أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام السراي - كلمات عالقة في الذاكرة عن لقاء غير عابر















المزيد.....

كلمات عالقة في الذاكرة عن لقاء غير عابر


حسام السراي

الحوار المتمدن-العدد: 2519 - 2009 / 1 / 7 - 07:28
المحور: الادب والفن
    


مازلت أذكر ذلك اليوم 9 -1-2007 ، أي بعد أسابيع من العودة الى سوريا ، حيث المجهول والأنتظار اللامجدي سمّتان لتلك المدة ، بعد تجربة مرّة مع السفر والبحث عن ملاذ آمن ، وكأن اليوم الذي ينقضي خارج حدود العراق ، تختصره أسئلة من نوع :" هل الرحيل من عمل الجبناء ؟ " ، وهل كانت تلك الحدود التي عبرناها حدودا للجحيم بعينه ؟ ، فانشغلت حينها بالذهاب الى المركز الثقافي الاسباني أو الألماني أو الفرنسي ،والمكتبات العامة في دمشق ، لمطالعة كتب وروايات لماركيز ولوركا ونيرودا ودواوين لنيتشه ومؤلفات لـ(ألفونس دولامارتين)، فضلا عن اجراء الحوارات مع مبدعين وأسماء عراقية مسكونة بالهم ّ العراقيّ ، وكان ذلك في مضمونه هروبا من وجع المغادرة القاسية .
وفي لقاء لم يكن عابرا أبدا ، شهد مقهى الهافانا الشهير في دمشق ، ساعتين من الحوار الشفاهيّ مع المخرج المسرحي د.جواد الأسدي . اذ من طبيعة الصحفي المحاوّر أن يسجل في ذهنه مايشبه البيبلوغرافيا الداعمة لحوار أي اسم ثقافي ، وحوار جواد الأسدي ، ربما فيه من المميزات الكثير ، لأنك تحاور مبدعا ترك بلده منذ عقود ، نتيجة أوضاع سياسية شائكة ومعقدة منذ سبعينيات القرن الماضي ، ومن ثم عاد الى العراق ، لكنه خرج منه وفي البال ترقص نية اللاعودة ، كما أظن ، وفعلا تحدث الأسدي عن صعوبة أيامه في بغداد مابعد العام 2003 ، حين أسس ورشة مسرحية فيها ، وعبر عن ذلك بقوله "كنت أمشي كأي عراقي على أهداب الموت " ، وبأستمرار الحديث معه ، ونحن نتكلم عن الشعر ومسرحته ، تلمست منه حالة من اليأس ، لم أفهمها حقيقة ، وهل هي بسبب ما يحدث من خراب نتيج للأمس ام بفعل المنفى الذي يجعل أي مثقف في حالة صراع مع الذات بانتظار الحلم أو المخلّص، خشية من "الخواء التام "، بعد خسارة المكان ،الذي يبقى محورا لجميع الفعاليات الإبداعية لهذا الإسم او ذاك ،فيصير المكان الجديد ، أي مكان ، مساحة للشفاء من جراحات المكان الأول، وقد يصبح الأمر بمثابة الإرتماء في حضن جديد .
وما إن بدأنا الكلام عن العراق وألمه ، بدأ الأسدي كلامه عن الوضع من باب ثقافي بحت ، وأبدى تحفظه على راهن الثقافة العراقية الآن ودورها في احتواء شيء مما يحصل ، وان هناك – والكلام للأسدي - حالة من القطيعة الشخصية مع الوسط الثقافي و جميع الأجواء التي تتسيدها "الانتهازية " ، على حدّ وصفه ، وما يتصل باستشراء الأصولية في المجتمع العراقي . فهو يرى ان أسماء معينة ، حظيت بالنجومية في الأمس ،هي نفسها ترفض اليوم أفول نجوميتها بتبديل "أقنعة " وليس "قناع واحد".
ونحن نتبادل الحديث فيما يتعلق بالسياسة والثقافة العراقيتين ، تفاجئت بعض الشيء ، بالرؤى التي يحملها أُستاذنا عن امكانات التغيير في العراق مستقبلا ، فيقول : هناك خراب كبير وهائل في النفس العراقية ، وقسوة في النظر للآخر ولتجربته، صعب صعب جدا "، ويجد ان هذه النظرة "وريثة نظرة البعثيين لأعدائهم ومعارضيهم ،وجاء الاحتلال ليزيد من الطين بلة "، وهنا أتفق مع الاسدي في الجزء الذي يتعلق بالخراب النفسي والاجتماعي العراقي ، لكننا لابد ان نؤمن بالإشتغال على تراكم الوعي في المجتمع ، الذي بات غارقا في مشهد العنف والاقصاء ،بالرغم من بوادر كثيرة للسلام وللمحبة والخصال الإنسانية الرائعة التي لم تفقدها الغالبية ، عندما أفلتت من قبضة سلطة البعث وتشويهها للحياة عبر عقود من حكم يستند لمقصلة جاهزة ، ان قال الجمع( لا) ، جوابا على (هل انتم موافقون ؟).
بينما نواصل حديثنا عن الآماد العراقية السابقة واللأحقة ، تذكّر الأسدي ماجرى معه في القاهرة ، بعد توجيه اللوم من قبل الوفد العراقي المشارك في مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي ، واتهام مسرحيته "حمام بغدادي" ،بأنها تمثل خيانة وطنية ، كونها طلت على الشخصية العراقية من باب شيزوفيرينيتها .
وعمل "حمام بغدادي " ، من تأليف واخراج د.جواد الأسدي ، تمثيل السوريان فايز قزق ونضال السيجري ، واسم الحمام ، فيه اشارة واضحة الى التطّهر ،ثمة فضاءان مسرحيان ، أولهما في حمام شعبي ، حيث القتل والإنفجارات وذكريات صبا لزبائن الحمام!، وثانيهما على الحدود العراقية الأردنية قرب حاجز أميركي ، والمؤأخذة العراقية على النص ،صورتي "مجيد " و"حميد " (سائقي شاحنات على خط بغداد –عمان )،و اللتين تمثلان أو تعكسان صورة المجتمع العراقي ، "المتناقض " "المهشّم " "المنكّسر " "المهزوم".
ووصف بعض أعضاء الوفد في مقالات نشرت ببغداد فيما بعد ، عمل الأسدي بأنه" عرض لم يستطع ان ينهض بخطابه ليوثق حدثاً او يعلن عن موقف محدد" ، فضلا عن " التكرار في الحوار " و" عدم تناسق العرض " و"استخدام اللغة السفلى من اللهجة العراقية العاميّة ".
وذلك كان مؤثرا جدا في نفس الأسدي ، اذ وجدته يستاء جدا من سؤال البعض له مثلا ... لماذا هذا العدد من الأعمال عن فلسطين ولا يوجد ما يماثلها عن العراق ، فهو يرى ألا جنسية أو هوية للفن ، حينما يعيب على من يطالبه بأن يكون أبطال مسرحيته (حمام بغدادي ) من الفنانين العراقيين ، ويقول عن ذلك "هذا شى يدعو للسخرية حقا "... " هل للفن وطن أو جنسية واحدة ".
وبعد أخذ ورد عن طريقة اشتغاله في أي عمل كمن ينصهر في ملحمة ينقطع فيها عن العالم ، وجدت ان اكثر ما يحسب له ، روحه المرحة في التعامل مع الآخرين ، وتجاوزه لتراكم الخبرة وفارق السنوات والعمر الابداعي ، حينما يستمع بنظرات ذكية تقرأ الآخر ، وكأني سأكون ممثلا في احدى مسرحياته المقبلة ، ليدقق هكذا . وكان نهاية ما اتفقنا عليه ، ان يهديني كتبا ومؤلفات له أصدرتها دار الفارابي ببيروت ، كي يكون لقاؤنا هذا ممهدا لحوار أعمق فيه مشاكسات جديدة .
تحدث بشكل سريع عن مشروعه الجديد في بيروت ، وعمله المسرحي الذي يجسد معاناة العائلة العراقية في اجواء الخطف والاغتيال والعنف .
ولم يستطع في نهاية اللقاء أن يخفي فرحه بلقائي والذي كان سببا لتجاوبه معي ، وان أختلفنا في بعض الدقائق بحدة احيانا ، وهو يضحك قال : لابأس مادمت تكتب الشعر ، سنتبادل كتاباتنا ، لنعرف بعضنا أكثر ونمد جسرا ثقافيا ، ربما لن يتحدد بهذا الحوار أو غيره ".
انتهى اللقاء مساء ، ولم تتغير قناعتي بأن بارقة الأمل لدى الأسدي تقترب من الانطفاء كليا .
تمنيت وقتها ،ومازلت، من الأيام المقبلة أن تقدح بارقة أمل تضيء دروب كل المتطلعين والحالمين ، والأسدي منهم بالطبع ،إذ في الأمل ، وبحسب ماكتبه محمود درويش ، مايكفي من العافية لقطع المسافة الطويلة من اللامكان الواسع إلى المكان الضيّق .
ما هي إلا أيام وأسمع من بريد المغتربين الفريد (أبو حالوب ) ، إن الأسدي غادر الى بيروت ، للشروع بعمله الجديد في مسرح بابل .
ولأنه يجد نفسه مثل " طفل متروك " ، يفصح عنها ب "أمشي خلف ظلال لاتعرف الى أين تؤدي بي، فلا أحسب خطواتي وأبرمجها ، بل أذهب حيث يكون المسرح " ، نأمل ان يأتي المسرح بأمل الأسدي وتفاؤله بالعراق، لا غير ذلك .



#حسام_السراي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عباس اليوسفي في محنته: مبكرا وصلتك أيها الموت وبدل أن تسعى س ...
- صداقة المكتوب .. و مجابهة الواقعِ
- سحر الزقورة
- شارع المتنبي ..كي لانبكيه مرة ثانية
- مناشدة الغير ، ماذا تعني؟
- إيقاظ الأسئلة النائمة
- سلطة الأقبية
- مابين مطار أورلي وشاطيء دجلة
- من أحلامنا...مترو
- الشاعر رياض النعماني: نحن بحاجة الى متلقٍ ناقد وخالق دائم لل ...
- الشاعر فاضل السلطاني: طلبت المغفرة عن المنفى و الوطن ولعنت ص ...
- منْ بِِه صَمَمُ؟
- عرسه المدوّن...قضية بلاد
- كريم مروة : المحاصصة الطائفية و السياسية يجب الا تتعدى المرح ...
- القول بانتظار الفعل
- كامل شياع : وحدة المجتمع في الأزمات التأريخية شرط ضروري لنجا ...
- يوميات عراقيين في دمشق
- المسرحي صباح المندلاوي:هناك إصرار على تقديم أعمال مسرحية عرا ...
- أربع سنوات من العمل الصحافي الواسع وجز رقاب الصحافيين العراق ...
- رئيسة منظمة الدفاع الدولية وداد عقراوي : الموضوع العراقي و أ ...


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسام السراي - كلمات عالقة في الذاكرة عن لقاء غير عابر