أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه















المزيد.....



الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 764 - 2004 / 3 / 5 - 09:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فيصل علوش
تعقيب: د.منذر خدام
 ( حيثما يكون الاستبداد يتوقف التاريخ والتقدم)
 ستيوارت مل
1-ضرورات الديمقراطية.
    قبل البدء في بحث معوقات الديمقراطية والحديث عنها وجدت أن لا مناص من طرح السؤال التالي: لماذا الديمقراطية؟ والإجابة عليه أو على الأقل القيام بمحاولة لإجابة، مهما تكن هذه الإجابة سريعة ومبتسرة.ولعل الفائدة والأهمية الكبرى تكمن في الإجابة الوافية عن هذا السؤال،ومحاولة التأسيس المنهجي والتأصيل النظري لموضوع الديمقراطية،وكيف ينبغي علينا نحن –الشيوعيين أو الوطنيين الديمقراطيين -النظر إليه والتعامل معه، على ضوء المتغيرات التي حدثت في السنوات الماضية.
    والحال، فبعد الانهيار الذي لحق ببلدان ((المعسكر الاشتراكي)) كما كان يسمى، وقبله انهيار الأنظمة (( الوطنية التقدمية )) كما كانت تسمى أيضاً، في العديد من بلدان العالم الثالث، أو المآل الذي  آلت إليه وما خلفته من آثار مدمرة، أقول بعد كل ذلك، لعله من الممكن الوصول إلى الاستنتاج التالي: أن جميع تلك الثورات الاشتراكية أو الوطنية الديمقراطية ذات الآفاق الاشتراكية قد فشلت،ولعل السبب الرئيس في ذلك يكمن في محاولتها قسر التاريخ وتطويعه.
   هذا الفشل الذي يجيء ليعبر في وجه من وجوهه، وكأنه انتقام التاريخ لنفسه.ولسنا هنا بمعرض إيراد كل المقدمات والعوامل التي أسهمت ودفعت للوصول إلى الاستنتاج السابق الذكر،أو الحديث والخوض في كل الأسباب التي أدت إلى ذلك الانهيار.مع ذلك فإن الاستنتاج السابق يسمح لنا باستنتاج آخر مشتق منه يفيد بأنه لا بد للتطور التاريخي من أن يأخذ مداه وان يجري في سياقه الطبيعي،فلا بد للتاريخ من المرور بمرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، التي هي هي مرحلة التطور الرأسمالي.ونفتح قوسين لنقول أن هذا الطرح ليس جديدا على الماركسية والماركسيين، ومن يعتقد خلاف ذلك ما عليه سوى العودة إلى الخلافات بين البلاشفة والمناشفة  وبين لينين والشعبوين الروس قبل ثورة أكتوبر،وبعدها بين لينين وبليخانوف..الخ.وبغض النظر عن الطبقة أو الطبقات التي سوف تقود هذه الثورة ،فلا بد من أن تأخذ مداها في تطوير قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج إلى مستوى حضاري وثقافي يسمح بطرح الاشتراكية أو مجتمع العدالة والمساواة الكاملتين كعملية بنائية ممكنة وقابلة للإنجاز..الخ.في الواقع وعلى عكس ما كنا نظن سابقا فإن ما تفتقر إليه مجتمعاتنا، هو مزيد من التطور الرأسمالي للتخلص من رواسب الماضي ما قبل الرأسمالي بكل أمراضه وعفنه.
     هذا على مستوى الواقع الموضوعي، أما على مستوى الذات والمسؤولية التي تقع على عاتقها،فأهم ما يمكن تسجيله هنا،على شكل درس وعبرة هو،انعدام الديمقراطية في تلك التجارب الفاشلة ، بل وقد وصل الحال بها إلى حد تطبيق القمع المنهجي المعمم، كما في العهد الستاليني. لم يكن ذلك مجرد خلل في التطبيق ،بل يتعدى ذلك إلى قصور في النظرية ذاتها، وهذا يملي علينا ضرورة تلافي ذلك في محاولتنا بلورة تصورنا لنموذج الاشتراكية المقبل. فالديمقراطية لا تتعلق بمرحلة التطور الرأسمالية، بل  تتجاوز إلى الاشتراكية.ومن هذا المنطلق ، أنا أميل إلى ضرورة الفصل بين الديمقراطية كشكل لنظام الحكم ،وكآلية للصراع السياسي،و كقيمة حضارية عامة، وبين الرأسمالية أو أي نظام اجتماعي آخر.صحيح أن الديمقراطية في أرقى الصيغ التي عرفتها البشرية قد تحققت في البلدان الرأسمالية ،مع ذلك لا يجوز أن يدفعنا ذلك إلى الربط بين الرأسمالية والديمقراطية على وجه الضرورة والحصر.   (( إن الديمقراطية التي عرفتها شعوب الأرض قديما وحديثاً وفي شتى المراحل التاريخية أو أنماط الإنتاج، يجعل من عملية الربط هذه خاطئة منهجياً وواقعياً)).فالتجاوز في منطق التطور التاريخي يتم دائما على أساس استيعاب كل منجزات الحضارة الإنسانية، بغض النظر عن الطبقة التي تقف وراء هذا الإنجاز أو ذاك، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن عملية الفصل هذه سوف تجنبنا تلك الإيماءات والدلالات التي ما فتئ البعض يستحضرها حال سماعة لكلمة الديمقراطية، حيث توحي له ليس فقط بالرأسمالية، بل بأبشع صورها ومظاهرها، فيصبح كل من يطالب بالديمقراطية ،وكأنه يطالب بكل تلك البشاعات، التي عرفتها الرأسمالية ومعها أيضاً كل الملحقات، التي عرفتها شعوب العالم الثالث من تبعية وتخلف ..الخ.
    وهنا ألا يجدر بنا أن نتساءل : هل الديمقراطية هي المسؤولة عن تلك المساوئ(مساوئ الرأسمالية)؟ أم أن المسؤولية تقع في حقل آخر هو الحقل الاقتصادي؟.بل ربما المسؤولية تكمن في سيطرة طبقة على طبقة أو طبقات أخرى، حيث حقل الاستغلال وما يرافقه من مظالم وبشاعات..الخ.ثم ألا تلاحظون معي أن النقد الذي يوجه إلى الديمقراطية الغربية ينصب دائما على ثغرات أو نواقص هذه الديمقراطية، أو الإرتدادات التي تتم عليها بين فترة وأخرى( المكارثية في أمريكا،إنزال الجيش لمحاصرة باريس في عام 1968، دعم الأنظمة الدكتاتورية ..الخ.).
    أكرر إذن ، دعونا نفصل من ناحية المبدأ بين الديمقراطية وبين محتوى النظام الاجتماعي الاقتصادي القائم، والذي يمكن له أن يكسب ويعطي هذه الديمقراطية قيمة أعلى أو أدنى من مواصفات هذا المحتوى.
    مما لا ريب فيه أن الشكل الأمثل والصيغة الفضلى للديمقراطية يمكن أن يتحققا في نظام اجتماعي يحقق المساواة والعدالة بصورة تامة على كل الصعد والمستويات بين مواطنين أحرار في مجتمع يرفل بقدر كبير من الرخاء والبحبوحة،بعيدا عن كل مظاهر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
     وفي هذا المجال أود لفت الانتباه إلى أنه قد آن الأوان للتخلي عن ذلك الفهم ومن ورائه العقلية التي تعتبر أن المناداة بالديمقراطية هي نتيجة لتغلغل الأفكار البرجوازية في أوساط الشيوعيين، فطالما أُشهرت هذه الفزاعة سابقاً بوجه كل من يتطلع نحو أهداف مشروعة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان.!وفي واقع الأمر، إن إشهار تلك الفزاعة قد قدم أكبر خدمة للرأسمالية لجهة مساهمته في الحفاظ على الركائز والأسس الأيديولوجية والسياسية الداعمة لاستمرار التسلط والاستبداد، واستمرار الجمود والركود، وفي نهاية المطاف الوصول إلى ما وصلنا إليه.ولمن يريد مواجهة الإمبريالية والصهيونية مثلا أقول؛ هل علينا أن نختلف في أن حصولنا على الديمقراطية سوف يوفر المناخ الأفضل والأنسب لعملية المواجهة تلك،فهو أولا: سوف يوفر فرصة لفهم أفضل للأساليب والطرق التي تستخدمها الإمبريالية والصهيونية في فرض سيطرتها علينا ونهبها لبلداننا،وبالتالي اشتقاق  الطرق المناسبة حسب كل مرحلة للرد عليها ومواجهتها.وثانياً؛ سوف توفر إمكانية أكبر (مختلفة عن عهد الدكتاتوريات) لحشد  الجماهير وتعبئتها في عملية المواجهة، والأمثلة كثيرة من الماضي والحاضر.ويصح ذلك أيضا بالنسبة لمن يريد النضال في سبيل حقوق الطبقة العاملة والجماهير الكادحة، بل والنضال في سبيل الاشتراكية.
    إذن، الخيار الديمقراطي الذي أطرحه وأتبناه ،يرتكز أساساً على ذلك التصور البعيد والأعمق،مع انه في لحظتنا الراهنة لا يستمد مسوغاته، ولا يجد مبرراته في ذلك التصور وحسب ،بل هو قبل كل شيء ضرورة وخيار لا بد منه في عملية المواجهة مع الأنظمة السياسية القائمة، التي تعمل بكل ما أُوتيت من قوة لإلغاء أي درجة أو مستوى أو شكل من أشكال الصراع وفي أي حقل من حقوله.
   الخيار الديمقراطي سوف يفتح الباب لصراع سلمي بين مختلف القوى الطبقية والسياسية المختلفة . وحتى في حال الحصول على أي هامش ديمقراطي، يمكن الانطلاق منه لتقويض أركان هيمنة الدكتاتوريات القائمة سياسيا وأيديولوجيا واقتصادياً..الخ.بهذا المعنى فإن الديمقراطية في شقها السياسي سوف تشكل الممر الإجباري في عملية المواجهة المفروضة علينا بدءً من التركة الثقيلة التي سوف تخلفها الأنظمة الدكتاتورية، من تدمير لقوى المجتمع المدني بمختلف تنظيماتها وأطرها، وحتى تدمير الإنسان نفسه،وانتهاءً بإعادة إحياء وبلورة ملامح مشروعنا النهضوي على ضوء المستجدات والتبدلات التي طرأت ، فغيرت من أدواته وأساليبه وأهدافه،مرورا بكل المشاكل الأخرى المطروحة علينا وما أكثرها( قضية فلسطين ،التجزئة، التنمية..الخ.).وفي هذا السياق لا يخفى مدى أهمية الفصل بين المهام التي تحتاج إلى زمن طويل لإنجازها وبين تلك المهام التي تواجهنا مباشرة ونكتوي بنارها يوميا مثل قضايا السلطة والاستبداد.
    وفي هذا المجال يجدر بي أن ألفت الانتباه إلى أن جهدي وتركيزي في هذه المداخلة ينصب على قضية الديمقراطية، دون التمكن من إجراء مسح شامل وتغطية كاملة لشبكة العلاقات والترابطات القائمة بينها وبين تلك المهام والقضايا الملقاة على كاهلنا. ومن المفيد،كما أعتقد، أن نفصل من حيث المبدأ بين الديمقراطية كمهمة وبين بقية المهام المحتملة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والوطنية..الخ، علينا أولا الفوز بالديمقراطية مع جميع القوى التي تعمل في سبيلها بغض النظر عن الاختلافات السياسية أو الأيديولوجية معها.
    لنعاين مثلا ،مسألة الربط بين الديمقراطية كمهمة، وبين مهام الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي،مع أن الحديث عن هكذا استقلال أضحى((حديث خرافة يا أم عمر!))، سوف يحيل هذه المهمة على الأقل في المدى المنظور إلى الطبقات والفئات الاجتماعية المعنية بإنجاز مهمة الاستقلال، وحجبها عن الحلف الطبقي المسيطر (برجوازية بيروقراطية وطفيلية وكمبرادور) غير المعني بهذه المهمة أصلا.(أتحدث هنا عن حلف طبقي مسيطر وليس عن رموز من هذا الحلف).لنفترض أن الحلف الطبقي المسيطر سمح ببعض الهوامش الديمقراطية،أو استطعنا انتزاعها منه، وقبل التعامل معنا على هذا الأساس كقوى اجتماعية وسياسية ،فهل يجوز لنا أن نحجبها عنه، تحت ذريعة أنه لا يهتم بالاستقلال الوطني. والمزعج في الأمر أن هذه الفئات الاجتماعية المكونة للحلف الطبقي المسيطر قد تظل في مواقعها في السلطة لعقود من السنين.
   لنفترض الحالة العكسية، وسمحت الأنظمة القائمة بانتخابات ديمقراطية ووصلنا إلى السلطة وقبلت هي بذلك وسلمت السلطة ، هل علينا أن نبادر فورا إلى حرمان  القوى الاجتماعية التي كانت في السلطة من حقها في الوجود والتعبير؟ وما ضرورة أو أهمية ذلك، طالما قبلت باللعبة الديمقراطية؟.أطرح هذه التساؤلات مع انه من السابق لأوانه طرحها فعلاً، وهي لا تحتاج بالتالي لأجوبة قاطعة ونهائية على الأقل في الوقت الراهن.
    في حدود العلاقة بين الديمقراطية وبقية المهام،يمكن فتح قوسين للقول بإمكانية تقديم المطالبة بالخبز مثلا على المطالبة بالديمقراطية. وفي حال تظاهر الجياع، فإن المطالبة بالخبز والحرية يمكن أن يقترنا بشعار واحد على غرار ما حصل في الخمسينات.وعلى ذكر الخبز ألا تلاحظون معي أن تخريب البنى الاجتماعية  وتزييف إرادة الناس قد وصلا حداً ، لم يعد معه التكتيك السابق للشيوعيين، الذي كان يربط  النضالات المطلبية بالنضالات السياسية يصح،بل لا بد من الفصل بينها.كم أتوق مثلا لرؤية نقابات تستطيع الدفاع عن مصالحها ، وتدافع عن معيشة من تمثلهم من فئات اجتماعية.أكرر أنه لا بد من الفصل بين المهمة الديمقراطية وبقية المهام،مع إدراكي العميق إلى الروابط القوية التي تربط بين الديمقراطية وبين تلك المهام.مع ذلك لم أعد أرى كافيا التعامل مع الديمقراطية من المنظار السابق فقط، أي من منظار كونها ممراً إجبارياً،أو مفتاحاً لإنجاز بقية المهام،بل على العكس أرى أنها تستحق أن يرتقي مستوى النظر إليها إلى الحد الذي يجعلنا نراها قيمة بذاتها ولذاتها، معطى حضاريا يحق للجميع ،يحق للشعوب كافة الأخذ به باعتباره نتاج الحضارة الإنسانية برمتها.وفي هذا الإطار أيضا لا يصح القول أن الديمقراطية تصلح للتطبيق في هذا البلد ولا تصح في ذاك مهما كانت الحجج والذرائع.
  على هذا الأساس أرى أن الديمقراطية هي نظام في الحكم بقدر ما هي نمط حياة للفرد والمجتمع ، وهي هدف وغاية ووسيلة في نفس الوقت، وليست مجرد وسيلة كما كنا ننظر إليها سابقا، وسيلة لتحقيق أهداف أخرى كنا نعتبرها أرفع وأسمى من الديمقراطية. في الحد الأدنى يمكن للديمقراطية أن تحافظ على الإنسان وعلى المجتمع المدني، هذا على افتراض أنها فشلت في مساعدتنا في تحقيق الأهداف الأخرى التي نناضل في سبيلها.
2-معوقات الديمقراطية.
   ابتدئ هنا فأشير إلى أن جل ما أتوخاه،وأنا أعرض للمعوقات والعراقيل التي تعترض نضالنا الديمقراطي، هو تسليط الضوء عليها للمساهمة في صياغة وعي بها يعرف ما يواجهه وما ينتظره.لعلَّ ذلك يساعدنا في اشتقاق آليات ووسائل لتذليل تلك المعوقات والتغلب عليها،لشق طريق الديمقراطية، والمضي به وعليه قدما إلى الأمام.أما إذا ما تعثرنا، وليس غريباً أو عجبا أن يحصل ذلك، فيكون تعثرنا هذا غير مفاجئ لنا،فلا يدفعنا إلى الإحباط واليأس ، لتقديرنا ومعرفتنا المسبقة بحجم المعوقات ووعورة الطريق ومدى الجهود والتضحيات المطلوبة والتي يتوجب دفعها وبذلها.
2-1 المعوق الأول؛ على الصعيد الموضوعي:
    إن أولى المعوقات التي تطرح أو التي تحضر إلى الذهن، هو المعوق الموضوعي، حيث تجري المقارنة،وإظهار البون الشاسع بين مستوى تطورنا، والمستوى الذي وصل إليه الغرب في تطوره، بين بنية وطبيعة برجوازيتنا التابعة، الهشة،غير المستقرة ،وبين طبيعة وبنية البرجوازيات الغربية، القوية والمستقرة..الخ.وفي المحصلة بين الديمقراطية كنتاج طبيعي لمستوى التطور الرأسمالي الغربي، وطبيعة البرجوازية هناك، وبينها كعنصر دخيل مستورد، لا يصلح عندنا، لا يتناسب مع مستوى تطورنا ،ولا مع طبيعة وبنية برجوازيتنا..الخ.
    ومما لا ريب فيه أن الديمقراطية في الشكل والمحتوى والمستوى الذي وصلت إليه في الغرب هي نتاج للمستوى الحضاري العام،بجوانبه المختلفة والمتعددة،الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية ..الخ، الذي وصل إليه الغرب، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فهي حصيلة للنضالات الطويلة والمديدة والتضحيات الكبيرة التي خاضتها شعوب الغرب.أي أنها باختصار ليست بنت لحظتها،وليست ابنة القرن العشرين فقط، حيث أنها تطور وتتقدم مع تطور وتقدم تلك الشعوب.ولا يغير من الأمر شيئاً، ولا ينتقص من قيمة هذه الديمقراطية،بعض المآخذ والثغرات التي تعاني منها هنا وهناك.فعلى سبيل المثال، لا يقلل ولا ينتقص من حق وقدر المرأة كثيراً عدم تمتعها بحق الانتخاب والترشيح في أحد الكانتونات السويسرية.فرغم حرمانها من هذا الحق الجوهري ،يوفر لها المجتمع قدرا كافيا من الضمانات والحقوق لتعيش بكرامة وشرف إنسانيين.وهل ثمة حاجة للمقارنة بينها وبين المرأة عندنا المتمتعة بهذا الحق مبدئيا وشكلياً.ولا مجال هنا للخوض في الحديث عن الكيفية التي تم ويتم بها هذا التطور والتقدم، لجهة علاقته باستغلال ونهب شعوب العالم الثالث مثلاً.
    والحال فإن الناظر إلى مجتمعاتنا وإلى مستوى تطورها العام، ناهيك عن الموروث المكتسب في كثير من القيم والعادات البالية، التي لا زالت تؤثر وتفعل إلى هذا الحد أو ذاك، أقول إن الناظر إلى واقعتا لا يتشجع كثيراً للحديث عن الديمقراطية واحتمالات نجاحها واستمرارها.فهل نركن إلى هذا الواقع،ونخضع لمثل تلك التصورات والأراء المتولدة أو قد تتولد لدى البعض منا حول ذلك؟في الجواب على هذا التساؤل أود التوقف عند ما يلي:
   أ-إن العالم يصبح أكثر فأكثر مجتمعا كونياً واحداً، تزداد باستمرار وبوتيرة متسارعة، شبكة العلاقات والوشائج التي تربط أجزاءه بعضها ببعض على مختلف الصعد وفي كل المجالات،الأمر الذي يسمح لنا بالاستنتاج من حيث المبدأ ومن الناحية العملية، انه ليس ثمة ما يحول دون الإقتداء والآخذ بالكثير من مكتشفات العلوم أو التقنيات الحديثة..الخ.فليس من الضروري على كل شعب أن يمر ويستغرق ذات الفترة الزمنية التي مر بها واحتاجها شعب آخر لاختراع واستخدام هذه التقنية أو تلك..الخ.والأمر ذاته يصح فيما يتعلق بتطبيق أو الاستفادة من هذه الآلية أو تلك من آليا وطرائق الحكم. فلماذا يمكننا أن نستورد الحاسب وأحدث وسائل الاتصال، ولا يمكننا اعتماد الصحافة الحرة مثلاً؟! لماذا نسمح لأنفسنا أن تستفيد من القوانين الوضعية في القضاء المدني، ولا نسمح باستخدام الأسلوب الديمقراطي في إدارة الحكم والدولة..الخ؟!.
   ومع الأخذ بعين الاعتبار التجارب التي حصلت أو تحصل هنا وهناك، نجد أن الأمر تعدى إطار التخمينات والاحتمالات النظرية المجردة ،لإمكانية تطبيق الديمقراطية. فالإمكانية الواقعية موجودة ،فبعض التجارب الديمقراطية تتم أمامنا، وحتى تلك التجارب التي فشلت تسمح لنا إلى جانب الاستنتاج بإمكانية تكرارها ثانية،القول بإمكانية الرجوع عنها وفشلها.ومن المهم أن ننظر إلى طرفي المعادلة، وليس إلى طرف واحد منها فقط. فعلى سبيل المثال لنلقي نظرة على تجارب الخمسينات الديمقراطية، فمن غير الصعب أن نلاحظ ورغم تخلف الواقع، أن تلك التجارب قد سمحت بوصول العديد من القوى الوطنية واليسارية إلى البرلمان.أليس في ذلك دلالة كبيرة ومغزى؟. هنا أسمح لنفسي بالقول إن من ساهم بإجهاد تلك التجارب ليس الواقع الموضوعي الهش،بل القصور في وعينا، وعدم الإدراك الكافي لأهمية الديمقراطية، فاقدم البعض على التضحية بالديمقراطية،وتقديمها قربانا على مذبح الوحدة المنشودة.وماذا كانت النتيجة؟ لقد خسرنا الديمقراطية أولا ومن ثم خسرنا الوحدة ثانياً!.
    ب- إذا كان لا بد من الحديث عن مستوى التطور، علينا الإقرار رغم كل شيء، بأننا قد قطعنا في العقود الماضية شوطا لا بأس به على طريق التطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.لقد انخفضت نسبة الأمية كثيرا عن مستواها بعد الاستقلال، وشهد الاقتصاد بكل فروعة تقدما ملموساً،كذلك الأمر فيما يتعلق بمستوى التطور الاجتماعي..الخ.صحيح أن مستوى هذا التطور لم يصل بعد إلى المستوى الذي نطمح إليه، وما زال يلزمنا الكثير،إلا أنه بالمعيار النسبي يمكن أن يؤسس لاحتضان الديمقراطية،وهناك تجارب ديمقراطية عديدة بدأت من مستوى أخفض على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، مثلا الهند.
   وفي عالم يترابط أكثر فأكثر، لا بد من إعادة النظر في الموقف من تأثير الخارج بالداخل الوطني،خصوصا وأن هناك من ينتظر أن تُجلب له الديمقراطية من الخارج،ومعها ربما المن والسلوى، وفي المقابل هناك من لا يرى في البلدان الغربية، الأوربية والأمريكية منها، سوى الشر..الخ.
   والحالة هذه، فإن أي مراقب لا بد أن يلحظ أن الاتجاه العام لتأثير الخارج هو إيجابي فيما يتعلق بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان.والأمثلة كثيرة ، من نيكاراغوا وغيرها في أمريكا اللاتينية إلى العديد من بلدان القارة الأفريقية والأسيوية.ثمة تساؤل يطرح ؛هل هناك علاقة ما بين هذا الميل الإيجابي بشأن تأثير الخارج على قضية الديمقراطية،وتزايد نفوذ وتأثير الشركات المتعددة الجنسية، التي تسعى إلى تحويل العالم بأثره مسرحا لنشاطاتها.وليس من الضروري أن يظهر هذا التأثير بنفس الدرجة في مختلف مناطق العالم.بل ربما في مناطق معينة يظهر ميل معاكس تماما ،وبدلا من رواج الديمقراطية يحصل انكماش ضدها بحسب خصوصية المنطقة والطريقة التي تحافظ بها الإمبريالية على مصالحها فيها.فالأسباب التي دفعت الإمبريالية للتعاون مع أنظمة دكتاتورية في السابق لا تزال قائمة ،إنما بصورة أقل حدة.  فالمعسكر الاشتراكي لم يعد قائما والحركة الشيوعية لم يعد بمقدورها تهديد المصالح الإمبريالية ،لذلك وكاتجاه عام ،تستخدم الدول الإمبريالية وتحديدا الولايات المتحدة الأمريكية ورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان لتوطيد نفوذها ،ونقل تأثيرها إلى مناطق جديدة لم يكن لها في السابق تأثير يذكر.كلنا يذكر الدعم اللامحدود الذي كان يتمتع به نظام موبوتو سيسيكو في زائير من قبل فرنسا وبلجيكا وأمريكا ، حيث تدخلت هذه الدول اكثر من مرة عسكريا للدفاع عنه،وكيف هي نفسها تخلت عنه في ظروف أخرى وضغطت عليه لترك السلطة.المشكلة عندنا هي ان منطقتنا تتميز بخصوصية معينة، تفرض على الدول الإمبريالية وخصوصا أمريكا سلما للأولويات لا تحتل الديمقراطية فيه المرتبة الأولى.فاهتمامها ينصب في الوقت الراهن على ترتيب المنطقة بحيث تضمن تدفق النفط العربي ،وإيجاد تسوية للصراع العربي الصهيوني تحت مظلة الهيمنة والحماية الأمريكية، وتحقق الشروط الإسرائيلية.
    ومما لا ريب فيه أن حرص أمريكا على تدفق النفط العربي هو أهم من حرصها على الديمقراطية في المنطقة، مع أن الواقع لا يطرح هذين الخيارين في مواجهة بعضهما بالضرورة.مع ذلك ثمة ضغوطات خجولة تمارسها أمريكا على دول الخليج العربي،لتعمل على تجميل وجهها وإجراء بعض التغييرات والتعديلات في طرائق وأساليب الحكم، حتى لا تتكرر مرة ثانية تجربة إيران.ومن خصوصيات المنطقة التخوف الكبير من وصول التيارات الإسلامية الأصولية إلى الحكم، وأمام هذا الاحتمال، تفضل الإمبريالية  التعامل مع الأنظمة القائمة وحتى دعم الأنظمة العسكرية الدكتاتورية على أي نظام أصولي إسلامي كما حصل في الجزائر.
    ومن سخرية القدر أن ممارسة الإمبريالية هذه ،تصب الزيت على النار، المتأججة أصلا، فتؤجج المشاعر الدينية عند جمهور المسلمين ، وتساهم برفد التيارات الأصولية بمزيد من المتطوعين أو المؤيدين والمتعاطفين.وطالما الشيء بالشيء يذكر، لنتذكر الطريقة التي وصل بها هتلر إلى الحكم في ألمانيا مستغلا الانتخابات الديمقراطية، لاعبا على عاملي الإذلال الذي فرض على الشعب الألماني بموجب معاهدة فرساي، والبطالة التي كانت مستشرية في ألمانيا، فجذب إليه أصوات الملايين واعدا إياهم بنهاية البطالة والعبودية معاً.وبالفعل فقد  حل مشكلتهم على طريقته الخاصة، فحول قسم منهم إلى معامل السلاح، وقسم آخر إلى الجيش، وفي النهاية حولهم جميعً إلى جثث كما تحدث عن ذلك غارودي في كتابه الأصوليات المعاصرة.
   وجه الشبه قائم في منطقتنا العربية حيث الأزمة الاقتصادية الخانقة تطحن الجماهير العربية، بالإضافة إلى الإذلال الذي تمارسه أمريكا وإسرائيل والأنظمة العربية عليها، كل ذلك يجعلها لقمة سائغة للقوى الإسلامية الأصولية، خصوصا وإن هذه الأخيرة تجيد الخطاب الخلاصي الدعاوي، ولا تفتقر إلى الخبرة التنظيمية والإمكانات المادية .
  على أية حال علينا أن نعرف كيف نستفيد من الضغوطات التي تمارسها الإمبريالية على الأنظمة القائمة في المنطقة خدمة لمصالحها، وأن لا نكون عدميين، فنأخذ الموقف العدائي الأقصى ضدها،باعتبارها تمثل الشر المطلق،أو الشيطان الكبر، مع الحذر الشديد من أن نتحول إلى أدوات لها في المنطقة مدافعين عنها أو راقصين على إيقاعها.
2-2 المعوق الثاني: على المستوى الأيديولوجي والسياسي.
    يتعلق هذا المعوق بالوضع العربي العام مع تباين درجة تأثيره من ساحة إلى أخرى، ولا يعرف المرء على وجه الدقة مدى انطباقه على أوضاع كل بلد عربي،نظرا لغياب الدراسات الميدانية، خصوصا تلك المتعلقة بالإسلام السياسي والأصولي منه على وجه التحديد.الاعتقاد المرجح هو أن ارتخاء قبضة الأنظمة الدكتاتورية ،أو إتاحة بعض الهوامش الديمقراطية، سوف تساعد على نمو وانتشار الإسلام السياسي. لعلى المعضلة الرئيسة التي تواجهنا في منطقتنا العربية فيما يتعلق بالديمقراطية، تتمثل في الصراع الطاحن بين الطرفين الأكثر نفوذا وقوة ،والذين يشكلان قطبي الرحى في هذه المرحلة؛أعني الأنظمة الحاكمة من جهة والقوى الإسلامية من جهة ثانية.
    الأنظمة الحاكمة لا تريد أن تتغير، ولا تريد أن تتكيف مع المتغيرات،والوضع العالمي الجديد، ولا تملك الإرادة للاستجابة لمتطلبات وضعها الداخلي فتحقق شيئا من حاجات شعوبها الملحة،وحتى تلك الأنظمة التي تجري بعض الإصلاحات فإنها تقوم بها بكل حذر وبطئ شديد نظرا لخوفها من أن تفقد موقعها في السلطة .فهذه الأنظمة غير ديمقراطية أصلا،بسبب بنيتها الخاصة، لذلك نجدها مستعدة للدفاع عن سلطتها بكل الوسائل،حتى ولو اقتضى الأمر تدمير المجتمع، ويتساوى في ذلك أشد دعاة الثورية أو الوطنية، مع أعتى عتاة الرجعية ،فالنتائج واحدة بغض النظر عن الدوافع والنوايا.وهي لا تقدم على أي تنازل على صعيد الديمقراطية إلا إذا كانت مضطرة  ومكرهة على ذلك،لكن إلى أي مدى سوف تقاوم المتغيرات؟ أعتقد أنها في المستقبل لا بد من أن تتكيف مع الظروف الجديدة حفاظا على مصالحها أولا وقبل كل شيء.
    أما القطب الثاني المتمثل في القوى الإسلامية السلفية ،وعلى نحو خاص تلك التيارات الأصولية الأكثر تشددا منها، يرى أن خلاص المجتمع والأمة يتحقق من خلال العودة إلى الينابيع والأصول الأولى،حيث يشكل الإسلام نظاما  لحياة الفرد،وكذلك نظاما في الحكم وإدارة الدولة.وتجدر الإشارة إلى أن الطريقة التي أدار بها القطب الأول الحكم وسير شؤون البلاد والعباد، عملت بصورة مطردة على تنامي نفوذ التيار الثاني في العقود الأخيرة،وبشكل خاص في البلدان التي حكمتها البرجوازية الصغيرة.ومن المعروف أن هذه التيارات الأصولية ليست ديمقراطية، وهي تطرح نفسها في مواجهة الغرب الاستعماري،وكل مفرزاته بما فيها الديمقراطية،هذه ((البدعة المستوردة!)).وعندما تقبل بها من الناحية الشكلية،فهي تفعل ذلك من باب التحدي وتوطئة للوصول إلى الحكم،ومن ثم الانقضاض عليها لتطبيق الشريعة الإسلامية التي تجد مرجعيتها السياسية في مقولة الحاكمية لله.مرة أخرى سوف نجد أنفسنا بلا ديمقراطية. وإذا قارنا بين الحاضر والماضي القريب ،أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، فسوف نجد انحسارا ملموسا للتيار الديني الإصلاحي المتنور. بل وحتى الموضوعات الحساسة التي كانت تطرح آنئذ ، مثل ضرورة إصلاح المجتمع بما فيه إصلاح الدين(الطهطاوي، الأفغاني، محمد عبده..)،أو أن الإسلام لم يحدد شكلا معينا لنظام الحكم(علي عبد الرازق)..الخ ،لم يعد من الممكن طرحها في الوقت الراهن دون أن تسبب لمن يطرحها المتاعب الشخصية وحتى تهديده في أمنه الشخصي.فالخط البياني في تراجع مستمر من الطهطاوي إلى الأفغاني إلى محمد عبه إلى رشيد رضا إلى البنا ومن ثم أخيرا إلى شادي مصطفى(التكفير والهجرة).ومع أن هناك بعض الأصوات التي تسمع بين الحين والآخر منادية بالتحديث والتعددية السياسية ،إلا أنها ضعيفة ولا تملك التأثير الفعال قياسا إلى التيارات السلفية المتشددة.ولا يستطيع المرء إلا أن يلاحظ أن المسار المتراجع  ذلك ترافق مع صعود البرجوازية الصغير إلى سدة الحكم، وإيقاف وتعطيل الحياة السياسية وتطور المجتمع المدني..الخ.
   هذه الأنظمة طرحت على نفسها مهام التحرير والوحدة والاستقلال والتنمية والاشتراكية..مهمات عديدة ،ووجدت انه لكي تنجز هذه المهام عليها أن تحسم موقفها أولا من المجتمع المدني والقوى الأهلية الفاعلة فيه،وإزالة أغطيتها الثقافية والفكرية والسياسية،فخاضت معارك حاسمة معها كسبتها مؤقتا، ليتفرد في النهاية زعيم أوحد ،المنقذ ،الملهم المعجزة .. وغير هذه الألقاب كثير.وبقدر ما تحقق تفرد الزعيم من خلال خوضه لمعارك مصطنعة مع اليسار واليمين،تراجعت قضية الديمقراطية وضعفت حواملها الاجتماعية،ولم تتحقق أية مهمة من المهام الكبيرة التي رفعتها في البداية وبصخب ثورجي .بل الذي تحقق فعلا هو مزيد من تشظي وتفتت البنية المجتمعية بين ولاءات طائفية ومذهبية وعشائرية واقوامية وحتى عائلية..الخ،ويجري كل ذلك تحت الشعار العريض :الحفاظ على الوحدة الوطنية .
    لابد من تسجيل موقف مبدئي من القوى السياسية الدينية بكل تلويناتها، وهو أن مواجهة هذه القوى يجب أن تتم في إطار الديمقراطية ،حتى وإن وصلت إلى الحكم وانقضت من خلاله على الديمقراطية.لأن  البديل عن الديمقراطية هو العنف كما حصل في الجزائر وفي غيرها، وعندما نجبر كديمقراطيين على اللجوء إلى العنف،فالأفضل أن ندخله من باب الدفاع عن النفس ،وليس من خلال الدفاع عن السلطات القائمة.
2-3 المعوق الثالث:على الصعيد الذاتي.
     يقول فولتير((أحسن بلسم لمصائبنا هو أن نجد مسؤولا عنها لكي ننفي مسؤولياتنا)).سأسمح هنا لنفسي بالقول،وأرجو أن تتسع صدوركم جميعا لما سأقوله؛ليست الإمبريالية وحدها المسؤولة عن مصائبنا، وعما آلت إليه أوضاعنا،فالإمبريالية هي الإمبريالية،ولكن ماذا فعلنا نحن لمواجهتها ومواجهة ربيبتها الصهيونية،ألا نتحمل جزءً من المسؤولية؟!.
    القوى القومية بخطابها ((الانفعالي ،الشاعري، الحماسي، الهتافي ،اللاعقلاني)) كما يصفه حسن حنفي،وما قامت به من إلغاء للأخر ودوره،وانتهت إلى التسليم بأن نكسة حزيران كانت ((قضاء وقدراً))..ألا تتحمل قسطاً من المسؤولية؟!وهل هناك خدمة اكبر تقدم للإمبريالية والصهيونية من الطريقة التي تدير بها الأنظمة الحاكمة شؤون البلاد والعباد،والقادرة على تحويل هزائمها المتكررة إلى انتصارات تتغنى بها بلا خجل أو حياء.تصوروا معي لو أن إسرائيل تدار بنفس العقلية والأساليب التي تستخدمها الأنظمة العربية ،ما كان يمكن أن تستمر حتى الآن.أُجمل فأقول كلنا مسؤولون،وليس لأحد أن يتنصل من المسؤولية طالما أننا لم نحدد بعد من نحن وماذا نريد؟من هو عدونا وماذا يريد؟وكيف وبأية وسائل وطرائق ينبغي مواجهته.
     وإذا انتقلنا إلى مستويات أو حقول أخرى،إلى دور الأطراف البديلة، أستطيع القول على ضوء وعينا الراهن بأهمية الديمقراطية ،أن هذه القوى لم تكن ديمقراطية لا في برامجها ولا في ممارساتها.
   فعلى مستوى التصورات الأيديولوجية التي كنا نقيس بها دور الطبقة العاملة والطبقة الفلاحية في ظروف بلد متخلف مثل بلدنا، وما يتيحة الواقع الفعلي لها من دور ثمة مفارقة كبيرة. وبالنسبة لقضية الديمقراطية أجرؤ على القول أن الفرز والاستقطاب لن يتم على أساس طبقي محدد،ولن يخدمها بشيء أولئك الذين ينظرون إلى التاريخ بوصفه مؤامرة كبرى،وإن ما يجري في العالم ليس سوى من فعل الإمبريالية والصهيونية، وإن الديمقراطية ما هي إلا نوع من الإغراء يقدم لنا من قبل نفس المراجع وخدمة لأغراضها!. هؤلاء الذين لا زالوا يفكرون بنفس الطريقة يقدمون أكبر الخدمات للإمبريالية،بتصويرهم إياها قوة كلية لا يمكن مواجهتها،وبالتالي لا يجوز حسب زعمهم مقاومتها والنضال ضدها.أما على مستوى البنية،فسأكتفي بالإشارة إلى أولئك العصبويين،الذين لا يختلفون بشيء عن المتعصبين القبليين،مع تغير في الشكل حيث حل الحزب محل القبيلة..الخ.هل هناك من حل لجميع تلك الأمراض الاجتماعية والسياسية إلا بالديمقراطية،لا أعتقد ذلك.
2-4 أخيرا في الممارسة السياسية والإجراءات المطلوبة.
     من ناحية المبدأ يمكن القول أن الديمقراطية (في شقها السياسي) إما أن تكون للجميع أو لا تكون لأحد. ومع انه يمكن الحديث الآن عن مجموعة من المسائل المبدئية مثل الإقرار بمبدأ التعددية وتداول السلطة، ونبذ العنف في الفكر والممارسة..إلى غير ذلك من المبادئ،أرى انه يمكن تأجيل الخوض في هذه المسائل في الوقت الراهن والتركيز على كيف علينا أن نناضل  في سبيل الديمقراطية.في هذا المجال أود تحديد بعض الأسس والمرتكزات:
    1 - لقد آن الأوان ،كما أعتقد،لكي نتخل عن ركن أساسي في منظومتنا الفكرية كان يوجه ممارستنا في السابق وهو القول بان الوصول إلى السلطة والقبض عليها يمثل حجر الزاوية،والأساس الذي لا بد منه للإقلاع بعملية التغيير والانقلاب الشامل،وتحقيق برامجنا والوصول إلى أهدافنا على مختلف الصعد والمستويات في الاقتصاد والمجتمع والسياسة والثقافة ،،الخ.هذا المبدأ المستند إلى فكرة حرق المراحل والاستعجال في تحقيق كل الأهداف والطموحات مرة واحدة وفي أقصر فترة زمنية ممكنة!.
  2-الانطلاق، عند رسم التكتيك السياسي أو تحديد الهدف المركزي لنضالاتنا ، من الإمكانات العملية التي يوفرها الواقع، بحيث يتم حشد أوسع تكتل سياسي من المعنيين بهذا الهدف بغض النظر عن تلاوينهم الطبقية والأيديولوجية.بعبارة أخرى أعتمد مبدأ((نمو المهام مع نمو الذات)) على الضد من المبدأ اللينيني المعروف المختلف مع هذا المبدأ.
    3-الانطلاق من الشروط القائمة:ضعف وتشرذم الذات السياسية،سلبية الجماهير ولا مبالاتها.تعنت الأنظمة العربية وعدم استعدادها للتعاطي بقضية الديمقراطية وحقوق الإنسان إلا بالقطارة..الخ في تحديد خياراتنا في حقل الممارسة السياسية. ففي الوقت الذي نرفع فيه شعار الديمقراطية كشعار مركزي علينا أن نكون أكثر تحديدا في مطالبنا في كل مرحلة من مراحل النضال الوطني، وعلى ضوء ذلك أرى أن المرحلة الراهنة تسمح لنا بطرح المطالب التالية:
       أ-إطلاق سراح معتقلي الرأي،ومنع الاعتقال السياسي مستقبلا.
       ب-وقف العمل بالأحكام العرفية وقوانين الطوارئ.
       ت-المطالبة بتشريع العمل السياسي،وسن قانون يجيز تأسيس الأحزاب السياسية وينظم عملها.
      ث-حرية العمل النقابي وحرية الإعلام والصحافة، وعودة الحياة الطبيعية لمؤسسات المجتمع المدني..من أجل إعادة اللحمة للوحدة الوطنية ،المهددة جديا بمخاطر الانفجار.
     ج-المطالبة بسيادة القانون وحرية ونزاهة القضاء، وفصل السلطات واستقلالها الفعلي..الخ.   إن الوصول إلى وضعية يسود فيها القانون سوف يجعل الطريق معبداً أمام إمكانية الوصول إلى الديمقراطية أو إلى هامش ديمقراطي.ومما يجعلني أميل إلى التواضع في تحديد المطالب،هو اقتناعي أن النضال الديمقراطي في ظل الأنظمة القائمة هو نضال طويل،وعملية صراعية دائمة ومستمرة ،وان الديمقراطية بعيدة المنال وليست على الأبواب كما يظن البعض منا.
   أختم مردداً مع الكواكبي (( لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأُمي الإساءة وأخي الغدر وأُختي المسكنة وعمي الضرر وخالي الذل وابني وابنتي البطالة ووطني الخراب وعشيرتي الجهالة)).
تعقيب
 د.منذر خدام
     لماذا الديمقراطية؟ سؤال يفتتح به الأخ فيصل مداخلته ،ويرى ضرورة الإجابة عليه أولاً،لأنه في ضوء الإجابة عليه سوف تتحدد الكيفية التي ((ينبغي على الشيوعيين أو الوطنيين الديمقراطيين )) التعامل مع موضوع الديمقراطية.ويلح على ذلك ما حصل في السنوات الماضية من تغيرات على الصعيد العالمي حسب رأي المتدخل، قادته إلى الاستنتاج بفشل((تلك الثورات الاشتراكية أو الوطنية الديمقراطية ذات الأفاق الاشتراكية))، وهذا الفشل ما هو في وجه من وجوهه إلا انتقام التاريخ والواقع لنفسه من أولئك الذين حاولوا تطويعه وقسره حسب رأي الأخ فيصل.وباعتبار أن الباحث يعفي نفسه من الخوض في ((المقدمات والعوامل التي أسهمت ودفعت للوصول إلى هذا الاستنتاج))، كان لا بد من التساؤل حول المعيار ،الذي يقيس به الأخ فيصل فشل تلك الثورات التي يعود التاريخ لينتقم من أصحابها.فإذا نظرنا إلى هذه الثورات من زاوية ما قالته هي نفسها عن نفسها ،أو من زاوية مشروعها الأيديولوجي ، فهي ثورات فاشلة بكل تأكيد.لكن إذا نظرنا إليها من زاوية منطق التاريخ، أي من زاوية ما كان بالإمكان تحقيقه على صعيد تطوير مجتمعاتها، فأغلب هذه الثورات يمكن اعتبارها ثورات ناجحة، ودفعت التاريخ قدما إلى الأمام.فالاستبداد ليس علامة على تراجع التطور التاريخي بصورة عامة.مع ذلك لا بد ((للتطور التاريخي من أن يأخذ مداه وان يجري في سياقه الطبيعي حيث لا بد للمجتمعات من المرور بالثورة الديمقراطية(الرأسمالية))،حسب رأي الباحث.وإذا كان لا بد من مساءلة التاريخ للكشف عن مساره وعن طبيعة حركته على هذا المسار فإن الجواب لن يكون واحداً.فمن المعروف أن ثمة شعوب في أوربا الغربية قد انتقلت إلى الإقطاعية دون أن تمر بالمرحلة العبودية، وثمة شعوب أخرى خصوصا في الشرق لم تعرف الإقطاع بشكله الأوربي،وكانت سباقة إلى ولادة الدولة المركزية القوية.يوجد فارق بين إمكانية الانتقال إلى تشكيلة أعلى والظروف التي تحكم هذه الإمكانية والفاعل الاجتماعي الذي سوف يحققها،وبين إمكانية تسريع التاريخ داخل زمن التشكيلة نفسها.من هنا كما أعتقد إذا تجاوزنا نعت ((الاشتراكية)) لثورة أكتوبر، لبرزت أمامنا ثورة وطنية ديمقراطية عملاقة استطاعت أن تحقق ما حققته البرجوازية الغربية خلال ثلاثة قرون، بأقل من قرن واحد .ولا يغير من حقيقة ذلك ما نشاهده على السطح في الوقت الراهن من اضطرابات اجتماعية حادة.
   من هنا لا يجوز أن يقاس التاريخ بمقياس الديمقراطية فقط. ثم لنلقي نظرة على أوضاع العديد من الدول العربية ،فسوف نجد أن العلاقات الرأسمالية قد حققت تقدما ملموساً خلال العقود الماضية،بحيث أصبحنا أمام رسملة حقيقية للمجتمع في إطار الظروف السائدة .ما حققته ثورة يوليو في مصر، وما حققه البعث في سورية والعراق على صعيد تطور العلاقات الرأسمالية من خلال تدخل الدولة في الاقتصاد هو نجاح  بلا شك،من وجهة النظر هذه إلى التاريخ ،وإن يكن بتكاليف باهظة.وأهم ما يسجله الباحث على هذه الثورات هو غياب الديمقراطية،وهذا بلا شك أحد أسباب اغتراب الناس في هذه البلدان عن المنجزات التي صنعوها هم أنفسهم.
   من المشروع تماما إعادة التفكير((بنموذج مقبل للاشتراكية)) كما يقول الباحث،وعندئذ لا بد أن نلحظ مدى أهمية الديمقراطية في هكذا نموذج.فالديمقراطية لا غنى عنها في ظل ((أي وضع جديد بما فيه الاشتراكية)).استنادا إلى ذلك يقرر الباحث ((ضرورة الفصل بين الديمقراطية كشكل لنظام الحكم..وبين الرأسمالية أو أي نظام اجتماعي آخر))،فالديمقراطية عند الأخ فيصل،تبدو عابرة للتاريخ((عرفتها شعوب الأرض قديما وحديثا))،وإن الربط بين الديمقراطية والرأسمالية ((عملية خاطئة منهجيا وواقعيا))..
   نحن نختلف مع الأخ فيصل فيما  ذهب إليه، فالديمقراطية مثل غيرها من الظواهر الاجتماعية،هي وليدة شروطها التاريخية ولها صيرورتها الخاصة،وفي ظل الرأسمالية فهي ديمقراطية البرجوازية، ولا نجد حرجا في نسبها هذا،فنحن نريد تنمية العلاقات الرأسمالية في بلدنا.ويبدو لي أن السيد المحاضر من خلال إعطاء الديمقراطية صفة القيمة الإنسانية المطلقة،كما فعل غيره يريد جعلها أكثر جاذبية وقبولا،لكنه إذ يفعل ذلك فإنه يقوم بلي عنق التاريخ وتجريده من جوهره. الديمقراطية لا تجرد إلا كمفهوم، كمبادئ، لكنها كنظام في السياسة فهي دائما مميزة ومشخصة.نحن نريدها كذلك بعجرها وبجرها،فهي ليست نظاما مثاليا،بل تنضوي على نواقص وتقييدات عديدة، هي من صلب الديمقراطية بمعناها التاريخي.وإن تجريد الديمقراطية ،من أجل التخلص من تلك((الإيماءات والدلالات التي ما فتئ البعض يستحضرها حال سماع كلمة الديمقراطية )) لا يساهم في تقدم قضية الديمقراطية قيد أنملة.ومع أن الباحث يحاول إبعاد سفالات البرجوازية عن الديمقراطية واحالتها إلى الحقل الاقتصادي، حيث الاستغلال،إلا أنه سرعان ما يناقض نفسه عندما يقول ((أن الملاحظات أو العيوب التي توجه إلى الديمقراطية الغربية تنصب على ثغرات أو نواقص هذه الديمقراطية)).بل ويذهب التناقض لديه إلى مدى أبعد عندما يطالب بضرورة ((الفصل من حيث المبدأ بين الديمقراطية وبين محتوى النظام الاجتماعي والاقتصادي القائم، والذي يمكن أن يعطي هذه الديمقراطية قيمة أعلى أو أدنى حسب مواصفات هذا المحتوى)).فالديمقراطية لا يمكن فصلها عن محتوى النظام الاجتماعي القائم هذا من جهة ،ومن جهة ثانية لأن الديمقراطية في جوهرها تتضمن حدا معينا من ممارسة ((القمع)) فهي الديمقراطية التي نناضل في سبيلها ،ولا نجد حرجا في كونها ذات هوية برجوازية.ومن هذا المنطلق لا نستطيع الاستجابة إلى مطالبة الأخ فيصل بضرورة التخلي عن ذلك الفهم ((ومن ورائه تلك العقلية التي تعتبر أن المناداة بالديمقراطية هو بفعل ونتيجة لتغلغل الأفكار البرجوازية)).نعم  الديمقراطية الحديثة هي الديمقراطية البرجوازية، بمعنى أنها نمت وتطورت في إطار العلاقات الرأسمالية.وفي إطار هذه الديمقراطية سوف تكون الفرص أكبر لمقاومة المشروع الإمبريالي الصهيوني،وحشد الجماهير من أجل التطور المستقل لوطننا العربي كما يؤكد الباحث،نفسه، على ذلك.
    لقد اعتبر الباحث الديمقراطية ضرورية لمواجهة الأنظمة القائمة، فيها يمكن ((فتح باب الصراع بين مختلف القوى الطبقية والسياسية)) ،ومهما كان هامشها ضيقاً يمكن أن تبدأ فيها عملية(( تقويض أركان هيمنة الأنظمة السياسية الحاكمة …)).وتأسيسا على ذلك يستنتج المحاضر أن الديمقراطية في شقها السياسي سوف تشكل ((الممر الإجباري في عملية المواجهة))،وبعد ذلك((لإحياء وبلورة مشروعنا الحضاري)) بكل مكوناته وأبعاده.
    لا ريب بأن الديمقراطية كمطلب في حقل الممارسات السياسية له الأولوية، لكن ذلك لا يعني أنه هو الذي سوف يتحقق أولاً،فهناك مهام عديدة على صعيد التنمية أو تحرير الأرض يمكن أن تتحقق بدرجات مختلفة قبله.أضف إلى ذلك يجب التنبيه إلى أن تقدم الديمقراطية في الحقل السياسي لا يعني فك الارتباط بينها وبين المهام الأخرى في المشروع الوطني الديمقراطي،بل من المشكوك به أن يكون للخطاب الديمقراطي كخطاب سياسي أية جدوى إذا لم تملأه هموم الناس من لقمة الخبز إلى أكبر قضية وطنية، وهذا ما يلاحظه الأخ فيصل عندما يقول بشعار ((خبز وحرية)) لكن ليس فقط للجياع بل لمجموع المواطنين.
     كنا قد ذكرنا في أكثر من موضع أن الاستقلال الوطني الاقتصادي والسياسي والثقافي،هو المهمة التي سوف تشغل كامل المرحلة الوطنية الديمقراطية،التي بدورها سوف تستغرق زمنا طويلا نسبياً،لكنه (أي هذا الاستقلال) ليس((خرافة)) لا في المدى المنظور ولا في المدى البعيد إلا لذهن يفهم الاستقلال بمعنى الانعزال والتكور،وليس التفاعل والاندماج.وإذا كان الاستقلال الوطني بالمعنى الذي أشرنا إليه هو مهمة تلك القوى الاجتماعية والسياسية التي لها مصلحة فيه،لا يعني ذلك أن الديمقراطية ((ستكون من حق تلك الطبقات والشرائح المعنية بمهمة الاستقلال فقط))، بل وهي من حق جميع القوى الاجتماعية والسياسية في المجتمع طالما أنها تمارس نشاطها في إطار سيادة القانون.فالنضال ضد الحلف البرجوازي المسيطر سوف يستمر في ظل الديمقراطية،وسوف تستخدم الشرعية الديمقراطية لتقويض أسسه الاقتصادية وبالتالي تغيير طابعه السياسي من طفيلي كمبرادوري إلى وطني إنتاجي.لكن في مجمل الأحوال لا يجوز حرمانه من حقوقه الديمقراطية.
    وهكذا، وفي سياق إجابته على سؤاله لماذا الديمقراطية؟التي افتتح به الباحث مداخلته يتوصل إلى استنتاج يفيد بضرورة((الارتقاء في مستوى النظر إليها إلى الحد الذي يجعلنا نتعامل معها بوصفها قيمة بذاتها ولذاتها)). ومع ما في هذا الاستنتاج من حلم ،لندع صاحبه يتأمل فيه،وننتقل لمحاورته في معوقاته للديمقراطية.
    على الصعيد الموضوعي يرى الباحث أن ثمة معوق كبير للديمقراطية يتمثل في الفرق الحضاري الكبير بين الغرب الديمقراطي،وطبيعة برجوازيته،وبين وضعنا المتخلف وبرجوازيتنا التابعة وغير الوطنية.فالديمقراطية الغربية وليدة تاريخ طويل من التصير،حايث تطور وتقدم البلدان الغربية وشعوبها.وعندما ينظر الباحث في وضعنا العربي يريدنا أن لا نرى العوامل النافية للديمقراطية ،بل فقط تلك المشجعة عليها.وفي هذا المجال يرصد الباحث عوامل عديدة من أهمها:
   أ-تسارع اندماج العالم،الذي يقدم لنا في هذا السياق العديد من المنجزات الحضارية التي يمكن الاستفادة منها دون حرج أو شعور بالنقص. غير أن الباحث هنا لا يفرق بين استيراد الحاسب مثلا ،و((استيراد)) الديمقراطية،بل ويستغرب متسائلا لماذا نقبل بالحاسب أو بالقوانين الوضعية في القضاء ولا نقبل بالديمقراطية كأسلوب في الحكم!
    ما العمل أيها الأخ فيصل المنتجات التكنولوجية تتميز بحياد نسبي عن قضايا الصراع السياسي،وكذلك الأمر بمعنى معين بالنسبة للقوانين الوضعية في مجال القضاء ،أما بالنسبة للديمقراطية فهي وثيقة الصلة بعلاقات السيطرة،وبالتالي فهي قضية محورية في الصراع الاجتماعي الطبقي. في منطقتنا العربية الديمقراطية هي قضية القوى الديمقراطية وهذه القوى،  بكل أسف ،لا تزال ضعيفة وغير فاعلة. وعندما تلجأ بعض الأنظمة إلى تغيير بعض ديكوراتها القديمة بديكورات ديمقراطية،تحت ضغط الاعتبارات الخارجية ، فهي تبقيها تحت السيطرة.
    ب- يؤكد الباحث أن ثمة تطوراً ما قد حصل عندنا يمكن أن يساعد على تقدم قضية الديمقراطية،فالتعليم انتشر وأصبح في متناول الجميع،تراجعت الأمية كثيرا،الثقافة تشهد شيئا من الازدهار،المرأة انخرطت في العمل إلى جانب الرجل..الخ.هذا المشهد الذي يرسمه الباحث بصورة جميلة ،يؤسس بلا شك لتقدم قضية الديمقراطية في المستقبل. غير أن ما غاب عن ملاحظة الباحث هو أن التعليم والثقافة، بصورة أعم ،تكرس، قبل كل شيء ،وعي وأدب السلطة والسلطان، وليس الوعي الديمقراطي ،وهذا يعقد كثيرا النضال الديمقراطي.ولا يحتاج المرء إلى عناء كبير حتى يكتشف أن الغالبية العظمى من مفكرينا ومثقفينا،يدورون في فلك السلطة ويبدعون لها،وإن القلة فقط منهم وهي في الغالب مهاجرة تحاول أن تنتج فكرا مغايراً،لكنه ليس بالضرورة فكرا ديمقراطياً.
   ت- العامل الثالث ،الذي يرصده الباحث ، ويشجع على الديمقراطية، بصورة عامة ،هو التحولات الجارية عالميا  تحت راية حقوق الإنسان والديمقراطية.غير أن الأخ فيصل يبدو متحفظا بشأن تأثير ذلك على قضية الديمقراطية عندنا،وهو محق بذلك ،نظرا للمصالح الكبيرة للدول الإمبريالية في منطقتنا،والتي يمكن أن تهددها الديمقراطية من خلال تهديدها للأنظمة المحلية الحارث لهذه المصالح.من هنا كما نرى يتلازم النضال ضد الإمبريالية ومصالحها في المنطقة العربية ،بالنضال في سبيل الديمقراطية،لأن الفوز بالديمقراطية الحقيقية هو المدخل إلى صون مصالحنا الوطنية ،وتحقيق إنماء وطني شامل.
    المعوق الثاني للديمقراطية يتحرك في الحقلين الأيديولوجي والسياسي كما يرى الأخ فيصل،وهو يعالجه من زاويتين ؛زاوية الأنظمة السياسية وزاوية الإسلام السياسي.فالأنظمة  الحاكمة لا تزال ((تمانع في التكيف أو التعاطي الإيجابي مع المتغيرات..))،في حين الإسلام السياسي يدعو للعودة ((إلى المنابع والأصول الأولى)) ففيها كل الحل لمشاكل الحاضر والمستقبل.
     لقد أنجزت الأنظمة العربية على اختلافها مهمتين خطيرتين:من جهة أضعفت الحركة التقدمية العربية،سواء عن طريق القمع المباشر أو عن طريق الاحتواء،ومن جهة ثانية خلقت كل الظروف المواتية لانتعاش الإسلام السياسي،وخصوصا المتطرف منه على وجه التحديد.لذلك وكما يرى الباحث نحن في مواجهة خيار وحيد هو خيار الدكتاتورية :دكتاتورية الأنظمة أو دكتاتورية الإسلام السياسي السلفي المتشدد.ويعزز من هذا الاحتمال كون الأحزاب والقوى القومية والشيوعية قد فشلت على الأقل بصيغتها القديمة.أمام هذه الوضعية التي تبدو مغلقة يدعو السيد الباحث إلى مواجهة القوى المعادية للديمقراطية بمزيد من التمسك بها.وفيما يخص التيارات الأصولية الدينية ومع أنها ((لا تشكل ضمانة للديمقراطية ولا حاضنة لها))،فلا يجوز مقاومتها إلا من خلال الديمقراطية كما يقول الأخ أبو فيصل.وحتى في الحالة الحدية أي عندما نضطر((كديمقراطيين أن ندخل دوامة العنف،فأن ندخلها من بوابة الدفاع عن النفس والوجود خير من أن ندخلها من خلال الدفاع عن الأنظمة الحاكمة)).
    لا شك بأن الدرس الكبير الذي علينا تعلمه من الماضي هو النضال بلا هوادة ضد العنف بكل أشكاله ،وأن نتمسك بهذا الخيار مهما كانت الظروف معقدة،ففي ذلك يكمن التأسيس لخيار الديمقراطية والسلام الأهلي،وهو درس يبدو أننا قد تعلمناه نظريا على الأقل مع الأخ فيصل.
    المعوق الثالث يعالجه الباحث على الصعيد الذاتي.في هذا المجال يرى الباحث أن جميع التيارات القومية والشيوعية تتحمل مسؤولية كبيرة عن المآل الذي انتهت إليه الأوضاع في منطقتنا ،فهي لم تستطع أن تحدد من نحن؟ ومن هو عدونا؟ وماذا نريد؟وبأية وسائل وبأية طرق علينا مواجهة هذا العدو المفترض؟..الخ.أضف إلى ذلك لا تزال تسيطر عليها عقلية المؤامرة ،فالتاريخ بالنسبة إليها ليس سوى((مؤامرة كبيرة))،وبناء عليه فإن ما يجري في العالم ما هو إلا مؤامرة صنعتها الإمبريالية والصهيونية.في ظل هذه المعطيات من الصعب أن تتقدم قضية الديمقراطية،بل ويصعب إلى درجة الاستحالة النضال ضد الإمبريالية طالما أننا ننظر إليها باعتبارها كلية القدرة.
    في خاتمة مداخلته ينظر الباحث في حقل الممارسات السياسية ويرى ضرورة التأكيد على المسائل التالية:
         1-الديمقراطية في شقها السياسي ((إما تكون للجميع أو لا تكون لأحد)) لكنه يشترط لذلك نبذ الإرهاب  والعنف قولا وعملا ،والالتزام بالتعددية السياسية وتداول السلطة..الخ.
          2 -الدعوة للتخلي عن شعار إسقاط السلطات القائمة واستلام السلطة السياسية كما كان يطرح سابقا كجزء من عملية حرق المراحل والإقلاع بالتغيير الشامل..الخ.
           3-ضرورة ((نمو المهام مع نمو الذات)) وبالتالي الانطلاق عن رسم التكتيك السياسي أو تحديد الأهداف من((الإمكانات العملية))..الخ.وتأسيسا على ذلك يرى الباحث أن النضال في سبيل الديمقراطية هو نضال طويل،يمكن أن تتقدمه كمهمات مباشرة المطالبة بإلغاء الأحكام العرفية ،واطلاق سراح السجناء السياسيين وخلق هوامش أوسع للحريات والعمل الحزبي والنقابي بعيدا عن الدولة وأجهزتها..الخ.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....
- منطق الفكر
- نقد الفكر مقدمة لنقد السياسة
- الديمقراطية وبيئتها المفهومية في الوعي السياسي العربي
- الديمقراطية والنخبة
- الديمقراطية والعلمانية والليبرالية
- الديمقراطية والمجتمع المدني
- عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا ...
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
- الديمقراطية والحرية
- الديمقراطية الحديثة بين نخبوية لوك ومساواتية روسو
- الديمقراطية: ولادة المصطلح وحدوده الواقع
- هموم التنمية العربية ومشكلاتها
- العولمة وطبيعة العصر
- الديمقراطية الممكنة والمحتملة في سورية
- الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر
- وعي الديمقراطية لدى الحركات القومية والليبرالية


المزيد.....




- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه