لكن الطائرات لم تجيء..(قصة)

تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 2494 - 2008 / 12 / 13 - 11:02
المحور: الادب والفن
    

..تواصل الريح صولاتها..تكنس المهملات..تقتلع الأشياء اليائسة..وتترك الكائنات فاقدة رشدها وهي تستبدل أمكنتها بحثاً عن ملاذات بديلة..
***
لازم البشر منازلهم،لقد كانت رغبة قبل أن تغدو حقيقة ماثلة،طال انتظارهم وفاضت ابتهالاتهم قبل أن تهبط عناقيد مناجاتهم وتلف البلاد بموجات لا تنقطع من رمال تدفعها ريح غاضبة،تمنوا أن تواصل الريح ثورتها كي يتنفسوا الصعداء،لقد سئموا الحروب وما عاد بوسعهم احتمال هدير الطائرات المغيرة،وليس من الممكن توفير الغذاء الأبدي لنيران لا تنطفئ،ضاقت الحيل والسبل لمعالجة الدمار المتنامي،وكانت فرصة مناسبة رغم قسوتها ليلتقطوا أنفاسهم،تخلصوا من أصوات الفجائع..وارتاحت خاصرة الأرض من إنغرازات القنابل ومعاول حفّاري القبور وأوتاد خيام المآتم..
***
صبيحة كل يوم،تندلق الحشود البشرية،تتلاطم الأجساد وتتناثر الأشياء،مشادات جنونية تحصل أمام ثغور الملاجئ،العويل يتواصل،يهبط من الفضاء ليغتصب الرؤوس،القلوب تنتفض..العيون ترتجف..وساعات الأرق تمر مرور السلحفاة،خوف..جوع..عطش..لكن الطائرات لم تجئ،وعند الظهيرة تدلق الملاجئ حشود بشرية متهالكة،تتجه العيون لتلتصق بالسماء،عويل طويل لا ينقطع..فراغ يتسع..أشباح تتشكل..ونقاط سود تتوامض وتضمحل في زرقة شاحبة ساكنة..
***
..الأيام تنقرض..نهارات دبقة..ليالي شاحبة..تمر الأسابيع لتشكل عربات الأشهر قبل أن تبتلعها قاطرة السنوات النهمة..العيون ابيّضت جراء ملاحقتها اللون الرمادي المتموج،لا أثر لمنبع هذا العويل الطويل المستهجن..هكذا تنجرف الحياة..عويل طويل يعوي..ريح تباغت..وطائرات ما عادت تجيء..
***
..يقولون:عويل طائرات تضرب البلدان القصية..!!
..يقولون:عويل السماء الغاضبة على البشر..!!
..يقولون:عويل أرواح القتلى في العراء..!!
..يقولون:عويل أهل القبور لبدء يوم الحساب..!!
..يقولون:
..يقولون:
..يقولووووووووووووو… !!
***
أرهط ناس جاءوا من أقصى الحياة يتلاهثون..فتيان شاخوا قبل الأوان..مرضعات بلا رضع..حفاة..عراة..استوضحوهم حال الدنيا..
بلع كبيرهم ريقه وتحشرج صوته:
ـ جئنا ننشد ملاذاً..
ـ يا عم ماذا يحصل..خبرنا..؟؟
ـ يقولون..بوق مد عنقه من السماء وبدأ بقذف نعيقه..!!
***
..وقبل أن يهل الفجر،شاع الخبر،فاندفعت الجموع تفر باتجاه العدم..!!
***

#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل