أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أنور نجم الدين - أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب















المزيد.....

أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب


أنور نجم الدين

الحوار المتمدن-العدد: 2350 - 2008 / 7 / 22 - 06:21
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


تتطور الصناعة و التجارة في العالم، و يتقدم معها فقرٌ لا مثيل له في تاريخ البشرية، وذلك لأنَّه أصبح في المجتمع فائضٌ في وسائل العيش، وتعاني البشرية على العموم، ممَّا تعانيه الولايات المتحدة الأمريكية من الأزمات على طول تاريخها، فالأزمة المالية الأمريكية التي تتميز باختلال التوازن في الميزان التجاري، و الازدياد في البطالة، و عجز الميزانية والفقر، تتفاعل مع كل قطاع إنتاجي داخل الولايات المتحدة و خارجها.
و في نفس الوقت أصبح غلاء المواد الغذائية، أبرز ظاهرةٍ من ظواهر العصر في طول العالم وعرضه، هذا و رغم أنَّ إنتاج المواد الغذائية في العالم، أكثر من استهلاكها بنسبة 10%، فالعرض يزيد على الطلب، أي أنَّ الإنتاج أكثر من الاستهلاك، و بموجب هذا القانون، يجب أن تنخفض أسعار المواد الغذائية، ولكن على العكس من ذلك، فالأسعار ترتفع باستمرار، إذن مالذي حدث؟ هل انقلب العالم ضد نفسه؟

معظم الاقتصاديين يبحثون عن نتائج هذه الكوارث، إمَّا في القانون السحري للعرض و الطلب، و إمَّا في فترات الجفاف و قلة المواد الغذائية، ولكن في الواقع، إن الظاهرة هذه هي الفيض في إنتاج السلع، أي ظاهرة من ظواهر إشباع السوق، إنَّ العرض أكثر من الطلب، ولكن الأسعار ترتفع باستمرار، و هل هذه ظاهرة جديدة في تاريخ العالم؟

كلا، بالطبع، إنَّ ظاهرة الفيض في الإنتاج، قديمةٌ قدمَ التطور الصناعي، والقدرة الانفجارية للأزمات، تزيد باستمرار مع ازدياد حجم التطور الصناعي و التجاري في العالم، لأنَّ كلَّ أزمةٍ جديدة، تبحث شروط انفجارها، في سطح أوسع من الأزمة التي سبقتها، انظروا إلى أزمة الثلاثينيات في القرن الماضي، ففي خريف سنة 1929، ظهرت مؤشرات أزمة عالمية، أعم و أشمل من كلِّ ما شاهده تاريخ المجتمع الصناعي من الأزمات إلى ذلك الحين، لقد انطلقت الأزمة من بورصة ولستريت (Wall Street) بتاريخ: 24/10/1929، والمعروف بالخميس الأسود في تاريخ الولايات المتحدة، حيث عرضت الشركات 13 مليون سهمٍ، مقابل تراجع الطلب على الأسهم، ومن ثٌمَّ انخفضت قيمتها وعجزت الشركات و المعامل عن تسديد ديونها، وأغلقت عشرات البنوك، و ثم إغلاق المعامل، و ازدياد البطالة، و انخفاض القوى الشرائية، و الفيض في الإنتاج.. إلخ. و مع تطور الأزمة، انتقل الوباء إلى أوروبا والدول المنتجة للمواد الأولية خلال وقت قصير، وهذا بعدما بدأت البنوك الأمريكية بسحب أموالها من البنوك الأوروبية، وتراجع الطلب على المواد الأولية في الدول الصناعية على الأخص، ووصل عدد العاطلين عن العمل في بريطانيا العظمى إلى 3 ملايين شخص في عام 1931، و انخفض الإنتاج الصناعي في إيطاليا وألمانيا بنسبة 30%، أمَّا في أوروبا، وصل عدد العاطلين عن العمل إلى 9 ملايين شخص. و هكذا وصلت الأزمة الاقتصادية ذروتها في سنة 1933، ولكن لم تصل الأزمة إلى حد استخدام الحديد و النار قبل عام 1939، أي قبل اشتعال أكبر حرب من الحروب العالمية في تاريخ البشرية، وكانت حصة الولايات المتحدة في تلك الأزمة، أكبرَ من أية دولة أخرى من الدول الصناعية في العالم، لقد انخفض الإنتاج الأمريكي إلى النصف خلال 3 سنوات، انخفض إنتاج السيارات 12%، و في بداية سنة 1933، وصل عدد البطالة في أمريكا إلى 17 مليون شخص، وتوقفت حركة العقارات، وانخفضت فجأة أسعار المنتجات الزراعية، و بدأت الحكومة الأمريكية بتدمير قسم من هذا الفائض، فكان بالطبع من الأفضل بالنسبة للرأسمالية الأمريكية، تدمير هذه المنتجات الفائضة بدل بيعها، نظراً لأنَّه لن تكون هناك وسيلة أخرى لارتفاع أسعارها سوى تدميرها، هذه هي مهزلة الرأسمالية، فلغرض ارتفاع الطلب على هذه المنتجات ورفع أسعارها، بدأت الحكومة الأمريكية بإحراق الحيوانات و المنتجات الزراعية في سنة 1933، و هكذا فإنَّ كل اختلال في التوازن الإنتاجي، هو ظاهرة تأتي بسبب الفيض في الإنتاج و ليس النقص فيه.

إنَّ النظام الرأسمالي يتحرك دون أن يحسب حساباً لكمية القيمة المُنْتَجة، ذلك لأنَّ تَحَرُّك الإنتاج يجري بصورة عمياء، إنَّ الإنتاج لا يخضع للوعي الجماعي للبشر، ولا يسمح النظام الرأسمالي بإخضاع عمليات الإنتاج و التوزيع و الاستهلاك، لمراقبة المجتمع المشتركة، نظراً لعدم تطابق المصالح بين الطبقة التي تملك كل نتاج الإنتاج الاجتماعي، والطبقة المنتجة التي لا تملك سوى قوةِ عملها.

ان الهدف من الانتاج الراسمالي هو الربح و ليست تلبية حاجات الانسانية. و يركض كل راسمالي وراء أكبر كمية ممكنة من الارباح. أما في عالم المزاحمة، لا يسير الانتاج دوما، بصورة تتفق مع مطامح الراسماليين الفردية. و هكذا، لا يتقاسم الراسماليين الارباح كأخوان الا في فترات معينة.

في فترات مختلفة من تطور الانتاج الاجتماعي، يهبط المعدل العام للربح في المستوى الكلي للانتاج الراسمالي. و بنتيجة ذلك، يضطر كل راسمالي الى تحسين شروط انتاجه و ادخال اساليب جديدة في الانتاج و استخدام طرق حديثة في العمل، الخ. ههنا يكمن سر ارتفاع الاسعار. فبدافع هذه التحسينات، سيضطر كل راسمالي الى رفع القيمة الفردية لانتاجه، و يجب ان يكون القيمة هذه أعلى من الطرائق الجديدة التي يضطر الراسمالي الى استخدامها لاجل البقاء في المناسفة. فقانون المنافسة، اي قانون صراع البقاء الذي نجده في العالم الحيواني، هو الذي يحرك الراسماليين نحو اكتساب مصالحهم. هكذا ترتفع الاسعار و تنخفض معها القوى الشرائية للطبقات الفقيرة في العالم، و يتدهور الوضع المعيشي للاكثرية الساحقة للمجتمع البشري. ان الاعاقة الاساسية امام راس المال هنا، هو، ان الازدياد في نسبة راس المال الثابت بالمقارنة مع راس المال المتحرك، ستؤدي الى عدم كفاية استغلال العمل الاجتماعي من قبل راس المال الاجتماعي، الامر الذي يؤدي الى، أولا الفيض في الانتاج، ثانيا الارتفاع في الاسعار.
ان هذا التناقض داخل الانتاج الراسمالي، لا يجد الحل الا خارج الانتاج. و ماهو هذا الميدان الخارجي ان لم يكن حياة الطبقات الفقيرة و العلاقات الاستهلاكية للمجتمع و الاستغلال البشع للعمل و اللجؤ الى القوة؟

ان ما يقرر توسيع الانتاج أو تقليصه، هو الربح و نسبته الى راس المال الاجتماعي، فتوسيع الانتاج أو تقليصه في النظام الراسمالي، لا يأتي من ضرورة تلبية حاجات المجتمع، لان الراسماليين ينطلقون دائما من مصالحهم الخاصة و ليس من مصلحة المجتمع. و حين تهدد التناقضات مصالحهم الطبقية، فآنذاك يواجه العالم مغامرات الراسماليين التي تهدد أحيانا حياة البشرية باجمعها، لان انماء جديد لراس المال، غير ممكن، دون التوظيفات الجديدة لراس المال، و ثم ارتفاع الارباح، لا الى حد المتوسط العام، بل و يجب ان يكون أعلى منه بكثير نظرا للتغيرات التي طرأت على ميدان الانتاج الراسمالي.

و هكذا، لو رجعنا إلى الأزمة المالية الأمريكية من وجهة النظر هذه، لرأينا أنَّ الأزمة التي تعيش معها على الأخص الولايات المتحدة الأمريكية، ليست تعبيراً عن اختلال التوازن في الإنتاج الأمريكي و حسب، بل تعبيرٌ عن أزمة عالمية أيضاً، لكلِّ بلدٍ من البلدان، قسطه فيها، ابتداءاً من أمريكا الشمالية و أوروبا، مروراً بآسيا و أفريقيا وانتهاءاً بأمريكا اللاتينية، أمَّا الأزمة المالية الأمريكية، أكثر إثارة للأزمات الدورية التي يمر بها العالم، و كما يقول دافيد مكمين، باحث اقتصادي أمريكي، هي مرحلة أكثر إثارة للدورات التجارية، تميل إلى الظهور كل 56 سنة مرة (1761، 1817، 1873، 1929، 1985) و تنقسم هذه الدورات إلى دورات قصيرة، أي إلى كلَّ 9 سنوات مرة (9، 18، 36، 54) وهذه الدورات مشابهة لدوران الشمس و القمر حول بعضهما البعض، و يسميها دافيد دورات 9 / 56 سنة. و هكذا، فبعض الدورات تستمر لعدة عقود، وبعضها الآخر يستمر لعدة قرون، وفيما بين هذه الأزمات، تتنازع القوة الإنتاجية المتعاظمة للرأسمالية مع أسسها الاقتصادية، و تبدأ بالبحث عن مجالات خارجية للتفريغ، وتبدأ التفريغ عادة بإغلاق المشاريع، و تخفيض الأجور، والفائض السكاني، وتنويم رأس المال أو تدميره، وتنتهي أحياناً بإشعال حربٍ للخروج النهائي من هذه التناقضات، و ليس من المستغرب أن نعدد جملة كاملة من الحروب الأمريكية فيما بين أزماتها الاقتصادية، وأشار دافيد إلى حدوث 8 حروب أمريكية فيما بين 1788 – 1974.

و من خلال أبحاث كيندل بيريار، نلاحظ أنَّ الأزمات والحروب في الولايات المتحدة، تحدث على صورة سلسلة تاريخية متصلة من الركود، والاضطرابات، والأزمات، والحروب، والازدهار، لم تنقطع عن بعضها البعض خلال أكثر من قرنين، فاعتباراً من حرب 1763، تلت الحروب الأمريكية، أزماتٍ متتالية دون انقطاع، وحسب سلسلة كل 9 سنوات مرة. و فيما يخص القرنين الثامن عشر و التاسع عشر، يعدد كيندل جملة من الحروب و الأزمات على الشكل التالي: (الحرب : عام 1763 - الأزمة : عام 1772، الحرب : عام 1783 - الأزمة : عام 1792، الحرب : عام 1815 - الأزمة : عام 1825، الحرب : عام 1856 - الأزمة : عام 1866) وهكذا، فكلُّ حرب تنتهي باتساع حدود الإنتاج، وكلُّ أزمة تبدأ بتحضير أرضية جديدة لحرب جديدة، وبهذا المعنى، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، بؤرة الأزمات والحروب، نظراً لتقدمها اللامتناهي، في الصناعة والتجارة والحضارة، فالأزمات والحروب الأمريكية، تحدث بصورة منتظمة، وعلى شكل سلسلة متصلة، تبدأ بالركود وتنتهي بالحروب، و ليست الحرب الأمريكية على العراق و أفغانستان، سوى تعبيرٍ عن هذه السلسة للتناقضات الداخلية، التي تعيش معها الرأسمالية الأمريكية منذ أمد بعيد، و المستمرة إلى أن ينتهي هذا الشكل من الإنتاج و التوزيع الاجتماعي، لأنَّ الإنتاج الرأسمالي، لا يجدُ الحلَّ لهذه التناقضات، ضمن شروط وجوده الخاصة إطلاقاً، والسبب هو أنَّ حافز الإنتاج الرأسمالي، وتطوير قواه الإنتاجية، هو الربح، و إنَّ مصدر تناقضاته هو الربح أيضاً، ولكن مع ذلك، فإنَّ هدف الإنتاج الراسمالي، يخلق مع تطوره الطبيعي، أسلوباً إنتاجياً جديداً في أحشاء الأسلوب الرأسمالي في الإنتاج.



#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- مصر.. رئيس الحكومة يلوّح بـ-اقتصاد الحرب-
- مصر.. وقف الدعم الحكومي عن نصف مليون -مختلس-
- بنك إسرائيل المركزي يقرر الإبقاء على سعر الفائدة دون تغيير
- الصراعات الجيوسياسية تهدد العالم بخسارة 14.5 تريليون دولار ف ...
- 144.7 مليار درهم أموال فائضة في القطاع المصرفي بالإمارات
- ارتفاع الضرائب يثير موجة احتجاجات في باكستان وسط أزمة اقتصاد ...
- الرسوم الجمركية الأميركية تهز الوظائف والشركات المحلية
- تسلا تستعد للكشف عن -التاكسي الآلي- متأخرة سنوات عن منافسيها ...
- بنحو 20%.. قفزة كبيرة بمبيعات سيارات تسلا بالصين خلال سبتمبر ...
- -حفيت للقطارات- تحصل على تمويل بنكي بـ1.5 مليار دولار


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - أنور نجم الدين - أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب