أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا يفكرون بعقل السلطة















المزيد.....


عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا يفكرون بعقل السلطة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 744 - 2004 / 2 / 14 - 06:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


  ما إن ألقى السيد جورج دبليو بوش خطابه أمام الصندوق الوطني للديمقراطية في السادس من تشرين الأول /نوفمبر الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية بصدد تبني   " استراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط " حتى استنفر مثقفونا كامل طاقاتهم الإبداعية واضعين عقولهم في وضعية الاستعداد القتالي للرد عليه وفضحه. غير أن هذه العقول وهي ترد على السيد بوش يبدو أنها كانت قد وضعت شواغلها المختلفة، وأدوات تفكرها جانباً، لتوسع المساحة لصورة العدو، وأدوات رؤيتها، لتتوسع وتتمدد متحكمة في قراءة خطاب السيد بوش، فكان من الطبيعي أن ترى صورة العدو مكبرة، وباعتباره عدو فهو بالتالي غير         " صادق " إنه يدس لنا " السم في العسل "،يريد أن يلهينا عن" الانشغال في قضايانا الوطنية " ، فهو في المحصلة لا يهتم إلا بـ  " مصالحه" و " مصالح " إسرائيل...الخ.
     فهاهو السيد عصام العريان يحذرنا في مقالة له تحت عنوان (العراق " الديمقراطي" يؤدي إلى فوضى المنطقة ) المنشور في جريدة الحياة،  من أن " النموذج الديمقراطي.. في العراق يؤذن أن يتحول إلى كابوس يجثم على صدور العراقيين.." بل وأكثر من ذلك، حسب السيد العريان، إن ما يبشر به المحافظون الجدد من ديمقراطية في العراق يؤذن أن يتحول إلى " فوضى عارمة تهز أركان المنطقة " فهم؛ أي المحافظون الجدد، لا ينظرون " إلى التداعيات الجسيمة التي ستهز الاستقرار اللازم لإحداث أي تحول ديمقراطي ". و لعل ذلك هو ما يهدف إليه الأمريكيون منذ البداية، حسب السيد العريان، فهم لا يهتمون إلا "بمصالحهم "، ولن "يكونوا جادين في إحداث أي تحولات ديمقراطية حقيقية ". الفوضى العارمة في المنطقة إذن  " لعلها الهدف الحقيقي " للأمريكيين، فهي سوف "تهز العروش الراسخة، وتزلزل الأفكار والتصورات الثابتة، وتغير الحدود الموروثة منذ الحقبة الاستعمارية، وتصيب أرواح الناس وروحانياتهم في مقتل" .
     من جهته السيد سالمان عبد الملك، وفي مقالة له نشرتها جريدة النهار اللبنانية تحت عنوان (خطاب بوش الإخضاع الاستعماري تحت ستار الديمقراطية)، بعد شيء من التفكير، و استرجاع مضمون مذكرة وزير الدفاع الأمريكي رولاند رامسفيلد " السرية " التي وزعها على كبار العسكريين في البنتاغون وكان قد "أُعلن " عنها مؤخراً، والتي دعا فيها إلى إحداث       " تغيير سياسي" من أجل النجاح في " الحرب على الإرهاب  أدرك " أن حديث السيد بوش المعسول المفعم بالوعود.. ليس إلا جزءا من التحرك الجديد للمحافظين الجدد لإكساب حربهم ضد الإرهاب..زادا أو مددا ومبررات جديدة " فهو؛ أي خطاب بوش، في حقيقة الأمر "محاولة جديدة من قبل إدارته للهروب من مواجهة الحقائق والبحث عن ذرائع لتنفيذ سياستها الاستعمارية في المنطقة" ،حسب السيد عبد الملك، وهو يذكره بالخطاب الدعائي الغربي عن"رسالة الرجل الأبيض في نشر الحضارة " والتي أدت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين إلى " فرض الاحتلال الأوربي للبلدان العربية ".الاعتقاد السائد،حسب السيد عبد الملك، هو أن" الديمقراطية في الخطاب الأمريكي هي مجرد مطية أو أداة استعمارية "، وأن " نذر التشاؤم من خطاب بوش تتصاعد في المنطقة حيث تعتبره تمهيدا للمرحلة الثانية من مخططات الغزو الأمريكية في المنطقة ". وأكثر من ذلك فإن من " المخاطر البادية " لإطروحات بوش عن الديمقراطية، أنها يمكن أن"تؤخر التقدم نحو الديمقراطية في المنطقة " ، لأن القوى التي تناضل من أجل الديمقراطية سوف تواجه عندئذ " اتهامات وشبهات بالعمالة للأمريكان " وهذا يفقدها ،حسب السيد عبد الملك، " مصداقيتها في الشارع السياسي العربي والإسلامي".فالشعوب العربية والإسلامية بخبرتها المريرة مع الاستعمار الغربي " ترفض أي سياسات يمكن أن تفرض عليها من الخارج " كما يؤكد السيد عبد الملك ،وهو أمر يمكن " أن يضر بإنجاح الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي في المنطقة العربية والعالم الإسلامي ".
     من جهته السيد ياسين الحاج صالح،وهي مناسبة لأعلن تضامني معه في وجه من أوقفوه لساعات قليلة لرأي عبر عنه،يرى في مقالة له نشرتها السفير تحت عنوان (ديمقراطية بالوكالة)، أن الخارج يمكن " أن يلعب دوراً مساعداً إذا نال ثقة الداخل وكان مخلصاً وراغبا في الدفع نحو الديمقراطية ". لكن هذا الخارج يمكن أن يلعب دوراً " معوقاً بشدة للتحول الديمقراطي إن غابت الثقة والرغبة ". و بتمايز واضح عن الكثيرين ممن علقوا على خطاب بوش ،يرى السيد حاج صالح أنه ليس هناك " ما يمنع أن تساعد الولايات المتحدة على الدفع نحو الديمقراطية " لكنه اشترط لذلك أن تتوفر لديها " إرادة الدفع بهذا الاتجاه " ، وأن " تتغلب على أية روابط مصلحية أو عقائدية أو استراتيجية تحول دون ترقية إرادة الديمقراطية هذه إلى مستوى سياسة منسجمة ".المسألة برمتها ،حسب السيد حاج صالح، هي " مسألة اقتناع وثقة بخلوص النية الديمقراطية للأمريكيين ".وتأسيسا على ذلك ، وباعتبار أن المرء " لا يكون ديمقراطيا أو راغبا بالديمقراطية " ،حسب السيد حاج صالح، إن لم " يهتم بآراء من تمسهم نتائج قراراته وأفعاله " ، فإن خطاب بوش يفتقر " إلى ما يشير إلى شيء من الجدية في مراجعة هذه العلاقة "، وهو  يخضع " ديمقراطيتنا الموعودة لنظام الأمن الأمريكي والغربي"، وهي مقاربة " تتعارض مع اعتبار شعوب المنطقة ودولها فاعلين سياسيين..صانعين لتاريخهم..منتجين للتغيير والتمثيل والديمقراطية "وليس مجرد متقبلين لها حسب رأيه.
     الدكتورة بثينة شعبان ،التي تشغل منصب وزيرة المغتربين في الحكومة السورية، من السيدات المتميزات بثقافتها وانشغالها بالشأن العام، وهي تحظى باحترام واسع تستحقه،أقلقها خطاب السيد بوش(انظر "سيادة الرئيس" في تشرين السورية 8/11/2003)،وأول ما أقلقها فيه قوله إن التزامه " بالديمقراطية يمتحن في الشرق  الأوسط "، لأن ما يبقى في الضمير العربي،حسب السيدة بثينة شعبان " ليس ما يسمعه أو يقرأه من عبارات جميلة ومريحة " وإنما ما يصله من " استخدام الولايات المتحدة لحق النقض ....والسماح لشارون ببناء جدار الفصل العنصري "،وإن واقع الحال في العراق يقول غير ما تقوله النية الأمريكية من أن " يكون العراق بلداً ديمقراطياً آمناً ومزدهراً ".
     والأمر الثاني الذي أقلق السيدة شعبان هو قول السيد بوش " إن تقدم الحرية يقود إلى السلام "، فهو قول يغالط، يضع ما هو نتيجة في موقع السبب وما هو سبب في موقع النتيجة،فحسب السيدة شعبان " الحرية والأمن هما الثمرة الطبيعية للسلام " ولا يمكن " للوليد أن يولد قبل أن ترى أمه نور الحياة ".
     والأمر الثالث الذي أقلق السيدة بثينة شعبان قوله ؛ أي بوش، إن على " الحكومات أن تستجيب لإرادة شعوبها " ،وتساءلت " هل يعني هذا فقط ممارسة حق الانتخاب؟ ".
      والنقطة الأخيرة التي أقلقت السيدة شعبان قول السيد بوش " أن الديمقراطية ليست الطريق المثلى للمدينة الفاضلة، ولكنها الطريق إلى الكرامة .."، فالديمقراطية حسب السيدة شعبان هي " مجموعة قيم وسلوك وأعمال تنسجم جميعها بالضرورة مع الوجدان الإنساني والقانون الدولي ".ومن الطبيعي تأسيسا على ذلك أن ترى السيدة شعبان في خطاب بوش "انفصاما خطيراً بين الشرق الأوسط الذي (يفكر) به،وبين الشرق الأوسط الذي ( تعرفه ) السيدة شعبان ،والذي نعمل معها " على استقراره وازدهاره وأمنه" ،إنما في مناخ الحرية والديمقراطية..
     الأفكار السابقة ذاتها تتكرر في أغلب كتابات المثقفين العرب والسوريين الذين اطلعنا على كتاباتهم،فهي حاضرة في مقالة "الاجتياح الديمقراطي" للسيد سميح صعب(النهار)، وفي مقالة أحمد نجيب الشيباني " أمريكا والديمقراطية في العالم العربي"( الحياة)، وفي مقالة السيد جوزيف سماحة " تبسيطي وساذج وخطير  "(السفير)،وفي مقالة السيد هشام ملحم "الثورة الديمقراطية بأساليب انقلابية" ( السفير)..الخ.بل لا يقتصر التوجس والشك في مصداقية خطاب الإدارة الأمريكية كما عبر عنه بوش في خطابه أمام الصندوق الوطني للديمقراطية ، أو كما عبر عنه عدد من المسؤولين الأمريكيين في مناسبات عدة بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لعام 2001 ،والتي تركز على ضرورة إجراء تغييرات عميقة في الشرق الأوسط ،على المثقفين والسياسيين العرب ، بل تعدى ذلك إلى العديد من المهتمين الأجانب بقضايا الشرق الأوسط ، والعالم العربي على وجه الخصوص، ومنهم أمريكيون.فهاهو السيد باتريك سيل الكاتب البريطاني المعروف والمختص بشؤون الشرق الأوسط يقول في مقالة له بعنوان "من الضحية التالية لإستراتيجية بوش الخاصة بالحرية" التي نشرتها (الحياة) في14/11/2003  " لقد أثار خطاب بوش في السادس من نوفمبر عن الديمقراطية من الحيرة والارتباك مقدار ما أثار من ردود الفعل السلبية ". ويتساءل السيد باتريك سيل عن المعنى المقصود بقول السيد بوش " أن الولايات المتحدة قد اعتمدت سياسة جديدة قائمة على استراتيجية نشر الحرية في الشرق الأوسط ؟"،ولا يخفى مدى الشك الذي يضمره السيد سيل في تساؤله. فكيف لأمريكا أن تعمل على " نشر " الديمقراطية في الشرق الأوسط،وهي التي   " قضت على الديمقراطية الوليدة " في سورية حين دفعت العقيد حسني الزعيم إلى القيام بانقلاب عسكري عام 1949. وهي أيضاً وبمساعدة بريطانيا "قامت بانقلاب على حكومة مصدق في إيران ". فحسب السيد باتريك سيل " التمسك بالروابط القومية والاعتزاز بالهوية الوطنية والإيمان بالدين والتقاليد والأعراف ، كل ذلك أهم بكثير في نظر العرب والمسلمين من ( الديمقراطية ) التي تجهد أمريكا لزرعها "!! في بلدانهم.
     من جانب آخر شكك غالبية المشاركين في المؤتمر السنوي لجمعية دراسات الشرق الأوسط الأمريكية MESA الذي انعقد مؤخراً في ولاية ألاسكا الأمريكية في صدق نيات الرئيس الأمريكي جورج بوش وتوجهاته لنشر " الديمقراطية " في الشرق الأوسط، وفي العالم العربي تحديداً. فالسيدة ليزا أندرسن أستاذة العلوم السياسية ورئيسة المؤتمر انتقدت علنا خطاب بوش قائلة إنه " يفتقر إلى الجدية والرغبة في إحداث تغيير حقيقي".من جهته السيد مارتن أندكس الدبلوماسي الأمريكي الذي عمل في الشرق الأوسط سنوات عديدة اعتبر خطاب بوش جزءا من حملته الانتخابية ، "موجه للداخل" الأمريكي، وهو لا يعني ما يقوله..الخ.
     إذن "الشك"،"عدم الجدية"، "النزعة الاستعمارية"،"الدفاع عن المصالح الأمريكية"،"خصوصية المنطقة"،"ممانعة" الشعوب العربية " للإملاءات الخارجية" ،" انحياز أمريكا الكامل لإسرائيل "،"تجاهل القضية الفلسطينية"، "نزعة الهيمنة"،ممارسات أمريكا "غير الديمقراطية" في العلاقات الدولية،وتاريخها الطويل في "دعم الأنظمة الدكتاتورية في العالم"..الخ،هذه هي أهم المحاور الفكرية الأساسية التي تدور حولها أغلب ردود الأفعال على خطاب بوش السابق الذكر.
     اللافت أن القارئين لخطاب بوش لم يلاحظوا فيه شيئا جديدا،ربما مع استثناءات قليلة.فالسيد محمد جمال باروت في قراءته الاستراتيجية للخطاب لاحظ أن الخطاب إياه يرتبط "بحلقات بلورت تلك الرؤية .."،التي تتخذ من " العراق الجديد" مرتكزاً "لإعادة تنظيم منطقة الشرق الأوسط جذرياً بما ينسجم مع مصالح الأمن القومي الأمريكي".إذن نحن أمام استراتيجية جديدة للولايات المتحدة الأمريكية،حسب السيد باروت،وليس مجرد موقف عابر دعائي "موجه للداخل".من جهته السيد سعد الدين إبراهيم الناشط في مجال حقوق الإنسان في مصر،اعتبر أن خطاب بوش في منتهى الجدية،وأن بوش يعني ما يقول،وطالب "بخريطة طريق" في شأن " تطبيق الديمقراطية في العالم العربي ".
     بداية لا بد من الاعتراف بأن النهج السياسي الأمريكي عموما، تجاه القضايا العالمية ، وبالأخص تجاه القضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية،قد أفقد الولايات المتحدة مصداقيتها في الشارع العربي،بل وتسبب في تنامي العداء لها في أوساط شعوب العالم،وحتى في تلك البلدان التي تميزت تاريخيا بالتحالف معها خصوصا بعد أحداث أيلول في عام 2001.الشعوب تريد فعلا أن تصدق أمريكا وهي تتحدث عن "حقوق الإنسان" وعن "العدالة" وعن "محاربة الفقر" وعن "الديمقراطية" . الشعوب لا ترى فعلا في أمريكا سوى نزوع جامح نحو الهيمنة، وغطرسة وتكبر،وسياسات غير مسؤولة تفتقر إلى معايير موحدة،"تكيل بمكيالين"..الخ.الشعوب ترى في امريكا استهتارها بمصير العالم ،من خلال وقوفها ضد اتفاقية كيوتو بشأن الاحتباس الحراري،وشروعها في سباق تسلح جديد،وإعاقتها اتفاقية الحد من التجارة بالأسلحة الفردية ،ورفضها التوقيع على اتفاقية تحريم استخدام الألغام،وانسحابها من اتفاقية إنشاء محكمة الجنايات الدولية،وممارستها الضغوط لاستثناء مواطنيها من المثول أمام هذه المحكمة.وأكثر من ذلك فهي قد زكت العديد من الحروب الأهلية والإقليمية، وفي حالات عديدة قامت هي بها،أو وقفت لا مبالية منها ، أو أعاقت التوصل إلى حلول للعديد من المنازعات الدولية من قبل الأطراف المعنية بها..الخ.
     وفي منطقتنا العربية لا نذكر أمريكا،كما قالت السيدة بثينة شعبان، إلا من خلال دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني ودفاعها عنه في المحافل الدولية،وغضها النظر،بل دعمها لبرنامجه النووي وبرامجه المختلفة للتسلح بأسلحة الدمار الشامل ،في الوقت الذي تحرم ذلك على العرب وعلى غيرهم، وموقفها الظالم من الشعب الفلسطيني ومن قضيته العادلة، ودعمها المتواصل للأنظمة العربية في مواجهة شعوبها،ونهبها لنفط العرب...الخ ،والقائمة تطول كثيراً إذا استمرينا في تعداد محتوياتها .يقودنا ذلك إلى إستنتاج يفيد بأن امريكا قد فقدت مصداقيتها في منطقتنا العربية،وبالتالي فهي قد أكسبت قضايا نبيلة مثل قضية الحرية والعدالة والديمقراطية قيمة انفعالية سلبية لدى الشارع العربي من جراء ذلك.وهو استنتاج كنا قد توصلنا إليه حتى قبل أحداث أيلول في عام 2001 في أمريكا، وعرضناه في كتاب لنا سوف يصدر قريبا.لقد كتبنا تحت عنوان (الديمقراطية في ظروف العولمة وسيلة للتدخل ): "الديمقراطية بالنسبة للغرب عموما وسيلة للدفاع عن مصالحه الاقتصادية والسياسية تجاه الغير.فعندما تتهدد مصالح الدول الغربية من قبل نظام معين يتم العمل وبكثافة على إبراز طابعه الدكتاتوري حتى ولو كان يمارس نوعاً من الديمقراطية...ما يهم الغرب عموماً وأمريكا على وجه الخصوص هو دوام الاستقرار الذي يحقق لها مصالحها وليس الديمقراطية بحد ذاتها" .وكتبنا أيضاً " إن حضور الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخطاب الغربي عموماً وتحديداً في الخطاب السياسي الأمريكي، هو نوع من التوظيف لهاتين القضيتين النبيلتين كأدوات في السياسة الخارجية الأمريكية (والغربية عموماً) من أجل حماية المصالح الأمريكية في العالم "./أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة ،ص 70 / .
     عند هذا المستوى من التحليل لا يسعنا إلا أن نجد عزراً كبيراً لكل من كتب يناقش خطاب بوش الذي ألقاه أمام الصندوق الوطني للديمقراطية في السادس من تشرين الثاني/نوفمبر،من موقع الشك في المصداقية الأمريكية،أو من موقع المعاداة للسياسات الأمريكية في المنطقة ،التي تدافع عن مصالحها ومصالح إسرائيل بلا حدود أو قيود ،وتظلم الفلسطينيين والعرب بلا حدود أو قيود أيضاً.ونتفهم اشتراطات السيد احمد نجيب الشيباني على خطاب بوش لكي" تتوفر فيه المصداقية" :
-أن تعطي (أمريكا)  المثال في مجال احترام حقوق الإنسان.
- أن تكف عن التغاضي عن جرائم الحكومة الإسرائيلية.
- أن تنسحب من العراق.
- أن تقلع عن سياسة الكيل بمكيالين.
      ونتفهم قول السيد محمد جمال باروت " إن مقتل الاستراتيجية الديمقراطية(الأمريكية) برمتها يكمن على وجه التحديد في الموقف من القضية الفلسطينية".
     ومع كل ذلك ، بل ورغماً عنه، لا بد من( لكن ) كبيرة تستدرك،وتعيد السؤال إلى صيغته الصحيحة: هل المشكلة أساساً هي في أمريكا؟ وهل علينا أن نلوم أمريكا، أو غيرها من الدول ،عندما تدافع عن مصالحا بالطريقة التي تجدها مناسبة؟ أعتقد أن السؤال الصحيح يجب أن يتوجه إلينا نحن العرب،فالمشكلة من حيث الأساس هي فينا. نحن الذين لم ندافع عن مصالحنا بطريقة صحيحة وفعالة. نحن الذين رضينا بالاستبداد ولم نخض معارك حقيقية لهزيمته.نحن الذين لم نقاوم المخططات والمشاريع الأمريكية والصهيونية في وطننا،بل على العكس يتسابق حكامنا للاستجابة لها والتكيف معها.نحن الذين خنعنا للذل والهوان الذي فرض علينا..الخ .للحرية أيها السادة ثمن،وللكرامة ثمن ،وللديمقراطية ثمن، فهل نحن جاهزون للدفع؟.
     وبالعودة إلى خطاب بوش المشار إليه ،وبحدود كون "الخارج" في ظروف العولمة لم يعد خارجا بصورة مطلقة ،بل يقوم بأدوار داخلية ، أحيانا تكون على درجة عالية من الفعالية والتأثير،خصوصا عندما يكون هذا الخارج هو أمريكا،ومن موقع الوطنية التي نعتز بها والتي تفترض مزيدا من الموضوعية وقليلا قليلا من "التشنج" (وهل ثمة فرصة لذلك عندما تكون بيئتنا مليئة بالجمر الملتهب) ،يمكن أن نقرأ فيه أشياء جديدة وعلى درجة من الجدية.
-الخطاب يشير بوضوح إلى أن أمريكا بصدد تبني " استراتيجية مستقبلية للحرية في الشرق الأوسط "، وعلى حد علمنا الاستراتيجيات الأمريكية لا تخضع لمزاج هذه الحاكم أو هذا المسؤول،وهي نتاج العقل الأمريكي الجماعي المؤسساتي .
-الالتزام الأمريكي  بالديمقراطية " يتعرض لاختبار في الشرق الأوسط الذي هو موضوع تركيز اليوم، ويجب أن يكون موضوع تركيز السياسة الأمريكية خلال العقود المقبلة في دول كثيرة في الشرق الأوسط " كما جاء في الخطاب.
- يتساءل بوش "هل شعوب الشرق الأوسط غير قادرة بعض الشيء على الوصول إلى الحرية؟ هل قدر لملايين الرجال والنساء تاريخياً وثقافياً أن يعيشوا في ظل الاستبداد ؟ ويجيب أنه لا يعتقد ذلك.
- " هذا العجز في الحرية يقوض التنمية الإنسانية، وهو احد أكثر الظواهر إيلاماً لتباطؤ التنمية السياسية " حسب السيد بوش.
- " التحديث لا يعني التغريب، الحكومات التمثيلية في الشرق الأوسط ستعكس ثقافتها.إنها لن ويجب ألا تبدو مثلنا ...كما أن الديمقراطيات الناجحة تحتاج إلى وقت كي تنمو .."
- ويحمل السيد بوش بصورة غير مسبوقة الغرب بعض المسؤولية عن الأوضاع المتردية في الشرق الأوسط في قوله : " ستون عاماً من الأعذار التي كانت تقدمها الدول الغربية،والتكيف مع النقص في الحرية في الشرق الأوسط،لم تفعل شيئا لتجعلنا نشعر بالأمان،لأنه على المدى البعيد لا يمكن شراء الاستقرار على حساب الحرية".
- وحسب السيد بوش " ما دام الشرق الأوسط مكاناً لا تزدهر فيه الحرية،فسيبقى مكاناً للركود والأسى والعنف الجاهز للتصدير" وأن  تجاهل كل ذلك سوف يكون " بمثابة القبول الطائش بالأمر الواقع " .
     هذه بعض الأفكار التي تضمنها خطاب بوش في السادس من تشرين الثاني /نوفمبر أمام الصندوق الوطني للديمقراطية في أمريكا،عاد ليؤكد عليها في خطابه الذي ألقاه أمام بلدية لندن في التاسع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر خلال زيارة الدولة التي يقوم بها حاليا إلى بريطانيا، وعاد وشدد عليها مع صديقه طوني بلير في حديثهما أمام الصحفيين في20/11/2003.
     إن وضوح هذه الأفكار، والشحنة "الجدية" التي تحملها،كافية لتجعل الأوساط الرسمية العربية،تواجهها "بالاستنكار"، حسب السيد أحمد نجيب الشيباني،لقد "حملها المسؤولية الأولى والأخيرة عن تأخر مجتمعاتها في عالم يتحرك إلى الأمام".لكن من غير المفهوم أن تشعر المعارضة العربية " بالحرج" إزاء هذا الخطاب ،لأنه "يؤكد مبادئ تؤمن بها"، خوفا من أن توصم "بالعمالة للأمريكي" حسب السيد الشيباني.
     ثمة همس في كتابات المثقفين العرب "المعارضين" يدعو الله أن يكون بوش صادقاً هذه المرة،نتمتم به بصوت مسموع وواضح ،وعيننا تلاحق " الكذاب إلى باب الدار"،وعقلنا وإرادتنا تحاول التمسك بالقضية، فهي قضيتنا قبلا وبعدا ودائما..



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية وحقوق الإنسان
- الديمقراطية والحرية
- الديمقراطية الحديثة بين نخبوية لوك ومساواتية روسو
- الديمقراطية: ولادة المصطلح وحدوده الواقع
- هموم التنمية العربية ومشكلاتها
- العولمة وطبيعة العصر
- الديمقراطية الممكنة والمحتملة في سورية
- الديمقراطية في الفكر العربي المعاصر
- وعي الديمقراطية لدى الحركات القومية والليبرالية
- الديمقراطية وطبيعة المرحلة في سورية
- الديمقراطية والأسئلة الصعبة
- الديمقراطية والحركة الشيوعية والماركسية العربية -1
- الديمقراطية في فكر الإسلام السياسي المعاصر
- الديمقراطية وإمكانية تأويل النص القرآني
- الديمقراطية والشورى
- الديمقراطية في الفكر الإسلامي النهضوي
- المجتمع يشارك بفاعلية إذا كان حراً


المزيد.....




- صراخ ومحاولات هرب.. شاهد لحظة اندلاع معركة بأسلحة نارية وسط ...
- -رؤية السعودية 2030 ليست وجهة نهائية-.. أبرز ما قاله محمد بن ...
- ساويرس يُعلق على وصف رئيس مصري راحل بـ-الساذج-: حسن النية أل ...
- هل ينجح العراق في إنجاز طريق التنمية بعد سنوات من التعثر؟
- الحرب على غزة| وفد حماس يعود من القاهرة إلى الدوحة للتباحث ب ...
- نور وماء.. مهرجان بريكسن في منطقة جبال الألب يسلط الضوء على ...
- الحوثي يعلن استهداف سفينتين ومدمرتين أميركيتين في البحر الأح ...
- السودان: واشنطن تدعو الإمارات ودولا أخرى لوقف الدعم عن طرفي ...
- Lenovo تطلق حاسبا متطورا يعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي
- رؤية للمستقبل البعيد للأرض


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - عندما -تحاول- أمريكا التفكير بعقل -غير- إسرائيلي يظل مثقفونا يفكرون بعقل السلطة