أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الاوالية العامة للحراك الاجتماعي















المزيد.....



الاوالية العامة للحراك الاجتماعي


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 794 - 2004 / 4 / 4 - 09:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(11)
1-مفهوم " الاوالية العامة للحراك للاجتماعي ".
نقصد بالأوالية العامة للحراك الاجتماعي مجموع القوى والعوامل والشروط والظروف السائدة في مجتمع معين،وكيفية ترابطها في البنية الاجتماعية وطريقة اشتغالها بحيث يتحقق في النهاية حراك اجتماعي عام.
ونقصد بالحراك الاجتماعي العام التقدم الاجتماعي الذي يمكن تحقيبه في عصور تاريخية كبيرة نسبياً.
إن البحث في مجال الحراك الاجتماعي العام كان ولا يزال موضوعا خلافيا في مختلف الفلسفات والنظريات الاجتماعية ،غير أن المعالجة المادية التاريخية له هي الأكثر علمية. فمع ولادة النظرية المادية الجدلية والتاريخية أصبح بالإمكان التحدث عن " نظرية عامة في التقدم الاجتماعي " تتضمن منهجا علمياً صارما في دراسة التقدم الاجتماعي، وتحقيقه الواعي . وبالفعل فإن المنهج المادي الجدلي والمادي التاريخي يتضمن الأدوات المفهومية التي لا غنى عنها ، سواء في مجال دراسة الحراك الاجتماعي العام وتحقيبه، أو في مجال دراسة الحراك الاجتماعي الخاص لشعب من الشعوب .
في هذا المبحث سوف نركز اهتمامنا على جانب أساسي في المادية التاريخية ، يتعلق بالقوانين العامة للحراك الاجتماعي محاولين تقديم قراءة جديدة لها، والنظر في كيفية اشتغال هذه القوانين و تمظهرها في الظروف التاريخية المختلفة، وتحديد دورها في تمرحل التاريخ والبرهنة على أن حياة الحرية والديمقراطية هي المسرع الأكبر للتقدم الاجتماعي.لهذا الغرض وزعنا المادة البحثية على أربعة مجالات هي في الواقع مجالات اشتغال القوانين العامة للحراك الاجتماعي .
2-مجال التبادل العضوي بين الإنسان والطبيعة .
لا ينفك الإنسان يتفاعل مع الوسط الصناعي الذي يعيش فيه من اجل إشباع حاجاته المتزايدة باستمرار.في طار هذه العلاقة التفاعلية كان الوسط الصناعي محدودا جدا في البداية. وفي لحظة من التاريخ كان وسطا طبيعيا خالصا .عندئذ لم يكن البشر قد تجاوزوا الشكل القطيعي لوجودهم حيث كانت تسيطر الغرائز المقلدة السافرة .
في إطار العلاقة الوجودية العامة بين الكائن الإنسان والطبيعة كان الإنسان يواجه الطبيعة بصفته مركب حاجات تبحث عن الإشباع،ويملك قوة عمل لتحويل الطبيعة إلى خيرات مادية يشبع بها حاجاته.الطبيعة بدورها تواجه الإنسان باعتبارها مصدرا للخيرات المادية غير مكتشف. وعندما ينجح الإنسان في سياق تفاعله معها في اكتشاف وتحويل الخيرات المادية الكامنة فيها إلى موارد تتحول الطبيعة بحدود ما هو مكتشف منها إلى وسط صناعي .
الوسط الصناعي، إذا ،هو جزء من الوسط الطبيعي ،يتوسع باستمرار على حسابه مع كل تقدم في معارف الإنسان،وامتلاكه فنيا لإشباع حاجاته .
من الناحية العملية يتحقق ذلك على النحو التالي : في مواجهة الوسط الصناعي تقف الحاجات الإنسانية باحثة عن إمكانية إشباعها.من جهته الوسط الصناعي يعرض دائما إمكانيتين لإشباع الحاجات البشرية:إمكانية فعلية وإمكانية كامنة.الإمكانية الفعلية تعبر عن المستوى الفعلي لإشباع الحاجات الإنسانية في مرحلة تاريخية محددة.أما الإمكانية الكامنة (المتاحة ) فإنها تعبر عن المستوى الأعلى الممكن لإشباع الحاجات،الذي يمكن الوصول إليه، في حال توفرت ظروف اجتماعية معينة. الوسط الصناعي يتيح دائما إمكانية أ كبر لإشباع الحاجات بالمقارنة مع مستوى إشباعها الفعلي الذي تحد منه عادة التمايزات الاجتماعية، غياب العقلانية الاقتصادية، طغيان النزعة الاستهلاكية التبذيرية لدى فئات معينة من السكان ، ضعف التنظيم الاجتماعي العام ، منطق الرأسمالية .. الخ (1) .
وعلى افتراض استطاع الإنسان الاستفادة من الموارد المتاحة في الوسط الصناعي بالكامل، تبقى مع ذلك فجوة بين الموارد والحاجات، يعمد الإنسان إلى تجسيرها من خلال تحويل جزء من الإمكانية الكامنة في الوسط الطبيعي(المصدر) إلى إمكانية متاحة في الوسط الصناعي(مورد) ، ومن ثم إلى إشباع فعلي للحاجات .ثمة قصور نسبي دائم في الموارد قياسا إلى الحاجات يحاول الإنسان دائما الحد منه عن طريق تفاعله مع الطبيعة وتحويلها.
أوالية تحقيق ذلك تأخذ المسار التالي : يحول الإنسان بفعاليته الإمكانية الكامنة في الوسط الطبيعي(المصدر) إلى وعي هذه الإمكانية(إمكانية ذهنية)، تتحول في خطوة لاحقة إلى قوى إنتاج جديدة وأساليب إنتاج مناسبة، تعود بدورها لتمارس تأثيرها على الوسط الصناعي فتصوغه كيفيات جديدة (خيرات مادية) تلائم إشباع الحاجات. وما إن تنغلق هذه الدائرة حتى تقفز الحاجات إلى مستوى جديد تتطلب بدورها وضعية جديدة للوسط الصناعي، وهكذا تبدأ دورة جديدة في سلسلة لانهاية لها. ومن الواضح أن الحاجات تشمل الحاجات المادية والروحية في إطار المستوى الثقافي الذي وصل إليه المجتمع وبنيته الداخلية . يمكن تمثيل ما قيل أعلاه بالمخطط التوضيحي التالي :
حاجات قوى إنتاج حاجات جديدة
عمل أفكار علاقات إنتاج تحويل المصادر إلى موارد
وسط صناعي شروط إنتاج وسط صناعي جديد
في المخطط السابق فإن الحلقة الحية فيه ومصدر الحركة هي حلقة العمل أي حقل النشاط الإنساني، لذلك عندما تتسارع الحركة في الدورة أو تتباطأ،فذلك يعود إلى كيفية تحقق النشاط الإنساني وقابليات مكوناته الداخلية على التغير .
النشاط الإنساني ليس واحدا متماثلا، بل بنية معقدة جداً من الفعاليات ذات الميول والاتجاهات المختلفة ،إنه نشاط اجتماعي تاريخي تقوم به قوى اجتماعية مؤطرة في أشكال معينة للوجود الاجتماعي. تترابط هذه الفعاليات داخليا بشبكة من العلاقات المعبرة عن مصالح الناس أفراداً أو جماعات ، والكيفية التي يحققون بها هذه المصالح .
عندما يقوم الإنسان بنشاط معين فإنه يحمل في ذهنه دائما أفكارا محددة عن خصائص الموضوع الذي يمارس عليه نشاطه، وعن كيفية ممارسة هذا النشاط وفي أية ظروف وشروط يجري .وفي نهاية عملية النشاط هذه ( التفاعل مع الموضوع ) قد تتولد أفكار جديدة مختلفة إلى هذه الدرجة أو تلك عن الأفكار التي بدأ بها عملية النشاط( يزداد وعيه بنشاطه، أو بخصائص موضوع النشاط) سوف تشكل منطلق دورة النشاط التالية. وفي كل دورة نشاط جديدة قد تنزاح بعض الأفكار السابقة، وقد تستمر أخرى بحسب استجابتها لشروط التفاعل الجديد سواء من ناحية دوافعه(الحاجات)، أو من ناحية خصائص الموضوع، أو من ناحية أدوات ووسائل التفاعل . فالحاجات الاجتماعية باعتبارها الدافع إلى التفاعل(النشاط) والأفكار التي يحملها الفاعل(الوعي) ،وأدوات وشروط التفاعل تمثل جميعها حصيلة تاريخية للوسط الصناعي، الذي يكثف بدوره مستوى تطور المجتمع ثقافيا واقتصاديا وسياسيا..الخ.فبقدر ما يسمح التنظيم الاجتماعي،للحاجات بالتعبير عن نفسها بحرية ، تكون خصبة الأفكار التي تعمل على تجاوز الأوضاع القائمة ، فيتسارع تطور المجتمع (2).
وبالعكس عندما لا يسمح التنظيم الاجتماعي،للحاجات بالتعبير عن نفسها بحرية،يضعف فيه الإبداع الفكري التجاوزي ويتباطأ الحراك الاجتماعي العام .
الوسط الصناعي بدوره يشمل جميع أشكال الوجود الاجتماعي بما فيها من روابط وعلاقات ووعي اجتماعي، بالإضافة إلى تلك المكونات من الوسط الطبيعي التي امتلكها الإنسان معرفيا، و تتوفر لديه الوسائل الفنية والاقتصادية للانتفاع بها بما يخدم مصالحه. بهذا المعنى فإن الوسط الصناعي يقترب كثيراً من مفهوم الوجود الاجتماعي ، غير أنه يظل أوسع منه نظراً لأنه يشمل الظواهر والأشياء المادية ذاتها التي تحيط بالإنسان وتؤثر على طريقة تفاعله مع وسطه الطبيعي أو الصناعي. فهذه الأخيرة تمثل شروط التفاعل الاجتماعي بقدر امتلاكها معرفيا. يتفاعل الإنسان عادة مع وسطه الطبيعي من أجل تطوير المجتمع ونقله من وضعية إلى أخرى أرقى من سابقتها ، إنه تفاعل تطوري تراكمي .في سياق هذا التفاعل يستند الإنسان إلى وسطه الصناعي الذي أصبح يمتلكه معرفيا وتنظيميا.
لكن الإنسان يتفاعل أيضا مع وسطه الصناعي ، غير أن هذا التفاعل يغلب عليه الطابع السكوني، فهو تفاعل غير تراكمي وبالتالي غير تطوري.
إن عملية تفاعل الإنسان مع وسطه الطبيعي وتحويله إلى وسط صناعي هو عملية متكررة باستمرار، فالإنسان لا يستطيع التوقف عن التبادل العضوي مع وسطه، وإن حصيلة هذا التفاعل تتجسد دائما في خلق وتطوير قوى الإنتاج . وكأي عملية موضوعية متكررة باستمرار لها قانون يحكمها نسميه قانون التبادل العضوي مع الطبيعة أو قانون تطوير قوى الإنتاج(3) .
غير أن القانون الاجتماعي (مطلق قانون) هو تجريد نظري للجوهري والمتكرر في الظواهر الاجتماعية ، أما الشكل الذي يظهر به فانه يختلف من مجتمع إلى أخر باختلاف الشروط التاريخية، واختلاف البنية الداخلية للنشاط الاجتماعي، ودرجة وعي الناس بمصالحهم وبأي كيفية يحققونها. فمصالح الناس ( أفرادا أو جماعات ) مشروطة دائما بدرجة وعيهم بها، فليس من مصلحة مميزة خارج نطاق الوعي ، وبالتالي فإن تنوع الوعي بالمصالح ينجم عنه تنوع المصالح المميزة ذاتها (4).
قد يكتشف العلم مصالح أخرى سواء للأفراد أو الجماعات وتكون متفقة أكثر مع متطلبات التقدم الاجتماعي ، وتقدمها الأيدولوجيا في مشاريع أيديولوجية ، لكنها تبقى مع ذلك مصالح بالقوة (مصالح ممكنة نظريا)، قيمتها الحقيقية هي في وعي الناس المعنيين بها .إن اكتشاف هذه المصالح هو نوع من تجاوز الواقع فكريا، يمهد بدوره لتجاوزه فعليا .هنا أيضا تتقابل المصالح بالقوة مع المصالح بالفعل في تفاعل جدلي يستدعي دائما الكشف عن وضعيته المشخصة في كل مرحلة من مراحل التطور التاريخي.لهذا الغرض لا بد من معرفة الكيفية التي يعمل بها القانون الثاني للحراك الاجتماعي العام وتحديد مجاله .
3- مجال العلاقات الإنتاجية الاجتماعية .
في سياق التبادل العضوي بين الإنسان والطبيعة ينتج سيل من الأفكار،يتحول بعضها إلى قوى إنتاج جديدة، وشروط إنتاج ،وأشكال للوجود الاجتماعي، في حين يظل بعضها الأخر في الدائرة الفكرية، على شكل تصورات و أراء.. الخ. ومن طبيعة الأفكار أن يختلف اتجاه حركتها وزمن استغراقها.تولد الفكرة عادة فردية في ذهن ما، تتحول لاحقا إلى فكرة جماعية أو اجتماعية بمجرد أن تخلق ما يطابقها من علاقة(علاقات) في الوجود الاجتماعي وتستمر فاعلة فيه طالما استمرت العلاقة الاجتماعية التي خلقتها في الوجود .وقد يحصل أن تستمر الأفكار زمنا طويلا في ساحة الفكر( ساحة الوعي الاجتماعي ) ، مع أن منطق التاريخ يكون قد تجاوزها، وقد تترك ساحة الوعي إلى ساحة اللاوعي تنتظر هناك فرصة استدعائها إلى ساحة الوعي، وقد تنحجز هناك بالمعنى التاريخي.باختصار فإن بعض الأفكار يموت سريعا ، وبعضها الأخر يظل حيا زمنا طويلا في وعي الناس يوجه سلوكهم اليومي باتجاه التقدم والتجاوز أو باتجاه التراجع والنكوص، وقسم ثالث ينحجز في اللاوعي دون أن يموت. وبغض النظر عن مدة حياة الأفكار فإنها تسعى دائما إلى خلق مكافئ لها في الوجود الاجتماعي .
إن حراك الأفكار يختلف حسب المجال الذي تفعل فيه.فالأفكار الفاعلة في مجال تطوير قوى الإنتاج هي الأكثر حراكا و قابلية للتغير بالمقارنة مع الأفكار الأخرى. وينطبق ذلك أيضا على العلاقات المكافئة لها في الوجود الاجتماعي .لذلك فإن هذه الأفكار والعلاقات التي تعبر عنها هي الأكثر أهمية من منظار التقدم الاجتماعي. ففي دائرة العلاقات الإنتاجية تبدأ موجة التغيرات في بنية العلاقات الاجتماعية( الوجود الاجتماعي ) . هنا بالضبط يكمن محرك التغيرات في كامل البناء الاجتماعي، وفي هذه الدائرة تتحدد أيضا الكيفية التي يعاد بها إنتاج الكائن البشري ، وإنتاج وسائل عيشه، ويتقرر مصير البناء الاجتماعي ككل في نهاية المطاف .
الإنسان لا ينتج ذاته ككائن حي أولاً ، وككائن اجتماعي ثانيا بصورة منعزلة، بل في إطار من العلاقات والميول والاستعدادات والمفاهيم الاجتماعية التي تكونت وتراكمت تاريخيا عبر الزمن. من الخطأ عزل الدائرة التي تنتج فيها وسائل عيش الإنسان ،عن الدوائر الأخرى التي تتكونن فيها إنسانيته.
فالإنسان لا ينتج ويستهلك إلا بصفته كائنا اجتماعيا .إنه لتبسيط كبير الاعتقاد بأن التقدم الاجتماعي يتسارع بمجرد تغيير علاقات الإنتاج المعبر عنها بأشكال الملكية دون أن تؤخذ بعين الاعتبار شبكة العلاقات الاجتماعية الأخرى وانعكاسها في وعي الناس .
إن البحث عن الوضعية الأمثل للعلاقات بين دائرة العلاقات الإنتاجية الاجتماعية والدوائر الأخرى للعلاقات الاجتماعية يسمح بتحقيق أفضل الظروف للتقدم الاجتماعي .غير إن ذلك لا يتحقق في الواقع إلا من خلال مساومات وتسويات مختلفة ، تقترب أو تبتعد إلى هذه الدرجة أو تلك عن وضعية التناسب الأمثل الممكن تاريخيا بين مختلف دوائر العلاقات الاجتماعية .ومما يجعل الاقتراب من هذه الوضعية الأمثل ممكنا ، معرفة أوالية الحراك الخاص بكل دائرة من دوائر العلاقات الاجتماعية .
من المعروف أن العلاقات الاجتماعية في الدوائر التي يحقق فيها الإنسان إنسانيته ( دوائر الحياة الاجتماعية ) تميل إلى المحافظة (أقل قابلية للتغير) من العلاقات الاجتماعية في الدائرة الإنتاجية حيث تنتج وسائل عيش الإنسان ككائن بشري، وينتج هو ذاته .السبب في ذلك يعود إلى الحضور المكثف للماضي على شكل تكوين نفسي وأيديولوجيا وثقافة عامة .. الخ ، وهي جميعها تتميز بحراك بطيء جدا .وفي داخل كل دائرة توجد اختلافات كبيرة أحيانا بين حراك مكوناتها الداخلية . فعلى سبيل المثال تتغير أفكار وعلاقات الدائرة الإنتاجية (إنتاج وسائل العيش) بسرعة أكبر من سرعة تغير أفكار وعلاقات الدائرة الاستهلاكية. وفي داخل الدائرة الإنتاجية تتغير الأفكار والعلاقات المرتبطة بوجود الإنسان بسرعة أقل من سرعة تغير الأفكار والعلاقات المرتبطة بإنتاج وسائل عيشه. وبالفعل تتميز الأفكار والعلاقات في دائرة الأسرة حيث ينتج الكائن البشري بالثبات النسبي، على الأقل خلال فترة طويلة من الزمن ، وذلك بسبب كون الأسرة تخضع للتقاليد والموروثات الثقافية .. الخ. وفي داخل دائرة إنتاج سائل عيش الإنسان تتغير الأفكار والعلاقات السائدة في دائرة التوزيع والتبادل ببطء بالمقارنة مع سرعة تغير الأفكار والعلاقات الفنية والتوازنية، فهذه الأخيرة تتميز بقابليتها للتغير السريع بسبب صلتها المباشرة بالأثر المترتب عن اشتغال القانون الأول للحراك الاجتماعي، أي التطوير المتواصل والمستمر لقوى الإنتاج، وبشكل خاص لوسائل الإنتاج . فعندما يتم ابتكار وسيلة إنتاج جديدة فإنها تضمر في ذاتها وضعية معينة للعلاقات الفنية والتوازنية،سرعان ما تتحقق بمجرد دخولها مجال الاستهلاك الإنتاجي .يترتب على ذلك تغير البنية الداخلية للمؤسسات والشركات ،بل والفروع الاقتصادية، وكذلك تغير العلاقات المتبادلة بينها، مما يمهد لسلسلة من التغيرات في كامل البناء الاجتماعي.
إن تغير العلاقات الفنية والتوازنية كنتيجة لتطور وسائل الإنتاج، يلعب الدور الحاسم في تمايز البنية الاجتماعية إلى أزمان تطورية .في حين تبقى العلاقات الإنتاجية الاقتصادية(العلاقات في دائرتي التوزيع والتبادل) ، محافظة على شكلها لفترة طويلة نسبيا قد تتجاوز العديد من الأزمان التطورية.فعلى سبيل المثال تحافظ الملكية على طابعها وأشكالها لفترة طويلة بسبب ارتباطها المباشر بمصالح الطبقات والفئات الاجتماعية.بل تختلف أوالية تغيرها من نظام اجتماعي إلى أخر .ففي الرأسمالية الكلاسيكية تتغير العلاقات الإنتاجية الاقتصادية بسرعة أكبر من تغير مثيلتها في التشكيلات ما قبل الرأسمالية،أوفي الرأسمالية الطرفية، وذلك بسبب تمايز الحقول الصراعية، وسيطرة الحقل الاقتصادي .
لقد عرفت الرأسمالية عدة أشكال للملكية، بدءا من الملكية الفردية الصغيرة إلى أكثر أشكال الملكية تجريدا وتمركزا مثل ملكية الأسهم وملكية حقوق الملكية.كما إن نطاق الملكية المباشرة يضيق باستمرار لصالح توسع نطاق حقوق الملكية، وهذه الظاهرة الجديدة في الرأسمالية المعاصرة سوف تغير من دور الملكية في الصراعات الاجتماعية .
إن استقصاء الربح في الرأسمالية الكلاسيكية جعل البرجوازية تسير في اتجاهين :في الاتجاه الأول سعت إلى زيادة إنتاجية العمل، وفي الاتجاه الثاني عمدت إلى تعميق التبادل اللامتكافئ بينها وبين الرأسمالية الطرفية .
في الاتجاه الأول طورت البرجوازية وسائل الإنتاج والعلوم والفنون الإنتاجية وتطبيقاتها المباشرة في مجال الإنتاج .فالثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة تغير العلاقات الإنتاجية ، بل العلاقات الاجتماعية ككل بوتائر سريعة جدا .
في الاتجاه الثاني سعت البرجوازية سواء في المراكز الرأسمالية المتقدمة أو في الأطراف إلى تحويل البلدان المتخلفة إلى بلدان تابعة تقوم بوظيفة حيوية خدمة للمنظومة الرأسمالية ككل ، فمن جهة تشكل هذه البلدان مصدراً لجزء من القيمة المنتجة الجديدة التي تتراكم في المراكز الرأسمالية. ومن جهة ثانية تحولت إلى هامش مرونة يمتص الأزمات التي تحصل في المنظومة الرأسمالية أو تخفف من حدتها .
إذا تفحصنا عن قرب مسعى البرجوازية إلى استقصاء الربح فسوف يبدو أنه يتعارض مع مصالح العمال والفئات الاجتماعية الأخرى.أما إذا نظر إليه في السياق الاستراتيجي العام للحراك الاجتماعي فسوف يبدو أقل تعارضا، لأن البرجوازية في الوقت الذي تستقصي فيه الربح تقوم بفعل تغييري كبير على مستوى البناء الاجتماعي ككل،من نتيجته ارتقاء وتحسن وضع العمال.
كما أن نشاط العمال والفئات الاجتماعية الأخرى في سبيل تحقيق مصالحها يؤدي موضوعيا إلى نوع من التكامل الوظائفي مع نشاط البرجوازية، تزداد بنتيجته إنتاجية العمل وتتطور العلوم والتكنولوجيا ويتطور وعي الناس ويرتقي المجتمع .
في ضوء ما سبق ذكره يمكن الاستنتاج بأن أوالية تجاوز التناقضات الطبقية والحد من دور الأثر الاقتصادي الناجم عن ملكية عوامل الإنتاج أو حقوق الملكية فيها يتوقف على تغير العلاقات الفنية والتوازنية." لا تستطيع البرجوازية التوقف عن تطوير قوى الإنتاج " حسب ماركس، ولا تستطيع بالتالي التوقف عن تغيير العلاقات الفنية والتوازنية، وبذلك تكمن قابلية الرأسمالية الكبيرة على التطور والتكيف والتجديد الذاتي.
لا شك بان الأوالية العامة لتحقيق ذلك معقدة جدا ، ولا يتوحد اتجاه فعل جميع القوى الاجتماعية الفاعلة في التقدم الاجتماعي إلا في النهاية وكمحصلة عامة، بعد مساومات وتعرجات عديدة يكون ثمنها الاجتماعي الطبقي أو الإنساني باهظا جدا (5).
في رأسمالية الدولة الوطنية (البلدان الاشتراكية السابقة) تبدو أوالية التغيير مختلفة بعض الشيء، مع أنها مستمرة هنا أيضا ، وتلاحظ فيها السمات العامة السابقة.غير أنها على خلاف الرأسمالية الكلاسيكية لا تتغير هنا العلاقات الفنية والتوازنية تحت ضغط الاعتبارات الاقتصادية المتمثلة في استقصاء الربح، لأن الأثر الاقتصادي المحفز على التغيير يتقرر خارج الإطار الإنتاجي المباشر من قبل الأجهزة البيروقراطية.فاستبعاد المصالح المباشرة للعاملين وإلغاء الملكية الخاصة قبل أن تستنفد إمكانياتها التاريخية ، بما تمثله جميعها من تحفيز على الإنتاج ،أخذت تعيق وتلجم عملية تغيير العلاقات الفنية والتوازنية ، خصوصا بعد أن عجزت الأيدولوجيا عن لعب هذا الدور لفترة طويلة .أضف إلى ذلك لم يكن تدخل الأجهزة البيروقراطية الإدارية والحزبية متوافقا دائما مع ضرورات التغيير والتقدم الاجتماعي . لقد تبين بالتجربة أن ثمة فارقا كبيرا بين ما تراه الأجهزة التخطيطية والسياسية من عوامل التغيير وبين ما هو ضروري أو ممكن أو فاعل حقيقة في التقدم الاجتماعي .بالطبع ليس الخطأ في التخطيط باعتباره قيادة واعية للتقدم الاجتماعي ، بل في الآليات التخطيطية المستخدمة وفي اختلاف مصالح العاملين ومصالح الأجهزة البيروقراطية وتعارضها في كثير من الأحيان . لقد كانت مصالح الأجهزة البيروقراطي السياسية والإدارية تميل إلى التفارق مع مصالح المنتجين المباشرين بسبب طبيعة العمل البيروقراطي في رأسمالية الدولة الوطنية، واستحواذه على القسم الأكبر من فائض القيمة بطرق وأساليب سياسية واستخدامه في الاستهلاك أو في بناء وتطوير مشاريع الأبهة ،خصوصا تلك المشاريع المتعلقة مباشرة بقوة الدولة وهيبتها .
لقد تجاهلت رأسمالية الدولة الوطنية دور السوق كمعيار ومقيم نهائي للعمل ونتائجه، وأعاقت اشتغال القوانين الاقتصادية بصورة إرادية، مما أضعف المحفزات الاقتصادية على الإنتاج، لتحل محلها الأساليب الأيديولوجية والسياسية، وهذه الأساليب كما هو معروف قد تكون فعالة في الفترات الاستثنائية ،حيث يمر المجتمع في ظروف انعطافية، غير أنها في الظروف العادية تكون مضللة ومعيقة إلى حد كبير .
إن هيمنة الأيدولوجيا على الحياة الاجتماعية في البلدان " الاشتراكية " السابقة، كان من نتيجته لا مبالاة شعبية واسعة واغتراب حقيقي للناس عن الإنتاج ، وعزلة كبيرة للأحزاب الحاكمة وأجهزتها البيروقراطية عن المجتمع وهمومه..الخ.قد تحفز الأيدولوجيا الناس على العمل والتضحية في الظروف الاستثنائية (كوارث طبيعية ، حروب أهلية أو وطنية ، في بداية التغييرات الكبرى .. الخ)، لكنها سرعان ما تفقد هذا الدور في الحياة العادية إذا لم تقترن بمحفزات اقتصادية مباشرة وملائمة .
لقد عانى العمال والمنتجون عموما في رأسمالية الدولة الوطنية اغترابا حقيقيا عن وسائل الإنتاج، بسب تغييب الدور التحفيزي الهام للأثر الاقتصادي والاجتماعي للعمل، الذي يتوقف عليه مباشرة التقدم الاجتماعي.باختصار توجد في دائرة العلاقات الإنتاجية الاجتماعية في ظل رأسمالية الدولة الوطنية،عوامل محافظة تعيق التغيير، ليس لها مثيل في الرأسمالية الكلاسيكية، من قبيل الحضور الكثيف للعوامل السياسية والأيديولوجية في صورة بيروقراطية حزبية وإدارية .وإن إعاقة تغير العلاقات الفنية والتوازنية يعيق التغير في كامل البناء الاجتماعي. لقد أصبح واضحا أن محرك التغيرات في البناء الاجتماعي ككل هو في مجال اشتغال القانون الأول للحراك الاجتماعي، وتحديدا في مجال تطوير قوى الإنتاج والعلاقات الفنية والتوازنية، هنا بالضبط يتقرر مصير التقدم الاجتماعي.
في الرأسمالية الكلاسيكية كانت أشكال الملكية تتغير باستمرار مع تطور الرأسمالية، ويتحول موضوعها من ملكية عوامل الإنتاج إلى ملكية حقوق الملكية،وتأخذ طابعا مجردا أكثر فأكثر، وتزداد تركيزا من جراء اشتغال القوانين الاقتصادية، مثل قانون استقصاء الربح ، وقانون المنافسة ، وقانون تركيز وتمركز رأس المال .. الخ .
في رأسمالية الدولة الوطنية ساد شكلان للملكية هما : الملكية التعاونية والملكية الحكومية ، وكلاهما متشابهان من حيث الجوهر ويتميزان بقابلية ضعيفة للتغير ، نظرا لإعاقتها اشتغال القوانين الاقتصادية الموضوعية ، والحضور الفاعل للعوامل السياسية والأيديولوجية فيها .ليس المهم في تحديد أشكال الملكية ، بل المهم هو في مدى استجابتها لمصالح الناس كما يرونها هم أنفسهم. وإذا كان بالإمكان تحفيز الناس للعمل بواسطة الأيدولوجيا في ظروف خاصة ، فليس ذلك قاعدة عامة.الناس يعملون باستمرار ويتسابقون في الاجتهاد فيه ، فقط عندما يرتبط نشاطهم الإنتاجي بالأثر الاقتصادي المترتب عليه، وهذا يتطلب بدوره اشتغال القوانين الاقتصادية الموضوعية بصورة طبيعية .
عندما ترتبط فعالية الناس ونشاطهم الاقتصادي بالأثر الاقتصادي الناجم عنها مباشرة، تكون قد ارتبطت عمليا جميع المجالات الاقتصادية من إنتاج وتوزيع وتبادل، فالأثر الاقتصادي الذي يتحقق دائما في دائرة الإنتاج ينتهي دائما في دائرة التبادل .
في رأسمالية الدولة الوطنية لا ترتبط دائرة الإنتاج مباشرة بدائرة التبادل، بل عبر توسط الأجهزة البيروقراطية الإدارية والسياسية التي تتولى التخطيط الشامل، علما أن التخطيط للإنتاج والتوزيع أسهل بكثير من التخطيط للتبادل . في دائرة الإنتاج والتوزيع يبدو التخطيط كعملية فنية بحتة، في حين تبرز في دائرة التداول العوامل الاجتماعية والثقافية إلى جانب العوامل الاقتصادية لتلعب دورها الحاسم.
من الناحية النظرية يستطيع التخطيط إيجاد أفضل التناسبات بين الحاجات الاجتماعية المحددة تاريخيا ، وبين الطاقات الإنتاجية المتاحة، لكن الأجهزة التخطيطية في رأسمالية الدولة الوطنية، كانت عاجزة في حالات كثيرة عن إيجاد التناسبات الضرورية بين دائرة الإنتاج، ودائرة التبادل، مما أدى إلى تشويه الهيكل الاقتصادي للاقتصاد الوطني، فتطورت فروع على حساب فروع أخرى، وبالأخص تطورت الفروع التي لها علاقة بقوة الدولة وهيبتها ، على حساب الفروع المنتجة لوسائل الاستهلاك الشعبي، وقد تحقق ذلك بالوسائل السياسية على الأغلب الأعم .
في الرأسمالية الكلاسيكية ترتبط دائرة الإنتاج بدائرة التداول عن طريق السوق ، حيث تتواجه المصالح بدون أية توسطات أيديولوجية، وتتحقق بالوسائل الاقتصادية.أما في رأسمالية الدولة الوطنية، تتحدد المصالح مسبقا من قبل الأجهزة التخطيطية الإدارية والسياسية، فهي التي تحدد حدود " التوازن" في المصالح وكيفية تحققها.
في الرأسمالية الكلاسيكية تتحدد اتجاهات حركة رأس المال ومسالكه من خلال الكشف عن الطلب الاستهلاكي وبنيته واتجاه تغيره، أما في رأسمالية الدولة الوطنية فإن حركة رأس المال ومستوى الطلب الاستهلاكي وبنيته الداخلية تحددها الأجهزة التخطيطية في ضوء الأهداف السياسية والأيديولوجية ، وبتكاليف باهظة عادة (6).
4-مجال العلاقات بين البناء التحتي والبناء الفوقي .
حسب الترسيمة الماركسية المدرسية فإن تغير قوى الإنتاج ، يؤدي إلى تغير علاقات الإنتاج، وبتغير علاقات الإنتاج يبدأ البناء الفوقي بالتغير .هذه الترسيمة التي اكتسبت قوة البديهة لكثرة تكرارها في الأدبيات الماركسية المختلفة ليست ترسيمة عامة إلا في التجريد النظري . في الواقع هي نموذجية في الرأسمالية الكلاسيكية فقط، وفي حدود معينة تصلح أيضا للتشكيلات الطبقية ما قبل الرأسمالية. في هذه التشكيلات التغير في الحقل الاقتصادي يسبق التغيرات المطابقة في البناء الفوقي ويحدد طابعه .
في رأسمالية الدولة الوطنية (البلدان الاشتراكية السابقة) لا تصلح الترسيمة السابقة بصورتها النموذجية لأن أوالية التغيير تختلف بعض الشيء.هنا تقتضي ضرورات التغيير في علاقات الإنتاج الاجتماعية أن يحصل تغيير في البناء الفوقي وخصوصا في الحقل السياسي . فلحظة التغيير التطوري في البنية الاجتماعي كانت تنطلق دائما من فوق، من الحقل السياسي ، فيتوسع بانطلاقتها الفضاء العام لحركة قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج وبقية مكونات البنية الاجتماعية الأخرى . ومن الطبيعي أن يقدم أي تغيير سياسي نفسه في حلة أيديولوجية تناسبه، يتوقف عليها إلى حد بعيد بدء لحظة التغيير التطوري التالية .يمكن تشبيه أوالية التغيرات في البناء الاجتماعي لنظام رأسمالية الدولة الوطنية، بجسم يتحرك على مسار تعترضه مقاومات عديدة متدرجة، ومع تقدم الجسم على مسار الحركة تتكثف هذه المقاومات، وعند حد معين تصبح حركة الجسم إلى الأمام مستحيلة إذا لم تكسر هذه المقاومات ،وخصوصا المقاومة الأخيرة التي تستند عليها بقية المقاومات والمتمثلة في السلطة السياسية .


أ 1 2 3 4 5 ب

في الرسم ، أ –ب : تمثل زمن سياسي تطوري ينطبق بصورة تقريبية مع فترة استمرار السلطة السياسية تحت قيادة واحدة .
1- حركة قوى الإنتاج .
2 – 5 تمثل مقاومات مختلفة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية ، تعبر عن نفسها بصورة مصالح تميل إلى المحافظة والجمود بدرجات مختلفة .
إذا افترضنا أن فترة دوام السلطة السياسية تحت قيادة معينة( أ-ب ) تمثل زمنا سياسيا تطوريا، فإن وتائر التغيير في البناء الاجتماعي خلاله ترسم خطا بيانيا منحدراً، تتحدد درجة الانحدار فيه في ضوء تسارع عوامل المحافظة في السلطة السياسية وفي ردائها الأيديولوجي(7) .
في الرأسمالية الكلاسيكية ( النموذج الأوروبي ) فإن لحظة الحركة والتغيير تأت دائما من تحت، من الحقل الاقتصادي، وتتسارع بتساوق مع تطور قوى الإنتاج التي هي في الأصل مصدرها ومسببها، لتزيح من طريقها أي عائق،على شكل علاقات إنتاج أو علاقات اجتماعية أو سياسية الخ . يصعب هنا الحديث عن زمن سياسي تطوري، بل عن زمن تطوري تتحدد معالمه بتطور قوى الإنتاج، لذلك فإن الرأسمالية في نموذجها الكلاسيكي تتمتع بفضاء تطوري واسع نسبيا ، تتحرك خلاله بمرونة كبيرة .
إن القوانين العامة للحراك الاجتماعي العام المشار إليها سابقا تشتغل أيضا في ظروف المجتمعات المتخلفة ، غير أنها هنا تبدو مثقلة بركام هائل من الاختلاطات ، يعود بعضها إلى تعدد الأنماط الإنتاجية في البناء الاجتماعي، وبعضها الأخر يعود إلى علاقات التبعية التي تربط هذه المجتمعات بالمراكز الرأسمالية . لذلك من الصعوبة بمكان معالجة اشتغال القوانين العامة للحراك الاجتماعي بمعزل عن هذه الخصوصيات وبشكل خاص عن علاقات التبعية مع الخارج .
إن احتياجات التطور الداخلي في البلدان المتخلفة واتجاهاته لا تعكس في الغالب الأعم الاحتياجات الحقيقية لهذه البلدان، بقدر ما تعكس مصالح رأس المال العالمي. مع ذلك لا يمكن تجاهل العوامل الداخلية عند دراسة أوالية اشتغال القوانين العامة للحراك الاجتماعي في ظروف التخلف.فإلى جانب دورها الخاص الذي تلعبه ، فهي حوامل الفعل والتأثير الخارجي سواء أكانت سلبية أم إيجابية .في هذا المجال يلاحظ الدور الكبير الذي يلعبه العامل السياسي قياسا إلى العامل الاقتصادي، البناء الفوقي قياسا إلى البناء التحتي، للذاتي قياسا إلى الموضوعي، للدولة قياسا إلى المجتمع .. الخ .
إن تضخم دور العوامل السياسية في البلدان المتخلفة على شكل علاقات شخصا نية ومركزية سلطوية، تشكل أكبر إرباك للحراك الاجتماعي في هذه البلدان ، سواء التي تسير منها على طريق الرأسمالية الخاصة أو التي تسير على طريق الرأسمالية الحكومية . في الحالة الأولى يبدو السياسي مرتبطا بصورة واضحة بمصالح رأس المال العالمي وممثليه المحليين(البرجوازية الكولونيالية).وإن تطور الرأسمالية هنا لا يؤدي إلى صهر البنية الاجتماعية الداخلية (في المدى لمنظور)، بل يبقيها ممزقة موزعة الولاءات الاثنية والطائفية ، والقبلية، والعشائرية .. الخ ، التي تشكل بدورها الأساس للعلاقات الشخصانية ، والسند الأكبر للفئات الحاكمة .في هذه الوضعية تتولد أيضا ولاءات جديدة على شكل نزعات اغترابية كوسموبولوتية، أو نزعات نكوصية ارتدادية إلى الماضي،مع ما يترتب على ذلك من أثار اجتماعية خطيرة .
إن تراجع وتائر التقدم الاجتماعي لا يعني انه لا يحصل إطلاقا. قد يستثنى من ذلك بعض المراحل الانعطافية كما حصل في عهد غورباتشوف وخصوصا في مرحلة يلتسين ، حيث تراجع الناتج الإجمالي العام بمقدار 28% في حين خسر خلال الحرب العالمية الثانية نحو 24% من طاقته الإنتاجية .
في الحالة الثانية كان السياسي يقلد ما يجري في البلدان " الاشتراكية" السابقة ، يستحضر الحلول لمشاكله الداخلية من لدنها .وفي كلتا الحالتين كان السياسي يتحرك في إطار نظريات أعدت أساسا في الخارج . باختصار تبدو القوانين العامة للحراك الاجتماعي في ظروف التخلف معاقة إلى حد بعيد عن الاشتغال، يقبض عليها الخارج ويوجهها لخدمة مصالحه .
5 - الحراك الاجتماعي العام .
عودة إلى بدء .في سياق تفاعل الإنسان مع الطبيعة تتطور قوى الإنتاج بما فيها الإنسان نفسه، مما يجعلها تتعارض مع علاقات الإنتاج فتدفعها نحو التغير، وبذلك يتغير البناء التحتي للنظام الاجتماعي، فيدخل بدوره بتناقض مع البناء الفوقي، فيدفعه هو الأخر إلى التغير.إن الحصيلة الموضوعية العامة لهذه التغيرات ، التي تحكمها كما لاحظنا ثلاثة قوانين رئيسية، هي حصول التقدم الاجتماعي.وبالفعل فإن المجتمع الإنساني يتطور باستمرار كاتجاه عام بغض النظر عن حالات الارتداد والنكوص التي تحصل فيه في بعض المراحل التاريخية .وبسبب كون هذه العملية موضوعية و متكررة باستمرار، يحكمها قانون عام يسمى قانون الحراك الاجتماعي العام .
إذاً ، يصوغ قانون الحراك الاجتماعي العام الحصيلة النهائية لاشتغال القوانين الثلاثة الأولى والمتمثلة في التقدم الاجتماعي. لذلك يسمى هذا القانون أيضا بقانون التقدم الاجتماعي أيضا. وهكذا واستنادا إلى الكيفية التي تشتغل بها هذه القوانين والشكل الذي تظهر به يمكن تقسيم التاريخ الإنساني، بل التاريخ الخاص بكل مجتمع محدد ، إلى مراحل تطورية كبيرة نسبيا تدعى التشكيلات الاجتماعي الاقتصادية .وعليه فان المشاعية ، والعبودية، والإقطاعية، والرأسمالية، هي تشكيلات اجتماعية اقتصادية تمثل عصورا تاريخية متراتبة في التطور الإنساني العام .
كما إن حصيلة اشتغال كل قانون من قوانين الحراك الاجتماعي العام تمثل معلما بارزا في تمايز التاريخ. فعلى سبيل المثال يترتب على اشتغال القانون الأول تطور قوى الإنتاج، واستنادا إليها يمكن تمييز عصر الحجر، وعصر البرونز، وعصر الحديد، وعصر الآلة البخارية ،وعصر الآلة ذات الاحتراق الداخلي، وعصر الكمبيوتر .. الخ .
ويترتب على حصيلة اشتغال القانون الثاني تمايز التاريخ استنادا إلى شكل الملكية وشكل استحواذ الفائض،و أشكال الوجود المجتمعي مثل العائلة والعشيرة والقبيلة والشعب والأمة .. الخ.
أما حصيلة اشتغال القانون الثالث فتؤدي إلى تمايز التاريخ استنادا إلى تغير مؤسسات السلطة، من سلطة رب العائلة إلى سلطة زعيم العشيرة فسلطة زعيم القبيلة فسلطة الدولة .. الخ .
إن القوانين العامة للحراك الاجتماعي والتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية، هي تجريدات نظرية عامة قيمتها المعرفية ، في الدلالة الاصطلاحية التي تعطى لها .غير أن التاريخ الإنساني هو تاريخ مميز وملموس، يتعلق بحدث اجتماعي معين له مسبباته ونتائجه .لذلك تختلف طريقة اشتغال هذه القوانين والشكل الذي تظهر به من بلد إلى أخر، ولا يمكن دراستها واستخدامها بصورة واعية في تقدم المجتمع المعني إلا من خلال الاقتراب منها وتفحص كيفية اشتغالها في الواقع الملموس .
إن ما توصلنا إليه حتى الآن من نتائج تتعلق بالقوانين العامة للحراك الاجتماعي قد تكون ملتبسة بسبب عموميتها الزائدة، ولا تفيد كثيرا في فهم الكيفية التي يحصل بها التقدم الاجتماعي والقوى الاجتماعية الفاعلة به..الخ، لذلك لا بد من السير بالتحليل إلى مدى أبعد. لهذا الغرض لا بد من توضيح المسائل المنهجية التالية :
1-تحديد الشكل الرئيسي لظهور القانون العام للتقدم الاجتماعي على مستوى التشكيلة وفي كل حقل من حقولها .
2-تحديد شكل العلاقات الإنتاجية وكيفية تحققها الاقتصادي .
3 -تحديد القوى الاجتماعية التي تقود الحراك الاجتماعي التطوري أو البنيوي وتلك القوى المعيقة له .
4-تحديد أشكال الصراع الاجتماعي الطبقي والحقول التي يتحرك فيها .
في التشكيلات الرأسمالية المتطورة يظهر القانون العام للتقدم الاجتماعي في الحقل الاقتصادي على شكل تراكم متعاظم لرأس المال، ويظهر في الحقل الأيديولوجي على شكل تطور سريع للعلوم والثقافة، أما في الحقل السياسي فيظهر القانون على شكل تطور لبناء الدولة وأجهزتها وطرق وأساليب ممارسة السلطة .
أما القانون الأول للحراك الاجتماعي فإنه يأخذ شكل تطور متسارع للعلوم والتكنولوجيا والفنون الإنتاجية المختلفة .في حين يظهر القانون الثاني المعبر عن علاقات الإنتاج من خلال العلاقات القائمة بين البرجوازية وطبقة الأجراء. تأخذ هذه العلاقة منظورا إليها من زاوية البرجوازية شكل الربح، أما من زاوية طبقة الأجراء فإنها تأخذ شكل الأجر ، وتتحقق هذه العلاقة باستخدام الأساليب الاقتصادية بالدرجة الأولى .
ومن المعروف أن المفاعيل السابقة الذكر للقوانين العامة للحراك الاجتماعي لا تتحقق إلا من خلال الصراع الذي يؤدي إلى تغير أشكال ممارسة السلطة والعلاقات القائمة عليها باستمرار .ونتيجة هذا الصراع يزداد الاستقطاب ويتعمق بين البرجوازية وطبقة الأجراء ، باعتبارها القوى الاجتماعية الفاعلة في الحراك الاجتماعي الداخلي للتشكيلة خلال زمنها التطوري .خلال عملية الصراع بين القطبين الطبقيين البرجوازية والأجراء، فان الفئة الاجتماعية التي تقود عملية الانتقال من مرحلة إلى أخرى من مراحل الزمن التطوري للتشكيلة ، تتغير حسب طبيعة المهام التي يطرحها منطق التاريخ. في البداية كانت فئة التجار ،ومن ثم تولت القيادة فئة الصناعيين ، لتخلي القيادة في فترة لاحقة إلى فئة الماليين.. وفي الوقت الراهن يلعب العلماء و التكنوقراط الدور القيادي الحاسم في تطور التشكيلة.
في هذه الوضعية للتشكيلة يعبر الصراع الطبقي عن جوهره السياسي بصورة مباشرة، باعتباره يتوجه مباشرة إلى السلطة وعلاقاتها ،ويعمل على تغييرها أو تغير آلية اشتغالها .
في التشكيلات الإقطاعية يأخذ القانون العام للتقدم الاجتماعي شكل الإنتاج من اجل الاستهلاك ، سواء بصورته التبذيرية منظور إليه من جانب الطبقة الإقطاعية ، أو بصورة الاستهلاك الضروري منظور إليه من جانب الفلاحين الأقنان .
وتتحدد علاقات الإنتاج بين الطبقة الإقطاعية وطبقة الفلاحين الأقنان ، وتأخذ شكل الريع الزراعي منظور إليه من جانب الطبقة الإقطاعية، الذي يظهر بأشكال مختلفة حسب تغير مراحل الزمن التطوري للتشكيلة الإقطاعية ( ريع بالعمل، أو ريع عيني، أو ريع نقدي) .
وتأخذ علاقات الإنتاج الإقطاعية منظورا إليها من جانب طبقة الفلاحين الأقنان شكل المنتج الضروري. تتحقق هذه العلاقة بشكل رئيسي بالوسائل السياسية ،مع الاستعانة بالوسائل الأيديولوجية أحيانا.
خلال الزمن التطوري للتشكيلة الإقطاعية يتحدد الصراع الطبقي في البداية بين الطبقة الإقطاعية وطبقة الفلاحين الأقنان، وفي مرحلة متقدمة منها تولد الطبقة الوسطى ، لتأخذ جانب الفلاحين في مواجهة الطبقة الإقطاعية.ومع أن الطبقة الإقطاعية هي التي تقود عمليات التغيير خلال الزمن التطوري للتشكيلة ، إلا أن الطبقة الوسطى هي التي تقود عمليات الانتقال خلال الزمن البنيوي للتشكيلة في نموذجها الأوربي .أما في ظروف التخلف فان البرجوازية الكولنيالية، التقليدية أو المتجددة ،فهي التي تتولى هذه المهمة .
في النموذج الأوربي للتشكيلة الإقطاعية يتحرك الصراع الطبقي بشكل رئيسي في الحقل الأيديولوجي ، ولا ينتقل إلى الحقل السياسي إلا خلال مرحلة الانتقال إلى الرأسمالية .
في التشكيلات الرقية يبدو أن الشكل الرئيسي للقانون العام للتقدم الاجتماعي هو في الإنتاج من الاستهلاك الضروري أولاً والاستهلاك البذخي ثانيا. وتتخذ علاقات الإنتاج الاقتصادية منظور إليها من جانب طبقة الأسياد شكل الاستحواذ على المنتج الضروري والمنتج الفائض في الوقت نفسه ، وبالتالي فإنها تبدو وحيدة الاتجاه ، فهي علاقة بين السيد وموضوعات سيادته ومنها العبد ذاته .أما إذا نظر إلى العلاقة السابقة من جانب طبقة العبيد فتبدو هذه العلاقة سلبية تماما ، فالعبد ليس أكثر من أداة للإنتاج، مثلها مثل أية أداة أخرى ، تحتاج إلى الصيانة للمحافظة عليها. ويكون ذلك بتأمين حد معين من الاستهلاك الضروري من اجل إعادة إنتاج قوة العمل لديه .
خلال الزمن التطوري للتشكيلات الرقية استخدمت الأساليب السياسية على نطاق واسع من أجل الاستحواذ على المنتج الفائض وجزء من المنتج الضروري .وتحدد الصراع الطبقي أثناء ذلك بالطبقتين المشار إليهما، أما خلال زمن الانتقال فكان الدور القيادي لطبقة الأسياد .هنا يبدو الحقل الرئيسي الذي يتحرك فيه الصراع أكثر تعقيدا أقل تحديدا.مع ذلك يمكن القول بتحفظ أن الحقل السياسي والحقل الإيديولوجي، قد شكلا معا وبتداخل كبير بينهما ، ميدان الصراع.
قبل أن ننهي هذا المبحث لا بد من الإشارة إلى تداخل الحقول الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية التي يتحرك فيها الصراع الطبقي ، كلما رجعنا في التاريخ إلى الوراء، لتكون تركيباً معقداً ومتداخلاً . على العكس تماما ، تتمايز هذه الحقول كلما سرنا مع التاريخ إلى الأمام. ففي الرأسمالية المعاصرة تبدو الحقول الاقتصادية والأيديولوجية والسياسية التي يتحرك فيها الصراع الطبقي متبلورة ومتمايزة إلى حد بعيد .لذلك في التاريخ القديم وفي التشكيلات ما قبل الرأسمالية، كانت الأساليب السياسية لاستحواذ المنتج الفائض هي السائدة ، وكانت تأخذ في الغالب الأعم صورة الحروب . أما في التاريخ الحديث فقد تراجعت الأساليب السياسية لصالح تقدم الأساليب الاقتصادية بصورها المختلفة.
6- خاتمة
نخلص من الاستعراض السابق للقوانين العامة للحراك الاجتماعي إلى الاستنتاجات التالية :
أ-إن القوانين العامة للحراك الاجتماعي تعبر عن العلاقات والروابط الجوهرية في البناء الاجتماعي خلال حراكه العامة، وهي تفسر كيفية تحقق هذا الحراك، إنما بصورة عامة وتجريدية إلى حد بعيد . ففي الرأسمالية الكلاسيكية يبدأ الحراك من الأسفل إلى الأعلى، من الاقتصادي إلى السياسي، من البناء التحتي إلى البناء الفوقي .
أما في رأسمالية الدولة الوطنية فإن الحراك التطوري يبدأ من فوق إلى تحت ، من السياسي والأيديولوجي إلى الاقتصادي ، من البناء الفوقي إلى البناء التحتي، لذلك كان التطور هنا يجري على شكل مراحل متمايزة يشكل كل منها زمنا سياسيا تطوريا.يعود ذلك إلى كون الاشتراكية مشروعا أيديولوجيا يجري بناؤه بعد استلام الطبقة العاملة للسلطة السياسية حسب الفهم السابق . لذلك كان التطور الداخلي هنا يتحقق على شكل أزمان سياسية تطورية كل منها ينطلق من وضعية مأزومة سابقة .
في ظروف الرأسمالية الطرفية يبدو كل شيء ملجوماً من الخارج بسبب العمليات الاندماجية الجارية عالميا ، مما حولها إلى بلدان تابعة بصورة شبه كاملة للمراكز الرأسمالية . في هذه الوضعية فإن البنية الداخلية للمجتمعات المتخلفة تبدو معقدة جدا ، تتفاوت مكوناتها من حيث مستوى التطور، كما إن الماضي فيها يقبض على الحاضر بقوة على شكل تكوين نفسي واستعدادات وموروثات أيديولوجية وفكر ماضوي .. الخ . في مثل هذه الظروف يقبض العامل السياسي على كل شيء .
ب- في ظروف العمليات الاندماجية الكونية الجارية(ظروف العولمة) وهي عمليات موضوعية بطبيعتها، أصبحت القوانين العامة للحراك الاجتماعي قوانين لحراك المجتمع الإنساني ككل ،تشتغل على المستوى الكون . فعلى سبيل المثال لم يعد يقتصر تطوير قوى الإنتاج على مجال التفاعل مع الطبيعة في الإطار الوطني ، بل في الإطار الكوني .ولم تعد الحاجات المحلية المتولدة في سياق التفاعل مع الطبيعة في الإطار الوطني هي الدافع إلى تطوير قوى الإنتاج ، بل تحول ذلك إلى ممارسة عالمية .
كما أن دوافع تغير علاقات الإنتاج الاجتماعية لم تعد محلية فقط ، بل أصبح الخارج يلعب دورا هاما جدا من خلال حركة رأس المال العالمي. فوسائل الإنتاج التي تستورد من الخارج تحمل معها جملة من العلاقات ، تعمل على تبيئتها محليا .مع ذلك فإن مفاعيل هذه العلاقات(الآثار التي تترتب عليها) تختلف في البلدان المتخلفة عنها في البلدان المتقدمة، خصوصا ،إذا نظر إلى ذلك من زاوية التقدم الاجتماعي.ففي البلدان المتخلفة تعمل وسائل الإنتاج المستوردة على تكييف البنى الداخلية مع متطلبات الاندماج في النظام الرأسمالي الكوني على قاعدة التبعية .فالعلاقات الإنتاجية الاجتماعية لم تعد تعبر عن تطور قوى الإنتاج باعتباره النتيجة الموضوعية لتفاعل الإنسان مع الطبيعة في الإطار المحلي، بل تعبيرا عن تطور قوى الإنتاج الجاري عالميا.
ج- إن تنامي دور العامل السياسي في النظام الاجتماعي يؤدي موضوعيا إلى تنشيط عوامل المحافظة، التي تعيق وتحد من تطوره أو تربكه، لأن السياسي تشطرته دائما المصالح الطبقية، أو الفئوية الضيقة، خصوصا ، إذا كان يتحرك في فضاء أيديولوجي غير مرن، ويتجدد خلال فترات طويلة نسبيا ،ضمن إطار اجتماعي ضيق ومحدود .
إن الحراك الاجتماعي النظامي يتوقف على طبيعة العلاقة بين دور الاقتصادي ودور السياسي في كل مرحلة من مراحل التطور. من حيث المبدأ كلما كانت البنية الاجتماعية متخلفة ازدادت أهمية العامل السياسي في النظام الاجتماعي ككل، بالقياس إلى العامل الاقتصادي .
أما في البنية الاجتماعية المتقدمة ، فإن الدور الأكبر هو للعامل الاقتصادي ، يستثنى من ذلك الحالات الانعطافية الحادة على شكل أزمات، أو كوارث ،أو حروب ، في هذه الظروف الإستثنائية يلعب السياسي الدور الحاسم .
د- إن الثورة العلمية والتكنولوجية المعاصرة أخذت تلعب دور المسرع الجبار للتغيرات في البناء الاجتماعي، وهي تتطلب وجود فضاء سياسي وأيديولوجي مفتوح دائما ، وهذا بدوره سوف يحول دون وجود أزمان سياسية تطورية في الرأسمالية الكلاسيكية ،أو في الاشتراكية المنشودة . بكلام أخر سوف يكون للنظام الرأسمالي المتقدم ،وللنظام الاشتراكي المنشود زمنان: زمن بنيوي يقيس مدة وجود التشكيلة، وأزمان تطورية تقيس مراحل التقدم الاجتماعي في داخل التشكيلة .
المراجع
1-تتلف البلدان الرأسمالية المتقدمة سنويا عشرات الآلاف من الأطنان من المواد الغذائية الجاهزة من أجل الحفاظ على مستويات الأسعار المحلية والعالمية،بالمقابل يموت سنويا مئات الألوف من الناس جوعا
2-عندما يطور الإنسان قوى الإنتاج في سياق تفاعله مع الطبيعة يتطور هو أيضا، لذلك فهو في نهاية كل دورة تفاعل يختلف عن تلك التي كان عليها في بدايتها ، سواء من ناحية حريته أو حاجاته أو إمكانياته .
3-يعتبر أوسكار لانكه إن قوانين الحراك الاجتماعي العام التي تعرف في الأدب الماركسي بالقوانين الأساسية للتطور الاجتماعي،اثنين فقط ،في حين هي أربعة كما سوف نرى./ انظر أوسكار لانكه.الاقتصاد السياسي،القضايا العامة ص40،الطبعة الرابعة دار الطليعة بيروت- لبنان
4-قد يكون من المناسب القول إن المصالح المختلفة تفترض موضوعيا تنوعا في الوعي المطابق، هذا هو الشائع في الأدب الاجتماعي، مع أن وجود المصلحة المميزة يتوقف على الوعي بها .فحسب الاوالية العامة للحراك الاجتماعي ، فإن اللحظة الفكرية تسبق دائما لحظة الوجود الاجتماعي المميز، ويبدو ذلك واضحا على الأقل منذ أن تحول الكائن البشري إلى إنسان.
5-يكلف التقدم الاجتماعي الذي تحققه الرأسمالية الإنسانية ثمنا باهظا يتمثل في استنزاف الموارد الطبيعية وتخريب البيئة، والنتائج المأساوية للأزمات الدورية لفيض الإنتاج على شكل بطالة وتضخم وانتشار الأمراض الاجتماعية المختلفة، بالإضافة إلى استمرار،بل وتفاقم الحروب الأهلية في مناطق عديدة من العالم ..الخ.
6-انظر دراسة شميلوف ( سلفات وديون) المنشورة في مجلة " الطريق" العدد الأول، آذار (1988) ص53
7-استنادا إلى الترسيمة السابقة يمكن اعتبار المرحلة الستالينية والمرحلة الخروتشوفية والمرحلة البريجنيفية والمرحلة الغورباتشوفية أزمان سياسية تطورية .
8-يشير سيمو باتييه غي ( عضو المكتب السياسي لحزب الاستقلال والعمل السنغالي – دكتور فلسفة) في مقالة له بعنوان" أزمة الماركسية بين الواقع والخرافة " ، إلى أن مفهوم[ " أزمة الماركسية" صدر لأول مرة عن الفيلسوف التشيكي توماس ماساريك عام 1898 . وبعد عام أخذه عنه إدوارد برنشتاين وأثار في مطلع القرن العشرين نقاشا عالمياً واسعاً شارك فيه منظرون بارزون في حركة الطبقة العالمية مثل جوريس وسوريل في فرنسا ولابريولا وكروتشي وغرامشي في إيطاليا وبعض ممثلي المعارضة (اليسارية) مثل كارل كورش في ألمانيا ولينين في روسيا ]/ انظر مجلة قضايا السلم والاشتراكية . العدد2 ( 1989) ص 42 /
9- انظر مقالة سيمو باتييه غي المشار إليها سابقا، وكذلك مقالة أ. كوسينتشف( بروفيسور روسي ) " التطور هو وسيلة الوجود " ، في دراسات اشتراكية العدد 7 (1989) ص 58 . انظر أيضا مقالة كاتورغي بابليس سيلفا( السكرتير العام للحزب الشيوعي في سيري لانكا ،" بروح الصراحة والعلنية ").مجلة ( قضايا السلم والاشتراكية العدد الأول،كانون الثاني(1989) ص 44/



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التغيرات العالمية والديمقراطية
- إشكالية الديمقراطية في سورية
- دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة
- هل تعود سورية إلى النظام الديمقراطي
- سيادة الرئيس....
- الحزب السياسي ودوره في الصراع الاجتماعي
- الإسلام والديمقراطية
- الصراع الطبقي في الظروف الراهنة
- الديمقراطية بالمعنى الإسلامي
- قراءة في الحدث- الزلزال العراقي
- الديمقراطية التي نريد
- الصراع الطبقي وأشكاله
- أزمة الديمقراطية في الوطن العربي
- البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية
- المادية التاريخية وسؤالها الأول
- الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....


المزيد.....




- مصدردبلوماسي إسرائيلي: أين بايدن؟ لماذا هو هادئ بينما من ال ...
- هاشتاغ -الغرب يدعم الشذوذ- يتصدر منصة -إكس- في العراق بعد بي ...
- رواية -قناع بلون السماء- لأسير فلسطيني تفوز بالجائزة العالمي ...
- رواية لسجين فلسطيني لدى إسرائيل تفوز بجائزة -بوكر- العربية
- الدوري الألماني: هبوط دارمشتات وشبح الهبوط يلاحق كولن وماينز ...
- الشرطة الأمريكية تعتقل المرشحة الرئاسية جيل ستاين في احتجاجا ...
- البيت الأبيض يكشف موقف بايدن من الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين ف ...
- السياسيون الفرنسيون ينتقدون تصريحات ماكرون حول استخدام الأسل ...
- هل ينجح نتنياهو بمنع صدور مذكرة للجنائية الدولية باعتقاله؟
- أنقرة: روسيا أنقذت تركيا من أزمة الطاقة التي عصفت بالغرب


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الاوالية العامة للحراك الاجتماعي