أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - الكريدي… ذلك الإدمان















المزيد.....

الكريدي… ذلك الإدمان


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2516 - 2009 / 1 / 4 - 04:04
المحور: الادب والفن
    


الحصول على قرض بنكي بمستحقات لا ترهق ، يكون أداؤها بأقساط لمدة عام كامل ، بل عشرة شهور على الأرجح ، فكرة اقتنع بها قبل شهور فقط ، واحتوت مخيلته بالكامل ، وباتت لعبة مسلية تستهويه عند كل مأزق مادي ، رغم أنه ظل يؤدي أقساطها وجعا مضاعفا من دمه وأعصابه طوال عقود.
" ع ف " أستاذ التعليم الابتدائي وموظف السلم العاشر ، استنزفت الشركات المقترضة راتبه مستحقات مستحقات ، بشكل يبعث على القلق خلال السنوات الاخيرة ، كان زواجه الأول فاشلا ، وبقدر ما شكل الطلاق حلا سحريا لمشاكله ، كان بنفس القدر مدخلا لمشاكل من طينة أخرى ، أدمن كافة أنواع السلف وشركاته ، سلف النفقة ، التلفزة والثلاجة ، وسلف غرفة النوم الأولى،وسلف الدخول المدرسي، وسلف الصيف ... ، ولعل ذاكرته المتخنة بالانكسارت تحفظ 23 من أسماء وكالات السلف وسلاليمها وماتوفره من فوائد و امتيازات ..لكنه وعلى نحو مذهل يعتبر السلف بالنسبة لموظف متهور مثله مساعدة مقبولة ، ويرتقي به إلى الحل الأمثل ، والبديل الأكمل الذي لا بديل له في الوقت الراهن . عندما تخاطبه والدته قائلة" لكريدي لي تادير أولدي للعيد مزحة ثقيلة ، فضلا عن كونها مجرد لعبة مربحة بالنسبة لوكالات السلف التي تنهش راتبك وتحرمك منه عبر وصلاتها الاشهارية الزاحفة في كل مكان ، التي تغطي مساحات شاسعة من فضاء المدينة المترب " . يجيبها على الفور " أيما.. أنت تتعرفي الحولي للعيد وصافي، مشي شغلك منن تتجي لفلوس .."
لذلك ، و قبل أن تسطع شمس عيد الأضحى بثلاثة أيام ، خطط رفقة زميل له يدعى " ف ع " 47 سنة ، تقني بمصلحة الأشغال العمومية بفاس حتى يكونا في الموعد ، موعد تقديم الطلب وانتظار دراسته مع شركة سلف جديدة بالمدينة الجديدة.
وضع" ع ف" طلبا للحصول على سلف بقيمة 3000 ألف درهم مستغلا بروموسيون العيد، هذا ديدنه كل عيد ، وهو الآن يتضرع سائلا الله تعالى كي تتمم الوكالة خيرها هذا العيد ، وتوافق على الطلب دون تحفظات ، فرقبته جاهزة سدادة ، وهي على المشنقة منذ سنوات ، وشركة السلف التي أضحى زبونا تقليديا لها أحكمت حبل الإعدام حولها . فكان أول سلف سينتهي عندما تحل سنة 2018 .
الصادم في الأمر ،أن المستخدمة التي تبتسم على الدوام هاتفته ساعات بعد إيداعه الطلب ، وعلى غير العادة قائلة " خويا اطلع لاجونس بغاتك"
حزر "ع ف" أن الأمر رفض ، و تمنى لو أن الحكومة حسمت في الأمر وألغت العيد لأسباب مخدومة، ثم تساءل لنفسه " ماذا لو أن وزارة التربية خصصت لموظفيها منحة خاصة كل عيد ،وفي مرة زاغ به الخيال ، وقال في نبرة ثقة " سأشتري داندو" بيبي" كبير ، وانتشي بذبحه " ياك المهم هو الدم " .
عندما وطئت قدماه باب الوكالة الزجاجي اللامع استنشق هواء هو مزيج من الشيكات والأرصدة ، وتنسم عبيرا ملتبسا ، وهو يتقدم مكتب الموظفة المسئولة عن الصرف بعينين تتسعان وأصابع ترتجف"
- صافي أختي ...
- صافي أخويا..
تنفس الصعداء ، وبالكاد ترجل وقرر لحظتها منحها 50 درهما حلاوة مكافأة لها على الخبر الجميل السار ، كما لو كانت تقدم له هبة أو تمنحه صدقة ، وقع بعض الأوراق من غير الرغبة في الاطلاع على مضامينها ، كان سخيا إلى حد بعيد، فيما كانت الحسناء تسحب الورقات مثل آلة يقظة." ساهاتفك..قريبا..ما تكون غير على خاطرك" .
من أجل استلام شيك السلف الجديد ، الثالث من نوعه خلال شهور ، طلب رخصة من إدارته ، واستقل سيارة أجرة مبكرا ، عسى أن يظفر بدور متقدم ، لكنه اصطدم بطابور طويل ، العشرات من الموظفين الصغار أمثاله ينتظرون اللامر نفسه ، ليس لأنهم من وذوي الدخل المحدود فحسب ، ولكن لأنهم أدمنوا السلف ، وبات مخدرا يغلي في دمهم مثل النيكوتين ، أمام كل امتحان مادي مهما كانت ظرفيته.
عندما ينحر الأستاذ" ع ف" عنق أضحيته يوم العيد الجديد ، سيشرع في البحث مباشرة عمن يفك عنقه من حبل الكريدي اللعين الذي سيستمر إلى العيد القادم ، المنظومة نفسها تتكرر لسنوات ، حتى تقزم راتبه ليصل إلى 1000درهم فقط لم يكن السلف قدر صاحبنا ، وإنما ثقافة السلف التي أدمنها نكهتها المدوخة ،حتى التي أصبح أسيرها الدليل ، فأحكمت السيطرة على ذكائه . وكأن العيد ، أي صيف ، لا يستقيم إلا وهو يوقع الأوراق الرسمية ويصادق عليها .
تسلم ع ف المبلغ بعد خصم تكاليف الملف ، وحلاوة المستخدمة ، واستقل سيارة أجرة وهو يغلي فرحة ، لن تدوم طويلا .
"عف" كغيره من الموظفين ، لا يستطيع الاحتفال بالعيد دون أن يطرق أبواب وكالات السلف حتى ولو تزامن ذلك مع علاوة أو تسوية مادية مهمة.
في لحظة صفاء ذهن يقول عبد ح " عندما أحلل الأمر مع نفسي بقليل من المنطق، أكتشف أن قضاء عيد جميل بكل طقوسه وعاداته ، لا يقتضي مني بالضرورة المرور على وكالة سلف " ثم يستطرد قائلا " . هناك عمال بسطاء، لا تتجاوز رواتبهم الشهرية الحد الأدنى للأجور ، ورغم ذلك ، يعيلون أسرا بأفراد كثيرين ، ومع ذلك يستطيعون شراء الأضحية ، وكل مستلزمات العيد دون أن يأخذوا قرضا بنكيا "
وفي مقابل هؤلاء، يستحضر ع ف موظفين تعساء أمثاله ، كانوا يتقاضون رواتب لا بأس بها ، وما أن تقترب مناسبة ما حتى يوجهوا أقدامهم صوب وكالات القروض ، لوفير ما يكفيهم من المال كي تمر المناسبة بسلام ، وهو واحد من هؤلاء .
"كثير من الناس لا يعرفون كيف يتعاملون مع شؤون الحياة بشكل جيد" يقول زميل آخر " يمكنك أن تجد في نفس الإدارة موظفين يشتغلان بنفس الراتب ، ويوجدان على نفس السلم ، ويعيشان ظروفا اجتماعية متشابهة ، لكنهما لا يقضيان العيد بشكل متشابه ، فقط لأن أحدهما يلجأ في كل عيد إلى ، بينما الثاني لا يفعل ذلك" . لماذا يحصل هذا بالتحديد؟
ويرى صديق من قدماء "السلفيين" هناك أشخاص كثيرون لا يعرفون كيف يتصرفون في الرواتب التي يتلقونها على رأس كل شهر ، بمجرد أن تقع النقود في أيديهم حتى يبذرونها دون تفكير ، وفي أشياء تافهة يمكن الاستغناء عنها . ولعل زميلنا "ع ف" واحد منهم . عزيز باكوش



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديد السعر الأدنى للتسول بفاس في درهم واحد
- الوكالة المستقلة للنقل الحضري لولاية فاس بين الحال والمآل
- المساء والشيشة بفاس
- الكاتب المغربي أجير بالدولار في المشرق، مناضل ببلاش في المغر ...
- حذاء يزار
- الصحافة: سؤال الماهية ومنطق الممارسة تقديم وحوار: عزيز باكوش
- قراء المساء المغربية يدفعون ثمن جرأتها4/6
- عن المستوصف الذي ولد ميتا قبل عشر سنوات بمنطقة -بلكرون-
- كلمة بمناسبة الذكرى السابعة لإنشاء الحوار المتمدن
- قراء المساء المغربية يدفعون فاتورة جرأتها 3 /6
- -جماليَّات الموت في شعر محمود درويش- كتاب جديد للشاعر والناق ...
- خمس مجموعات قصصية جديدة للأطفال آخر إصدارات أحمد هشيمي
- صراع الأفيال تدفع ثمنه الحشائش2
- جريدة المساء المغربية دردشة حول الحكم والتأويلات
- الشاعر المغربي بن يونس ماجن يواصل مسيرته الإبداعية شاعرا بكل ...
- دفاعا عن الضحك خارج أسوار رمضان
- إمكانية التسليم المؤقت للأطفال المتخلى عنهم- الكفالة- بات مت ...
- الدكتور يحيى اليحياوي في رصد دقيق لتطورات للمشهد الإعلامي ال ...
- الاعلامي المغربي المغترب محمد نبيل يرصد بدقة تموجات المشهد ا ...
- الشاعر المغربي عبد الرحيم أبو صفاء يوشوش عند منعطف السمع


المزيد.....




- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - الكريدي… ذلك الإدمان