أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عباس عبود سالم - المواطنة والسلطة في العراق من مكونات غيبتها السلطة الى سلطة غيبتها المكونات















المزيد.....



المواطنة والسلطة في العراق من مكونات غيبتها السلطة الى سلطة غيبتها المكونات


عباس عبود سالم
كاتب وإعلامي


الحوار المتمدن-العدد: 2578 - 2009 / 3 / 7 - 09:54
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الجزء الثالث
العراق الديموقراطي والبحث عن المواطنة

استراتيجيتنا هي أن تكون الدولة صاحبة هيمنة وقوة وقدرة على حماية المواطن وهذا حق من حقوقه
نوري المالكي
اذار 2006
الحقيقة المُـرّة تكمن في أنه من الصعوبة بمكان العثور على بريق من التفاؤل إزاء ما يشهده العراق
نـانسي بـيلوسي
النائبة الديمقراطية الأمريكية
أننا لا نمتلك معلومات أستخبارية كافية عن ألتمرد
بول بريمر
2004


اراء كثيرة تعتقد بوجود وحدة وطنية وتماسك مجتمعي عراقي في مرحلة ماقبل 9 نيسان 2003، والحقيقة ان هذه التصورات مبنية على اوهام عززتها مؤسسة الدعاية الصدامية، داخل وخارج العراق، والدليل ان العالم اجمع صدم بما شاهده يوم زوال صدام من الحكم. فلايمكن لسائر شعوب الارض ان تنسى مانقلته الشاشات من مشاهد لابناء العراق وهم يهرعون للاحتفال بسقوط نظام الحكم الذي استخدم القسوة المفرطة لاكثر من ثلاثة عقود ، في ذلك اليوم الذي اعتبر في حينه من اعظم الايام العراقية على الاطلاق، وسيكون حتما هو يوم ولادة العراق الجديد فكل الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق تجعل من يوم استيلائها على السلطة عيدا وطنيا ومن حق الشعب الذي استولى على السلطة ان يكون له يومه الوطني الذي طال انتظاره.
حين يتم احتلال الوطن في يوم ولادته
تنوعت طرق الاحتفال بهذه المناسبة الاستثنائية التي لاتعود الى العراق مجددا، وظهرت صورة جديدة لابناء العراق بمكوناتهم وطقوسهم المختلفة التي جعلت العالم يعرفهم اكثر، فقد كان ذلك اليوم مثار سعادة لكل الذين تظرروا من صدام وهم الغالبية العظمى من الشعب العراقي بمختلف مكوناته ومستوياته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.
لم يكن الاحتفال اعتياديا فكان القتل، والسلب والنهب، وحرق النصب والصور والمباني التي ترمز للسلطة المنهارة والتخريب العشوائي، والرقص الجنوني، واقامة الولائم، واطلاق العيارات النارية، والبكاء، هي بعض من اشكال مشاعر الاحتفال الجنوني التي مارسه العراقيون في يوم لايمكن ان يجلب التأريخ يوما مثله ابدا، ولانهم لم يعرفوا اسلوبا آخر للتعبير عن المشاعر والاستفادة من اللحظات التأريخية التي يجود بها الزمن احيانا كاعداد الخطط السياسية واضمار الاحقاد او صنع الدسائس.
وبالمقابل فقد عمت مشاعر الحزن كل المتضررين من سقوط صدام، وكانوا اقل بكثير جدا من المحتفلين، لكنهم اكثر تمرسا بامور السياسة ومؤامراتها، ويبدو انهم اقسموا على تحويل مسار هذا اليوم الكبير من يوم (ولادة الوطن) الى يوم (احتلال الوطن)، والامر لايحتاج الا لعب بالالفاظ وتحريك الدوافع الظاهرة والخفية لدول وجماعات ومواطنين تساعدهم في ذلك اخطاء السياسة الامريكية وقواتها التي تحولت من محررة الى محتلة استنادا الى حسابات غير دقيقة للبنتاغون(1).
ولكن مظاهر الفرح العراقي طغت على كل شيء وحسابات التفاؤل كانت اكبر بكثير من حسابات التشاؤم، فالمواطن البسيط الذي يهرع الى تمزيق صورة لصدام او يسعى الى حمل الفرشاة لتحويل اسم شارع من شوارع بغداد من اسمه الذي يرمز للعهد المنتهي، الى اسم رمز يقدسه يعتقد انه استطاع ان يغير مجرى التاريخ وتحقيق هويته الوطنية المفقودة.

انهم يسرقون الفرحة
لم يمر وقت الا وازدحم الاثير باصوات الاذاعات الجديدة التي تنطق باسم العراق دون صدام لتعلن عن مواطنة جديدة، متحررة من اي حسابات او مزايدات، انطلقت الاذاعات وصدرت عشرات الصحف، وصفحاتها الرئيسة مزينة بصور رموز وطنية عراقية غيبتها آلة الدعاية الصدامية، وحاولت حجبها عن الذاكرة ولكنها خرجت من سجنها وتحولت الى مادة مرغوبة تتصدر عناوين الصحف الجديدة.
ورغم ان المتربصون كانوا يراهنون في البداية على انفلات امني، وحرب طائفية، لكن لم يحصل ذلك، فقد برزت ظواهر تحسب لصالح الشعب رغم غياب السلطة، وابتعاد القوات الامريكية عن مليء الفراغ الامني، وحصول عمليات تدمير وسرقات منظمة لمؤسسات الدولة، الا ان الرهنات على حرب تصفية حسابات شيعية سنية بائت بالفشل، ونجح ابناء الطائفتين في تجاوز هذه المرحلة، واظهار اخوتهم قبل كل شيء، فسعادة الشيعة بما تحقق منحتهم القدرة على طي صفحات الماضي.
ورغم انتشار اللصوص المحترفين وتجار الخردة للبحث عن كل شيء يمكن حمله ونقله من بغداد الى مناطق اخرى عبر الحدود لجني ثروات خيالية، كان التفاؤل الشعبي العراقي مازال ينتظر المفاجئات السارة، بتحقيق رخاء اقتصادي سريع ودعم دولي يزيح من المواطن اعباء سنوات صدام وحملها الثقيل.
لكن الواقع خلاف ذلك فالوقت يمر ولاتوجد لدى المشتغلين بالسياسة ملامح رؤية واضحة للمستقبل، ولاجديد سوى الوعود بمزيد من الحرية، ومزيد من الديموقراطية مع مزيد من اللعن للطاغية وتذكير بجرائمه ووحشيته.
الوقت يمر ومؤسسات و(رجال صدام) يخططون للعودة باساليب جديدة، فهم من بنى اقوى الاحزاب سرية وفتكا في المنطقة، فما عليهم الا دراسة الامر و(تحديد نقاط الضعف في النظام الجديد، ومن ثم اعلان مرحلة الهجوم).
بالاضافة الى ذلك سارعت الكثير من دول الجوار الى فتح محطات لمخابراتها وجذب المزيد من العناصر المتعاونة معها واخذت تسابق الزمن الى اختراق المواطنين العراقيين وجمع المزيد من المعلومات التي ترفع يوميا الى غرف عمليات اعدت في الرياض وعمان وطهران ودمشق بل وحتى في الكويت وابو ظبي والدوحة، وعواصم اخرى عبر واجهات متنوعة فالجميع يخطط ويراقب ويحاول استيعاب ماحصل والخروج بنتائج تجلب له المكاسب وتحقق نظاما اقليميا لايسمح للعراق في اخذ دور القائد والمبشر بنظام سياسي جديد يسحب البساط من تحت اقدام الانظمة الشمولية في المنطقة.
فحصل شبه الاجماع الاقليمي على اجهاض التجربة في المهد، ومحاربة القوات الامريكية (بآخر مواطن عراقي)، والحيلولة دون بروز جيش او قوات امنية وطنية عراقية تمتلك ناصية القوة والقدرة في العراق، ولكن الاخطر في الامر قيام بعض القوى الاقليمية باظهار خوفها من بروز (الشيعة) مما ينذر بخطر (الهلال الشيعي) الممتد من لبنان الى العراق فالمنطقة الشرقية للسعودية فالبحرين، الامر الذي جعل بلدانا كثيرة تصنف العراقيين وفق حسابات مذهبية وطائفية وتعاملهم حسب هذه التصنيفات.
تجزئة المواطنة
المرحلة الخطيرة في التجربة هي تجزئة المواطنين الى جماعات مختلفة، فبعد ان كنا نلمس شعبا اغلبه مع سقوط النظام الديكتاتوري، وقسما من المنتعفين من النظام كانوا معارضين لذلك، تولدت بعد الشهور الثلاثة الاولى جماعات جديدة التحقت بمعسكر الرافضين والمعارضين، التحقت بها بعض الجماعات التي كانت معارضة لصدام ولم تتمكن من دخول العملية السياسية لاسباب مختلفة.
ثم تشكلت خلايا الارهاب المنظم الداخلي والدولي، وجماعات (المقاومة) لخطط بريمر وواقع الاحتلال الذي فرضه، وللقوات الامريكية التي اصبحت لاتفرق بين عدو وصديق بعد ان خسرت ثقة الشعب بوقوفها موقف المتفرج امام مايعانيه، وعزز من ذلك هجمة اعلامية شرسة اخذت بموجبها الكثير من شبكات التلفزة بتوجيه اطقمها التلفزيونية باتجاه اقتناص عيوب النظام الجديد وتضخيمها ،والتبشير ب(مقاومة شريفة للاستعمار الامريكي الجديد) ومقارنة مايحدث في بغداد بماحدث ايام سقوطها على يد المغول في القرن الثاني عشر الميلادي، بل بعض رجال الصحافة العربية اخذ ينسخ ادبيات الوضع الفلسطيني لاستخدامها في فهم مفردات الوضع العراقي.
اخذت التغييرات تتسارع، بينما رجال العهد الجديد مازالوا عاجزين عن توفير الكهرباء، وربما تربكهم ازمة وقود تجمع المواطنين تحت لهيب شمس بغداد، لتستنفذ ماتبقى من صبرهم وتلوح لهم بايام صعبة مجهولة رغم انهم فعلوا مابوسعهم لخوض مرحلة مابعد الاحتفال بسقوط الخصم اللدود والعدو التقليدي للشعب وتطلعاته، لتجاوز الخلافات التاريخية، ومناقشة افكار اساسية لبناء دولة فاجئتهم بتعقيدها، وسلطة لم يخططوا يوما لادراتها، ووضع دولي واقليمي يتطلب منهم التريث واعادة الحسابات في مسائل عقائدية وشعارات تاريخية.
والاهم من ذلك كله عليهم ان يتجاوزوا صراعات الماضي لبناء مستقبل سياسي طالما دفعوا اغلى سنوات شبابهم من اجل الوصول اليه، وهاهم يحققوا حلم حياتهم وثمن تضحياتهم، وثمرة الجهود والرحلة المضنية الدامية من الوطن الى المنفى.
وشيئا فشيئا بدات الدوائر السياسية العراقية تتشكل من نخب من رجال السياسة الذين اضافت لهم سنوات المعارضة حنكة التصرف، ومنحتهم كثرة اللقاءات والمؤتمرات قدرات خطابية عالية وحسن ادارة للجلسات والتصريحات الصحفية الناجحة، ولكن المطلوب قرارات سريعة وشجاعة وتشخيص فوري لما يجري فلكل مالديهم من المواهب لاتصمد امام تضاؤل الوقت قبل حصول كوارث حقيقية.
والمطلوب قيام ادارات كفوئة ورجال دولة متمرسين بالعمل السياسي لاتخاذ قرارات حاسمة، تتعلق بتركة صدام ومايستجد من تركة يقوم بوضعها دبلوماسي امريكي حصل على شهرة كبيرة وصلاحيات مطلقة بعد دخوله العراق( 2).
السفير في الخارجية الامريكية والخبير بشؤون الارهاب الدولي بول بريمر تحول الى ديكتاتور من طراز ولون وشكل ولغة جديدة على العراقيين، جاء يجرب نظريات في السياسة والحكم ويحاول عابثا صناعة وصفة امريكية لعلاج مايحصل.
اما في واشنطن فكان البيت الابيض والبنتاغون يحتفلان بتحقيق نصر سريع بعد اكساء بغداد بديكورات ديموقراطية على مقاسات العالم الغربي دون الاكتراث لمشاكل بنيوية تتفاعل بسرعة داخل المجتمع العراقي الذي خسر مواطنته على يد صدام وهو مقبل على خسارة اشياء اخرى.
فالمواطن العراقي العادي مازال امامه القليل من الوقت وهو ينتظر التحولات الكبيرة التي تعقب عاصفة السقوط الهائل التي نذر اغلب الناس انفسهم لمشاهدتها، ومن المفاجيء انه لم يحصل شيء سوى بروز بول بريمر ومن حوله شخصيات امريكية ركيكة الاسلوب والخبرة تلتقي بجيوش من المتملقين والمتلونين وممن افرزتهم سنوات القمع فهم في جاهزية تامة لولوج النظام الجديد التي يتميز بمناطق رخوة كثيرة يمكن اختراقها بسهولة والحصول على المجد والمال وامتيازات اخرى.
فالسياسة لعبة تبحث عن لاعبين جدد وتقدم الكثير لمن يرغب الدخول اليها واصبح من المألوف ان تتغير احوال الداخلين الى اللعبة بطرق مشروعة او غير مشروعة ومن يجد نفسه قد تخلف عن اللعبة او عدم استيعاب اصولها فأنه يلتحق بقافلة كبيرة اعدت لمن اصيبوا بالاحباط ليكونوا وقودا لتطرف اعمى لايحتاج الى قادة جدد يجيدون الانطلاق من المقدس لجذب جموع من المواطنين المحبطين وتحويلهم الى متشددين رافضين لقواعد لعبة لم يفهموها ولن يكون لديهم الاستعداد لفهمها وبذلك تشكلت تيارات سياسية شعبية جديدة على اساس رفض مرحلة صدام ورفض مرحلة بريمر ومن مع بريمر.
لم يكن من اكثر الناس انتظار نصيبهم من لعبة تتغير فيها القواعد والشخوص فاهم ماجاء به الوضع الجديد هو التعامل بسطحية مع مرتكزات نظام صدام الثلاث وهي كل من مؤسسات، الامن الداخلي والسياسة الخارجية والاعلام التي اصبحت مدادا لمعارضة جديدة لم تتردد في استخدام درجة مفرطة من العنف.
منح بريمر الخصوم مرتكزات صدام الثلاث، بعد ان قام بحل وزرارتي الدفاع والاعلام بشكل كامل دون دراسة مسبقة، اضافة الى حل كل الاجهزة الامنية لصدام واجهزة التصنيع العسكري واجهزة حساسة اخرى بمجرد مرسوم لم يستغرق المزيد من الوقت لاصداره.
ومصدر الخطورة في هذه القرارات انها لم تعير اي اهتمام للتداعيات الخطيرة التي يخلفها ترك الالاف من ادوات اكثر انظمة الحكم قمعا بشكل سائب دون رقابة ودون تاسيس نظام ضابط لحركتهم ودون منحهم مايعيلون به عائلاتهم، ودون دراسة لكيفية التعامل مع خطر تركهم بالشكل الذي تركوا به وكأنهم قنبلة بايلوجية تم نشرها في اماكن متفرقة من العراق ودول الجوار، وقد فوجئت الاوساط بقائمة من 55 شخصا فقط تم تحميلهم مسؤولية ماحدث للعراق خلال عقود ثلاث من الاستبداد.
النار تصوب باتجاهنا
لم تمر الا شهور قليلة لتصبح بغداد ومدن العراق من اخصب الاماكن لدخول الارهاب الدولي وتجنيد المزيد من العناصر، بعد ان تعاقد البعث مع القاعدة لارساء برنامج هدم منظم بتمويل غير مسبوق من اطراف مختلفة اتفقت على تخريب اسس (اللعبة الجديدة) في العراق، وتفنيد لعبة الدومينو المحتملة التي تنطلق من عراق ديموقراطي، لتقلب نظم الحكم المجاورة الى ديموقراطيات جديدة، فاختلط المال الخليجي بالمال البعثي بالمال الشرقي والغربي، لينصب في رافد واحد هو اجهاض التجربة العراقية في المهد.
اديرت اللعبة اقليميا بنجاح وسارت الامور على عكس مايطمح ابناء العراق، وحصل خلط في الاوراق وسط عتمة وتضليل اعلامي حول المظلوم الى ظالم والضحية الى جلاد، والمواطن الى خائن ومرتد ومرتزق واوصاف اخرى تبرعت بها الابواق السياسية والاعلامية التي لايروق لها الوضع الجديد للعراق، والاهم من ذلك كله اللعب على مرتكز الامن الداخلي والطريق السحري لتحقيق هذه الوصفة هو تحالف البعث مع القاعدة برعاية قوى اساسية في المنطقة، فالبعث يريد العودة الى حكم العراق بشتى الطرق والوسائل ويرى ان الشيعة والاكراد هم المستفيد من الوضع الجديد لذلك يجب تحريض العرب السنة للدفاع عن ماحققوه خلال ثمانية عقود، والقاعدة تريد تحقيق دولة اسلامية على غرار حكومة طالبان وترى ان الشيعة هم العقبة الرئيسة في طريق انشاء طالبان عراقية لاسيما بعد رحيل الامريكان، لكن الهدف التكتيكي المرحلي سيكون مقاومة الامريكان اما الهدف الاستراتيجي فهو ابادة الشيعة وترويعهم، وبهذا انهار الامل بتكوين اسس مواطنة حقيقية طال انتظارها، واصبح هنالك شخصا شيعيا واخر سنيا واخر كرديا ولايمكن ان تجد مواطنا عراقيا.
فقد بث الخراب لتنشطر المواطنة العراقية على نفسها الى تناقضات لم يشهدها العراق وبدا تسير على الحان النار المنبعثة من حرائق التفجيرات الارهابية التي بدات بقتل المواطنين وتدمير المعالم وبث الرعب بين من يؤيد النظام الجديد ونشر الذعر لدى الابرياء.
ثم البدء بمرحلة العنف الانتقائي الطائفي والقتل على الهوية الذي انطلقت شرارته يوم 29 آب 2003م عندما استهدف مفجر انتحاري السيد محمد باقر الحكيم رئيس (المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق) اثناء ادائه صلاة الجمعة في مرقد الامام علي بن ابي طالب(ع) في النجف الاشرف، مما ادى الى استشهاد الحكيم ومعه 94 من المصلين، وفي 2 آذار 2004 تم استهداف مواكب العزاء في كربلاء والكاظمية اثناء احياء شعائر يوم عاشوراء
( 122) بسلسلة تفجيرات انتحارية راح ضحيتها مئات الشهداء والجرحى.
وتصاعدت نسبة الاحتمالات باندلاع الحرب الاهلية الطائفية، ففي تموز 2004 اعدت وكالة المخابرات الامريكية (CIA) تقييما استخباريا قوميا للوضع في العراق، وكان هذا التقييم يمثل القناعة المشتركة لاكثر المحللين الامريكيين خبرة في الشأن العراقي والمستندين الى افضل ماكان يتوفر لدى الحكومة الامريكية من معلومات استخبارية وقد حذر من مخاطر الحرب الاهلية (3)
ورغم ماكانت تتخذ من اجراءات فلم تتوقف التفجيرات ذات الطابع الطائفي ففي 31 آب 2005 تسببت تفجيرات واعمال ارهابية في بث الذعر بين الزائرين في الكاظمية المقدسة اثناء احيائهم شعائر وفاة الامام موسى الكاظم (ع) مما اسفر عن استشهاد اكثر من 965 مواطنا، والتي عرفت بكارثة جسر الائمة.
وكانت مناطق اللطيفية والمحمودية واليوسفية تشهد عمليات غير مسبوقة لاستهداف قوافل الزائرين المتوجهين الى كربلاء والنجف من بغداد راح ضحيتها المئات من الابرياء بينهم رموز دينية هامة مثل الشيخ مهدي العطار والسيد بشير الجزائري، لكن الشرارة الاعنف للحرب الطائفية كانت يوم تفجير قبة ضريح الامامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء وذلك يوم 22 شباط 2006(4).
صعود الطائفية وانهيار المواطن
شهدت الفترة من 2004 الى 2007 ظهور مجموعات ارهابية على قدر عال من التنظيم من ابرزها التوحيد والجهاد الذي تحول الى قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين وهو اهم التنظيمات الارهابية التي دخلت العراق ويتميز بأن اغلبية قياداته من جنسيات غير عراقية مثل ابو مصعب الزرقاوي وابو حمزة المهاجر، وبالاضافة الى ذلك فأن هناك مجموعات ارهابية اخرى مثل الجيش الاسلامي في العراق والدولة الاسلامية في العراق وجيش الراشدين وجيش الفاتحين وجيش محمد وجيش عمر، ومن الملاحظ ان اي من هذه التنظيمات لم يحمل اي رمز بعثي او قومي او مايدل على الشعارات التي رفعها البعث طوال نصف قرن، فقد اتجه البعثيون للاختباء خلف الرموز الاسلامية حتى وصل الامر الى الدرجة التي لم يبقى فيها احد الصحابة الا اذا ماوجدت مجموعة ارهابية قد حملت اسمه، الى الدرجة التي يتخيل فيها المرء ان الاسلام تحول الى مجاميع يقتل بعضها بعضا من اجل تطبيق شريعة محمد، التي كان لاهل العراق الفضل في انتشارها شرقا وشمالا وكان لهم الفضل في ظهور اكثر مدارس اللغة والفقه والشريعة، ومازالت النجف الاشرف تحتظن اكبر واهم واقدم جامعة اسلامية (الحوزة).
والهدف من هذه الاعمال التي توافق على القيام بها تحالف البعث مع القاعدة، وبمباركة قوى اقليمية هو تدنيس المقدس لدى الاخر لاستفزازه، وبالتالي زجه في صراع طائفي غير معلوم النهاية، يؤدي الى تمزيق النسيج الاجتماعي وافشال العملية السياسية برمتها تمهيدا لعودة البعث من جديد لاسباب طائفية، لان قيادات المجاميع الارهابية اعلنوا حربهم على (الروافض)(5).
وبالفعل فقد تحول شمال العراق الى اقليم آمن للاكراد في كردستان العراق والمنطقة الغربية تحولت الى قاعدة للعنف واطلق عليها الاعلام الغربي مصطلح المثلث السني، وجزء من الوسط والجنوب ذات الاغلبية الشيعية اصبح يمتلك الاسباب لبروز ميليشيات مسلحة تحت شعارات دفاعية رغم تحفظ المرجعية الدينية على ذلك.
وهكذا حصل مايهدف اليه الاخرون واندلع العنف المضاد وشهدت مدن وشوارع بغداد ومحافظات الجنوب انتشار مجموعات جيش المهدي ومجاميع مسلحة اخرى لتشهد البلاد موجة غير مسبوقة من العنف واراقة الدماء، وتحولت احياء بغداد الحالمة الى معسكرات متقاتلة، وتحول المواطنون الذين احتفلوا قبل سنوات بسقوط طاغيتهم، الى فئات متباعدة بعد عمليات ترحيل وتهجير على نطاق واسع، فاصبحت العامرية والغزالية وحي الجامعة والشعلة ومدينة الصدر وحي الحرية تتصدر نشرات الاخبار بكونها المناطق الاكثر عنفا وخطرا في العالم والتي تجاوزت اهميتها الاخبارية اهمية قندهار وبيشاور وتورا بورا.
فقد انطفئت جذوة الامل ببناء مواطنة حقيقية وتحول الانتماء الوطني الى تعصب طائفي مغلف بالعنف، وعادت قيم الدولة البعثية الى الحياة من جديد، على يد جماعات وحركات واحزاب طائفية حاولت استغلال العملية الديموقراطية والدخول من بابها الواسع لتتحول الديموقراطية العراقية الى مشهد للفوضى.
وازاء ذلك ورغم سعي الحكومة العراقية المؤقتة لعمل شيء الا ان الامر كان اكبر من قدرتها، وظهر رؤساء الحكومات بمظهر العاجزين امام قوة الميليشيات والجماعات المسلحة والارهابيين بمختلف اصنافهم وطوائفهم، الى ان تحول زعماء الميليشيات والجماعات المسلحة الى امراء حرب لمدن تمترست بالسلاح المختلفة وكانت اشبه بمعسكرات ترتكز الى تكتيكات عسكرية لادارة حرب ضد مدينة اخرى.
وفي هذا الخصوص كانت القوات الامريكية عاجزة عن تشخيص الخلل وقد صرح الجنرال جون أبي زيد، قائد القيادة الأمريكية المركزية، قائلا "بأن العنف الطائفي في بغداد وضواحيها بات يشكّـل أكبر تهديد للعراق اليوم، بعد ان تحوّلت العاصمة بغداد إلى ساحة القتال الرئيسية بين الجماعات المتنازعة طائفيا من أجل السيادة في الأمة العراقية، ومن المرجّـح أن يُـسهم ذلك بشكل كبير في عدم تحقيق الاستقرار في الوقت الحاضر".
مازال هناك بريق من الامل
رغم كل التحديات الامنية والسياسية الخطيرة، نجح قادة العراق في تنظيم سلسلة انتخابات اثارت اعجاب العالم من حيث اقبال المواطنون عليها وبنسب عددية هائلة الامر الذي اجبر الكثيرين على اعادة حساباتهم واعطى المزيد من التفاؤل بشأن رغبة العراقيين في تعاطي الديموقراطية.
حيث عاش العراق مجموعة من التغييرات السياسية، فقد اصبح وبحسب قانون مجلس الأمن المرقم 1483 في 2003 تحت الأحتلال الأمريكي، تم نقل السيادة في 28 يونيو 2004 من الولايات المتحدة إلى الحكومة العراقية المؤقتة مع الابقاء على نفوذ امريكي من خلال القوات الاميركية.
و في 15 أكتوبر 2005 وافق 79% من المواطنيين العراقين على الدستور العراقي الدائم(6) وفي 15 ديسمبر 2005 شارك ملايين العراقيين في الأنتخابات العامة لأختيار 275 عضوا في مجلس النواب حيث انقسموا طائفيا الى كتلة شيعية هي الائتلاف العراقي الموحد واخرى سنية هي جبهة التوافق واخرى كردية هي التحالف الكردستاني ومن حسن الحظ ان الكتل الثلاث توافقت على رئيس حكومة من طراز نوري المالكي الذي اتسم بالشجاعة والحرص على اعادة هيبة القانون وتم له رئاسة حكومة منتخبة تتولى السلطة لمدة أربع سنوات، بعد حكومتين مؤقتتين ترأسها كل من الدكتور اياد علاوي ثم اعقبه الدكتور ابراهيم الجعفري.
وتم اختيار نوري كامل المالكي كثالث رئيس للحكومة العراقية في العهد الديموقراطي وهو سرعان ماطرح مشروع المصالحة الوطنية الذي اثار ردود فعل جيدة في كل الاوساط واعتبر بادرة جائت في وقتها المناسب، كما شدد المالكي على ظرورة واهمية اعادة هيبة الدولة وسلطة القانون ففي اول لقاء تلفزيوني له بعد توليه مهامه اوجز المالكي مشروعه قائلا "ان استراتيجيتنا هي أن تكون الدولة صاحبة هيمنة وقوة وقدرة على حماية المواطن وهذا حق من حقوقه وإذا وفرنا له هذا الحق لن يذهب يسارا أو يمينا مع الميليشيات"
كما اعتبر المالكي "وجود السلاح بأيدي الآخرين بداية لإثارة مشاكل قد تصل إلى أجواء الحرب الأهلية"
كما اكد المالكي أنه "لا ملاذ آمنا لجميع الخارجين عن القانون وعلى الجميع أن يعلم أن لا دولة ولا استقرار إن لم يكن القانون هو السائد والحكومة هي المسؤولة الوحيدة عن أمن المواطنين وحماية الوطن".
على هذه الاسس قاد المالكي حملة عسكرية سميت بخطة فرض القانون وفي اول زيارة له لمقر عمليات فرض القانون "وجه المالكي بضرورة احترام المواطنين من قبل القوات العراقية وطريقة التعامل معهم سيما عند دخول المنازل لتفتيشها".
واكد ان "على الجندي عدم التعامل مع المواطن بتمييز طائفي وسيحاسب كل من يتساهل مع جهة أو طائفة على حساب الأخرى كما أن عليهم إشاعة مفهوم المساواة والتآخي بين أطياف الشعب العراقي"(7).
وكان على المالكي اقران الاقوال بالافعال وهو ما التفت اليه فحاول جاهدا ان يحقق ذلك وان يعمل على ارساء اسس مواطنة عراقية غابت نتيجة الظروف التي مر بها العراق.
لذا فقد خاض المالكي اصعب التحديات عندما قاد عمليات صولة الفرسان في البصرة، وقبل أن تنهي الحكومة العراقية صفحات هذه العمليات الخاصة بملاحقة الميليشيات لانهاء دورها، اطلقت سلسلة عمليات في الموصل وديالى للقضاء على تجمعات تنظيم القاعدة. والجماعات المسلحة الاخرى الامر الذي عزز من رصيد حكومة المالكي لدى الكتل السياسية الاخرى، ووضع العراق على اعتاب مرحلة جديدة يمكن على اساسها انشاء مؤسسات وطنية قادرة على التعامل مع المواطن العراقي دون النظر الى انتمائه الطائفي او القومي او العشائري او المناطقي ليتحول العراق من كانتونات متصارعة، الى بلاد تضع اقدامها على بداية الاتجاه الصحيح رافق ذلك تفكك التخندقات الطائفية على المستوى السياسي الى حد كبير.
_______________________________________________________
(1) انظر مايكل غوردن والجنرال برنارد تراينور/ كوبرا II / راجع ايضا سيمور هيرش /القيادة الامريكية العمياء / الدار العربية للعلوم الطبعة الاولى 2005/ انظر كذلك بيتر و. غالبريت/نهاية العراق/ الدار العربية للعلوم الطبعة الاولى 2007
(2) بيتر و . غالبيرت المصدر السابق/ ص138 راجع ايضا بول بريمر/ سنتي في العراق
(3) بيتر و غالبريت المصدر السابق ص13
(4) راجع سيد علي الحسيني/خريطة الجماعات المسلحة في العراق/الطبعة الثانية 2007/المطبعة العصرية
(5) يستخدم التكفيريون مصطلح الرافضة او الروافض والمقصود اتباع اهل البيت من ابناء الطائفة الشيعية الاثنى عشرية الذين يشكلون غالبية سكان العراق لاسيما الوسط والجنوب وهو مصطلح سياسي دعائي باطل الغرض منه ايهام الناس ان هؤلاء روافض للدين الاسلامي.
(6) تقول مقدمة الدستور العراقي الجديد "نحنُ أبناء وادي الرافدين موطن الانبياء ومثوى الأئمة الأطهار ورواد الحضارة وصناع الكتابة ومهد الترقيم".
(7) من كلمة المالكي لدى زيارته مقر عمليات بغداد مع بداية انطلاق خطة فرض القانون.









#عباس_عبود_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطنة والسلطة في العراق من مكونات غيبتها الدولة الى دولة ...
- المواطنة والسلطة في العراق من مكونات غيبتها الدولة الى دولة ...
- من صوت العرب الى الجزيرة والعربية الاعلام القومي العربي و مح ...
- الاعلام العراقي..بين تراث التبعية وضغط الفوضى
- الرمز في السياسة العراقية .. بين ماض متخم وحاضر فقير
- الفيدرالية في العراق.....هل هي فهم خاطيء لمفهوم ديموقراطي... ...
- الجيش والسياسة في العراق من انجب من..هل انتهى دور الجيش من ا ...


المزيد.....




- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عباس عبود سالم - المواطنة والسلطة في العراق من مكونات غيبتها السلطة الى سلطة غيبتها المكونات