أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..















المزيد.....

لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2506 - 2008 / 12 / 25 - 10:05
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



لا تسأل "هل الله موجود؟" ولكن اسْأل..

جواد البشيتي

هل الله موجود؟

ليس من سؤال يَلْهَج به الناس، ويَسْتَنْفِدون جهدهم الذهني توصُّلاً إلى إجابته، كمثل هذا السؤال.

إذا قُلْت إنَّه موجود فإنَّ "الآخر"، أي المُلْحِد، سيتحدَّاك أنْ تأتي له بـ "الأدلة والبراهين"؛ ولسوف تتحدَّاه أنتَ التحدِّي ذاته إذا ما قال إنَّ الله غير موجود.

هل الشمس موجودة؟

إنَّكما (أنتَ المؤمن وصديقكَ، أو خصمكَ، المُلْحِد) لن تختلفا في إجابة هذا السؤال؛ بل قد تَسْتَسْخِفانه مع سائله، فالشمس موجودة، فكلاكما يراها ويشعر بحرارتها.

هل "الثقب الأسود" Black Hole موجود؟

إنَّكَ، وبحسب فرضيته، أو نظريته، أو تعريفه، لن تتمكَّن من رؤيته أبداً، فالذي يُمكِّنكَ من رؤية الأشياء جميعاً (بعينكَ أو بـ "عين اصطناعية") وهو "الضوء" لا يمكنه أبداً الإفلات من قبضة هذا الجسم الكوني. وليس من "معلومة" يمكنها الإفلات من تلك القبضة.

ومع ذلك، يُمْكِنهم، على ما يدَّعون، "الاستدلال على وجوده"، فـ "الثقب الأسود" يمكنه أن يؤثِّر في "جسم مرئي"، يقع على مقربة منه، فيتَّخِذون من هذا "التأثير (المرئي أو المحسوس)" دليلاً على وجود "الثقب الأسود".

المؤمن بوجود الله لن يتمكَّن أبداً من أن يأتيكَ بدليل على وجوده كمثل الدليل على وجود الشمس، فالله ليس بالشيء، أو المادة، وليس كمثله شيء.

الله، بحسب منطق المؤمنين بوجوده، إنَّما يُسْتَدَل على وجوده استدلالاً، فـ "البعرة تدلُّ على البعير، والأثر يدلُّ على المسير".

إنَّ "الثقب الأسود" يُسلِّح المؤمنين بوجود الله بـ "حُجَّة قوية"، فأنتَ، بحسب منطق فرضيته، يمكنكَ وينبغي لكَ أنْ تؤمِن بوجود هذا الجسم الكوني مع أنَّكَ لن تتمكن أبداً من أن تُدْرِكَ وجوده إدراكاً (حسِّياً) مباشِراً. إنَّكَ تَسْتَدِل على وجوده من خلال "تأثيره المحسوس" في "جسم مرئي"، يقع في مدى تأثيره.

وهذا التشابه بين "منطق الاستدلال على وجود الله" و"منطق الاستدلال على وجود الثقب الأسود" يظلُّ جزئياً، وفي منتهى الضآلة. كل ما نراه، موجود؛ ولكن ليس كل موجود يمكن، أو يجب، أن نراه (بعيوننا، أو بالعيون الاصطناعية، كالتليسكوب والميكروسكوب).

هل يمكن أن نفترض أنَّ البشر قد "اكتشفوا" وجود الله؟

إنَّ أيَّ إنسان، آتاهُ أم لم يأتِه نبي، يمكن أن يتساءل بما يقوده إلى افتراض وجود الله، أو ما يشبه الله، فثمَّة تساؤلات تُعْجِز إجاباتها عقل صاحبها، فتضطَّره، بالتالي، إلى افتراض وجود خالِق للكون.

ولكنَّ الإيمان بوجود الله، وبحسب الروايات الدينية، لم يأتِ من هذه الطريق، فثمَّة بشرٌ، هم الأنبياء والرُّسُل، جاؤوا إلى أقوامهم بما يشبه "الخبر". لقد أخبروهم أنَّ الله موجود، وأنَّه "اتَّصَل" بهم، وأمرهم بأن "يُخْبِروا" أقوامهم بـ "وجوده"، وبـ "وجوب وجوده"، وبـ "وجوب عبادته".

وبحسب الروايات الدينية نفسها، ما كان لهؤلاء "الأنبياء" أن يؤدُّوا "المهمَّة"، وأن ينجحوا في سعيهم، إلاَّ إذا أيَّدهم الله بـ "معجزات"، فـ "صِدْق الخبر" الذي يَحْمِلون لا بدَّ من يُقام عليه الدليل؛ وهذا "الدليل المُفْحِم المُقْنِع" كان على شكل "معجزة ما"، فـ "التصديق" لا يتحقَّق بقول من قبيل "البعرة تدلُّ على البعير، والأثر يدلُّ على المسير".

كان على "النبي" أن يأتي بما يَعْجَز عن الإتيان به البشر حتى يُصدِّق الناس أنَّ هذا الرجل (أي النبي) صادقاً في زعمه.

ثمَّ "رَضَع" اللاحقون الاعتقاد بصحة الرواية الدينية، أي صدَّقوا، بفضل "الرضاعة الفكرية (الدينية)"، كل ما جاء في "الرواية الدينية"، فأصبح دليلهم على وجود الله هو أنَّ نبيهم قد أتى بـ "معجزة"، فآمَن السابقون بنبوَّته، وبوجود الله، الذي أرسل إليهم ذلك النبي.

الله موجود؛ ولا ريب في وجوده؛ ولكنَّ وجوده ليس كوجود الشمس، ولا كوجود "الثقب الأسود". إنَّه موجود كوجود "عروس البحر".

"عروس البحر" هي كائن نصفه رأس إنسان، ونصفه الآخر ذيل سمكة. إنَّها كائن لا وجود له في الواقع (الموضوعي) ولكنَّ مكوِّناته (رأس إنسان وذيل سمكة) موجودة بالفعل.

بـ "الخيال" خَلَق البشر "عروس البحر"؛ ولكنَّهم لم يخلقوها من "العدم"، أي من "لا شيء". لقد خلقوها من "عناصر" موجودة في الواقع (الموضوعي). و"الخيال" مهما قوي واتَّسع ليس في مقدوره أبداً أن يَخْلق أيَّ كائن في غير هذه الطريقة؛ لأنْ لا وجود في رأس الإنسان إلاَّ لـ "صُوَرٍ (ذهنية)"، لها "أصول"، أو "عناصر"، في الواقع (الموضوعي).

هذا الكائن، المسمَّى "عروس البحر"، موجود بالفعل؛ لأنَّه "جزء من الوعي (البشري)"؛ وهذا "الوعي" موجود بالفعل. في الواقع (الموضوعي) لا وجود لـ "عروس البحر"؛ ولكنَّ "فكرتها" موجود بالفعل؛ و"مكان" وجودها هو "الوعي".

أُنْظُر، مثلاً، إلى شجرة التفاح في حديقتك. أنتَ الآن تراها بعينيكَ. أغْمِض عينيكَ، فهل تستطيع أن تراها؟

كلاَّ، لن تستطيع رؤية شجرة التفاح ذاتها؛ ولكنَّك تستطيع أن "ترى" صورتها في ذهنكَ، أو وعيكَ.

"فكرة" شجرة التفاح، أو صورتها الذهنية، موجودة بالفعل في وعيكَ الموجود بالفعل؛ ولكن وجودها لا يعني أنَّ شجرة التفاح ذاتها موجودة في وعيكَ (في عقلكَ ورأسكَ). ووجود صورة الشيء في الوعي لا يؤثِّر على الإطلاق في "الشيء ذاته"، فإذا أنتَ أحْدَثْتَ تغييراً ما في صورة شجرة التفاح فلن تتأثَّر شجرة التفاح ذاتها بهذا التغيير؛ أمَّا لو تغيَّرت شجرة التفاح ذاتها فلا بدَّ عندئذٍ من أن تتغيَّر صورتها في وعيكَ؛ فصورتها ما كان لها أن تَظْهَر في وعيكَ لو لم تكن شجرة التفاح ذاتها موجودة "في خارج وعيكَ"، و"في استقلال تام عنه".

لقد رأيتَ شجرة التفاح، ورأيتَ، أيضاً، وعلى سبيل المثال، نجوماً في السماء الليلية. إنَّكَ، الآن، ومن خلال قوَّة الخيال التي تملك، تستطيع أن تَخْلق "شجرة تتدلى من أغصانها نجوم". تستطيع، مثلاً، أن ترسم هذه الشجرة (الخرافية).

افْتَرِض أنَّكَ قد خلقتها؛ ثمَّ أخبرتَ أُناساً أنَّ "شجرة تتدلَّى منها نجوم" هي شيء (أو كائن) موجود. هؤلاء الناس قد يختلفون في أمرها، فبعضهم يؤمن بوجودها، وبعضهم ينكره.
وكلا الطرفين نراه الآن يتحدَّى الآخر أن يأتي بالدليل والبرهان، فـ "المُنْكِر" يتحدَّى "المؤمن" أن يأتي بدليل (مُفْحِم مُقْنِع) على وجود تلك الشجرة؛ و"المؤمن" يتحدَّى "المُنْكِر" أن يأتي بدليل على "عدم وجودها"!

إنَّ السؤال الذي يستحق أن نبذل الجهد الذهني في إجابته ليس سؤال "هل الله موجود؟"؛ وإنَّما سؤال "كيف وُجِدَت فكرة الله في عقول البشر؟".





#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرب هي الامتداد للانتخابات!
- في نقد نقَّاد -الحذاء-!
- -التهدئة-.. نتائج وتوقُّعات وعِبَر!
- -الإرهاب- بعد بوش!
- إذا تكلَّم الحذاء فأنصتوا!
- ليفني تساعد نتنياهو ضدَّها!
- بعث -المجتمع-!
- بوش إذ تقمَّص حكمة الفلاسفة!
- نحن المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
- اتفاقية تؤسِّس للبقاء وليس للرحيل!
- اتفاقية تنهي الاحتلال بإنهاء العراق!
- الشارني وموسم ازدهار المنجمين!
- الشفافيَّة!
- فلسطينيو -توتسي- وفلسطينيو -هوتو-!
- قصة الولايات المتحدة مع النفط المستورَد!
- -الرئيس- الذي يصنعونه الآن من أوباما المنتخَب!
- سرُّ أوباما!
- فاز أوباما.. وظهر المهدي!
- نظام الرواتب يحتاج إلى إصلاح!
- بوش يتوعَّد العراق ب -القاعدة-!


المزيد.....




- علماء يستخدمون الذكاء الاصطناعي لحل مشكلة اختفاء -غابات بحري ...
- خبيرة توضح لـCNN إن كانت إسرائيل قادرة على دخول حرب واسعة ال ...
- فيضانات دبي الجمعة.. كيف يبدو الأمر بعد 3 أيام على الأمطار ا ...
- السعودية ومصر والأردن تعلق على فشل مجلس الأمن و-الفيتو- الأم ...
- قبل بدء موسم الحج.. تحذير للمصريين المتجهين إلى السعودية
- قائد الجيش الإيراني: الكيان الصهيوني اختبر سابقا ردة فعلنا ع ...
- الولايات المتحدة لا تزال غير مقتنعة بالخطط الإسرائيلية بشأن ...
- مسؤول أوروبي: الاتحاد الأوروبي يحضر الحزمة الرابعة عشرة من ا ...
- إصابة 3 أشخاص في هجوم انتحاري استهدف حافلة تقل عمالًا ياباني ...
- إعلام ونشطاء: هجوم صاروخي إسرائيلي جنوبي سوريا


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - جواد البشيتي - لا تسأل -هل الله موجود؟- ولكن اسْأل..