أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - تحديد السعر الأدنى للتسول بفاس في درهم واحد















المزيد.....

تحديد السعر الأدنى للتسول بفاس في درهم واحد


عزيز باكوش
إعلامي من المغرب

(Bakouch Azziz)


الحوار المتمدن-العدد: 2509 - 2008 / 12 / 28 - 05:53
المحور: الادب والفن
    


التسول في فاس سنة حميدة وممارسة سلوكية تنبسط لها الأسارير سخية ، ولا ينفذ أجرها في سوق التداول الأخلاقي سريعا ، ولذلك ، تتراءى معالمها للوافد الجديد بالألوان الفاقعة مثل صور المآثر و الأبواب التاريخية على صفحات كتالوج في مركز سياحي رخيص.
لذلك ، لا يحتاج إلى أقنعة هذا التسول الفاسي ، إذ يكشف عن نفسه بكامل الأصالة والأريحية ، فيفتخر به أهل فاس متعدد الملامح ، و يطالع العابرين مكتمل البنود والأوصاف ، ويتجسد للوافدين من مختلف الأجناس والأعراق نموذجا محليا للتعايش والتمازج الأصيل بين الفاقة وآفة العولمة الرحيم .
صباحا ، في شارع الحسن الثاني ذي النافورات القاذفة للمياه ليل نهار، حيث أشجار النخيل المجلوبة من قطر ب9 ملايين للنخلة الواحدة ، وحيث الكرة المحمولة تدور تحت مراقبة صينية بالدولار ، ينتصب التسول عنوانا حداثيا لمذهبنا الكوني في التعايش ، يستحضر ما تبقى في شعورنا من كبرياء الروح العابرة لجوع مضى ، وآخر يستكشف مستقبلنا البهيم .
فعبر هذا الوازع الإنساني الصرف التسول ، يتقافز صوبك الضمير ، فتستحضره من خلال واقع الحال عيونا شاخصة ، وأكفا ضارعة متوسلة بلا كلل أو ملل ، و يستجديك مساء في زنقة بالية من فاس البالي حيث الظلام ورائحة الرميم و الأبخرة صنوان . في كل زنقة ودرب..في كل التواء ومنعرج هناك شيئان كلب ومتسول .
والتسول إلى ذلك ، ثابت من تقاليد فاس العريقة ، حيث الماء العادم وأخوه العذب غير الشقيق يتسريان كالسليقة في الفضاء أنساما ، تحت أجساد متسولة ممددة أمام أبواب ومداخل أضرحة الله المتناسلة ، حيث الولوج إلى حرماتها ، يتم بالواعظ الدليل ، وبالشمعة والقنديل ، ولا تفتتح مراسيم الزيارة والمرور إلا بالفتوح و بالصلاة والسلام على رسول الله ..وتفضل ألحاز " الحاج" وصباحك أسيدي . .. سير اللهم تعالى يسهل أمرك..
بدء من تقويسة باب بوجلود إلى غاية ضريح مولاي إدريس ،الفار من بطش العباسيين ، تستجديك عشرات الأكف السوداء المنقوشة بإزميل الصحراء ، والراحات البيضاء الناعمة ، والصفراء الكالحة والزرقاء المتورمة ضارعة مبتهلة ، تتوسل خبزة في خنوع، أ و طعاما لأبناء متخلى عنهم، ومشربا لرضيع يجتلب ثديا وعينه على المارين العابرين ، وجنينا يستعد لفتح فمه خارج المشيمة بلا وجع ، بفاس يلتقي التسول بكل اللغات ومن كل الأجناس والأعراق .
-أياموسليمس..صدقة في سبيلله"
-سماماد صدكا في سبيل الله"
- سير اللهم تعالى يسهل أمرك"
-

أجساد أفريقية تفيض حرارة ، تمتلئ قوة تهد الجبال ، تتمطى أمامك ، وتتثاءب في خيلاء ، وخلفك تنثال مثل ضغط جوي عال من كل الجهات يأتيك ، تقفل في وجهك الطريق المقفول أصلا بالعلامات والبخور، وأذيال الثعالب ورموش الأرانب والسناجب وجلود الهوام الماكرة . أبدان لا تكاد ترى منها سوى العيون البيضاء المشعة مثل نمر في ليل أدغال تنزانيا الإفريقية تتسول ، تترصد بدمعتين فريستها وحريق ، فتأخذك الرأفة، ويشد بك الحنين إلى أقصى بقاع الوجدان، فلا تشعر إلا وأنت تقول:
- تأخذ ربعة دريال؟ 20 سنتم " اقل من قرش" أو فلس"
- -لا – يرد المتسول الإفواري في أنفة
- تأخذ عشرة؟" 50 سنتيما"
- لا- يجدد الغاني رفضه في إباء
- شحال بغيتي؟ كم تريد إذن؟
- درهم واحد يقول السينيغالي مرفوع الرأس .
- تريد قطعة خبز مضمخة بعبير شواء؟
- لا يرد الرواندي غير مكترث
- بغيتي شويتي ديال لفريت؟
- لا بغيت لفلوس يرد على الفور ، ذاك الجسد البوركينابي العابر لسبع دول ، والمتخطي سبعة أجناس ويباب مقداره خمسون شهرا وأمل بلا ضفاف .
- في فاس المعبر ، يختلط الحابل بالسائل، والقائل بالنابل ولا تكاد تسمع سوى :
- سلام عليكم..في سبيل الله يامسلمين.
- أيام موسليمس..في سبيلله؟ ينطقها الغاني الافواري لكنة تحمل لمسة إشفاق ، ومسحة إنسانية تقطر ...
- المتسولون الأفارقة انضافوا إلى القائمة ..هم أسوياء ...مقتدرون..أجسامهم أقوياء البنية ..يصطفون مثل أعمدة نور متلاشية، يمر الصخب من تحتها، فلا تعبأ ، فينقلها بروح فكهة دعابات ثقيلة على القلب ، تقارير لمنظمات غير حكومية ، أضحت تنغص صفاء بال الحكومة الفاسية .
الآن ، تأملوا معي هذه الفتاة الجميلة الأنيقة التي تذرع شارع محمد السادس بفاس مرة كل شهر، إنها فاتنة كما يبدو، و كما تكشف معضلة العيون الجاحظة ، غطاء الرأس المخضب بتعريشات أسيوية يبصم على فتنة غامضة ، لكن الفتاة من عجينة حداثية ، تقليعة عولمية طفت على سطح الوقت قبل سنوات ، واجترحت كيانه بمبضع صدئ ، تأملوا مشيتها التي تشبه وزه تائهة، وهي تضم إلى نهديها ملفا برهافة عارضة أزياء تشبع عمود نور ، ملفا يشمل حوالي مئة نسخة ، مرقونة بالبنط العريض "مطلعها :

بسم الله الرحمان الرحيم .

الإخوة في الله ، .......أبي مقعد كسيح ، والدتي لا تبصر ، أدرس بالجامعة ، لدي6 أخوات بنات ، أخي الأكبر بالسجن ، مستحقات كراء بيت مع الجيران توقفت عن الدفع لأكثر من ستة أشهر.. والبقية تعرفونها ، ساعدوني ، والله لا يضيع أجر المحسنين "

رغم أن "دنيا" وهذا إسمها الحقيقي تفتعل كآبة عمر ، وتختصر سنوات الحرمان في بسمة ، فتبدو مثل حزينة في منعطف مهجور، ها هي ذي تهم بتوزيع منشورات نضال ضد الفقر على رواد مقهى مذهولين ، من يرمقها ، أو يتمعن في انزياح خصريها البرونزيتين ، يرسم عنوان جيل نزق أرعن
في مشيتها تأسر ، مرحة وخفيفة دم إلى درجة الإغراء، وقد دربت نفسها بحيث تنحني في عنفوان أمام كل إحراج ، تقف كما لو صممت لذلك بحياء ناذر ، تتمايل في خيلاء مع زبائن المقاهي المكبوتين ، لا يرف لها جفن ، وتحس مع كل درهم يدخل حافظتها بنصر وقاد.

"دنيا" ، دربت نفسها على وظيفة لا تخطر على بال في الشارع العام ، دنيا مهيأة لتقبل كل شتائم الأرض مقابل درهم ، أي والله ، مصممة على امتصاص كل إشكال القمع والازدراء مهما كان المصدر ، بنات جيلها ، وجلدتها، شبان مهووسون ومغامرون يختصرون الحياة في قبلة .

في المساء ، ككل مساء ، تركب "دنيا " سيارة أجرة صغيرة تقلها تجاه محطة القطار ، هناك حيث تلتقي عشيقها ، يلتهمان ، يدخنان ، يضمان بعضهما إلى بعض ، على نغمات الإم ب 3 في طريقهما صوب مقر إقامتهما الدائمة بمدينة مكناس ، وتستمر الحكاية...
عزيز باكوش



#عزيز_باكوش (هاشتاغ)       Bakouch__Azziz#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوكالة المستقلة للنقل الحضري لولاية فاس بين الحال والمآل
- المساء والشيشة بفاس
- الكاتب المغربي أجير بالدولار في المشرق، مناضل ببلاش في المغر ...
- حذاء يزار
- الصحافة: سؤال الماهية ومنطق الممارسة تقديم وحوار: عزيز باكوش
- قراء المساء المغربية يدفعون ثمن جرأتها4/6
- عن المستوصف الذي ولد ميتا قبل عشر سنوات بمنطقة -بلكرون-
- كلمة بمناسبة الذكرى السابعة لإنشاء الحوار المتمدن
- قراء المساء المغربية يدفعون فاتورة جرأتها 3 /6
- -جماليَّات الموت في شعر محمود درويش- كتاب جديد للشاعر والناق ...
- خمس مجموعات قصصية جديدة للأطفال آخر إصدارات أحمد هشيمي
- صراع الأفيال تدفع ثمنه الحشائش2
- جريدة المساء المغربية دردشة حول الحكم والتأويلات
- الشاعر المغربي بن يونس ماجن يواصل مسيرته الإبداعية شاعرا بكل ...
- دفاعا عن الضحك خارج أسوار رمضان
- إمكانية التسليم المؤقت للأطفال المتخلى عنهم- الكفالة- بات مت ...
- الدكتور يحيى اليحياوي في رصد دقيق لتطورات للمشهد الإعلامي ال ...
- الاعلامي المغربي المغترب محمد نبيل يرصد بدقة تموجات المشهد ا ...
- الشاعر المغربي عبد الرحيم أبو صفاء يوشوش عند منعطف السمع
- عندما تنهض الصين ، يختل العالم وينهار ، والبداية من أمريكا


المزيد.....




- الثقافة العربية بالترجمات الهندية.. مكتبة كتارا تفتح جسرا جد ...
- ترامب يأمر بفرض رسوم جمركية على الأفلام السينمائية المنتجة خ ...
- إسرائيل: الكنيست يناقش فرض ضريبة 80? على التبرعات الأجنبية ل ...
- أسلك شائكة .. فيلم في واسط يحكي عن بطولات المقاتلين
- هوليوود مصدومة بخطة ترامب للرسوم الجمركية على صناعة السينما ...
- مؤسسة الدوحة للأفلام تعزز حضورها العالمي بـ8 أعمال في مهرجان ...
- أدّى أدوارًا مسرحية لا تُنسى.. وفاة الفنان المصري نعيم عيسى ...
- في عام 1859 أعلن رجل من جنوب أفريقيا نفسه إمبراطورا للولايات ...
- من النجومية إلى المحاكمة... مغني الراب -ديدي- يحاكم أمام الق ...
- انطلاق محاكمة ديدي كومز في قضية الاتجار بالجنس


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزيز باكوش - تحديد السعر الأدنى للتسول بفاس في درهم واحد