أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - دزينتان من الشرق وعصفور من الغرب














المزيد.....

دزينتان من الشرق وعصفور من الغرب


منهل السراج

الحوار المتمدن-العدد: 2358 - 2008 / 7 / 30 - 07:48
المحور: حقوق الانسان
    


كنت عائدة إلى البيت حين رأيت عصفوراً صغيراً ملوناً مثل طيور الجنة قابعاً عند ناصية الطريق، اقتربت منه، ألوان ريشاته بين الأزرق والأصفر والبرتقالي والأخضر، كان ملوناً بكل ألون البهجة كأن طفلاً صبغه ومضى، بدا وكأنه خرج للتو من بيضته. لكن التصاقه بالأرض أثار استغرابي، كانت قوائمه الرقيقة ترتجف، اقتربت أكثر، لم يتحرك، جلست القرفصاء بجانبه حتى خيم ظلي فوقه، أمعنت في الاقتراب، لم يحرك ساكناً، ضربت الأرض بقدمي، لم يرف له جفن، لكزته بحقيبة أحملها, فأتى بحركة طفيفة، فكرت، ربما لا يعرف الطيران، ولكن لِمَ لايتحرك على الأقل ويمضي إلى جهة آمنة من الدراجات أو العربات؟
حاولت إصدار أصوات مختلفة تجعله يترك مكانه، عبثاً، خشيت عليه من خبطة دولاب، ولكن لم أهتد لطريقة تساعده، فأنا لا أستطيع ملامسة فرو حيوان، تلفّت حولي، وجدت شخصاً جالساً في شرفته يراقبنا أنا والعصفور، ابتسم، فاقتربت من شرفته الأرضية وأخبرته أن العصفور في خطر، وأنه من المحتمل أن تأتي دراجة أو عربة وتدهسه، وأنه علينا أن نساعده..
استمر بالابتسام، ظننت أنه لم يفهم لغتي، أعدت الشرح بلغة ثانية، لكنه هزّ رأسه وقال: نعم أفهمك أنت على حق، العصفور في خطر. أضفت بأنني شخصياً للأسف لايمكنني الإمساك به ونقله إلى الشجرة، ابتسم ولم يجب. نظرت إليه أستحثه أن يتحرك عن كرسيه ويأتي لينقذ العصفور، لكنه استمر بالابتسام. زفرت ومضيت ضجرة من برودته. وافترضت أن العصفور السويدي شديد الفخامة سيجد ألف متبرع غيري ليساعده.
دخلت إلى بيتي، حيث أعتني بالولد وأتابع أخبار أمي وأخبار أهل البلاد وفقط. وحين أتعب من الحنين أو من القهر أنظر إلى الشجر الكثير شديد النظافة والخضرة وإلى أمان المارة وصمتهم الرهيب، وأنظر إلى ابني الذي لا يهتم إلا لصوت الطيور وصوت فيروز وأبتلع الغصات.
بالطبع كل يوم يوجد أخبار، ودائماً الأخبار سهولة قتل البشر، وفي ذلك اليوم كانت الأخبار أن السجناء في سوريا قد فاض بهم وطاش صبرهم.
خرجت من البيت مرة ثانية ومضيت إلى مكان العصفور. مازال في مكانه لم تدهسه عربة ولم يحمه أحد، قابعاً بريشاته الرقيقة الملونة يرتجف. رجعت إلى البيت وقضيت النهار أراقب العصفور المتروك وأتابع أخبار الأسرى الغاضبين، والأخبار التي تهمنا تأتي عادة بالقطارة، أما أخبار الرؤساء التي لاتهمني أبداً فتأتي بعنجهية وغزارة. حين بلغ عدد القتلى المأسورين خمسا وعشرين أسيراً، قررت أن أذهب وأحمل العصفور من مكانه ولو اقشعر بدني ألف مرة.
حين كنت في الثامنة عشرة، وفي أول يوم لي في الجامعة، رأيت قطة مدهوسة على طرف الطريق، كانت متعبة جداً، كان ينبعث من فمها سائل وتموء بصوت منخفض، لم أستطع مساعدتها، إذ لا يوجد في حلب مشفى لإسعاف الحيوانات مثل ستوكهولم، مضيت إلى البيت وليس في رأسي أي انطباع عن أول يوم لي في الجامعة، إلا القطة الصغيرة المدهوسة وهي تستنجد.
أغلقت التلفاز والراديو والانترنيت وأذنيّ، وخرجت لأنقذ العصفور. لكني لم أجده، افترضت أن عابراً سويدياً حمله.
عدت لأعلم ابني قول اسمه على الأقل، لم يأبه. تعبت من تكرار اسمه من دون جدوى. أدرت التلفاز والراديو والانترنيت وأصغيت وقرأت وشاهدت، تفاوتت أنباء البلد بين أن عدد القتلى تجاوز المئة وبين أنه مازال خمساً وعشرين.
خرجت مرة أخيرة لأشتري الحليب لابني، الأمر الذي أفعله يومياً في المساء. كنت مقهورة وغاضبة، فالعصفور السويدي يجد من ينقذه أما أهل البلد فلا يجدون أحداً يتذكرهم، لكن ظني لم يكن بمكانه على الإطلاق، تبين لي أن العصفور المسكين أيضاً لم يكترث به العابرون، فقد وجدته مرمياً على بعد متر فاتحاً منقاره على آخره من شدة الألم قبل أن يموت أو يقتل، أحشاؤه متدلية و ريشاته الملونة رطبة ولامعة بدمه.
التفتّ غاضبة إلى صاحب الشرفة، لأحمله ذنب العصفور، لكني وجدت الشرفة فارغة.
لا فرق إن حملوني ذنب العصفور، ففي هذه الرقبة ذنوب كثيرة.
أغلقت باب البيت خلفي.
كانت حصيلة ذنوب الرقبة لهذا اليوم، دزينتين من الأسرى في الشرق وعصفور حر من الغرب.







#منهل_السراج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاتركل الدلو بقدمك
- بنطال الشاب على وشك السقوط
- حتى لاننساهم
- ترجع الفداء وتدور النواعير
- ماذا لو أعلن الحاكم توبته
- المقال اليومي -عن الاعتقالات في سوريا-
- شكرا للزائرين الأمريكيين
- فداء الحوراني والجدار يعلو
- حنان الكلب
- جائزة نوبل غرباً وجائزة العيد شرقاً
- الشباب حين يعملون شرقا وحين يعملون غربا
- الترجمة الشفوية، العلة في العتالين
- حبيبة أورهان باموق
- حجاب المهاجر
- الأمن تاج على رؤوس الآمنين
- اللجوء إلى السويد
- علاقات ساخنة علاقات باردة
- نساء الشان العام
- مجموعات ومواقع سقط عتب
- حجاب أم عقيدة أم إنه عادة


المزيد.....




- بعد قانون ترحيل لاجئين إلى رواندا.. وزير داخلية بريطانيا يوج ...
- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - منهل السراج - دزينتان من الشرق وعصفور من الغرب