أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية















المزيد.....


البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 768 - 2004 / 3 / 9 - 09:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


(6)
1- المادية التاريخية و تحقيب التاريخ .
إن مفهوم " التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية "،ومفهوم " أسلوب الإنتاج " ومفهوم " البناء التحتي والبناء الفوقي "، ومفهوم " قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج " ..الخ ،هي بعض المفاهيم الرئيسية في المنهجية المادية التاريخية التي لا غنى عنها في مجال الدراسات التاريخية لحراك مختلف المجتمعات. غير أنها غالبا ما استخدمت بدلالة محددة في إطار الترسيمة الرسمية للتطور التاريخي، وتحقيبه كما استقرت عليه في أوائل الثلاثينات مما افقدها فعاليتها كأدوات منهجية ضرورية لإنتاج المعرفة العلمية (1)
في كتاب " ارتقاء المجتمعات الشرقية " لمجموعة من الكتاب السوفييت(ترجم عام 1988 ) يستخدم مؤلفوه مفهوم " تركيب التقليدي والمعاصر " في دراسة التاريخ القديم للمجتمعات الشرقية . وقبل ذلك كان قد شاع استخدام مفهوم " المجتمعات المتعددة الأنماط الإنتاجية ". ومع أن هذه المفاهيم وغيرها قد استخدمت للدلالة على بناء اجتماعي مستقر نسبيا، يعيد إنتاج نفسه خلال فترة طويلة من الزمن ،إلا أنها لم تستطع الارتقاء إلى مستوى مفهوم " التشكيلة " .
لقد عرفت الإنسانية خلال تاريخها الطويل الأشكال التالية للعمل المنتج : العمل المشاع ،عمل العبيد ، عمل الأقنان ، العمل المأجور . ومن غير المعروف أن العمل مهم جدا في مجال تحقيب التاريخ ،فهو طرف في علاقات الإنتاج الاجتماعية . غير أن هناك مراحل طويلة نسبيا من التاريخ تعايش فيها أكثر من شكل للعمل، مما ميز التشكيلة بسمات خاصة . من الخطأ كما نعتقد تحقيب التاريخ استنادا إلى أشكال الملكية فقط ، بل من الضروري استخدام شكل العمل أيضا . فالعمل يسمح بالكشف عن خصائص الملكية هذا من جهة، ومن جهة ثانية يكشف عن تعبيراتها الاقتصادية .
في مجال الدراسات التاريخية للشرق القديم، من الأهمية بمكان التعامل المركب مع وقائعه انطلاقا من الاوالية العامة لاشتغال القوانين الاجتماعية . انطلاقا من هذا الأساس المنهجي فان دراسة الحاضر والتعرف على آلية اشتغال قوانينه، يمكن أن يزودنا بمفاتيح مناسبة لفتح مغاليق الماضي .على سبيل المثال يستخدم في الوقت الراهن،وعلى نطاق واسع مصطلح " رأسمالية الدولة "،ومصطلح "البرجوازية البيروقراطية "، للتعبير عن وضعية خاصة للرأسمالية.وبالقياس إليها يمكن استخدام مصطلحات مشابهة في دراسة التاريخ القديم ،مثل " عبودية بيروقراطية "، و" إقطاعية بيروقراطية "..الخ.
من حيث المبدأ ،يمكن القول: أن المفاهيم المادية التاريخية لا تتضمن أية معرفة في ذاتها، إلا في حدود كونها أدوات لإنتاج المعرفة، قد تناسب الموضوع المدروس وقد لا تناسبه . ومع أن الرأسمالية تكتسب طابعاً عالمياً، فمن الخطأ أن تُقرأ بنفس الأدوات المنهجية دون إجراء تعديلات عليها لتلائم الوضعيات المختلفة للرأسمالية، في هذا البلد أو ذاك .
إن تضخيم السمات العامة للتقدم الاجتماعي، وتجاهل احتياجات التطور الملموس ،في هذا البلد أو ذاك ، والقول بأن الاتجاه العام في تطور المجتمعات المختلفة سوف يقود إلى تحقيق التماثل الداخلي للمجتمع الإنساني في إطار الرأسمالية،أو في إطار غيرها من التشكيلات الاجتماعية ،تنطوي على ضلال معرفي كبير . هذا لا يعني بالطبع تجاهل العمليات الاندماجية الكبيرة الجارية عالميا ، فالحركة باتجاه العالمية ( العولمة ) لها مقوماتها الموضوعية في طريقة اشتغال القوانين الموضوعية للرأسمالية. غير أن ما يجب تذكره دائما هو أن الرأسمالية التي تدمج العالم بوتائر متسارعة ، فهي لا تدمجه على قاعدة تماثلية كما تروج لذلك الأيدولوجيا البرجوازية المنتشية عالميا ، بل على قاعدة تفارقيه ، إنها تحوله إلى بنى متبلورة لكل منها حركته الخاصة ، لكن في إطار الحركة العامة في نفس الاتجاه . وأكثر من ذلك يمكننا أن نقرر بشكل أولي ،أن ما بعد الرأسمالية(الاشتراكية مثلا) لن تدمج العالم على قاعدة تماثلية ، بل سوف يظل العالم متنوعا ، لأن التنوع في إطار الوحدة قانون للتطور لا يمكن إلغاؤه .
2-مفهوم "أسلوب الإنتاج " .
من المعروف أن ماركس كان قد اختار لدراسة النظام الرأسمالي النموذج البريطاني، باعتباره النموذج الأكثر نضجا ونقاء . ففي بريطانيا كان النظام الرأسمالي قد استقر، وتهيكل ،وأخذت تشتغل آلياته الداخلية بدون عوائق جدية على شكل بقايا من ما قبل الرأسمالية . لقد تشيأ كل شيء في النظام وأصبح قابلا للتكميم ، والقياس .كل شيء يباع ويشترى ، كل شيء سلعة . بكلام أخر أصبحت القوانين الخاصة بالنظام الرأسمالي شفافة ، واضحة، تبدو وكأنها تشتغل على السطح. في هذه الوضعية المميزة للرأسمالية، تحددت الدلالة الاصطلاحية للمفاهيم التي قرأ بها ماركس النظام الرأسمالي ، أعني مفاهيم المادية التاريخية .
لقد استخدم ماركس مفهوم " أسلوب الإنتاج " بدلالة محددة . ففي كتابه رأس المال كتب يقول " أيا كانت الأشكال الاجتماعية للإنتاج، فإن عناصره تبقى دائما : العمال ووسائل الإنتاج . غير أن كل عنصر من هذه العناصر يظل مجرد إمكانية ، طالما بقي منفصلا عن العناصر الأخرى . فلا بد للإنتاج أيا كان من الربط والجمع بين عناصره . إن الأسلوب الخاص الذي يتحقق به هذا الجمع هو ما يميز العصور الاقتصادية المختلفة التي مر بها تطور المجتمع" (1) .وقد أضاف ماركس لاحقا،حسب بولنتزاس ، إلى العمال ووسائل الإنتاج عنصرا جديدا دعاه " اللاعامل " ( le non travailleur ) ويعني به العمل الإداري . لا يشير بولنتزاس إلى المرجع الذي أخذ منه هذه الإضافة الجديدة المنسوبة إلى ماركس.
وبالفعل أسلوب الإنتاج الرأسمالي يتضمن نوعين من العمل : عمل مباشر يقوم به العمال ، وعمل إنتاجي غير مباشر يقوم به مالكو وسائل الإنتاج، أو من ينوب عنهم من المديرين . غير إن ما يصح على أسلوب الإنتاج الرأسمالي لا يصح على غيره . ففي أسلوب الإنتاج البضاعي الصغير وهو الأسلوب الأقرب إلى أسلوب الإنتاج الرأسمالي لا يوجد عمل غير مباشر بصورة مستقلة ، كذلك الأمر بالنسبة لأسلوب الإنتاج الإقطاعي المتطور حيث يأخذ الريع الشكل النقدي ، أو حصة من الإنتاج . مع ذلك فان الإضافة التي ينسبها بولنتزاس إلى ماركس تتميز بقيمة معرفية كبيرة، فهي تساعد على فهم أسلوب الإنتاج الرأسمالي بشكل أفضل . ومن الناحية المنهجية تبدو هذه الإضافة ذات أهمية خاصة إذ تحرضنا على مراجعة أسلوب الإنتاج باستمرار للكشف عن وضعية مكوناته والإضافات الجديدة إليها .
في الظروف الراهنة من تطور الرأسمالية فان أسلوب الإنتاج يتضمن ثلاث أنواع من العمل هي:العمل المباشر(العمال)، والعمل غير المباشر ( الإدارة)، والعمل العلمي (العلماء)، بالإضافة إلى وسائل الإنتاج( أدوات العمل ومواد العمل ) وشروط الإنتاج .ويبدو أن سياق التطور الاجتماعي سوف يؤدي في المستقبل إلى التقليل من دور العمل المباشر لصالح تزايد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – ماركس،كار ل ،(رأس المال ، المجلد الأول )،ص 38
دور العمل غير المباشر وبشكل خاص لصالح نمو دور العمل العلمي. بين مكونات أسلوب الإنتاج تنشأ علاقات معقدة، سوف نتعرف عليها لاحقا.
لقد أثير جدل واسع حول المكان الذي يحتله أسلوب الإنتاج في البنية الاجتماعية، مع أن ما اقتطفناه عن ماركس لا يدع مجالا للشك بأنه يقع في أساس البناء الاجتماعي . نضيف إلى ذلك ما ذكره ماركس في مقدمة كتابه (مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي) ، أي " إن طريقة إنتاج الحياة المادية يكيف تسلسل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري بصورة عامة " (1) يؤكد ما ذهبنا إليه .
إن هذا الفهم لموقع أسلوب الإنتاج في البناء الاجتماعي هو الأوسع انتشارا في أوساط الماركسيين ،ويعترف بذلك بولنتزاس أيضا (2) .
أسلوب الإنتاج كما فهمه ماركس لا يتضمن مستويات أيديولوجية أو سياسية ، فهي تنتمي إلى مواضع أخرى في البناء الاجتماعي، وتبقى استعانة بولنتزاس بإنجليز غير ذات جدوى (3) .
2-مفهوم " التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية " .
يشير المعنى الاصطلاحي لمفهوم " التشكيلة " كما استخدمه ماركس إلى وحدة البناء التحتي والبناء الفوقي المطابق له . غير أن البناء التحتي لم يضمنه سوى علاقات الإنتاج مع انه أوسع محتوى من ذلك . من المعروف أن ماركس نفسه كان قد حقب التاريخ استنادا إلى مستوى تطور قوى الإنتاج وبالتحديد استنادا إلى مستوى تطور أدوات العمل.فهو القائل " ليس صدفة إننا نسمي مدنيات ما قبل التاريخ بحسب درجة الكمال التقني لأدوات العمل التي تستخدمها : عصر الحجر المنحوت ، عصر الحجر المصقول ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-انظر روجيه غار ودي ( النظرية المادية في المعرفة ) مرجع سبق ذكره ص 376 .
2-بولنتزاس، نيوكوس (( السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية )) ترجمة عادل غنيم . دار أبن خلدون ص 10
3-المرجع السابق ص 10
عصر البرونز ، عصر الحديد " ، ويمكن السير بهذا التمرحل التاريخي حتى الوقت الراهن ،فنقول عصر الآلة البخارية ، عصر الآلة ذات الاحتراق الداخلي، ..عصر الحاسوب والمعلوماتية .. الخ .باختصار ينهض البناء الاجتماعي على أساس أسلوب الإنتاج ، والعلاقات الإنتاجية الاقتصادية التي تشكل مجتمعة البناء التحتي للنظام الاجتماعي .
يتضمن أسلوب الإنتاج قوى الإنتاج ( العمل ووسائل الإنتاج وشروط الإنتاج ) ، بالإضافة إلى علاقات الإنتاج التي تربط عناصر أسلوب الإنتاج في سياق اشتغاله وتسمى بالعلاقات الفنية والتوازنية . غير أن علاقات الإنتاج بمعناها الاجتماعي أوسع بكثير من العلاقات الفنية والتوازنية ، فهي تشمل أيضا جميع العلاقات الاقتصادية التي تنشأ عن حركة رواج المُنْتَج خارج دائرة الإنتاج ،أي في دائرة التوزيع والتبادل .إن جميع هذه العلاقات الاقتصادية وموضوعاتها، تشكل ما يسمى عادة بالمستوى الاقتصادي للبناء الاجتماعي .
يقوم على المستوى الاقتصادي كامل البناء الاجتماعي بما فيه من مستويات سياسية وأيديولوجية؛ أي ما يسمى بالبناء الفوقي .إن وحدة البناء الفوقي والبناء التحتي تشكل محتوى مفهوم" التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية " بدلالته عند ماركس وهو محتوى نقي، يتجرد عن الشوائب التي كانت موجودة في النظام الرأسمالي البريطاني ، لكنها كانت متنحية لا تعيق اشتغال النظام وفق قوانينه الخاصة . لكن المسألة تبدو مختلفة إلى حد بعيد عند دراسة الأنظمة الاجتماعية ما قبل الرأسمالية، أو الأنظمة الرأسمالية المتخلفة . هنا لا وجود لبنى نقية، فإلى جانب الرأسمالية توجد البنى التي تعود إلى الأنظمة ما قبل الرأسمالية ،وهي بنى أساسية، وفاعلة، لا يمكن التجرد عنها، أو إهمالها . إن تعدد مكونات البنية الاجتماعية يجعلها تشتغل بطريقة خاصة .
إن استيعاب هذه الوضعية معرفياً، قاد بعض الباحثين المجتهدين إلى ابتكار مفاهيم جديدة أو توسيع الدلالة الاصطلاحية للمفاهيم الماركسية المتداولة . فعلى سبيل المثال إن مفهوم " التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية " عند سمير أمين وعند نيكوس بولنتزاس ،يشير إلى تكوين بنيوي اجتماعي معقد، يحتوى في داخله على أساليب إنتاج عديدة مع ما يطابقها في البناء الفوقي من مكونات إيديولوجية، وسياسية ،بغض النظر عن التناسب القائمة بين هذه المكونات .بكلام آخر إن مفهوم " التشكيلية " عند سمير أمين وبولنتزاس ذو دلالة عيانية ،فهو أقرب إلى الواقع المشخص منه للتجريد، ولا يجوز استعماله إلا بهذا المعنى، كأن نقول التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية في مصر خلال حكم عبد الناصر أو التشكيلة … في فرنسا خلال حكم متران أو خلال الأربعينات ..الخ .
لقد سار مهدي عامل شوطاً أبعد في الاجتهاد، فتحدث عن نمط إنتاج كولونيا لي وعن علاقات إنتاج فكرية ..الخ .باختصار إن باب الاجتهاد مفتوح دائما، لا يغلقه سوى جوهرة الفكر وتقديسه ،وليس من الضروري أن يتكئ المجتهد على ماركس أو غيره حتى يكتسب مصداقية معينة .
3- مفهوم " نمط الإنتاج "
خلال دراسته للنظام الرأسمالي استخدم ماركس جملة من المفاهيم منها كما لاحظنا مفهوم " أسلوب الإنتاج" mode of production ، ومفهوم " التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية " Socio-economical formation ويتكرر استعمال هذين المفهومين في الأدب الاقتصادي ،وفي الدراسات الاجتماعية التاريخية بدلالات تبتعد أحيانا عن تلك الدلالة التي أعطاها ماركس لهما .
في الأدب الاقتصادي والاجتماعي المترجم إلى اللغة العربية يترجم مفهوم " mode of production" تارة بـ "أسلوب الإنتاج "، وتارة أخرى بـ " نمط الإنتاج " مما يوحي أحيانا بأننا إزاء مفهومين مختلفين ، وهذا يسبب صعوبات إضافية في استعمال المنهجية المادية الجدلية والتاريخية خصوصا لدى دراسة الرأسمالية في البلدان المتخلفة، أو دراسة المجتمعات ما قبل الرأسمالية . وبالفعل لا يكفي استعمال مفهوم " التشكيلة " ومفهوم " أسلوب الإنتاج " لدراسة هذه المجتمعات وامتلاكها معرفيا ، لذلك نقترح استعمال أربعة مفاهيم أساسية هي : أسلوب الإنتاج ، ونمط الإنتاج ، والتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية ،والنظام الاجتماعي بالدلالة الاصطلاحية المحددة لكل منها .
نحن نستعمل مفهوم " أسلوب الإنتاج " بالمعنى الاصطلاحي الذي حدده ماركس له ، أي كأسلوب للربط بين العمال ووسائل الإنتاج ،على أن العمال يتكونون من العمال المنتجين بشكل مباشر، والعمال الإداريين ،والعلماء ، أي كل من يمثل استهلاك قوة عمله ضرورة لجريان العملية الإنتاجية من الناحية الفنية والاقتصادية . ومن المفهوم أن هذا الربط ليس له معنى، إلا في سياق اشتغال أسلوب الإنتاج؛ أي عندما تتوفر جملة من العلاقات الضرورية بين مكوناته، تسمى بالعلاقات الفنية والتوازنية .
بتدقيق واختصار فإن أسلوب الإنتاج يتكون من العمال ( عمال إنتاج وإداريين وعلماء )، ووسائل الإنتاج ( أدوات العمل ومواد العمل وشروط العمل ) ،والعلاقات الفنية التوازنية،التي تنشأ بين مكوناته في سياق اشتغاله، وتبدو على شكل تناسبات معينة بين قوة العمل، وأدوات العمل ،ومواد العمل وشروط العمل. بهذا المعنى لا يكون " أسلوب الإنتاج " مفهوماً نظرياً مجرداً تماماً ، بل غنياً بالعناصر الواقعية التي يمكن تلمسها وقياسها . وإن مكان أسلوب الإنتاج هو في البناء التحتي للمجتمع حصراً .
بدوره مفهوم "نمط الإنتاج " يقترب كثيراً، من حيث معناه اللغوي من مفهوم " أسلوب الإنتاج " دون أن يتطابق معه(1).
1- الأسلوب ،جمعه أساليب = الطريق : الفن من القول والعمل.
سوف نستفيد من الاختلاف اللغوي بينهما لنعطي لكل منها دلالة اصطلاحية تكسبه قيمة منهجية كبيرة .
إن مفهوم " نمط الإنتاج " يستوعب مفهوم " أسلوب الإنتاج "، بالإضافة إلى عناصر ومكونات تنتمي إلى مستويات البناء الاجتماعي المختلفة. فعلى أساس أسلوب الإنتاج تنهض مستويات بنائية عديدة مطابقة له، تمثل المستويات الاقتصادية، والسياسية، والإيديولوجية، والنظرية ( الفكرية ) التي تكون البناء الاجتماعي ، علماً أن مفهوم " المستوى " من منظور مفهوم " نمط الإنتاج "، وبالعلاقة معه يجب أن يفهم كحقل نقي تماماً بالمعنى النظري . بكلام أخر يتكون نمط الإنتاج من الناحية البنائية من أسلوب الإنتاج ( قوى الإنتاج، والعلاقات الفنية والتوازنية) ، و المستوى الاقتصادي الواقع فوقها مباشرة ، والذي يضم مجموع العلاقات الاقتصادية الخاصة بأسلوب الإنتاج . أسلوب الإنتاج مع المستوى الاقتصادي يشكلان معاً البناء التحتي لنمط الإنتاج .على هذا البناء التحتي تنهض المستويات السياسية والأيديولوجية ،والنظرية المطابقة تماماً، باعتبارها مستويات نقية بالمعنى النظري .
إن مفهوم " نمط الإنتاج " مثل مفهوم " أسلوب الإنتاج " يحقق معناه فقط في حالة اشتغال النمط ،وهو مفهوم حركي،يفتقر إلى العناصر الواقعية ، لذلك فهو ذو دلالة نظرية فقط.
نود الإشارة إلى أن بولنتزاس يفهم أسلوب الإنتاج بالمعنى الذي نفهمه نحن من نمط الإنتاج ؛أي أن أسلوب الإنتاج، ونمط الإنتاج لهما دلالة واحدة عنده ، وهذا خطأ من الناحية النظرية والمنهجية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ النمط = الطريقة والمذهب والنوع من الشيء . يقال" هذا من نمط هذا " و " ما عنده نمط من العلم " أي نوع منه . يشير النمط إلى وجود ظاهرة ، أما الأسلوب فيشير إلى طريقة اشتغال الظاهرة./ قاموس المنجد (1986) دار المشرق بيروت . ص 343 و 839 .
إن مفهوم "نمط الإنتاج " أكثر دلالة في التمييز بين المراحل الكبرى في التاريخ الإنساني من مفهوم " أسلوب الإنتاج " فالتاريخ لا يتمايز ويتمر حل على أساس أسلوب الربط بين العامل ووسائل الإنتاج فقط كما أشار ماركس، بل على أساس جميع الشروط المحيطة بعملية الربط . بكلام أخر قد تتماثل أو تتشابه أساليب الإنتاج في مجتمعين أو أكثر ، لكن هذه المجتمعات تظل مختلفة نظراً لاختلاف أنماط الإنتاج فيها. فالأوالية العامة التي تحكم ولادة نمط الإنتاج ،خصوصاً، مستوياته السياسية،والإيديولوجية، والفكرية ( النظرية ) معقدة جداً، تؤثر فيها عوامل عديدة ،منها ما يعود إلى خصائص التفاعل مع الطبيعة،وكيفية تنظيمه، والشروط المحيطة به، ومنها ما يعود إلى التفاعل مع الوسط الصناعي ،وما ينتج عنه من سمات للفاعل الاجتماعي تحكم في المحصلة عمل المخيال لديه.
يبدو أنه من الأصح الحديث عن عائلات من أنماط الإنتاج، تشترك كل عائلة في السمات الجوهرية . مثلاً عائلة نمط الإنتاج الرأسمالي تضم إلى جانب النمط الكلاسيكي السائد في البلدان الرأسمالية المتطورة، نمط إنتاج رأسمالية الدولة الوطنية الذي ساد في البلدان " الاشتراكية " السابقة ونصطلح تسميته بنمط الإنتاج الرأسمالي البيروقراطي ، ونمط الإنتاج الرأسمالي الكولونيالي المنتشر في العديد من البلدان المتخلفة …الخ . وهكذا يكون الأمر بالنسبة لأنماط الإنتاج الرئيسية .
4-مفهوم " التشكيلة …" مرة أخرى .
لقد استعمل ماركس مفهوم " التشكيلة " بمعنى " نمط الإنتاج "، كما اصطلحنا عليه نحن . لقد افترض ماركس النظام الرأسمالي في نموذجه البريطاني نقيا خاليا من الشوائب التي تعود إلى التشكيلات ما قبل الرأسمالية، غير أن واقع الأمر كان غير ذلك .فالنظام الرأسمالي البريطاني كان يحتوي على أنماط إنتاجية أخرى متنحية تعود إلى ما قبل الرأسمالية ، غير أنها لم تكن قادرة على إرباك النظام وإعاقة اشتغاله وفق قوانينه الخاصة لذلك أهملها ماركس .
يختلف الأمر كثيرا عند دراسة الأنظمة الاجتماعية ما قبل الرأسمالية، أو الأنظمة الرأسمالية ضعيفة التطور. هنا لا يمكن اعتبار الاختلاطات الناجمة عن تداخل العديد من أنماط الإنتاج غير الرأسمالية مجرد شوائب، وبالتالي لا يمكن إهمالها . لذلك فان مفهوم " التشكيلة " بدلالته الاصطلاحية عند ماركس غير ذي فائدة تذكر في دراسة هذه المجتمعات .ويبدو لي أن بعض الباحثين قد استشعر هذه الإشكالية فحاول تكييف المفهوم مع الوقائع القائمة في هذه المجتمعات . فها هو مهدي عامل مثلا يستخدم مصطلح "formation " بمعنى " التكونن " معطيا للمصطلح دلالة حركية . أما عادل غنيم فانه يترجم نفس المصطلح بـ " تكوين " معطيا له دلالة سكونية.
إن "مفهوم التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية " يشير ، كما نرى ، إلى تكوين اجتماعي متحرك ، تتجاور فيه،وتتماذج ،وتتفاعل، أنماط إنتاجية مختلفة لتشكل انتظاماً اجتماعياً معيناً . إن كل مستوى من مستويات التشكيلة هو تكوين من المستويات البنيوية الموازية في أنماط الإنتاج التي يحتويها البناء الاجتماعي. ففي أساس التشكيلة يقع تكوين من أساليب الإنتاج، والروابط والعلاقات الاقتصادية التي يجمعها المستوى الاقتصادي للتشكيلة . وكما هو الحال في نمط الإنتاج فان وحدة أساليب الإنتاج مع العلاقات الإنتاجية الاقتصادية المطابقة ،وتلك الناجمة عن تبادل التأثير بين أساليب الإنتاج، تشكل البناء التحتي للتشكيلة . على أساس هذا البناء التحتي يقوم بناء فوقي مطابق تتوزعه مستويات بنيوية معقدة هي المستوى الإيديولوجي، والمستوى السياسي، والمستوى النظري (الفكري) . وإن كل مستوى من هذه المستويات يمثل تكويناً بنيوياً من المستويات الموازية في أنماط الإنتاج .
بالمعنى المشار إليه أعلاه فهم سمير أمين وبولنتزاس مفهوم " التشكيلة " ونتفق معهما في ذلك . غير أننا نختلف عنهما في أننا لا نعتبر هذا المفهوم يشير إلى واقع عياني محدد بل إلى واقع نظري(1) . واشتقاقاً من نقطة الخلاف هذه نكرس اختلافاً آخر يطال هذه المرة الوظيفة المعرفية للمفهوم ذاته . إن مفهوم " التشكيلة " هو مفهوم نظري يشير إلى بنية اجتماعية في وضعية اشتغالها كعملية تشكل مستمرة ، وبالتالي يصلح للتطبيق على وضعيات عامة كأن نقول : التشكيلة الرأسمالية، أو التشكيلة الإقطاعية دون تخصيص ذلك بزمن محدد كما يفعل سمير أمين وبولنتزاس (2). غير أن مقتضيات البحث النظري تتطلب البحث في التشكيلة في زمن محدد أي في وضعيتها السكونية . لهذا الغرض لابد من الاستعانة بمفهوم أخر هو مفهوم " النظام الاجتماعي " .
إن استعمال مفهوم " النظام الاجتماعي" ترافقه بعض الإشكالات الناجمة عن تعدد مجالات استخدام المصطلح بدلالات مختلفة . مع ذلك يمكن تحييد
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1_ يمكن تمثيل أسلوب الإنتاج ونمط الإنتاج على الشكل التالي / انظر الرسم المرفق / حيث أن : 1- العمال( عمال الإنتاج + الإدارة + العلماء ) ، 2- أدوات العمل وشروط العمل ومواد العمل، 3- العلاقات الفنية والتوازنية . جميع هذه عناصر تشكل مجتمعة محتوى أسلوب الإنتاج. 4- المستوى الاقتصادي ويشمل العلاقات الاقتصادية في دائرة التوزيع والتبادل وجزءا من علاقات دائرة الإنتاج . أسلوب الإنتاج +المستوى الاقتصادي= البناء التحتي .
5- المستوى الأيديولوجي + 6-المستوى السياسي تشكلان معا البناء الفوقي

6


5


4


1 2 3
2-بولنتزاس ( السلطة السياسية والطبقات الاجتماعية ) مرجع سبق ذكره ص 10 – 12 .

بعض هذه الصعوبات من خلال تحديد الدلالة الاصطلاحية للمفهوم في المجال الذي نستخدمه فيه . بكلام أخر فإن مفهوم " النظام الاجتماعي " يتطابق مع مفهوم " التشكيلة " إنما في وضعيتها السكونية . فعندما ندرس البناء الاجتماعي في سياق اشتغاله نستخدم مفهوم " التشكيلة " أما عندما نبحث فيه خلال لحظة زمنية ( فترة محددة ) نستعمل مفهوم " النظام الاجتماعي " . في ضوء ذلك يكون لمفهوم " التشكيلة " دلالة حركية ،ويؤدي وظيفة دينامية، على صعيد إنتاج المعرفة .أما مفهوم " النظام الاجتماعي " فله دلالة سكونية ويفيد في تشريح البنية الاجتماعية.
إن مفهوم " النظام ا لاجتماعي " بدلالته الاصطلاحية السابقة، يشير دائماً إلى انتظام اجتماعي مشخص يعيد إنتاج نفسه ، لذلك لا يصلح للاستخدام بالمعنى العام ، بل بالمعنى المباشر، كأن نقول النظام الاجتماعي في سوريا خلال الخمسينات ، النظام الاجتماعي في فرنسا خلال عهد متران …الخ .
إن مفهوم " النظام الاجتماعي " إذاً ، هو صورة فوتوغرافية للبنية الاجتماعية ، مهما تكررت فهي ذاتها . أما مفهوم " التشكيلة " فهو شريط سينمائي متحرك . و نضيف تخصيصاً إضافيا لمفهوم "النظام الاجتماعي " أو لمفهوم " التشكيلة " يحددهما أكثر ،كأن نقول النظام الاجتماعي الرأسمالي في مصر أو التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الرأسمالية للدلالة على نمط الإنتاج السائد فيها .



1-المقصود هنا هو اللوحة الخماسية للتشكيلات الاجتماعية الاقتصادية أي : المشاعية،العبودية،الإقطاعية،الرأسمالية،الاشتراكية.لم تعد هذه الترسيمة مقنعة كما قدمت رسميا . في الواقع ثمة إمكانية لوجود تشكيلات قائمة بذاتها أو انتقالية على حدود التداخل أو الانتقال بين التشكيلات السابقة الذكر.أضف إلى ذلك هناك اختلافات جدية في الأشكال الملموسة للتشكيلات ( النظم الاجتماعية ) في المناطق المختلفة من العالم .



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المادية التاريخية وسؤالها الأول
- الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....
- منطق الفكر
- نقد الفكر مقدمة لنقد السياسة
- الديمقراطية وبيئتها المفهومية في الوعي السياسي العربي
- الديمقراطية والنخبة
- الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
- الديمقراطية والمجتمع المدني
- عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا ...
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
- الديمقراطية والحرية
- الديمقراطية الحديثة بين نخبوية لوك ومساواتية روسو
- الديمقراطية: ولادة المصطلح وحدوده الواقع
- هموم التنمية العربية ومشكلاتها
- العولمة وطبيعة العصر
- الديمقراطية الممكنة والمحتملة في سورية


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية