|
حرب هي الامتداد للانتخابات!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2505 - 2008 / 12 / 24 - 03:10
المحور:
القضية الفلسطينية
قطاع غزة هو الآن، أو من الآن وصاعداً، "الصندوق الانتخابي" الأكبر في إسرائيل، فكلٌّ من نتنياهو وليفني وباراك يصارِع من أجل أن تجري الرياح هناك بما تشتهي سفينته الانتخابية؛ ولعلَّ هذا ما يفسِّر جزئياً، أي إلى حدٍّ كبير، ما تواجهه الحكومة الإسرائيلية من صعوبات في أن تقرِّر على نحو محدَّد وملموس كيفية الرد على إطلاق، واستمرار إطلاق، الصواريخ والقذائف من القطاع على سديروت وغيرها من الأماكن في جنوب إسرائيل.
نتنياهو يريد للتهدئة أن تظل بلا تمديد أو تجديد؛ ولكنَّه يريد الأهم من ذلك، من وجهة نظره الانتخابية، وهو أن تنجح ليفني وباراك، على وجه الخصوص، في أن يُقْنعا مزيداً من الإسرائيليين بأنَّهما مفلسان دبلوماسياً وسياسياً وعسكرياً في مواجهة التهديد الأمني (الفلسطيني) الذي يتعرَّض له يومياً سكان سديروت وغيرها، فهما يكفي أن يظهرا على هذه الحال من الفشل والعجز حتى ينجح رئيس حزب ليكود في أن يجتذب إليه، وإلى حزبه، مزيداً من أصوات الناخبين الإسرائيليين.
وتريد ليفني، بصفة كونها وزيرة للخارجية، أن تأتي للإسرائيليين (قبل الانتخابات) بـ "إنجاز كبير" في المواجهة مع قطاع غزة، على أن يكون في وسعها أن تُظْهِر لهم هذا "الإنجاز"، وتفسِّره، على أنَّه ثمرة لجهودها الدبلوماسية والسياسية في المقام الأوَّل.
أمَّا باراك، وبصفة كونه وزيراً للدفاع، فلا خيار لديه إلاَّ أن ينجح في إظهار وتفسير هذا "الإنجاز" على أنَّه ثمرة تفوُّقه الشخصي في قيادة أعمال إسرائيل العسكرية ضد القطاع.
وحده أولمرت هو الذي لم يبقَ لديه من خيار سوى خيار من ليس له ناقة ولا جمل في هذا الصراع الانتخابي، وإنْ كان يرغب في قرارة نفسه في أن تأتي جهود ومساعي وأعمال خصومهم، وفي مقدَّمهم ليفني، بما قد يساعده في إقناع الإسرائيليين بأنَّه ليس نسيج وحده بين القادة الإسرائيليين لجهة عدم الأهلية.
ولكن، ما هو هذا "الإنجاز الكبير" الذي يتَّفِق المتصارعون المتنافسون، وفي مقدَّمهم ليفني وباراك، على ضرورة وأهمية تحقيقه لإسرائيل، وإنْ اختلفوا، لاختلاف مصالحهم الانتخابية، على كيفية التوصُّل إليه؟
إنَّه، في اختصار شديد، إكراه "حماس"، بالحديد والنار، وبمزيد من الحصار والضغوط، على قبول تمديد للتهدئة لا يلبي شروطها ومطالبها الأساسية، وفي مقدَّمها إنهاء الحصار الإسرائيلي المضروب على القطاع، أو تخفيفه بما يكفي لجعل هذا التمديد يحظى بتأييد شعبي، وبين المنظمات الفلسطينية.
عدا هذا "التمديد"، المكرهة "حماس" بقوى الضغط العسكري والاقتصادي.. الإسرائيلية على قبوله، والذي يستمر فيه، وبه، الحصار، ليس من "حلٍّ"، أو "خيار"، يمكن أن يجرؤ القادة الإسرائيليون على قبوله الآن، فـ "التهدئة التي يستمر فيها الحصار" هي الهدف الكامن في كل ما ستقوم به إسرائيل ضدَّ القطاع من الآن وحتى بدء الانتخابات الإسرائيلية.
وتوصُّلاً إلى ذلك، بدأت إسرائيل حملة إعلامية ودبلوماسية، تقوم على منطق في منتهى الغرابة، فقطاع غزة، تحوَّل إلى "قاعدة إيرانية"، وتُشنُّ منه "الاعتداءات العسكرية والإرهابية" على "مدنيين إسرائيليين أبرياء" في سديروت وغيرها؛ وليس من مبرِّر لهذه "الاعتداءات" بعدما أخرجت إسرائيل كل جنودها ومستوطنيها من أراضي القطاع. أمَّا "الحل"، بحسب هذا المنطق، فيقوم على "معادلة بسيطة" هي "إنهاء تلك الاعتداءات قبل ومن أجل أن تنهي إسرائيل أعمالها العسكرية ضد القطاع"، مع تصوير تلك الأعمال على أنَّها جزء من ممارسة إسرائيل لحقها المشروع (دولياً) في الدفاع عن النفس.
بحسب هذا المنطق، كفَّت إسرائيل عن كونها سلطة أو قوَّة احتلال (وفق القانون الدولي) في قطاع غزة، أي أنَّها أعطت للقطاع وأهله كل ما ينبغي له أن يعطيها الحق في أن تقبض ثمن ما أعطته، هدوءاً وأمناً في سديروت وسائر مناطقها الجنوبية؛ أمَّا استمرار الحصار الإسرائيلي، والذي تحوَّل منذ وقت طويل إلى ما يعدل جرائم حرب، وجرائم في حق الإنسانية، فإنَّ له قصة أخرى مختلفة!
إنهاء هذا الحصار لن يكون، بحسب المنطق الإسرائيلي ذاته، جزءاً من معادلة "هدوء في مقابل هدوء"، أو "أمن في مقابل أمن". إنَّ إنهاءه مشروط بأن تستوفي "حماس"، وتلبي، شروط اللجنة الرباعية الدولية، وبأن تقوم بما يقنع إسرائيل بأنَّ القطاع ما عاد بـ "القاعدة الإيرانية". وفي "مرونة" إسرائيلية قصوى، يمكن أن تقبل إسرائيل إنهاء هذا الحصار إذا ما التزمت "حماس" هدنة طويلة الأجل مع إسرائيل (عشر سنوات من الهدنة مثلاً) مع احتفاظها، في الوقت نفسه، بموقف الرفض للاعتراف بها.
لقد أعلنت "حماس" انتهاء التهدئة، محمِّلةً إسرائيل مسؤولية ذلك. وفي معرض توضيحها لأهم أسباب فشل التهدئة قالت "حماس" إنَّ إسرائيل لم تُنْهِ الحصار الذي تضربه على القطاع، ولم تقُم بنقل التهدئة إلى الضفة الغربية.
ولكن، دعونا نفترض أنَّ إسرائيل قد أنهت من قبل حصارها لقطاع غزة، وتوصَّلت مع "حماس" إلى حلٍّ مُرضٍ للطرفين في مسألة شاليط والأسرى الفلسطينيين، ونقلت التهدئة إلى الضفة الغربية، فهل يستوفي، عندئذٍ، اتفاق التهدئة شروط تمديده ستة أشهر أخرى؟ وهل يُمدَّد، بعد ذلك، في استمرار، أي كل ستة أشهر؟
إنَّه لأمرٌ في منتهى السوء أن يصبح للفلسطينيين، ولأهل قطاع غزة على وجه الخصوص، مصلحة دائمة في أن يستمر التمديد لاتفاق التهدئة في مقابل استمرار التمديد لإنهاء الحصار الإسرائيلي للقطاع.
وإنَّه لأمرٌ في منتهى السوء أيضاً أن يصبح نقل التهدئة إلى الضفة الغربية مطلباً فلسطينياً، فـ "التهدئة" إنَّما تعني الوقف المتبادل والمتزامن للأعمال العسكرية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني. ولو صغنا موقف "حماس" من مسألة "نقل التهدئة إلى الضفة الغربية" بكلمات وعبارات أخرى لجاء موقفها على النحو الآتي: إنَّ "حماس"، التي لا تثق بجدوى خيار الحل عبر التفاوض، ولا تؤمن بأنَّ إسرائيل يمكن أن تعطي الفلسطينيين شيئاً يعتد به عبر التفاوض السياسي، على استعداد تام لأن توقف أعمالها العسكرية (أي المقاومة العسكرية) ضدَّ إسرائيل في الضفة الغربية المحتلة، مدَّة ستة أشهر قابلة للتمديد، إذا ما أوقفت إسرائيل هي أيضاً اعتداءاتها العسكرية في الضفة الغربية، وكأنَّ قطاع غزة "المحرَّر ولكن المحاصَر" لا يختلف عن الضفة الغربية "المحتلة ولكن غير المحاصَرة".
وهكذا انتهى الجدل الفلسطيني في "الخيارين القديمين"، خيار "الحل عبر التفاوض" وخيار "الحل عبر المقاومة (العسكرية)"، إلى خيار ثالثٍ بائس هو خيار "التهدئة"، الذي يعكس، في جانبيه النظري والعملي، سياسة فلسطينية فقدت البوصلة والاتجاه!
أمَّا الجدل الإسرائيلي في شأن الموقف من انتهاء التهدئة فلن ينتهي إلاَّ إلى ما يؤكِّد أنَّ الحرب امتداد للانتخابات!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في نقد نقَّاد -الحذاء-!
-
-التهدئة-.. نتائج وتوقُّعات وعِبَر!
-
-الإرهاب- بعد بوش!
-
إذا تكلَّم الحذاء فأنصتوا!
-
ليفني تساعد نتنياهو ضدَّها!
-
بعث -المجتمع-!
-
بوش إذ تقمَّص حكمة الفلاسفة!
-
نحن المسؤولين عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية!
-
اتفاقية تؤسِّس للبقاء وليس للرحيل!
-
اتفاقية تنهي الاحتلال بإنهاء العراق!
-
الشارني وموسم ازدهار المنجمين!
-
الشفافيَّة!
-
فلسطينيو -توتسي- وفلسطينيو -هوتو-!
-
قصة الولايات المتحدة مع النفط المستورَد!
-
-الرئيس- الذي يصنعونه الآن من أوباما المنتخَب!
-
سرُّ أوباما!
-
فاز أوباما.. وظهر المهدي!
-
نظام الرواتب يحتاج إلى إصلاح!
-
بوش يتوعَّد العراق ب -القاعدة-!
-
النظرية الاقتصادية الإسلامية في حقيقتها الموضوعية!
المزيد.....
-
بالصور.. سيارة تصطدم بمبنى مطار مانيلا في الفلبين وتقتل طفلة
...
-
فيديو لكلب يلاحق موظفة توصيل في شارع بكاليفورنيا ينتهي بمأسا
...
-
الجيش السوداني: طائرات مسيّرة انتحارية تستهدف منشآت في بورتس
...
-
المعركة ضد الحوثيين .. لماذا هي الأكثر تكلفة لأمريكا حاليا؟
...
-
هل سيتمكن الذكاء الاصطناعي من علاج جميع الأمراض؟
-
مصرع شخصين في حادث مروع بمطار مانيلا (صور+فيديو)
-
الجيش السوداني: قوات الدعم السريع تنفذ أول هجوم بالمسيرات عل
...
-
الجيش الإسرائيلي: رصد صاروخ أطلق من اليمن وصفارات الإنذار تد
...
-
الاحتلال يقر بمقتل وإصابة جنود في رفح ويسعى لتوسيع عملياته ف
...
-
هجوم روسي على كييف وأوكرانيا تعلن إسقاط مقاتلة بزورق مسيّر
المزيد.....
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
المزيد.....
|