أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - التغيرات العالمية والديمقراطية















المزيد.....

التغيرات العالمية والديمقراطية


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 791 - 2004 / 4 / 1 - 09:31
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أبو نظمي*
أ-بالرغم من أن الضرورات الداخلية هي التي دفعت وتدفع القوى الحية للمطالبة بالديمقراطية كشكل من أشكال إدارة التناقضات والصراعات بطريقة مرنة وقانونية ودستورية وكشكل أفضل لتعبئة كافة الطاقات في المجتمع لخدمة أغراض التنمية، إلا أن هذه الضرورة ما كان لها أن تبرز بهذه الحدة لولا التغيرات العالمية الجديدة بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.بل وإن النظام العالمي الجديد الذي بدأت ترتسم ملامحه هو القوة الحاسمة التي دفعت كافة الشعوب والقوى والأحزاب كي ترفع شعار الديمقراطية كضرورة لا بد منها، كي تدخل هذه الشعوب عتبة العصر الجديد. باختصار إن تبني الديمقراطية جاء كاستجابة حقيقية للتغيرات العالمية. لذلك فإن أي تقدم باتجاه الديمقراطية يتطلب استحقاقات كبرى في المستويات التالية:
1-الانفتاح الاقتصادي على الاقتصاد العالمي ( اقتصاد السوق).
2-سياسي اجتماعي ( خارجي داخلي ).
3-الحفاظ قدر الإمكان على أهمية الدولة باعتبارها عامل حاسم لا يمكن الاستغناء عنه لتأمين الاستقرار ( أهمية الدولة بعلاقة متوازنة مع المجتمع).
هذه الاستحقاقات الضرورية تحمل في طياتها بذور تعميق حدة الفرز والاستغلال الطبقي في كافة المجتمعات على قاعدة الرأسمالية. أمام هذه الوضعية ألا يدفعنا ذلك كي نفكر مليا بأفضل الشروط والعوامل التي تحقق لنا أفضل تقدم للديمقراطية باعتبارها ضرورة لا بد منها، والبحث عن الآليات الأفضل لتأمين شروط الاندماج بأقل ما يمكن من آلام...فهل هذا ممكن؟ ألا يقودنا ذلك إلى مناقشة الأمور التالية:
- تحديد مضمون السلطة السياسية ودورها في هذه الآليات والعوامل، ومن خلال ذلك التساؤل: هل باستطاعة السلطات السياسية في البلدان المتخلفة أن تحقق هامشا للمناورة في ظل النظام العالمي الجديد الذي يحاول دمج العالم على قاعدة علاقات الإنتاج الرأسمالية، وأن تتحكم بقانون نموها وتطورها الداخلي بما يخدم مصلحة المراكز الإمبريالية الكبرى؟.أي هل باستطاعة السلطات السياسية مهما كان مضمونها شعبيا أم برجوازيا أن تلعب دوراً هاما في تخفيف حدة شروط الاندماج العالمي الذي لا يرحم، أم أن أية محاولة من هذا النوع سوف تكون على حساب الديمقراطية؟.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
• طريف عبد الرزاق ( أبو نظمي ) ، مهندس، من حماه، (15) سنة سجن ، بتهمة الانتماء إلى حزب العمل الشيوعي.

- تحديد أشكال التعاون الإقليمي المناسب لتحسين شروط هذا الاندماج وإعطاء أهمية للتكتلات الإقليمية وتحقيقها على أرض الواقع كشكل من أشكال الرد على تحديات و استحقاقات العصر، وباعتبارها وسيلة ناجحة في تحقيق سوق داخلي واسعة نسبيا تؤمن أفضل الشروط الممكنة للاندماج وأفضل شرط للاستفادة من هامش المناورة الناجم عن تناقضات الاستقطاب العالمي.
ب- علاقة الديمقراطية بالحركة الدينية. إن التصور الذي قدمه السيد المتدخل كان تصوراً متسرعا، فهو ناقش إشكالية الحركة الدينية وعلاقتها بالديمقراطية من موقع الوصاية على الحقيقة والوطن والتاريخ. اعتقد أن مناقشة هذه الإشكالية يجب أن تتم من المواقع الداخلية للمعادلة باعتبارنا طرفا فيها وليس باعتبارنا المعادلة كلها. وعليه فإن أي تخطيط أو تنظير بروحية: علينا أن نقصي أو لا نسمح أو ..هو معالجة خاطئة لطبيعة القوى الحية الفاعلة في المجتمع في ظل انغلاق أبواب الحراك السياسي. علينا في الواقع أن ندافع من حيث المبدأ عن دور القوى والفئات جميعا كي تأخذ دورها في معركة التنمية والديمقراطية ضمن أسس محددة متفق عليها. وبناء على ما تقدم علينا أن ندقق مصطلحاتنا أكثر عندما نعالج الاتجاه الديني نظرا لتنوعه وتشعبه وأن نحدد بدقة من هي القوى التي لديها المقدرة على المساهمة في العملية الديمقراطية وأن ندافع عن حقها المبدئي في ذلك، ومن هي القوى التي ليس لها مصلحة في الديمقراطية وغير مؤهلة للمساهمة في التنمية. أعتقد إن أفضل طريق يمكن انتهاجه كحل تاريخي هو دفع كافة القوى الدينية كي تتحول إلى أحزاب رأي، وإن تجاهل هذه القوى أو قمعها سوف يبقيها أحزابا عقائدية تملك مقدرة حقيقية على تجييش الشعب وهذا بحد ذاته يؤذن بانفجار يهدد وحدة المجتمع.(انظر الجزائر).
ت- ذكر المتدخل في سياق مداخلته، إن الديمقراطية يجب أن تشمل كافة البنى السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا برأي هدف بعيد المنال لا يمكن تحقيقه في الفترة المنظورة، إذ أن إعطاء عمق اقتصادي واجتماعي للديمقراطية السياسية المنشودة يتطلب درجة عالية من تطور قوى الإنتاج والوفرة ومستوى من التطور الحضاري الشامل كي تأخذ الديمقراطية السياسية العمق المطلوب. لذلك فإن المطلب الواقعي للقوى الحية في المجتمع يجب أن يقتصر على للديمقراطية السياسية كمدخل لا بد منه لفتح صيرورة جديدة أمام القوى الحية كي تأخذ دورها التاريخي.
ث- علاقة الديمقراطية بالسلطات القائمة. لم تتطرق المداخلة إلى هذه النقطة مع أنها تكتسي أهمية كبيرة بالنسبة لتحديد مضمون البرامج والممارسات السياسية في المستقبل. إن الاعتقاد الذي يقول بأن الديمقراطية لن تتقدم إلا على جثة الأنظمة الحاكمة، يتطلب رؤية سياسية لطبيعة المهام والممارسات السياسية للقوى الديمقراطية من أجل تحقيق هذا الهدف. أما إذا كان لدينا تصور مختلف، يرى أن الديمقراطية سوف تتقدم ببطء مع تراجع السلطات السياسية الحاكمة عن بعض مواقعها في علاقاتها بالمجتمع، فإن ذلك يتطلب رؤية سياسية مغايرة، وتكتيكا سياسيا مختلفا، يمكن تسميته بسياسة ملء الفراغ والتشبث بكل موقع تغادره السلطات والمطالبة بالمزيد حتى يتم انتصار الديمقراطية انتصارا حاسما.
ج- الديمقراطية في المرحلة الحالية والضمانات المطلوبة. غابت عن المداخلة التي استمعنا إليها مسألة هامة وهي: ما علاقة الديمقراطية بمضمون الملكية؟ أعتقد أن مناقشة هذه النقطة سوف تزعزع قناعتنا السابقة، كماركسيين، في مفهوم الديمقراطية التي كنا ننادي بها. وسوف يقودنا البحث والتمحيص إلى الاستنتاج بان الديمقراطية التي أنشأتها البرجوازية على أساس الملكية الخاصة، هي الديمقراطية الوحيدة التي يقدمها لنا التاريخ، وليس هناك من ديمقراطية تقوم على أساس الملكية الجماعية أو ملكية الدولة.
الشق الثاني من الملاحظة هو: في السابق كنا نقول إن الديمقراطية في البلدان المتخلفة ليس لها من أساس متين ولا تستطيع التطور، وإنها معرضة باستمرار إلى الانكسار والنكوص. والسبب في ذلك، كما كنا نقول، يعود إلى أن مستوى تطور القوى المنتجة، ومستوى التطور العام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لا يقدمان أساسا متينا لنجاح المحاولات الديمقراطية. أما الآن وبعد التحولات العالمية الجديدة والمناخ الدولي الجديد.. هل علينا أن نأخذ بعين الاعتبار العامل الخارجي كقوة فاعلة ومؤثرة وضامنة لاستقرار واستمرار الديمقراطية، حتى في البلدان ضعيفة التطور؟ ليس لدي من جواب ناضج وكامل على هذا السؤال، مع ذلك أعتقد أن الاتجاه العالمي الجديد يلعب دورا مساعدا في تامين انتصار الديمقراطية في البلدان المتخلفة، لأنه يستجيب للمصالح العليا للدول الكبرى.
تعقيب
د.منذر خدام

إن ما يطالب بمناقشته الأخ أبو نظمي، يستحق النقاش فعلا، وهذا ما كرسنا مداخلتنا بالكامل له، بهدف بلورة مشروع ديمقراطي للممارسة السياسية (بل وغير السياسية)، يتيح أفضل الفرص أمام الكتلة الاجتماعية التاريخية لتحقيق ما يطرحه منطق التاريخ في هذه المرحلة من مهام. وبالفعل ثمة مجال كبير وواسع للمناورة والبحث عن "أفضل الشروط للاندماج بأقل الآلام الممكنة"، في العلاقات الرأسمالية العالمية انطلاقا من المصلحة الوطنية. وفي هذا المجال لا تخيفنا الفوارق التاريخية في مستويات إنتاجية العمل، التي تجعل التبادل اللامتكافئ واقعا لا مناص منه. وإن الرد على ذلك، وتحسين شروط التبادل مع العالم يكون بالتنمية الشاملة، التي تأخذ بعين الاعتبار إمكانية الانخراط في تقسيم العمل العربي والعالمي. وفي ذلك ليس من خطر على الديمقراطية، بل على العكس تماما لا يمكن تنفيذ هكذا مشروع تنموي إلا في مناخ الديمقراطية الحقيقية. ولا شك بأنه كلما تسارع التكامل والاندماج بين الدول العربية، سهل عليها الانخراط في العمليات الاندماجية العالمية. لذلك فإن قضية الوحدة العربية لا بد أن تكتسب زخما جديدا في الحقل السياسي، وأن تتقدم مهام العمل السياسي العربي، كوسيلة للرد على تحديات العصر.
في الموقف من الحركات الدينية نختلف جديا مع رؤية السيد أبي نظمي. لقد أعتبر التصور الذي عرضناه في المداخلة تصورا "متسرعا " وهو ينطلق من موقع "الوصاية على الحقيقة والوطن والتاريخ ". واعتبر أبو نظمي أن"أي تخطيط أو تنظير يتضمن كلمات من مثل :علينا أن نقصي، أو أن لا نسمح أو.. هي معالجة خاطئة " لوضعية الحركات الدينية في ظل الديمقراطية. كلمات كبيرة كنت أتمنى على الرفيق أبي نظمي أن يدقق أكثر قبل استخدامها. لقد تعمدت أن لا أفصل القول في موقفي من الحركات الدينية، واكتفيت بإشارة عابرة إليها قدرت أنها تكفي لتحديد طبيعة الخلاف معها فيما يتعلق بقضية الديمقراطية. في الواقع الحركات الدينية، بصورة عامة، هي حركات استبدالية للدكتاتورية، لا يجوز الاستهانة بها. وعندما تطالب بالاحتكام للشعب عبر الانتخابات، همها الوحيد هو الوصول للسلطة والانقضاض على الديمقراطية وإقامة نظامها الإسلامي الذي هو بالجوهر نظام دكتاتوري بامتياز.
لكن هل جميع حركات الإسلام السياسي من النوع نفسه؟ بالطبع لا، ولا يجوز وضعها في سلة واحدة سواء من ناحية موقفها من القضية الديمقراطية أو من القضايا الوطنية والقومية. ومهما بلغ خلافنا معها من الحدة، فقد أكدنا على أن الخيار الوحيد للصراع معها هو الخيار الديمقراطي.
في ظروف بعض البلدان العربية، حيث تأخذ الحركات الدينية السياسية شكلا طائفيا بالضرورة، تنفتح على طائفة أو مذهب لتنغلق أمام غيرها، وجدنا أنه لا بد من تحديد المستوى الذي يمكنها أن تمارس السياسة فيه، بحيث لا تؤثر على وحدة المجتمع والدولة والوطن. وإن تحديد المستوى الذي يمكنها أن تمارس السياسة فيه لا ينطلق من رؤيتها السياسية، بل من الأثر الذي يمكن أن تتركه الممارسات الطائفية على وحدة الوطن والشعب. أما في البلدان العربية التي لا تعاني من تقسيم طائفي حاد، فإن الأحزاب الدينية هي أحزاب وطنية، بمعنى أنها منفتحة على جميع أفراد الشعب أو على أغلبيتهم الساحقة على أساس مشروعها السياسي ورؤيتها الأيديولوجية. ومن هذا المنطلق أدنت انقلاب الجزائر الذي جاء ليقطع الطريق على خيار الشعب الديمقراطي، فخيار الشعب يجب أن يحترم مهما كانت درجة الخلاف معه كبيرة.
في ظروف البلدان العربية التي تتعدد فيها التكوينات الطائفية و الإثنية وجدنا انه من الأفضل أن تمارس هذه التكوينات حقها الديمقراطي في التعبير عن نفسها على مستوى الإدارات المحلية والبلدية.
ثم كيف يمكن تحويل هذه الحركات الدينية من "أحزاب عقائدية إلى أحزاب رأي"؟ ومن سوف يحولها؟. المسألة ليست بهذه البساطة التي تراها أيها الأخ أبو نظمي. وإن تخوفك من أن يؤدي وصولها إلى السلطة ،إلى "انفجار يهدد وحدة المجتمع " هو تخوف في محله، مع ذلك نحن نفضل مواجهته بمزيد من التمسك بالديمقراطية وبما تتيحه من وسائل قانونية. وإن حل هذه الإشكالية على المدى البعيد يتطلب أولا الخروج من مأزق الدكتاتورية إلى رحاب الديمقراطية، ومن ثم الشروع بنهج تنموي وطني يتجاوز الاختناقات القائمة، و إتباع سياسة وطنية وقومية تدافع عن مصالح الأمة العربية وعن كرامتها وثقافتها في مواجهة القهر والظلم الإمبريالي والصهيوني..الخ.
لا شك بأن تحول الديمقراطية إلى نمط حياة في المجال الاجتماعي والاقتصادي والثقافي كما في المجال السياسي سوف يستغرق زمنا طويلا، لكن ليس مستحيلا. النضال الديمقراطي هو نضال مستمر، لا يتعلق بظرف معين. ففي كل مرحلة من مراحل التطور ثمة تناقضات ضرورية عليها أن تعبر عن نفسها في مختلف مستويات السلطة، وبشكل خاص في الهيئة التشريعية الوطنية. قد تختلف مهام النضال الديمقراطي المباشرة من مرحلة إلى أخرى ومن مجال إلى آخر، باختلاف منطق التاريخ، ووضعية البنى الاجتماعية المختلفة فيه. ففي المجال السياسي الذي كرسنا مداخلتنا لمعالجة الديمقراطية فيه، وجدنا أن مهام النضال الديمقراطي تتقدم ما عداها من مهام، فهي يومية ومستمرة، وتتوجه مباشرة إلى السلطة العامة.
أما في المجال الاجتماعي، مجال الأسرة والمدرسة ومكان العمل والعلاقات العامة..الخ، فإن التنمية الديمقراطية هنا أيضا مباشرة و يومية ومستمرة، وهي تتوجه نحو بناء الإنسان وتربيته بروح الديمقراطية، لذلك فهي من مهام كل فرد في المجتمع، لكنها تحتاج إلى زمن طويل لكي تترسخ. قد يكون من السهل بناء شكل من أشكال النظام سياسي الديمقراطي، لكن ليس سهلا أبدا بناء الإنسان الديمقراطي، خصوصا في مجال العلاقات الاجتماعية .
إن دراسة طبيعة الأنظمة السياسية في الوطن العربي، يشكل محورا كاملا ومستقلا لبلورة الخيار الديمقراطي، وخصوصا من ناحية بلورة المسارات الواقعية للنضال الديمقراطي، وعملية التحول من واقع الدكتاتورية إلى الحياة الديمقراطية. وإذا كانت مداخلتي لم تعالج هذا الجانب بصورة مباشرة على أمل أن تغطيه مداخلات أخرى، إلا أنها توقفت عنده بصورة غير مباشرة، عندما عالجت الأثر الذي تركته قرون من الدكتاتورية في مختلف البنى الاجتماعية وفي تكوين الإنسان. لقد اهتدت مداخلتي بمهمة رئيسة يمكن التعبير عنها على الشكل التالي: في ضوء الواقع الفعلي للبناء الاجتماعي ومكوناته المختلفة، ما هو الخيار الديمقراطي الممكن والمحتمل، الذي يستجيب لمصالحنا الوطنية كما تتحدد في منطق التاريخ في المرحلة الراهنة؟.بكلام آخر حاولنا في مداخلتنا نقض ما هو قائم نظريا، إن على صعيد البناء السياسي أو على صعيد الآثار التي تركها في البنية الاجتماعية، وبلورة مشروع نظري متكامل للخيار الديمقراطي الممكن والمحتمل. لذلك لم نحاول النزول إلى حقل الممارسة السياسية للنظر منه إلى الطرق والأساليب والأشكال المناسبة، كي يحقق هذا المشروع مساره الخاص، ويكتسب الشرعية السياسية ،ويتحول، من ثم، إلى مشروع أيديولوجي للتطبيق. إن مشروعنا النظري للديمقراطية الممكنة والمحتملة في وطننا العربي لا يزال يتحرك في الحقل النظري ، للفوز بالمصداقية العلمية، وبعد ذلك يمكنه أن يبحث عن حامل سياسي واجتماعي. ومما لا شك فيه أن هناك خيارات ديمقراطية أخرى يمكن أن تطرح نفسها سواء في الحقل النظري أو السياسي ،وسوف يتنافس مشروعنا معها لتحقيق ذاته كخيار ديمقراطي للجماهير ونخبها الثقافية والسياسية. ثم ألم يحن الوقت بعد للاعتراف بحقيقة أن العديد من الأنظمة الدكتاتورية العربية تحاول إخفاء حقيقتها بديكورات ديمقراطية، من قبيل السماح بتعددية حزبية مضبوطة وإجراء انتخابات دورية ..الخ. وإن هذه الديكورات الديمقراطية حقيقية وتعبر عن مصالح فئات اجتماعية وسياسية معينة، وقد حققت نجاحات لا يمكن تجاهلها في ضبط إدارة المجتمع خدمة لمصالح هذه الفئات. وما دامت هذه الأنظمة في السلطة سوف تحافظ على هذه الديكورات، فهي نموذجها "الديمقراطي" الذي اختارته بصورة واعية لممارسة السلطة والحفاظ عليها. وإن الرهان على أن تكنسها المتغيرات الدولية من طريقها، وبالتالي تقديم الديمقراطية لنا ربما بمرسوم، فهو رهان في غير محلة ولا نوافق عليه. القضية برمتها هي قضية نضالية، قضية الجماهير وقواها الاجتماعية والسياسية الديمقراطية. وفي هذا المجال من المهم مراقبة نمو اهتمام البرجوازية التقليدية بالديمقراطية ونمو مصالحها، بما يغير موازين القوى في إطار الحلف الطبقي البرجوازي المسيطر ويعزز من فرص الخيار الديمقراطي. لقد بدأنا، في العقد الأخير، نلمس بعض التغيرات في الخطاب السلطوي، بل وتقديم بعض التنازلات الفعلية على الصعيد السياسي وفي مجال حقوق الإنسان..الخ. وفي بعض البلدان العربية أعلنت السلطات الحاكمة عن تبنيها للخيار الديمقراطي وفق مقاساتها.
أما بشأن استنتاج الأخ أبي نظمي من أن "الديمقراطية ..هي الديمقراطية التي أنشأتها البرجوازية على قاعدة الملكية الخاصة "، وأن التاريخ المعاصر لم يقدم لنا "أي ديمقراطية على قاعدة الملكية الجماعية أو ملكية الدولة"، فهو قول فيه نظر. فإذا كانت الديمقراطية المعروفة هي الديمقراطية البرجوازية،فهذا لا يعني أنها واحدة، وان التاريخ ليس في جعبته أي نموذج ديمقراطي آخر. ربما تشترط الديمقراطية تعدد أشكال الملكية، لكنها لا تشترط أبدا وحدانية شكل الملكية سواء في صورتها الخاصة أو الجماعية أو الحكومية. ففي ظروف التخلف لا يمكن الاستغناء عن دور الدولة الاقتصادي سواء في رسم السياسات، أو المشاركة في بناء قطاع اقتصادي حكومي فعال، يعمل في ظل القوانين الاقتصادية الموضوعية، وفق آليات السوق.
إن الديمقراطية الغربية، والوصفات الليبرالية المصاحبة لها، بالشكل الذي يجري تصديرها إلى العديد من البلدان، قد تؤدي إلى كارثة حقيقية على المستوى الوطني، إذا لم يتم التبصر بها. في هذا المجال لا أجد أبلغ تعبير من كلمات الكاتب الروسي المهاجر الكسندر زينوفيف التي يقول فيها [ لقد أعدت (خلال الحرب الباردة) استراتيجية إقامة النظام العالمي الجديد-وأنا أسمي هذا النظام ب (تعميم النظام الغربي)…((نحن أحرار وأغنياء وسعداء))، بهذه الكلمات يحاول الغرب إقناع الشعوب المستهدفة لحملها على القبول بالنموذج الغربي.. نحن أحرار وأغنياء وسعداء ونريد مساعدتكم لكي تصبحوا مثلنا أحرارا وسعداء وأغنياء…ولكن الجوهر الحقيقي لمحاولة تعميم النموذج الغربي لا علاقة له بهذه المقولات .. فالهدف الحقيقي لكل ذلك هو إيصال الضحايا إلى ذلك الوضع الذي تفقد فيه القدرة على التطور الذاتي ووضعها في مجال التأثير لا كزبائن متساوين في الحقوق والإمكانيات وإنما بمثابة مستعمرات من نمط حديث].وهكذا فإذا كان العامل الدولي الجديد يحرض على الديمقراطية، فإنه يحرض على نموذج محدد، هو الديمقراطية الغربية، وهذا ما يجب مقاومته عن طريق تقديم مشروعنا الديمقراطي الخاص.



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية الديمقراطية في سورية
- دكتاتورية البروليتاريا أم الديمقراطية الشاملة
- هل تعود سورية إلى النظام الديمقراطي
- سيادة الرئيس....
- الحزب السياسي ودوره في الصراع الاجتماعي
- الإسلام والديمقراطية
- الصراع الطبقي في الظروف الراهنة
- الديمقراطية بالمعنى الإسلامي
- قراءة في الحدث- الزلزال العراقي
- الديمقراطية التي نريد
- الصراع الطبقي وأشكاله
- أزمة الديمقراطية في الوطن العربي
- البناء الاجتماعي ومفاهيمه الأساسية
- المادية التاريخية وسؤالها الأول
- الديمقراطية: معوقات كثيرة …وخيار لا بد منه
- المادية الجدلية وسؤالها الأول
- الديمقراطية بين الصيغة والتجسيد
- المنهج الماركسي واشتراطاته
- شي بحط العقل بالكف....
- منطق الفكر


المزيد.....




- اكتشاف ثعبان ضخم من عصور ما قبل التاريخ في الهند
- رجل يواجه بجسده سرب نحل شرس في الشارع لحماية طفلته.. شاهد ما ...
- بلينكن يصل إلى السعودية في سابع جولة شرق أوسطية منذ بدء الحر ...
- تحذير عاجل من الأرصاد السعودية بخصوص طقس اليوم
- ساويرس يتبع ماسك في التعليق على فيديو وزير خارجية الإمارات ح ...
- القوات الروسية تجلي أول دبابة -أبرامز- اغتنمتها في دونيتسك ( ...
- ترامب وديسانتيس يعقدان لقاء وديا في فلوريدا
- زفاف أسطوري.. ملياردير هندي يتزوج عارضة أزياء شهيرة في أحضا ...
- سيجورنيه: تقدم في المحادثات لتخفيف التوتر بين -حزب الله- وإس ...
- تواصل الحركة الاحتجاجية بالجامعات الأمريكية للمطالبة بوقف ال ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - التغيرات العالمية والديمقراطية