|
فساد انتخابي بامتياز
علي عرمش شوكت
الحوار المتمدن-العدد: 2540 - 2009 / 1 / 28 - 00:43
المحور:
ملف: الانتخابات والدولة المدنية والديمقراطية في العراق
ان عملية انتخابات مجالس المحافظات صراع تحت الشمس في هذه المرة ، حيث لا دعوة ظلامية تتمكن من تعتيم رؤية الناخب ، ولا تضليل ينفع لاستغفال الجماهير وتنصيب الفاشلين ، لقد انقضت فترة زمنية كانت كافية لكشف المقنع والمستور خلف واجهات ذات بريق زائف ، إذ فُقد الوفاء لاصوات الناس ، وتم نسيان هبة المواطنين وتحديهم للارهاب بالتوجه الى صناديق الاقتراع ، ان ما كان يعتمل في اللوحة السياسية من تداعيات دراماتيكية قد تجسدت في صراع على المنافع وعلى مراكز النفوذ والحصص بين المعينين في المجالس ، وجرى كل ذلك على حساب الوطن والمواطن ، مما ادى الى كشف هوية هؤلاء الذين اوتي بهم من وراء ظهر الناخب ، انه درس نافع تعلم منه الناخبون كيف سيدلون باصواتهم مرة اخرى ، ان معظم الذين فازوا في الدورة السابقة كانوا يجهلون شيئاً اسمه الوفاء لمن صوتوا لهم ، ولكنهم اوفياء فوق العادة لذواتهم ، حيث كان اسرع القرارات التي اتخذوها والتي لم يتم النقاش حول منطوقها هي تلك التي منحتهم الرواتب العالية والامتيازات الدسمة ، الامر الذي اسقط عن خيبتهم حتى ورقة التوت . بعد هذا الفشل الذريع بات من الصعب عليهم البقاء لدورة جديدة ، فكيف الحال وهم قد ادمنوا على طعم السلطة اللذيذ والاسترخاء على كراسيها التي يحيط بها الحشم والخدم والمرافقون الكثر ، وعليه لابد لهم من سبيل للبقاء ، ولم يتوفر في جعبتهم وفي معرفتهم التي باتوا خبراء فيها سوى سبل الفساد ، ولكن هذه المرة كانت ممارسته في اختلاس اصوات الناخبين ، بعد ان ابدعوا في تطبيقه في مجالي المقاولات والادارات ، اذاً الفساد الانتخابي هو المنقذ ، حيث كان لهم تجربة اولية معه وتحت اغطية دينية وعرقية في المرات الماضية ، غير انها قد تمت تعريتها ولم تعد تنفع وامست فضيحة بجلاجل ، ومع ذلك لم ينفكوا عن وسائل التضليل والفساد ، فتحولوا الى سياسة الترغيب بتوزيع الهدايا مقابل القسم بالقرآن بمنحهم الاصوات ، والتهديد بعقاب الله لمن لا يدلي بصوته لهم وبغضب المرجعية التي يدّعون انها اختارتهم بالسر !! ، هكذا وصل بهم الامر حتى امتد افتراؤهم الى المرجعية ذاتها ، ضناً منهم ان الناس ما زالوا يعيشون الغفلة الماضية . ان السعي المحموم لاستغفال الجماهير البسيطة لن يكون دارجاً هذه المرة كما يبدو ، لكون الاوساط الواعية من الجماهير قد تمكنت من فضحه وكشف الخداع ، لهذا راحوا يتلاعبون بالانظمة والقوانين ليشرّعوا الفساد الانتخابي ، ومن غير المفهوم لحد هذه اللحظة اختيار المفوضية للانتخابات نسخة من قانون الانتخابات تجيز استخدام اماكن العبادة للدعاية الانتخابية علماً انها لم تقر من قبل مجلس النواب ، في حين اهملت النسخة التي اقرت رسمياً ، هذه واحد من العوامل المساعدة على الفساد الانتخابي ، اما الاخرى فهي تلك الجهود الخفية المفضوحة التي سعت الى تعطيل اصدار قانون الاحزاب في العراق الديمقراطي الجديد ، هذا القانون الذي يعتبر السد الذي يمنع التدفق االعشوائي للتشكيلات الصغيرة ، وغير المؤهَلة والمجهولة التمويل والخلفيات والارتباطات الخارجية ، التي من شأنها ان تشوش اللوحة السياسية العراقية ، واكثر تجليات غياب قانون الاحزاب هي حصول سيولة ملفتة للنظر في ظهور الاحزاب والتكوينات السياسية ، وعند الاعلان عن اجراء الانتخابات نطت هذه الكيانات الصغيرة على سطح العملية الانتخابية لتجعلها في حالة تزاحم يتوه به الناخب ، ويشتت الاصوات ولا يخرج من هذه الزحمة الا الكتل ذات المقدرة على شراء الاصوات . وبالحصيلة النهائية تصبح الاحزاب والقوى الديمقراطية تحديدأ والتي لا تلجأ للتعامل السوقي الرخيص هي المتضررة ، بسبب تبعثر اصوات الناخبين ، ويأتي المفصل الآخر من الفساد الانتخابي لينصب لغماً ناسفاً للعملية الانتخابية ويشوه الممارسة الديمقراطية ، وذلك عبر دعوة الناس الى التمترس خلف الطائفة والعشيرة والقومية لاغياً بذلك كل ما يوحد العراقيين ، ولكن اذا ما استطاعت هذه الكتل المتنفذة والغنية الحصول على الاصوات بفعل قدراتها المالية وادعاءاتها المضللة ، فما هي حيلة الاحزاب الديمقراطية الوطنية العفيفة في الوصول الى الناخب الضائع بين من يغريه بالمال والوعود الكاذبة وبين من ياًتونه بالجملة ويدعون بأنهم سيحققون له مطامحه . كما ان الفساد الانتخابي يظهر بأوجه مختلفة ، ومن ابرزها هو خرق قانون الانتخابات ، وذلك باستخدام النفوذ السلطوي الذي يصل احياناً الى استخدام المال العام ، كأن يكون استخدام المحطات الفضائية الرسمية للدعاية لصالح قائمة كتلة حاكمة ، ويرادفه ذلك التزوير لشهادات المرشحين وهو فساد صارخ يفضح حقيقة الذين يمارسونه ، فكيف سيكون المرشح صادقاً وهو قد بدأ بتزوير حقيقته ، غير ان هذه الممارسات ستمضي طالما ليس هنالك ما لا يردعها ، فالعقوبات التي حددتها مفوضية الانتخابات لاتخيف من هو قادر على دفعها طالما لا تتعدى سوى غرامات مالية بسيطة لم تأت اصلاً من خلال تعب كتف او عَرق جبين . ان اي مظهر من مظاهر الفساد الانتخابي له مهندسوه ، وكذلك له مراميه والتي تصب جميعها في هدف تتفيه العملية الانتخابية او في اقل تقدير حرفها عن مسارها الديمقراطية لبناء دولة المؤسسات ، وان الغاية النهائية هي اختلاس اصوات الناخبين وسلب ارادة المجتمع ليبقى العراق وشعبه لعبة بين ايدي المفسدين .
#علي_عرمش_شوكت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قضية الشعب العراقي .. لماذا صارت استثناءً ؟!!
-
الحزب الشيوعي العراقي .. قوس قزح عراقي فانتخبوا قائمته
-
مستقبل العراق بين وعي الناخب وكفاءة النائب
-
المحكمة الجنائية العراقية .. اولوية ملفات ام محاصصات ؟!!
-
العراق .. انتصار في مجلس النواب وانتصار في مجلس الامن
-
ثغرة { الدفرسوار } في دفة الحكم !!
-
المدنيون ... من ابناء محلتنا
-
اوباما .. وجه جديد ام مجرد واجهة ؟
-
الاتفاقية الامنية ... اختبار نهاية المطاف
-
منطلقات مواقف الرفض والقبول للاتفاقية الامنية
-
التعامل مع اغتيال الشخصيات.. جريمة لاتغتفر وجريمة مشابهة فيه
...
-
تمخض الاحتلال فولد اتفاقية امنية
-
الاتفاقية الامنية يستلزمها جواز مرور ام سلامة ظهور ؟
-
وحدة الصف الوطني تحت رحمة المحاصصة
-
سلامات ياخدمات !!!
-
البرلمان العراقي ... سائر الخطى ام خائر القوى ؟
-
احتراس روسي من عربدة ناتوية فوق القوقاز
-
{ ارض متنازع عليها ,, } اكذوبة صدقها من اطلقها !!!
-
كامل شياع .. كنت قنديلا احمرا اطفأتك ريح سوداء
-
الامن في العراق بين استراتيج الحكومة وتاكتيك الارهابيين
المزيد.....
-
الاتحاد الأوروبي يرفع رسوم دخول الزوار إلى ثلاثة أضعاف قبل ب
...
-
-عصير رمان وزيت زيتون-.. الرئاسة العراقية تعلق على هدية من ا
...
-
نتنياهو يتهم حماس -بتجويع متعمَّد- للمحتجزين في غزة، وواشنطن
...
-
أوكرانيا: الكشف عن مخطط فساد -كبير- في صفقات شراء طائرات مسي
...
-
ريبورتاج: درعا تحتضن الفارين من معارك السويداء بجنوب سوريا
-
نتانياهو يعبر عن -صدمة عميقة- بعد نشر حماس تسجيلات لرهينتين
...
-
الكونغرس يقر تعيين مقدمة برامج سابقة في أبرز منصب قضائي بواش
...
-
معظم حالات انتحار الجنود الإسرائيليين مرتبطة بالحرب في غزة
-
مع مفاوصاتها النهائية.. هل تضع المعاهدة الدولية حدا لطوفان ا
...
-
-الأكثر تأثيرًا في هذا القرن-.. شاهد كيف يُعيد ترامب تشكيل أ
...
المزيد.....
المزيد.....
|