أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منهل السراج - واهجم على الدبابة بخنجر















المزيد.....

واهجم على الدبابة بخنجر


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 2537 - 2009 / 1 / 25 - 07:17
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


عرض التلفزيون السويدي مشهد الحمامة ليفني، كونها، كما يطلق عليها، الأقرب إلى معسكر الحمائم، وهي تصرح بأنه لايمكن السكوت أبداً على خروقات حماس وأنه ليس أمامهم إلا أن يحموا وطنهم ومواطنهم. ورجعت الكاميرا سريعاً إلى استديو التلفزيون ليظهر صورة عفوية للمذيعة متأثرة ومصدقة ومؤمنة تماماً بأنه من حق الاسرائيليين أن يحموا بلدهم من هؤلاء "الارهابيين".
يقوم التلفزيون السويدي ببث صور المعركة بالعدل، دقيقة لغزة وأخرى لإسرائيل. دقيقة غزة تحصي عدد الشهداء الذين زادوا من توقيت نشرة إخبارية إلى نشرة أخرى خمسين نصفهم أطفال والأحياء هائجون فقط، ودقيقة لاسرائيل تعيد مشهد المصاب الاسرائيلي على حمالته الأنيقة محاطاً بوجوه أصحابه وممرضيه وأطبائه وكلها حزينة ومتأثرة. فإن نوقش أحدهم أين العدل بين الدقيقتين ستجد الأغلب يجيبونك القتل قتل والعنف عنف وليس مهماً بعده عدد القتلى.
وبعد يومين يبث نفس التلفزيون، صورة لأحد قياديي حماس، وبلده تحت القصف، يتحدث بصوت جهوري ووجه جامد وصدر عارم بأنهم لن يستسلموا وأنهم منتصرون لامحال، وفي اليوم نفسه وفي قناة عربية يصرح أحد رجال الإفتاء في سوريا بأنه لايجوز أن يقال عن أجسام الشهداء بأنها أشلاء وإن كانت مقطعة، لأنهم وإن كانوا أشلاء فإنهم عند ربهم منتصرون، مع إطالة الواو والنون، قرر رجل الإفتاء أن هذا الشعب خلق للآخرة وليس للحياة الدنيا، الحياة الدنيا يعبرونها عبوراً ليلدوا أولاداً للمقاومة، ويمضون إلى الجنة ومن بعدهم يجب أن يفعل الخلف مافعل السلف، يتزوجون سريعاً وقبل أن يتمتعوا بالزواج، ينجبون أولاداً ويمضون سريعاً لحمل السلاح، وهكذا فالقضية تنتظر.
ورغم كل المشاهد المروعة، فإن الأمر الأكثر استفزازاً هو إصرار ذلك المجاهد الفلسطيني على الموت مع زوجاته الأربع وطفليه، قائلاً قبل أن يقتل بأنه لن يغادر بيته.
ولكن ما معنى البيت المهدم والأمهات الأربع مع أطفالهم قتلى، فلماذا يجبر الولدين والزوجات على خياره "الشهادة"؟ أم كان واثقاً أن الاسرائيليين لايقتلون الأطفال؟
كأن الطفل الفلسطيني خلق ليدق بين مطرقة هؤلاء وسندان أولئك.
يتساءل المرء فقط، ماهو في هذا العالم الذي يستحق ذبح الطفل، أي قضية وأي مبدأ وأي أرض وأي مستقبل يستحق من أجله أن يجوع الأطفال ويعذبوا؟

سيقال إن الوقت ليس وقت انتقاد في فلسفة المقاومة وآليتها. تتوالى صور أطفال فلسطين مذبوحين، وتتوالى صور الرجال المقاتلين وأيضاً المذبوحين، وصور أمهات برؤوس محجبة ووجوه ناقمة وقلوب تتفطر ألماً ووجعاً وبعضهن مذبوحات، فإذا كان هذا ايهود باراك لايتورع أن يصرح بأنهم على وشك الوصول إلى هدفهم، ولكن عليهم بالصبر. فماذا يتوقع المرء من قاتل يسأل العالم أن يصبر عليه ريثما ينتهي من مهمته.
فماهو رد فعل من يُسمون "العرب"، تصيح قنواتنا وجرائدنا العربية وتولول بالشتائم والسباب على اسرائيل وجرائمها، كأن الأمر جديد على الشعب الفلسطيني وكأن المشاهد العربي لايعرف هذا ولم يختبره في حياته.
تلقيت رسالة على موبايلي، نداء للاعتصام في مركز مدينة ستوكهولم من أجل التنديد بالحرب الاسرائيلية على غزة. كان النداء تحت عنوان إسلام. ويفهم بأنه باسم إسلامك تقدم وباسم إسلامك اصرخ وباسم إسلامك اهجم. فإن كان صاحب الموبايل الذي قرأ الرسالة مسيحياً مثلاً، فإن النداء لايعنيه، أو إن كان يهودياً بوذياً أو لادين له فإن الأمر لايعنيه، إن كان إنساناً متعاطفاً مع الضحية الفلسطينية، فإن الدعوة لاتعنيه. يجب أن يكون مسلماً.
دعونا نعترف أن كلمة إسلام ومسلمين صارت تحدث صدمة في نفوس معظم العالم غير المسلم، وهكذا يدمج المراقب الخارجي هذه الضحايا بتلك العقيدة ويعتبر أن هذا الدين هو المتسبب بقتل هذا الشعب وكسر السلام والأمان وإقلاق راحة الشعب الاسرائيلي. والضحايا لايفتأون يستخدمون نفس الرمز ويهجمون ويُقتلون.
كانت أكثر الأمثلة التي تعلمنا بها في الطفولة اللغة العربية ونحوها، جملاً تتناول حال حرب وانتصار وعقيدة وشهادة واستبسال. وكانت أكثر معلمات العربي تفضل تلك الجمل الجادة والخطيرة حتى ولو كان الموضوع الإنشائي عن الربيع مثلاً. و"سال دم الشهيد عل البساط السندسي الأخضر.."
واليوم ونحن في هذا العمر ونتعلم اللغة السويدية، يلتقي في الصف الواحد العديد من الجنسيات والقوميات. كان هناك فتاة اسرائيلية، اختارت حين جاء الدور عليها أن تتحدث عن أرض اسرائيل، المفروض أنها أرض فلسطين، قالت إنها أرض ساحرة بشمسها وهوائها ولطف الناس. كانت تصف المنطقة للطلاب وكأنها أرض سلام لايوجد فيها أي حروب ولا صراعات. تحدثت عن التآخي الديني الذي تسعاه بلدها والشعب الإسرائيلي وقالت إنك تستطيع أن تقرأ عبارات السلام في كل مكان وباللغة العربية والعبرية معاً. كانت قريبة على بعد مترين منا فقط، وكنت أحاول أن أفتش عن الكذب في وجهها، ورغم كل الكذب الذي تتفوه به، فإنها كانت صادقة لأنها تردد ما عليها أن تردد وتستخدم لغة خطاب مفيدة لدولتها وجنسيتها، وحين ختمت كلمتها بأن الأكلات التقليدية الاسرائيلية هي الفلافل والحمص، استثرت من ناحيتي تماماً وقلت لها إن هذا يكفي، لأنه لايوجد لاسرائيل تاريخ طويل بالمنطقة لكي يكون لديها أكلات شعبية وتراث شعبي، لأنها شعب قدم من بلدان عديدة، وهذه أكلات لبنانية سورية، فقالت: نعم هذا صحيح. لافرق المهم إنها أكلات المنطقة.
هذه هي لغة خطابهم، وهذا هو الواقع وهذا هو مايحدث وماحدث.
أفلا نأخذ بالحسبان كل هذه الأمور، مافائدة كيس التاريخ إن لم نفتش فيه ونتفكر بتلك الزوادة الماضين بها، حياة الفلسطيني تمضي ولكن لا أظن أن أحدهم يدري إلى أين، الموت أم حياة كلها قلق وخوف. يخطر في بال المرء أن هؤلاء المجاهدين يفعلون ما فعل سابقيهم وفاء لهم ولكي لايكون دم "الشهيد" راح هدراً، أو إيماناً كاملاً بأن الأرض لاتستعاد إلا بافتداء الأرواح. كان أبطال الأساطير يفعلون هذا، يقدمون الأضحيات اتقاء القوى الغيبية التي لاسبيل إلى معرفتها، أما تلك القوى العالمية فإنها واضحة وتقلع عيوننا كل يوم، فلم لانتفكر.
حين يردد الإعلاميون كلمات الصمود والمقاومة على لسان الشعب الفلسطيني ويحيونه ويحيون صموده وماإلى ذلك، ألا يستفز المرء ويسأل ولكن من استشار هذا الشعب؟ هل هناك من أجرى استفتاء حقيقياً لخيار الحرب والمقاومة ولو بحارة واحدة من حارات غزة؟ هل هناك لجنة أهلية حقيقية، دخلت بيتاً فلسطينياً واستفسرت ماذا يعني الوطن للأم والأب والأخ؟. بظني أن الأم تجيب أن الوطن أن يلتم أولادي حول مائدة طعامي، والأب يجيب أن يسلم أبنائي، والأخ يجيب أن أدرس وأتعلم وأحقق حلمي. لاأظن أن أحدهم يجيب أنه يفضل الموت. إلا إذا كان مريضاً بهوس الجنة، وحينها يحتاج مساعدة نفسية وليس دفعاً إلى ساحة المعركة.
ألا يصادر على هذا الشعب الرأي تماماً كما يحدث للشعوب العربية الرازحة تحت نير الديكتاتوريات؟ قد يكون الكلام معهوداً ولكن آن لنا أن نتفكر بالتاريخ وبتغيير لغة تعليمنا ولغة خطابنا لأنها لم تفدنا بشيء، إنما نمسح وجودنا بأيدينا و نتلاشى.
فلماذا لايرتاح المقاتل الفلسطيني سنة من عمر فلسطين، وليجرب، لن يضيع من الأرض أكثر مما ضاع، ولن تقوى إسرائيل أكثر مما هي عليه، إنما، ربما يعطى الطفل الفلسطيني فرصة أن يكبر بهدوء، والشاب فرصة أن يفكر ويختار، وربما، ربما، يأتي مبدع فلسطيني بحل ينقذ هذا الشعب وهذه الأرض.
وليكن حماس الشاعر/ واهجم على الدبابة بخنجر/ حكاية خرافية يسمعها الجيل ولايصغي إليها، الجيل الذي من حقه أن يعيش نهاره بسلام وينام ليله بأمان ولو لسنة واحدة من عمره.



#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آخر العنقود وعروسه
- على درجات المئذنة
- مسح الأرض بالدموع
- دزينتان من الشرق وعصفور من الغرب
- لاتركل الدلو بقدمك
- بنطال الشاب على وشك السقوط
- حتى لاننساهم
- ترجع الفداء وتدور النواعير
- ماذا لو أعلن الحاكم توبته
- المقال اليومي -عن الاعتقالات في سوريا-
- شكرا للزائرين الأمريكيين
- فداء الحوراني والجدار يعلو
- حنان الكلب
- جائزة نوبل غرباً وجائزة العيد شرقاً
- الشباب حين يعملون شرقا وحين يعملون غربا
- الترجمة الشفوية، العلة في العتالين
- حبيبة أورهان باموق
- حجاب المهاجر
- الأمن تاج على رؤوس الآمنين
- اللجوء إلى السويد


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - منهل السراج - واهجم على الدبابة بخنجر