانت ثورة شباط عام (1917) في روسیا امتداداً لثورة عام (1905)، كما أنَّ سوفیت عام (1917) نفسه، لم يكن سوى الصدى البعیدة للثورة التي أعلنتها البرولیتاریا في عام (1905).

عام 1905: حین كانت الاشتراكیة – الدیمقراطیة تشغل بالها بصیاغة برنامجها الحزبي السیاسي وتوجیه العمال نحو تحقیق ما یسمى بـ (برنامج الحد الأدنى) أي الحصول على الحریات السیاسیة، طرحت البرولیتاریا لغزاً لم تفهمه أدمغة الساسة الاشتراكیین – الدیمقراطیین: الثورة ضد العبودیة المأجورة!

((أمَّا البرولیتاریا الثوریة، فإنَّها مادامت تسیر بقیادة الاشتراكیة – الدیمقراطیة تطالب بنقل كامل السلطة إلى الجمعیة التأسیسیة، ولهذا الهدف، لا تناضل في سبیل الاقتراع العام وحریة التحریض وحسب، إنَّما تناضل أيضاً من أجل دَكِّ حكومة القیصر فوراً والاستعاضة عنها بحكومة ثوریة مؤقتة – لینین)).

وهكذا، منذ أول انتفاضة كبیرة في روسیا، اتضحت الأهداف التاریخیة المختلفة لطبقة الشغيلة والاشتراكیة – الدیمقراطیة (بكتلتيها الیمین والیسار)، فالقضیة التي طرحتها الشغيلة في ثورة عام (1905) والتي لم تكن سوى ثورة برولیتاریة، اختلفت جذریاً عن القضیة التي طرحتها الاشتراكیة – الدیمقراطیة، فالبرولیتاریا أعلنت صراحة أنَّ هدف انتفاضتها هو القضاء على نظام العبودية في العمل، لذا لم تعلن سوى ثورة ضد الأسس الاجتماعیة للنظام القائم. أمَّا الاشتراكیة – الدیمقراطیة فلم تطالب إلاَّ بإسقاط حكومة القیصر والاستعاضة عنها بجمهوریة برلمانیة، لأنَّ (الوضع الاقتصادي) حسب الفلسفة الماركسیة، أي العقلية اللينينية، كان یجعل من المستحیل المطالبة بشئ آخر سوى الجمهوریة الدیمقراطیة.

((إنَّ درجة التطور الاقتصادي في روسیا، ودرجة الوعي، والتنظیم عند الجماهیر الغفیرة من البرولیتاریا تجعلان من المستحیل تحریر الطبقة العاملة فوراً وكلیاَ، ولايستطيع غیر أجهل الناس تجاهل الطابع البرجوازي للانقلاب الدیمقراطي القائم، كما لا يستطيع غیر المتفائلین المغرقین في السذاجة أن ينسوا أنَّ سواد العمال لا یعرفون حتى الآن إلاَّ أقلَّ القلیل عن أهداف الاشتراكیة و وسائل تحقیقها – لینین)).

و هكذا، فكأنت الشیوعیة غیر ممكنة إلاَّ بعد تكاملها المسبق في أدمغة الساسة الآیدیولوجیين، ولا تأخذ الثورة البرولیتاریة طابعاً برولیتاریاً إلاَّ بعد ما یدركها الآیدیولوجیون، فلم تكن ثورة عام (1905) سوى ثورة برولیتاریة لدى البرولیتاریا، أمَّا لدى الاشتراكیة – الدیمقراطیة، فكانت ثورة (ذات میول دیمقراطیة غریبة عن الشیوعیة – لینین) لأنَّ (التناقضات الطبقیة كانت ضعیفة التطور) حسب تصورات لینین. ولكن في الواقع، كان إعلان الثورة من قِبَل العمال، دلیلاً ساطعاً على وجود التناقضات الحاسمة بین البرجوازیة والبرولیتاریا، وبین البرولیتاریا والاشتراكیة – الدیمقراطیة أيضاً، وكانت البرولیتاریا مدركة تماماً لما تفعله، أي أنَّها كانت على العكس من الاشتراكیین – الدیمقراطیین الذین كانوا یعلنون أنَّ البرولیتاریا (تخطو الخطوة الأولى نحو أهدافها بالوسیلة الممكنة الوحیدة، أي بطریق الجمهوریة الدیمقراطیة – لینین)، أعلنت ثورتها ضد الأوهام التي كانت تنشرها الاشتراكیة – الدیمقراطیة على الأخص، فإذا كان البدیل الوحید للحكومة القیصریة هو الحریات الدیمقراطیة لدى الاشتراكیین – الدیمقراطیین، فإنَّ المُلكیة الجماعیة كانت البدیل الوحید للقیصریة لدى البرولیتاریین، ولذلك لم یتردد الاشتراكیون – الدیمقراطیون في الإسهام في دوما الدولة (مجلس الدولة القیصریة). ويقول لينين بكل اعتزاز: ((استخدمت البلاشفة بنجاح ربما یكون أكبر من نجاح أي حزب آخر في العالم، إذ إنَّنا ظفرنا بكل مقاعد العمال في الدوما الرابع من عام (1912) إلى عام (1914) - لینین)).

وماذا كانت دوما الدولة؟ كانت مؤسسة تمثیلیة في روسیا القیصریة، عقدتها القیصریة لإنقاذ نفسها من مخاطر ثورة أعوام (1905 - 1907) وشاركت فیها الاشتراكیة – الدیمقراطیة (وكان لینین عضواً رسمیاً للبلاشفة في الدوما) باسم العمال ولغرض تقویة أوهام الدیمقراطیة في الأوساط البرولیتاریة وللقضاء على ثورتها.

وهكذا، فالفاصلة التاریخیة بین (الشیوعیة) و (الماركسیة) كانت نفس الفاصلة التاریخیة بین الشیوعیة و الرأسمالية، أي بین الشیوعیة والجمهوریة، ولیس من المستغرب أن یعلن لینین صراحة بأنَّه معارض عنید للكومونة ونصیر متحمس للجمهوریة:

((ما هي (الكومونات الثوریة)؟ وهل یختلف هذا المفهوم عن مفهوم (الحكومة الثوریة المؤقتة)؟ و إذا كان یختلف عنه، فَبمَ؟ ..))

((ینبغي أن نُفْهِم العمال والشعب كلَّه، بوضوح و دون لبس و إبهام، لماذا نرید إقامة حكومة مؤقتة ثوریة، وما هي بالضبط التحویلات التي سنحققها فوراً، في حال الانتفاضة الشعبیة التي بدأت، و إذا كان لنا تأثیر حاسم في الحكم، تلك هي المسائل التي تواجه القادة السیاسیین.

إنَّ المؤتمر الثالث لحزب العمال الاشتراكي – الدیمقراطي في روسیا، یجیب عن هذه المسائل بوضوح، وهو یعطي البرنامج الكامل لهذه التحویلات، برنامج الحد الأدنى الذي وضعه حزبنا، في حین أنَّ كلمة (الكومونة) لا تعطي أيَّ جواب، بل تزعج الأذن بصوت رنان بعید، أم بصوت فارغ لا معنى له – لینین)).

وفعلاً فإنَّ كلمة الكومونة لامعنى لها بالنسبة لاشتراكي – دیمقراطي، لأنَّ الكومونة لها (صوت رنان، يزعج الأذن) والكومونة التي أعلنتها البرولیتاریا بنفسها، لم تكن سوى (جنوناً فوضویاً) حسب هذا الرجل الجمهوري، لذا فإنَّ محاربتها هي محاربة هذا (الجنون) كما یقال، وفعلاً لم تكن البلاشفة في طول تاریخها سوى حزبٍ جمهوري، وما الكومونة بالنسبة لحزب جمهوري سوى (جنونٍ فوضوي)؟

هكذا استمرت العلاقة بین الشغيلة والاشتراكیة - الدیمقراطیة في الفترة ما بین انتفاضة عام (1905) و انتفاضة عام (1917)، فمنذ الأيام الأولى للثورة، اتضحت الأهداف المختلفة للاشتراكیة – الدیمقراطیة التي لم تطالب في نشاطاتها إلاَّ بإقامة الجمهوریة الدیمقراطیة، والطبقة البرولیتاریة التي لم و لن تناضل في طول تاریخها إلاَّ لأجل الإطاحة بالدولة بجمیع أشكالها، الجمهوریة الدیمقراطیة كالمَلَكیة.

كان بحسب لينين، هذا الرجل الجمهوري الكريم، والذي لم يحقق سوى ما حققه غاندي في الهند وجمال عبد الناصر في مصر: الجمهورية، إنَّ الجمهورية البرجوازية هي الشكل الأفضل من المَلكية، أمَّا الجمهورية السوفیتیة (الجمهوریة الاشتراكیة) فإنَّها شكل أعلى من الجمهوریة الدیمقراطیة:

((نحن نؤید الجمهوریة الدیمقراطیة لأنَّها بالنسبة إلى البرولیتاریا الشكل الأفضل من الدولة في عهد الرأسمالية –لینین)).

أمَّا ((جمهوریة السوفیت فهي شكل للدیمقراطیة أعلى من الجمهوریة البرجوازیة العادیة التي تقوم فیها جمعیة تأسیسیة – لینین)).

هذا هو نبینا المبشر في كمال تصوره للتاريخ: (الجمهورية البروليتارية)! فكلُّ شيء يمكن أن يفقد أساسه التاریخي إذا بدلنا اسمه فقط، فالجمهوریة تفقد طابعها الطبقي مع كلمة (البرولیتاریا) وتبقى على حالها مع كلمة البرجوازیة.

وهكذا، فعلى البرولیتاریا أن تحقق ما یسمى بـ (برنامج الحد الأدنى) في الجمهوریة الأولى، وأن تحقق ما یسمى بـ (برنامج الحد الأقصى) في الجمهوریة الثانیة، أي فيما یسمى بجمهوریتها هي نفسها. یا للسخریة!

ولكن لندع الآن هذه السخریة و لنرَ: ماذا تفعل (الجمهوریة الاشتراكیة)؟

عام 1917: لم تكن ثورة عام (1917) سوى الذاكرة التاریخیة لثورة عام (1905)، والتجارب والدروس التاریخیة التي تركتها الثورة الأولى، كانت ما تزال تحتفظ بقوتها في ذاكرة البرولیتاریين الشیوعیين، ففي شباط عام (1917) حین كان القادة السیاسیون، یحضرون أنفسهم لتحقیق حلمهم القدیم (الجمهوریة الدیمقراطیة) بدأت البرولیتاریا بالاستيلاء على المعامل في المدن الروسیة الكبیرة، وأعلنت السوفیتات عفویاً ودون خبر أو إرشاد من (القادة السياسيين)، أي دون علم هؤلاء السیاسیين الذین كانوا ما یزالون یلعبون مع كتاباتهم في غرفهم المليئة بالأوهام الإصلاحیة.

ظهرت السوفیتات في الثورة بصورة عفویة، ولكن دون معرفة ساسة الاشتراكیین –الدیمقراطیین الذين بدؤوا من جديد بنشر أوهامهم القديمة حول الطابع البرجوازي، أي الديمقراطي للثورة. وبدلاً من الإسهام في الثورة الفعلية التي كانت موجهة في الأساس نحو تهديم نظام العبودية المأجورة، اتجهت الاشتراكية – الديمقراطية (البلاشفة والمناشفة) كعادتها نحو صنادیق الانتخابات وللمشاركة في الحكومة الثوریة المؤقتة، أمَّا هذه المرة (وجدت البلاشفة نفسها أقلیة في الجمعیة التأسیسیة – لینین).

أمَّا بعد فشلها في الجمعية التأسيسية، بادرت البلاشفة باستلام مقاليد الحكم في أكتوبر عام (1917) وهذا لإقامة جمهورية جديدة تسمى (الجمهورية البروليتارية).

وهكذا، عندما بينت الحكومة المؤقتة أنَّه ليس بمستطاعها أن تحافظ على شرف الجمهورية، أخذ البلاشفة دور الشرف لإنقاذ شرف الجمهورية، ولكن كان إنقاذ الجمهورية وسمعتها السيئة في عصر تفسخها، أمراً غير ممكن عملياً دون إحلال (الجمهوريين الاشتراكيين) محل الجمهوريين البرجوازيين وإخفاء الوجه الأسود للجمهورية وراء (الكلمة) التي أنتجتها البروليتاريا في ثورتها للتعبير عن أهدافها أي كلمة (السوفيتات) وكان البلاشفة الفصيل الأكثر تأهيلاً بين فصائل الجمهوريين لإنقاذ الجمهورية من مخاطر الثورة التي كانت تستهدف في الأساس تهديم حكم البشر السياسي، أي إسقاط الدولة بدل تغيير شكل الدولة من المَلكية إلى الجمهورية، لأنَّ الجمهوریة في أوج دیمقراطیتها بینت بنفسها منذ أول انتفاضة برولیتاریة كبیرة في باریس عام (1848) أنَّها ليست سوى منظمة طبقة الديمقراطيين ضد طبقة البروليتاريين، ومنذ عام (1817) إلى عام (1874) قد قتلوا وأعدموا وشردوا أكثر من (100.000) مناضل من الكومونيين على أيدي كلاب الجمهوريين الديمقراطيين، والجمهورية جاءت تاريخياً لتعزز سيادة نظام العبودية الحرة، وسيادة رأس المال، وهذا عن طريق إعادة البنيان السياسي للمجتمع لمصلحة سادة السياسيين الجدد: البرجوازية! و أعلنت البرولیتاریا ثورتها لأول مرة في التاریخ ضد الجمهوریة الدیمقراطیة بالذات، لأنَّها سرعان ما اكتشفت أنَّ الجمهوریة الدیمقراطیة، هي الإعلان الرسمي لعبوديتها، العبودية الحديثة، وابتداءاً من عام (1848) أعلنت البروليتاريا صراحة أنَّ مصالح الطبقة البرجوازية والشروط التاريخية لسيادتها والعبودية الحديثة في العمل، هي التي تشكل المضمون التاريخي للجمهورية والديمقراطية، وأنَّ نزعة الدیمقراطیة هي نزعة البرجوازیة التاریخیة للسیادة، ولم تحقق البلاشفة في الواقع، سوى هذه النزعة التاريخية، لذا فإنَّ أول عمل قامت به البلاشفة هو إعلان جمهوريتها. وإذا كانت الحكومة المؤقتة لم تنجح في إقامة الجمهوریة، فأصحاب رایة الجمهوریة الحمراء أي (الجمهوریين الاشتراكیين)، أخذوا على عاتقهم أمر الحفاظ على شرف الجمهوریة، لأنَّ الجمهوریين البرجوازیين أي الجمعیة التأسیسیة، خانوا قضیة الدیمقراطیة حسب البلاشفة، لذا على الطبقة البرولیتاریة أن تطبقها في جمهوريتها حتى النهایة، وهكذا فتحت البلاشفة صفحة أخرى من صفاحاتها الرجعية: الجمهوریة الاشتراكیة! والبلاشفة الجمهوریون الذین استولوا على الحكم السیاسي باسم ثورة البرولیتاریا، برهنوا مرة أخرى أنَّ الجمهوریة لیست سوى الدولة التي تضمن عبودیة البرولیتاریا.

وهكذا، فتح التاریخ فصلاً آخر من فصول الصراع بین الطبقة البرولیتاریة والجمهوریة، فلكي تتمكن الجمهوریة من تضمين العبودية الحرة، كان عليها أن تتظاهر بنفسها وكأنَّها بإمكانها أن تضمن لا المصلحة التاريخية للبرجوازیة وحسب، بل المصلحة التاریخیة للبرولیتاریا أيضاً، أمَّا البرولیتاریا فسرعان ما أدركت أنَّ (الجمهوریة الاشتراكیة) هي نفس الجمهوریة القدیمة، وأنَّها لیست سوى وسیلة لاخفاء الطابع العبودي للجمهوریة نفسها، ولیس هذا وحسب، بل التجربة التي اكتسبتها البرولیتاریا من البلاشفة الجمهوریین وهي أنَّ الدولة لا تغیر صفتها الاستبدادیة مهما كان اسمها، وأنَّ الجمهوریة الاشتراكیة هي شكل آخر من أشكال الدولة، أمَّا الجمهوریة فليست سوى الشكل السياسي للدولة الذي أعلنه عصر التنوير، عصر الثورات البرجوازية في النصف الأول من القرن التاسع عشر. ولكن إذا كان النصف الأول من القرن التاسع عشر، قد طرح على بساط البحث مسألة الدولة الجمهورية، فالنصف الثاني من نفس القرن قد طرح على بساط البحث مسألة إنهاء الدولة واجتثاث جذورها في المجتمع مرة واحدة وإلى الأبد، كما يقول كارل ماركس، ففي عام (1871) أعلنت الشغيلة أنَّها لا تستهدف إسقاط شكل الدولة، بل الإطاحة بالدولة بالمعنى التاريخي للعبارة. و إنَّ ما كررته الشغيلة في عام (1917) لم يكن سوى ما أعلنته الشغيلة في محاولتها الفريدة من نوعها أثناء ثورة عام (1871 - كومونة باريس). وكان الصراع الدائر بین الشغيلة والبلاشفة الجمهوریين في عام (1917) هو نفس الصراع التاریخي الدائر بین الجمهوریين الفرنسیين والبرولیتاریين الكومونیين في عام (1871). أعلنت ثورة عام (1871) أمام العالم أنَّ عصر الثورات البرجوازية ولَّى زمنه، وأنَّ الطبقة البرولیتاریة باشرت ثورتها ابتداءاً من إعلان الكومونة، وأنَّ الفاصلة التاريخية بين عصر البرجوازیة للثورات والعصر البرولیتاري للثورة، هي نفس الفاصلة التاريخية بين إسقاط شكل الدولة (تحويل المَلـَكية إلى الجمهورية) وإسقاط الدولة ذاتها، أي إنهاء حكم الإنسان على الإنسان، لأنَّ الثورة البرولیتاریة طرحت على بساط البحث مسألة جدیدة في التاریخ: المُلكیة الجماعیة! وأعلنت في نفس الوقت أنَّ الهدف المباشر أمامها هو إسقاط الدولة نهائیاً بدل تجدیدها.

وهكذا، فالدولة الجمهوریة هي الحصیلة النهائیة لتكامل علاقات المُلكية البرجوازية. والديمقراطية ليست سوى الشكل السياسي المناسب للجمهورية، وبما أنَّ المُلكية الخاصة أعلنت خاتمتها في الملكية البرجوازية بالذات، فإنَّ الدولة أعلنت نهايتها في الجمهورية وحياتها الديمقراطية بالذات. و جاءت ثورة الكومونة لتؤكد على هذه الواقعة التاریخیة، وبعدما أعلنت البرجوازية جمهوريتها الديمقراطية، وأعلنت البروليتاريا موقفها منها، فأصبح بعد ذلك تقدیم كلِّ مطلب بشأن تغیر شكل الدولة السیاسي، مطلباً رجعیاً من الناحیة التاریخیة، ولهذا السبب بالذات أضطرت الدولة إلى أن تستخدم قناعاً جدیداً لإخفاء نفسها من الهجوم الذي أعلنته البرولیتاریا علیها، وكما أعلن الجمهوریون البرجوازیون أنَّ الجمهوریة هي الشكل الوحيد للدولة العقلانية، فكذلك أعلن البلاشفة الجمهوریون أنَّ (الجمهوریة الاشتراكیة) هي الشكل الأفضل للجمهوریة العقلانیة. وفعلاً فالمعركة التاریخیة الأساسية في الفترة ما بين الأعوام (1917 - 1923) لم تكن سوى معركة إنقاذ الجمهوریة من مخاطر الثورة الأممية التي لم تكن تهدد المَلـَكية أو الجمهورية، لا هذا الشكل السیاسي أو ذاك من أشكال سلطة الدولة بل الدولة ذاتها. إنَّ الجوهر التاريخي لهذه المعركة، يتلخص في محاولة البلاشفة إقناع البروليتاريا بإقامة ما يسمى بدولتها أي جمهوریتها الجدیدة، وللمحاولات المتتالیة لطبقة البرولیتاریا لإنشاء الكومونات الإنتاجیة والإدارية. وابتداءاً من الاستيلاء على الحكم السياسي، بدأ البلاشفة بتحويل السوفيت إلى أجهزة تابعة للدولة وقضى عليها وعلى محتواها ومهمتها التاريخية التي كانت تتلخص في تطوير الثورة نظراً لأنَّها كانت منظمة كفاحية لطبقة البروليتاريا، وكان الاشتراكيون – الديمقراطيون أنفسهم يعترفون بهذه الحقيقة، واعترف كلٌّ من كاوتسكي، وبلیخانوف، ولینین، وتروتسكي وآخرون، أنَّ السوفیتات قوة طبقیة أممیة وأمامها آفاق جدیدة في العالم. وفعلاً كانت السوفيتات نقطة انطلاق ثورة أممية، لذا كان القضاء عليها بأية وسيلة المهمة العاجلة للبرجوازية العالمية، لذا لم تتأخر البلاشفة عن تحویل شعار (كلُّ السلطة للسوفیت) إلى (كلُّ السوفیت للسلطة السیاسیة) وكان تحویل السوفیتات إلى أجهزة تابعة للدولة، أول وأهم محاولة من محاولات البلاشفة لسحق الثورة الأممية التي بدأت ترتعد في القارة الأوروبية بأجمعها ابتداءاً من عام (1918). وبصدد تحویل السوفیتات إلى أجهزة تابعة للدولة، حذر فولین وكان شیوعيأً أناركيا،ً العمَّالَ من النتیجة النهائیة لهذا العمل منذ الأيام الأولى للثورة، ففي أواخر عام (1917) كتب فولين (Volin) في جریدة (صوت العمال) یقول:

((بعد أن تقوى سلطتهم (أي سلطة البلاشفة) و تصبح سلطة قانونية، سيبدأ البلاشفة بتنظيم البلد وحياة الناس من خلال مراسیم وبلاغات حكومیة وأسالیب دكتاتوریة مصدرة من المركز، وسيصبح سوفیتكم مع الوقت، عضواً تنفیذیاً نقیاً لإرادة الحكومة المركزیة، وسوف نشاهد تشیید سیاسة دكتاتوریة وجهاز دولة، والتي تقود كلَّ شيء من الأعلى وتبدأ في القریب العاجل بتحطیم كلِّ شيء بقبضتها الحدیدیة، والویل لكلِّ ما لا يتفق مع السلطة المركزیة))، ((كلُّ السلطة للسوفیت تتحول عملیاً إلى كلُّ السلطة لقادات الحزب)).

أصبحت السوفيت عضواً نقياً لإرادة الدولة والحزب وقاداته السياسية، وأدت البلاشفة كلَّ ما هو ضروري لسحق الثورة، ولم تكن (الجمهورية الاشتراكية) سوى فخٍ للثورة الأممية. وبعد أن قضت البلشفية على السوفيتات العمالية - (لم يبقَ أي أثر للسوفيتات البروليتارية بعد ربيع عام 1918) - وحولتها إلى عضوٍ تنفيذي للدولة البيروقراطية، فانتقلت آنذاك بكلِّ اطمئنان كلُّ الصلاحیات للسلطة المركزیة الدكتاتوریة، وأخضعت السلطة المركزیة مع رئیس جمهوريتها (لینین) في المركز وقائد جیشها الأحمر (تروتسكي) بدورها كلَّ السلطة لأعضاء الحزب، وحتى الديمقراطية (الخالصة) التي كانت تتحدث عنها البلاشفة، لم تكن سوى عرضٍ لأعضاء حزبها في المعامل للانتخاب، وإذا ما عارض أحد العمال مندوبي البلاشفة، فكان يعني تعريض نفسه لتخفيض أجرته، ولم يبقَ شيءٌ سوى عبارة واحدة: الجمهورية البروليتارية! وهذه الجمهوریة لم تكن سوى محاولة للبلاشفة لتحویل المجرى الأممي للثورة وتشويه محتواها ومغزاها الأممي والتاريخي وإعادة البروليتاريا بـ (السلامة) إلى أحضان الجمهورية، إلى أحضان الدولة والعمل المأجور، وبعد أن حوَّل البلاشفة السوفيت إلى جهاز نقي للجمهورية، أعلنوا آنذاك بأمان أنَّ الدولة مضطرة لاستخدام الأسالیب القدیمة في الرقابة على العمال (الرقابة العمالیة) وأصبح الحزب والنقابة، وسیلة فعالة في ید الدولة لتحقیق هذه الرقابة العمالیة. ولكن مع كلِّ مناورات البلاشفة ومناوشات البرجوازية العالمية، ورغم جميع العبارات المنتفخة الطنانة للبلاشفة حول الشيوعية، ورغم تنكر الدولة بشعارات الثورة نفسها، أدركت البرولیتاریا بسرعة، كلَّ حیل البلاشفة وأساليبهم الخدَّاعة. وفي صيف عام (1918) بدأت الطبقة الثورية من جديد في موسكو وبتروغراد بتنظيم نفسها في سوفيتاتها المستقلة عن (السوفيت) التي فقدت كلَّ معانيها الطبقية وأصبحت ضليعة فعلياً في الأجهزة الحكومية. ولكن كان الوقت متأخراً جداً، لأنَّ الدولة كان لها الوقت الكافي للقضاء على السوفیت، وتنظیم نفسها، وتقویة جيشها، وأجهزتها البوليسية والقمعية الأخرى، لذا كانت كلُّ محاولة من هذا القبیل محكومة بالفشل.

من عام (1918) إلى عام (1921) انطلقت اضرابات عمالية في المدن الروسية الكبيرة ضد الدولة المقنعة بالشيوعية، فضربتها الدولة بصورة وحشية تحت ستار ضرب القوة المضادة للثورة. ونتيجة هذه النضالات المستمرة بين أعوام (1918 - 1921) ظهرت المعارضة في صفوف الحزب البلشفي نفسه. و بدأ البلاشفة باعتقال ونفي المعارضین سواءًا خارج الحزب أم داخله. وبجانب السوفیت التي أنشأتها الطبقة الثوریة من جدید في عام (1918) بدأت البرولیتاریا بالتحرك في جنوب أوكرانیا في نفس السنة، وعلى العكس من التنظیم السیاسي للبلاشفة، نظمت البرولیتاریا في أوكرانیا أي خارج المدن أيضاً، كومونات إنتاجیة، وبدأت البرولیتاریا في الریف بـ (تجربة) الملكیة الجماعیة عن طریق إنشاء الكومونات، وكان الرجال و النساء و الاطفال يسهمون في العمل الإنتاجي بصورة جماعیة. وكانت المیزة الأساسية لهذه الكومونات أنَّها لم تكن مرتبطة بالمصلحة السیاسیة ولا خاضعة لأي حزب أو سلطة سیاسية. وللمرة الثانیة بعد كومونة باریس، ألغت التجنید الإجباري وأقامت جیشاً اختیاریاً، وكانت دلیلا ساطعا على الاختلاف الجذري بین مصلحة السادة السیاسیین الذین كانوا ينادون للدولة السياسية في موسكو، ومصلحة الطبقة المكلفة تاريخياً بإنهاء حكم البشر السياسي، فحين كان البلاشفة يقومون بالدعاية بین الأوساط البرولیتاریة في روسیا والعالم أجمع حول عدم إمكانیة إنشاء الكومونات وحول (الصوت الرنان المزعج للكومونة) بدأت البرولیتاریا بإنشاء الكومونات داخل روسیا وخارجها رغم أنف البلاشفة. وقبل أن تصبح السلطة البلشفیة سلطة قادرة على مقاومة البرولیتاریین، اعترفت رسمیاً باستقلالیة هذه الكومونات في أكرانیا، ولكنَّها بعد أن اكتسبت القدرة، بدأت بتحطیم آخر بقایا الكومونات في أكرانيا والسوفيتات في المدن بأسالیب عسكریة.

في شباط عام (1921) بدأت الطبقة الثوریة من جدید بالإضرابات الواسعة في مدینة موسكو وبتروغراد، وأغلق العمَّال أبواب المعامل وبدأت الاتصالات التضامنية بینهم من جمیع الجهات، لأنَّ المجاعة والإرهاب قد أرهقتهم إلى حد أنَّه لم یبقَ بمستطاعهم السكوت والخضوع لما یسمى دولتهم. ولم یردَّ البلاشفة على مطالب العمال إلاَّ بإطلاق النار والاعتقالات، ورداً على هذه الأسالیب الوحشیة نظَّم (10.000) عامل في بتروغراد اجتماعاً احتجاجیاً ضد الدولة. ومن جانب آخر، نظَّم العمَّال أنفسهم في (كومونة) مستقلة عن- ومعادیة للدولة في مدینة كرونشتات الواقعة في الحدود الروسیة – الفنلندیة في عام (1921)، و أسهم عمَّال هذه المدينة جدياً في اجتماعات تضامنية واسعة للدفاع عن عمال بتروغراد وضد وحشیة الدولة والجیش الأحمر، وعبروا عن رأیهم حول البلاشفة في جريدتهم قائلين إنَّ الحزب الشیوعي لا یمثل سوى مصلحته الخاصة، ويحافظ على سلطته بأية وسيلة كانت، ويبين بنفسه عدم إمكانيته إنقاذ البلد من الحالة التي سقطت فيها، وحوَّل البلاشفة السوفيت التي حرمت من سلطتها، إلى شيء لا یعرفه أحد، وأحلت البلاشفة مكانها جهازاً بولیسیاً وألقنت قوانینها بالأسلحة الناریة والإرهاب، واستغلوا العمَّال بنفس الأساليب السابقة.

من الواضح أنَّ السلاح الأساسي في ید البلاشفة لسحق الثورة في روسیا، كان تعریف كلِّ ما كان یعارضهم بالثورة المضادة، ولذا كانوا یقتلون الآلاف من البرولیتاریین باسم البرولیتاریا نفسها وتحت ستار دولة البرولیتاریا، وهذا للحفاظ على عالمهم السیاسي، وتروتسكي الرجل الذي كان له (أعصابٌ حدیدية) لسحق الثورة، أخذ على عاتقه أمر القضاء على حركة الكرونشتاتیین.

هكذا كان الوضع في روسیا، روسیا الملیئة بالصراع بین البرولیتاریا والبلاشفة المتربعة على سدة الحكم.

ولكن الثورة التي بدأت في شباط عام (1917) وليس في أكتوبر عام (1917) كما يقال، لم تكن ثورة روسية على الاطلاق كما كان يدعى البلاشفة، وإنَّما كانت ثورة أممیة بالمعنى التاريخي للعبارة. لذا كان على البلاشفة، أن يسهموا جدياً في محاربة الثورة على المستوى الروسي والعالمي على حدٍ سواء منذ البدایة.

حین بدأت الثورة ترتعد ليس في روسيا فحسب، بل في القارة الأوروبية بأجمعها أيضاً، بدأت الحكومات بضربها كومونة تلو الأخرى. ونتیجة لتأزم الوضع الاقتصادي والاجتماعي للرأسمالیة العالمیة، والمجاعة التي انتشرت في العالم، وقوة الثورة التي انطلقت في روسیا، والسوفیت التي أنشأتها البرولیتاریا خلال تطور ثورتها، بدأت الاضرابات العمالیة بالانطلاق في كلٍّ من ألمانیا، وإیطالیا، والنمسا، والمجر في عام (1918). ونتيجة لهذه النضالات المستمرة، وإعلان السوفيت في روسيا، أُنشأت الكومونات في كلٍّ من هذه البلدان، ورغم كلِّ دعاية البلاشفة المغرضة والاشتراكية – الديمقراطية العالمية الموجهة لإقناع العمَّال بإقامة دولتهم الوطنية تارة، وتحقيق الديمقراطية والدفاع عن الوطن تارة أخرى، اتجهت البروليتاريا في العالم نحو إنشاء الكومونات، ففي مدينة فيينا بدأت الكومونات بالظهور في عام (1918) وفي برلين باشر العمَّال بالاصطدامات المسلحة في الشوارع في كانون الثاني عام (1981) وفي بودابست، وشبه الجزيرة الشمالية في إيطاليا بدأت النضالات وتشكیل الكومونات في عامي (1918) و (1919). وقاومت هذه الحركة الأممية هجمات الرأسمالية العالمیة و مناوراتها إلى عام (1923).

أثناء هذا الوضع الثوري، بدأ البلاشفة باستخدام منبرهم السیاسي لمصلحة البرجوازیة العالمية، وهذا عن طريق نشر أوهام (الشیوعیة القومیة) وتشویه المغزى العالمي للثورة وتعریفها بوصفها ثورة للاستیلاء على الحكم السیاسي، وثورة السلم ضد الحرب، وثورة الوطنیین ضد اللاوطنیین، وقال لینین صراحة:

((نحن منذ 25 أكتوبر عام (1917) من أنصار الدفاع عن الوطن، نحن منذ هذا الیوم نؤید الدفاع عن الوطن))، ((نحن دفاعیون ابتداءاً من 25 أكتوبر عام (1917) نحن من أنصار (الدفاع عن الوطن) والحرب الوطنية التي نقترب منها هي حرب من أجل الوطن الاشتراكي، من أجل الاشتراكیة كوطن – لینین)).

وبهذه الكلمات العزیزة لدى محبي الوطن أي البرجوازيين، شوهت البلاشفة المغزى الأممي للثورة الكومونية العالمية، وأسهمت فعلیاً في مؤامرة دولیة ضد الثورة الأممية التي كانت تهدد مصالح كلِّ الوطنیین في العالم. وفي حقل التطبیق لهذه النظرة (الماركسیة) عقدت الدولة البلشفیة اتفاقاً سریاً في صلح بريست – لیتوفسك في عام (1918) مع كلِّ الحكومات التي كانت تهددها الثورة على الأخص، ونعني بهم الحكومة الألمانية، والنمساویة، والمجریة. وفعلاً أخذ دور البلاشفة مركز الصدارة في محاربة ثورة (1917 - 1923). وابتداءاً من ذلك الوقت وإلى يومنا هذا، تحارب البلشفیة الثورة الشیوعیة أكثر من أي تیار آخر من تیارات القوة المضادة للثورة، لأنَّ البلشفیة حاولت تشويه كلِّ وجهات نظر البرولیتاریا حول الشیوعیة. ومن الابتكارات اللينينية، يمكننا أن نعدد جملة كاملة من مفاهيم الثورة المضادة، والتي نشرتها البلشفية في صفوف البروليتاريا العالمية (كالدولة الشيوعية) و(الدكتاتورية الشيوعية) و(الأمة الشيوعية) و(الوطن الشيوعي) و(الديمقراطية الشيوعية) و(السلم الشيوعي)، ثُمَّ (التعايش السلمي مع الرأسمالية) و(مباریات الاقتصادیة مع الرأسمالية) و(دولة المجتمع بأسره)، إلخ.. وما حاوله هذا التيار أكثر من أي شئ آخر، هو إقناع الشغيلة العالمية بإقامة ما يسمى بجمهوريتها هي و(شيوعيتها القومية) ونسيان مهمتها الأممية، وهدفها التاريخي وهو الكومونة، فالهدف أصبح جمهوریة شیوعیة. مهزلة اللینینیة!

وهكذا، فإنَّ نور العالم يبدأ من (الماركسية) نظرية (الجمهورية الشيوعية). وكلُّ ما مضى من تاريخ العالم والصراع الطبقي، لم یكن سوى التمهید لظهور هذا النور، فـ (الماركسیة) هي علم صراع الطبقات وتحقیق كلِّ ما لم یكن بإمكان البرجوازیة تحقیقه في جمهوریتها الدیمقراطیة. وإذا كان المنورون القدماء قد رأوا النور في الجمهورية الديمقراطية، فالمنورون الجدد لم یروا هذا النور إلاَّ في (الجمهوریة الشیوعیة)، لأنَّ الجمهورية البرجوازية قد خانت قضيتها: الحرية السياسية، والمساواة السياسية والاخاء السياسي! أمَّا (الجمهورية الشيوعية) فهي وحدها التي يمكنها تحقيق هذا الهدف، والماركسية هي التي تعلم البشر كيف يحققوا هذا الهدف. ومادام العقل العبقري هو المقياس الوحيد للحركة الشيوعية، فالشيوعية نفسها ليست سوى تطبیق للأفكار على الواقع، لذا فإنَّ مهمة الحزب والقادات السیاسیین، هي التحضیر المسبق للوصول إلى هذا الهدف، وهذا التحضیر یتلخص في نشر الأفكار في أوساط ما یسمى بالطبقات المظلومة، كالعمَّال، والفلاحین، وتربیتهم تربیة ماركسیة، والتحریض السیاسي، وصیاغة برنامج سياسي منقسم إلى برنامج الحد الأدنى وبرنامج الحد الأقصى. وهكذا، فالحزب هو جهاز التربیة والتعلیم (الماركسي)، أمَّا الطبقات (المظلومة) التي لا تفهم هذا (العلم الصعب) دون تفسيره من الخلفاء الماركسيين، فلا يقع على عاتقهم سوى تطبيق سياسة الحزب وآيديولوجيته. و(الماركسية) نفسها تتحول هنا إلى مذاهب آيديولوجية مختلفة للأحزاب السياسية المختلفة، فكل حزب (ماركسي) يحدد أهدافه السياسية حسب كيفية فهمه وفهم قاداته لما يسمى بتعاليم ماركس. والمعیار الأساسي لفهم هذه (التعالیم) هو الاجتهاد الشخصي لخلفائنا السیاسیین.

وعلى العكس من لینین و(الفلسفة الماركسیة) یؤكد ماركس بأنَّ: ((مفاهيم الشيوعيين النظرية لا ترتكز مطلقاً على أفكار أو مبادئ اكتشفها أو أخترعها مصلح من مصلحي العالم)). وليست الشیوعیة بالنسبة إلينا ((سوى التعبیر الإجمالي عن الظروف الواقعیة لنضال طبقي موجود ولحركة تاریخیة تتطور من ذاتها أمام عیوننا - كارل ماركس)).

وهكذا، وعلى العكس من الشیوعیة، تبحث الماركسیة الأشیاء في الفكر ولیس في الواقع، والنَّبي المبشر لهذه الفلسفة التي تسميها الاشتراكية – الديمقراطية ومنظروها (كاوتسكي، وبليخانوف، ولينين، وتروتسكي، وستالين) (علم الماركسية) هي الأممية الثانية. وبالفعل أسهمت الأممية الثانية في تشويه نظرة الشيوعية أي المادية التاريخية الى العالم، لا من حیث تفاصیلها وحسب، بل وبحذافیرها أيضاً. أمَّا الأممية الثالثة والرابعة فلم تؤديا سوى ما لم يكن بإمكان الأممية الثانية تشويهها. وإذا كانت الأممية الثانية هي المبدع الخلاق لـ (الماركسية) فإنَّ الأممية الثالثة هي المطبق الخلاق لهذه العقيدة المذهبية، وكلٌّ من هاتين الأمميتين لم تؤدِ شيئاً في آخر الأمر سوى خوف البروليتاريا من الكومونة على الأخص، فكانت الكومونة هي (الخطيئة الأصلية) التي ارتكبتها البروليتاريا: أكل آدم من التفاحة التي أعطاه الشيطان إياها، فدخلت الخطيئة الجنس البشري، أمَّا البروليتاريا فأعلنت الكومونة هذا (الجنون الفوضوي) كما يقال، فدخلت الخطيئة الحركة البروليتارية.

ولكن رغم كلِّ هذه المحاولات، فإنَّ البروليتاريا لم ولن تعلن في مسيرتها، ولم تعبر في نضالاتها عن مستقبل البشرية إلاَّ في الكومونة. والكومونة هي الهدف المباشر للنضالات البروليتارية، وسوف نسمع مرة أخرى هذه الصرخة الصاخبة التي ستهز العالم من جديد: الكومونة! والكومونة ستعيد الحياة بنفسها إلى تلك التقاليد الثورية التي شوهتها الاشتراكية – الديمقراطية وأمميتها الثلاثة في غضون أكثر من مئة سنة.

الأطروحة الرابعة: السیاسة الاقتصادیة للجمهوریة الاشتراكیة:

قبل الدخول إلى الموضوع، یجب تحدید جواب السؤال التالي: ما هي الشیوعیة؟
ولكن لا یمكن تحدید جواب هذا السؤال، دون تحدید جواب سؤال آخر: ما هي الرأسمالية؟
هي نظام من العمل الجماعي، ولكن مَن یملك لا یعمل، و مَن یعمل لا یملك، إذاً المسألة بالنسبة للشیوعیة هي: العمل وكیفیة توزیع نتاجه!
العمل جماعي، والعمَّال یقودون الإنتاج، ویستخدمون الآلات والأدوات الإنتاجیة بأنفسهم، ولكن دون التمتع بنتاج إنتاجهم، ویقفون أمام نتاج إنتاجهم كقوى غریبة عنهم، بل كوسیلة لاضطهادهم.

وهنا یبدأ الصراع، وتظهر الشیوعیة بوصفها حركة اجتماعیة لتمثيل (النظام الجماعي من العمل) وهدفها فقط ونكرر فقط، هو إیقاف القوانين الاقتصادیة التي ستجعل من عمل الكثرة ثروة للقلة. إذاً: فالشيوعية هي تغيیر أسلوب العمل (اسلوب الإنتاج) وكیفیة توزیع نتاج العمل لا أكثر. وهذا یعني أنَّ المسألة ليست إیجاد أسلوب إنتاجي جدید من العدم، یسمیه العقل الفلسفي أسلوباً جدیداً للحیاة.

وضع المسألة لدى الاقتصاد السیاسي:

من المعروف أنَّ الاقتصاد السیاسي یعالج الإنتاج، والتوزیع، والتبادل، والاستهلاك، وفي استنتاجاته، یصل الاقتصاد السیاسي إلى أنَّه لا یمكن للإنتاج الاجتماعي، أن یوفر كلَّ ما یحتاجه المجتمع من المنتجات الاستهلاكیة، فرأس المال والعمل والموارد الطبیعیة، لا تكفي لتغطیة الحاجات الاجتماعیة، لذلك لا یمكننا تغییر أسلوب التوزیع مادمنا لا نستطیع تغییر أسلوب الإنتاج.

اذاً، قلة الإنتاج أي قلة الموارد البشریة، تؤدي إلى الفقر والمجاعة، و هكذا، فالشیوعیة ستكون ضرباً من الخیال، من وجهة نظر الاقتصاد السیاسي.

وضع المسألة لدى لینین:

((إنَّ الاشتراكیة غیر ممكنة التحقیق في روسیا مباشرة، ودفعة واحدة دون إجراءات انتقالیة)). ((إنَّ روسیا بلد فلاحي ومن أكثر البلدان الأوروبية تأخراً، ولا یمكن للاشتراكیة أن تنتصر فیها على الفور ومباشرة – لینین)).

وهكذا، فإنَّ نظرة الاقتصاد السیاسي (الماركسي) إلى التطور، نظرة مغایرة عن الشیوعیة تماماً، وهذه النظرة هي امتداد منطقي لنظرة الاقتصاد السیاسي البرجوازي نفسه. و ما هو الحل الماركسي الأمثل؟

((یجب ألاَّ یغیب عن البال أن نواب الفلاحین الـ (104) في الدوما الأول عام (1906) والثاني عام (1907) قدموا مشروعاً زراعیاً ثوریاً یطالب بتأمیم جمیع الأراضي – لینین)).

هذه هي الخطوة الأولى في الجمهوریة الاشتراكیة، ومهزلة (الماركسیة) وصلت إلى حد أنَّه من االممكن العودة ليس إلى الجمهوریة الحدیثة فحسب، بل وحتى إلى المَلَكیة القدیمة لتحقیق (الاشتراكیة)، فالحل الأمثل یجده لینین في قاموسه الماركسي لدى القصریة، ولكن لا یقف الاقتصاد السیاسي الماركسي عند هذا الحد:

((إنَّ حزب البرولیتاریا لا یمكنه في حال من الأحوال أن یضع نصب عینه (تطبیق) الاشتراكیة في بلدٍ من صغار الفلاحین، طالما لم تدرك أغلبیة السكان الساحقة ضرورة الثورة الاشتراكية - لینین)).

هكذا وصل العقل الفلسفي إلى استنتاج ما فوق العقل البشري، لقد وجد لینین مجتمعاً لا یتمیز بأي نوع من المُلكیة، وهذا النوع من المجتمع غیر موجود، ولایمكن أن یوجد في العالم الواقعي، لأنَّ كلَّ مجتمع یتمیز بنوع من المُلكیة، الملكیة الخاصة أو الملكیة الجماعیة، والشیوعیة لدى لینین، لا تصبح واقعاً إلاَّ بعد اجتیاز ثلاثة مراحل مختلفة، ((وهي حتماً عبارة عن عملیة طویلة – لینین)).

الخطوة الثانیة في اشتراكیة لینین هي:

(تأمیم المصارف) ولكن یعترف لینین بأنَّ ((تأمیم المصارف لا ینتزع إطلاقاً أي كوبیك من أي (مالك) – لینین)).

الخطوة الثالثة:

(تأمیم الصناعة – لینین).

وهذا الاقتصاد، یخضع أخيراً للرقابة العمالیة، رقابة الحزب والنقابة، والرقابة العمَّالیة كفیلة بإنجاز مهمات الجمهوریة الاشتراكیة.

هذا هو لینین في كمال تصوراته الاقتصادیة الى التاریخ: التأمیم والرقابة!

ولكن لماذا التأمیم، أي الاصلاح؟ لأنَّ ((الاشتراكیة غیر ممكنة التحقیق في روسیا مباشرة، نظراً لأنَّ أغلبیة السكان الساحقة لم تدرك ضرورة الثورة الاشتراكیة)).

على العكس من هذه التلفيقات، كانت أغلبیة السكان في روسیا، منتظمین في السوفیتات العمالیة، أي في التنظیم الاجتماعي الذي كان أهم أداة طبقية بین أيدي الشغيلة لتطویر ثورتها نحو القضاء على المكیة الخاصة. وهذا یعني، على العكس من لینین، أنَّ أغلبیة السكان كانوا مدركین، بل وحتى منتظمین في التنظیم الذي وجه سلفاً ضرباته إلى السلطة السیاسیة، وكان الصراع الدائر هنا هو صراع (البرولیتاریين الشیوعیين) الذین یحاولون تكمیل مهمات ثورتهم خلال الاستیلاء على الملكیة الخاصة وجعلها ملكیة جماعیة، أي تشكیل كومونات إنتاجیة، والتي قامت البرولیتاریا فعلیا بإنشائها في المدینة والریف، و(البلاشفة الجمهوریون) الذین كانوا یحاولون إعادة الحیاة إلى السلطة السیاسیة، السلطة التي كانت تتعطش إلیها البلشفیة أكثر من غیرها. لذلك، اتجه البلاشفة نحو إقامة أجهزتهم البولیسیة، وجعل السوفیت الثوریة للشغيلة ضلعاً فعلیاً من أجهزتها البیروقراطیة.

وهكذا لم یتخطَ منهج الاقتصاد السیاسي (الماركسي) منهج الاقتصاد السیاسي البرجوازي المتمثل في الاصلاحات! فالتأمیم لیس إجراءاً اشتراكياً، كما یعترف به لینین نفسه، ولا یمس الأسلوب الرأسمالي في الإنتاج والتوزیع من قریب أو من بعید. إذاً لم تكن الاكتشافات الماركسیة الجدیدة، سوى الأوهام الاصلاحیة القدیمة. وعلى العكس من لینین وفلسفته الماركسیة، تُسَمى هذه الاشتراكیة (الاشتراكیة البرجوازیة) .

إنَّ لرأس المال علاقة اجتماعیة مرتبطة بأسلوب معین في الإنتاج، لا یمكن القضاء علیه دون القضاء المسبق على محركه الأساسي، وهو قانون القیمة، الأمر الذي لا یقترب منه الاقتصاد السیاسي (الماركسي – اللینیني)، في معالجته للاشتراكیة بأي شكل من الأشكال. ومن جهة أخرى، فإنَّ تمركز الوسائل الإنتاجیة في أيدي الدولة، لا یعني القضاء على الطابع التناقضي للإنتاج الرأسمالي على الإطلاق، لأنَّه لا یغیر شیئاً من حقوق الملكیة الخاصة، أو بالأحرى، لا یمس قانون القیمة، روح الرأسمالية التاریخية. ومن وجهة نظر اقتصادیة، مع تركیز الوسائل الإنتاجیة في أيدي الدولة التي ترأسها حفنة من البیروقراطیین، لا بُدَّ وأنْ یولد وبصورة حتمیة، أرستقراطیون من المدراء والسیاسیین الحزبیین، والنوع البرجوازي في الدولة التي یتركز الإنتاج في أیدیها، مثله مثل تركیز الإنتاج في شركة مساهمة كبیرة ذات إدارة واحدة، باستطاعتها التمتع بالثروات والامتیازات دون أن تملك الوسائل الإنتاجیة بصورة مباشرة.

إنَّ الرأسمالي الفرد ضمن شركة مساهمة، والذي له الحق في التصرف برأس مال الآخرین ضمن دائرته الإنتاجیة، نموذج مصغر للبرجوازیین الذین یتصرفون بكلِّ ما یتوفر لدیهم من الامتیازات الارستقراطیة خلال سلطة الدولة. أما التصرف برأس المال الاجتماعي خلال الدولة، یعني التصرف بالعمل الاجتماعي، ثم الاستغلال المباشر للعمل أيضاً، فالدولة المالكة للوسائل الإنتاجیة، تصبح مشروعاً رأسمالیاً كبیراً، یتخذ في آخر المطاف شكل رأس مال أفراد یشاركون في مشروع تدیره الدولة. وهكذا، یتحول الرأسمالي إلى مجرد مسهم في مؤسسة احتكاریة كبیرة یشترك فیها كل ُّفردٍ على صورة رأسمالیین مالیین یملكون العمل الزائد، أي فائض القیمة من خلال الدولة.

((إنَّ تحویل الملكیة الخاصة إلى ملكیة الدولة، یرتد في آخر تحلیل إلى فكرة أنَّ البرجوازي لا یتملك إلاَّ بوصفه نموذجاً للنوع البرجوازي الذي تسمى خلاصته الدولة، والذي یمنح الأفراد حقوق الملكیة – كارل ماركس)).

ولكن كیف تعالج اللینینیة هذا الموضوع؟

((یجب مكافحة الوهم الزاعم أنَّ البرجوازیة وحدها قادرة على حكم الدولة، یجب أن تضطلع البرولیتاریا بمهمة إدارة الدولة – لینین)).

وهكذا، یرجع لینین مرة أخرى لمحاربة الكومونة، وكلِّ معانیها الاجتماعیة والتاریخیة بالأوهام البرجوازیة، فكأن الموضوع هو(قدرة) أو (عدم قدرة) البرولیتاریا على إدارة الدولة.

إنَّ البرولیتاریا هي التي تدیر الإنتاج والأمور العامة الیومیة للمجتمع، والمجتمع یتوقف ما لم یعتمد على الطبقة البرولیتاریة، فالثروة لیست سوى نتاج عملها، والجیش لا یوجد دون تجنيدها الإجباري، أمَّا عملها فوسیلة لاضطهادها، والجیش قوة لقمعها، ولإخضاعها أمام أصحاب المُلكیة، وهذا هو بالذات السبب التاریخي لإعلان البرولیتاریا، القضاء على لا إنسانية المجتمع البرجوازي الذي یتلخص في حیاتها الخاصة بالذات، فماذا یعني إذاً هذا الهراء، سوى حیلة سیاسیة لخداع العمَّال وجعلهم متوهمین بمهامهم التاریخیة، والتي تتلخص في القضاء على الحكم السیاسي للبشر بدل إدارته؟

إنَّ إدارة الدولة هي إدارة سیاسیة، تنظم أمور الطبقات، والفساد، وأكثر الأعمال المتوهمة بالنسبة للمجتمع، فالغرض من إدارة الدولة، لیس توفیر ما هو ضروري للمجتمع، وإنَّما الإخضاع القسري للمجتمع لقدسیة الملكیة الخاصة، فهناك تناقض أبدي بین المجتمع وإدارة الدولة نظراً لأنَّ الدولة بصفتها سلطة طبقیة، تستخدم كلَّ الوسائل والإمكانات الاجتماعیة المتوفرة لخدمة طغاة المال، والأجهزة البیروقراطیة التي لا تشارك في إدارة المجتمع یوماً من الأيام، فالدولة تنظم أمور أسیاد العبید ولیس المجتمع.

((حیث تبدأ الحیاة المدنیة والعمل المدني، تنتهي سلطة الإدارة، ووجود الدولة، ووجود العبودیة مرتبطان أحدهما بالآخر بعرى لا انفصام لها، إنَّ الدولة القدیمة والعبودیة القدیمة، لم تكونا مقیدتین إحداهما بالأخرى أكثر من الدولة المعاصرة والعالم التجاري المعاصر – كارل ماركس)).

كانت الإدارة في الاتحاد السوفیاتي في عهد لينين، نموذجاً من الإدارة الطبقیة المتمركزة في أيدي حفنةٍ من البیروقراطیین، وكانت كلمة لینین نفسه قانوناً في الدولة، وفي حقل تطویره للاقتصاد البرجوازي، تابع لینین منذ الأيام الأولى لسلطته، الأجور بالقطعة، ودفع أجرة أعلى للمختصین، إلخ..

وضع المسألة لدى كارل ماركس:

((وقائع رئیسیة في الإنتاج الرأسمالي:
1- تركیز وسائل الإنتاج في عدد قلیل من الأيدي.
2- تنظیم العمل نفسه كعمل اجتماعي: بالتعاون، وتقسیم العمل، والصلة بین العمَّال وعلوم الطبیعیة.

إنَّ نظام الإنتاج الرأسمالي، یلغي بالمعنیین الملكیة الخاصة والعمل الخاص، رغم أنَّ ذلك یتم بصورة متناقضة - كارل ماركس)).

لم یخطئ كارل ماركس حین قال: تحمل الرأسمالية في أحشائها أسلوباً جدیداً في الإنتاج، وهو الأسلوب الشیوعي (تجب الإشارة هنا إلى أنَّ كارل ماركس لم یكن بمستطاعه قطع الصلة نهائياً مع الفلسفة والاقتصاد السیاسي، وهو بوصفه كائناً بشرياً ولیس إلهاً معصوماً من الأخطاء، ارتكب أخطاءًا جسیمة في هذه المجالات. ولكن نحن المادیون، نتقاسم معه هذه الأخطاء ولو كانت بأشكال أخرى، هذا ومادمنا أفراداً بشرية أيضاً – وهو (كارل ماركس) على العكس من الماركسیین، یرى بأنَّ المسألة لیست تطبیق هذه الفكرة أو تلك في الواقع، بل هي الخطوط العامة للتطور. ولم یكن كارل ماركس محباً للحكمة (فیلسوفاً) ولا ماركسياً: (أنِّي لست ماركسیا) و (إنَّنا نعرف علماً واحداً فقط ألا وهو علم التاریخ – كارل ماركس). و سوف نرجع الى هذا الموضوع في الاقسام اللاحقة.

وضع المسألة لدى البرولیتاریا:

كان لینین المتعطش إلى السلطة، واعیاً بما یفعله، وبما أنَّ السوفیت العمَّالیة كانت أداة طبقیة في ید البرولیتاریا للقضاء على الملكیة الخاصة والسیادة السیاسیة معاً، كما كان واعیاً بأنَّ البرولیتاریین الشیوعیین، على العكس من الماركسیین، في الواقع على العكس من اللینینیین (إنَّنا نبحث الماركسیة في هذا الموضوع في مدرسة من مدارسها الروسیة فقط، وهي اللینینیة) لا یبحثون شروط الشیوعیة في سماء الفكر الفلسفي، بل في الواقع الذي یعطیهم أداة طبقیة لتحقیق الهدف، لذا كان مضطراً أن یستخدم أكثر الأسالیب إيهاماً وغرابة عن الحیاة الواقعية للبروليتاريا لإنقاذ جمهوريته من مخاطر ثورة الأعوام (1917 - 1923)، الثورة التي لم تستهدف سوى قلب نظام العبودیة المأجورة، فالأسطورة الماركسیة هي الفلسفة التي لا تقدم للبرولیتاریا سوى الأوهام البرجوازیة عن الحیاة الواقعیة للطبقة البرولیتاریة، ومهماتها، وتصوراتها عن العالم و مستقبله.

إذاً: ما هي الشیوعیة؟ هل هي مخطط فلسفي من هذا العبقري أو ذاك؟ كلا، أبداً.

إنَّ المحرك الأساسي للمجتمع العبودي الحدیث هو قانون القیمة، فإذا ما توقف هذا القانون، فتتوقف معه كلُّ الحیاة السیاسیة للمجتمع السیاسي. إذاً لیست المسألة هي قلة الإنتاج كما یزعم الاقتصاد السیاسي، كما وأنَّها لیست حجج البرجوازیة الباطلة للینین والتي هي نفس حجج البرجوازیة للاقتصاد السیاسي، بل هي السیطرة على الوضع القائم، لا في ما یسمى بـ (الفترة الانتقالیة) كما یقول لینین، بل خلال إیقاف قانون القیمة وما یلازمه هذا القانون من المنافسة والفوضى الإنتاجیة، وبموجب هذه العملیة یظهر أسلوب جدید في الإنتاج هو الأسلوب الشیوعي. انظروا إلى ثورة الكومونة، الثورة الفریدة في معجزاتها، فما حققته الكومونة خلال أقل من شهر، لم تحققه دولة لینین البرجوازیة خلال أكثر من سبعین سنة، تحطیم الدولة خلال هدم دعائمها المادیة كالجیش، والشرطة، والبیروقراطیة، والمباشرة بهدم كلِّ ما یحافظ على المجتمع العبودي، لذلك وكما یقول كارل ماركس: لقد أظهرت البرجوازیة إلى أي مدى من القسوة المسعورة تنتقم من البرولیتاریا حین تجرؤ هذه الأخيرة على الوقوف في وجه البرجوازیة كطبقة خاصة، لها مصالحها ومطالبها الخاصة، ومع ذلك فإنَّ ما حدث في سنة (1848) لم یكن سوى لعبة أطفال إذا ما قیس بالجنون الذي تملك البرجوازیة سنة (1871).

وذلك من حقنا أن نسأل: لماذا لم تنتقم البرجوازیة العالمیة من الدولة السوفیتیة، لا في زمن لینین ولا في زمن ستالین؟ ولماذا عقدت كبار الدول الرأسمالية عقداً مع الدولة السوفیتیة في صلح بریست - لیتوفسك في زمن لینین وفي الحرب العالمیة الثانیة في زمن ستالین؟

الجواب بسیط: لأنَّ الدولة هي الدولة إذا ما سمیت بالشیوعیة أو الرأسمالية، الدینیة أو العلمانیة، الدكتاتوریة أو الدیمقراطیة، وهي تحافظ على قدسیة الملكیة الخاصة والعبودیة الحدیثة مهما كان شكلها الحدیث، الجمهوریة البرجوازیة أو الجمهوریة الاشتراكیة، فالجمهوریة هي الجمهوریة التي تحمي قانون القیمة، المحرك الأساسي للعبودیة المأجورة، أياً كان حاكمها، لذلك لم یكن بإمكان المجتمع السوفیتي قطع صلته مع نظام العمل المأجور وما یلازمه هذا النظام من الأزمات الاقتصادیة والتناقضات الاجتماعیة، ففي ثمانینات القرن الماضي، أي بعد أكثر من (65) سنة من الاشتراكیة البرجوازیة اللینینیة، ظهرت التناقضات بحیث لم یكن بعد بمستطاع الدولة السوفیتیة إخفائها، فبلغت نسبة الفقر (20%) من السكان، والبطالة (2%) من السكان، وأزمة السكن (20%) من السكان، وبلغ حجم القروض (26) ملیار دولار عام (1987) وعجز المیزانیة (180) ملیار دولار عام (1985)، وجعل السوفیت مصنعاً حربياً على حساب لقمة عیش الطبقات الفقیرة وأزمة مزمنة للمواد الغذائیة على طول تاریخ الاتحاد السوفیاتي. كانت هذه اللوحة الاقتصادیة الأخيرة لأسطورة الجمهوریة الاشتراكیة، اللوحة التي كانت تعكس فیها أنَّ خروج الإنسان من المجتمع الطبقي من خلال السلطة السياسية التي هي حافزه التاریخي أمر مستحیل، ولم تكن الدولة السوفیتیة سوى فخٍ للبرولیتریا العالمیة، كما كانت جمهوریة مقنعة بالشیوعیة، تخفي وراءها قانون القیمة، أي روح الرأسمالية التاریخي.

وهكذا، فإنَّ (الفترة) التي تحتاجها البرولیتاریا للسیطرة على الرأسمالية، هي الفترة التي تحتاجها لانتصارها في ثورتها، فالثورة الشیوعیة إمَّا أن تنتصر وإمَّا أن تمنى بالفشل، فإنَّتصارها لا یعني سوى إیقاف قانون القیمة وما یلازمه من العلاقات، هذه هي الفترة التي تحتاجها الثورة للخروج من المجتمع الرأسمالي والدخول إلى المجتمع الشیوعي.

إنَّ انتصار الثورة یعني بالتحدید، الانتصار في تشكیل الكومونات، أي تنظیم المجتمع في الكومونات االإدارية والإنتاجیة بمشاركة كلِّ فرد من أفراد المدینة والریف، وإخضاع هذه الكومونات للوعي المشترك والإشراف الجماعي للمجتمع، وهذه العملیة ممكنة في أيِّ بلدٍ كان، فانتصار البرولیتاریا في تشكیل هذه الكومونات، یعني انتصارها النهائي في ثورتها أولاً، وانتهاء دورها التاریخي بوصفها طبقة ثانیاً، فالفترة الضروریة لانتصار البرولیتاریا على الرأسمالية، هي الفترة الضروریة للاستیلاء على الملكیة الخاصة و تحویلها إلى ملكیة جماعیة (كومونات) لا أكثر.

إذاً: فالملكیة الجماعیة هي الكومونات ولیست ملكیة الدولة (القطاع العام)، فالدولة هي آلهة الملكیة الخاصة، فكیف باستطاعتها إذاً تحقیق الملكیة الجماعیة في المجتمع؟

إنَّ هدف الإنتاج الرأسمالي هو الربح، ولیس تلبیة الحاجات الإنسانیة، وقانون المنافسة هو الذي یحرك الإنتاج نحو هدفه وهو الربح. أمَّا قانون العرض والطلب، فینظم سوق المنافسة وما یلازمها من علاقات السوق وهي: رأس المال، والعمل، والبضائع، والأسعار، والبطالة، والنقود، إلخ...
و بموجب قانون المنافسة، یتحرك الإنتاج الرأسمالي بصورة عمیاء، أي دون النظر إلى احتياجات المجتمع وأفراده، فكلَّ ما یهم الفرد الرأسمالي هو عرض بضائعه بهدف جلب الربح، لذلك ستنتهي العملیة بین حین وآخر بفائضٍ في الإنتاج، أي فائض في البضائع والقوى العاملة، و ((یرتمي المجتمع فجأة في حالة همجیة حتى لیخیل للمرء أنَّ هناك مجاعةً أو حرباً طاحنةً تقطع عن المجتمع وسائل معیشته وموارد رزقه، ولمَ ذلك؟ ذلك لأنَّه أصبح في المجتمع شئ كثیر من المدنیة، وكثیر من وسائل العیش، وكثیر من الصناعة والتجارة – كارل ماركس)).

وهكذا، فإنَّ سبب الأزمات وما یلازمها من الظواهر الاجتماعیة، كالمجاعة، والفقر، والبطالة، والحروب في المجتمع الرأسمالي هو الفائض في الإنتاج، فكیف بمستطاعنا یا ترى الاتفاق مع الاقتصاد السیاسي على أنَّ سبب الفقر والمجاعة هو قلة الإنتاج؟ وكیف بمستطاعنا السیر مع السید لینین حین یعلن بأنَّ موت الآلاف من الفقراء في الاتحاد السوفياتي من عام (1919) إلى عام (1923) لیس له علاقة بنظامهم الاقتصادي، نظام العبودیة المأجورة؟

وأخیراً، نجد أنَّ البحث عن الأسلوب الشیوعي في الإنتاج، یبدأ من الأسلوب الرأسمالي في الإنتاج ولیس خارجه، أي لیس من الخیال الفلسفي، والطریق الوحید للشیوعیة، هو إیقاف القوانين الاقتصادیة للرأسمالیة. وهذا یعني أنَّ هدف الإنتاج هو الموضوع الأساس للبحث، فالهدف من الإنتاج الرأسمالي هو الربح، أمَّا الهدف من الإنتاج الشیوعي هو تلبیة الحاجات الإنسانیة، إذاً: الأول تلازمه الفوضى والمنافسة، أمَّا الثاني فيلازمه الإشراف الجماعي، الأول بحاجة إلى سوق للبیع والشراء، أمَّا الثاني فسوف یقضي على علاقة البیع والشراء، الأول بحاجة إلى إدارة سلطویة، والثاني بحاجة إلى إدارة غير سلطویة (كومونیة - مشاعیة - جماعیة).

إنَّ الأساس المادي لكلٍّ من هذین الأسلوبین في الإنتاج، هو نفس الأرضیة التاریخیة التي تقف علیها الرأسمالية التي تحافظ على بقائها بأشد الأسالیب وحشیة و إيهاماً من جهة، والشیوعیة التي تحاول إلغاء (لاحظ إلغاء) شروط وجود الرأسمالية بأشد الأسالیب ثوریة من جهة أخرى، فداخل النظام الرأسمالي نفسه، تجد البرولیتاریا شروط الشیوعیة، فإلغاء المنافسة، والفوضى الإنتاجیة، وفائض القیمة، والسلطة السیاسیة، أي الشروط التاريخية لوجود الرأسمالية، یعني في الواقع إلغاء الأسلوب الرأسمالي في الإنتاج، والاستعاضة عنه بالأسلوب الشیوعي في الإنتاج، الأسلوب الذي یتمیز بالإشراف الجماعي على الإنتاج بدل الفوضى الإنتاجیة والمنافسة. فالمسألة إذاً هي تغيیر أسلوب إنتاجي بأسلوب آخر ولیس أكثر من ذلك، فمع اختفاء القوانین الاقتصادیة التي تعیش علیها حشرات الرأسمالیة، سیظهر مباشرة أسلوب جدید في الإنتاج هو الأسلوب المشاعي (الكوموني). وإنجاز هذه العملیة كان ممكناً في روسیا، ليس في عام (1917) فقط، بل كما بینتها الثورة بنفسها في عام (1905) أيضاً، وبنفس المستوى الذي كان ممكناً في أیام كومونة باریس عام (1871). وانتكاسة ثورة الكومونة، لا تعود إطلاقاً إلى الاتهامات التي یوجهها السید لینین، بل تعود إلى عدم نشوبها في المستوى الأممي المطلوب (سنعود إلى هذا الموضوع بالتفصیل في الأقسام اللاحقة).

((یجب أن تكون الثورة متضامنة، وهذا ما تعلمنا إیاه التجربة العظیمة لكومونة باریس التي سقطت لأنَّه لم تنشب في آن واحد، في جمیع المراكز الرئیسیة حركة ثوریة عظیمة تتناسب مع المستوى الرفیع لكفاح برولیتاریا باریس – كارل ماركس)).

وهكذا فإمكانیة انتصار الثورة، تأتي من إمكانیة الواقع ولیس من قدرة التفكیر، وهذه الإمكانیة متوفرة إقتصادیاً في كلِّ بقعة من بقع العالم، والشرط الضروري لانتصار الثورة هو التضامن الأممي فقط بین شغيلة مختلف البلدان لإنجاز عملهم الأممي المشترك، وبدون استقطاب طبقي في المستوى الأممي لا یكون الانتصار ممكناً. وهذه هي المادیة التاریخیة، أي النظرة التي تناقض اللینینیة لا في تفاصیلها فحسب، بل وفي حذافیرها أيضاً، اللینینیة التي كانت تحارب الثورة الأممية للبرولیتاریا بمفاهیمها البرجوازیة وتحت ستار الشیوعیة وتقدیم علاج تسكیني أي إصلاحي لأمراض المجتمع الرأسمالي وسلطته السیاسیة.

وهكذا، نرى أنَّ الحد التاریخي الفاصل بین الرأسمالية والشیوعیة، لیس سوى العملیة التي تنتهي بالقضاء على القوانين الاقتصادیة للمجتمع الرأسمالي، أي بتشكیل الكومونات، فالشیوعیة إذاً نظام من العمل الجماعي ینظمه المجتمع جماعیاً، فالإنتاج، والتوزیع، والاستهلاك، سیكون عملیة موحدة مشتركة لأفراد متضامنین ومتحررین من كلِّ ما یعیق تطور مواهبهم وحريتهم الشخصیة، فالمجتمع یضمن لهم حریة التصرف بحیاتهم كیفما یشاء، وخلال هذه الكومونات سیسیطر المجتمع على كلِّ القوانين التي تسبب الأزمات الاقتصادیة والحالات الطارئة في المجتمع كالبطالة، والفقر، والحروب وغيرها، وآنذاك لا یقف الإنسان أمام نتاج إنتاجه كقوى غریبة عنه، لان الإنسان بالمعني التاریخي للعبارة، الكائن النوعي، سیخضع حركة الإنتاج والتوزیع للوعي الإنساني المشترك، ولمصلحة كلِّ فردٍ من أفراد المجتمع المتحرر من الطبقات والسیادة الطبقیة، ولا یصل الإنسان إلى الممارسة الحرة لحیاته دون التخلص من الإدارة الطبقیة بالذات، ((والبشریة وصلت إلى إدارة نفسها منذ زمن طویل، ومصدر مصائبها لا یوجد في هذا الشكل أو ذاك من أشكال السلطة، بل یوجد في جوهر السلطة ذاتها – میخائیل باكونین)).

وهكذا، فالثورة تتوقف أي في سیاق حركة طرفي التناقض في المجتمع الرأسمالي، تواجه الثورة، ثورة مضادة أي تتوقف الثورة في مسیرتها مؤقتاً، ولكن هزیمتها لا تعني سوى اكتساب دروس جدیدة لمسایرة سیرتها التي لا تنتهي دون الإطاحة بحكم البشر السیاسي وتنظیم المجتمع في كومونات إنتاجیة وإداریة. ولسوء الحظ، ما إن تتوصل البرجوازیة إلى سریر راحتها، حتى تعود من جدید أعدائها الغیر مقهورة (البروليتاريا) إلى میدان المصارعة التاریخیة معها، وترفع من جدید رایتها المختومة بدماء رفاقها القدماء، والتي تحمل العنوان التالي: ستواصل الثورة! وتهز العالم من جدید بصرختها الكومونیة: عاشت الثورة!





#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد وثورة أممية جديدة؟ 6 أزمة ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد وثورة أممية جديدة؟ 5) أزم ...
- الهوبسنية – اللينينية و الحركة الكومونية العالمية: التناقض ب ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 4) لن ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد، وثورة أممية جديدة؟ 3) أز ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 2) لم ...
- هل نحن على أعتاب انفجار عالمي جديد و ثورة أممية جديدة؟ 1) أز ...
- المجاعة الكبرى في الاتحاد السوفياتي: موت الملايين من الجوع ف ...
- الاتحاد السوفياتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – المجاعة: ...
- الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الرا ...
- الاتحاد السوفيتي: اسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا ...
- الاتحاد السوفيتي: أسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثا ...
- الاتحاد السوفياتي: إسطورة إشتراكية القرن العشرين!
- أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب


المزيد.....




- رفح.. العدو على أبواب مصر
- “أمن الدولة” تجدد حبس معتقلي “بانر التضامن مع فلسطين” 15 يوم ...
- طلاب العالم اتحدوا ضد الصهيونية وداعميها الرأسماليين
- غزة: السابع من أكتوبر في المنظور التاريخي
- بحجة “اللاساميّة” تترافق إبادة شعب فلسطين مع محاولة إبادة قض ...
- الشرطة تعتقل متظاهرين مناهضين للحرب الإسرائيلية على غزة في ج ...
- العدد 555 من جريدة النهج الديمقراطي
- الجيش التركي -يحيد- 17 مسلحا من حزب العمال الكردستاني
- الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع تدعو إلى الاستنف ...
- اتحاد النقابات العالمي (WFTU – FSM)”، يُدين استمرار المحاكما ...


المزيد.....

- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية:(البنوك ) مركز الرأسمالية في الأزمة.. دائرة لي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رؤية يسارية للأقتصاد المخطط . / حازم كويي
- تحديث: كراسات شيوعية(الصين منذ ماو) مواجهة الضغوط الإمبريالي ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (الفوضى الاقتصادية العالمية توسع الحروب لإنعاش ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - أنور نجم الدين - الشيوعية وأسطورة الماركسية – ماركس ولينين ((1))