أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي الحمداني - الوطنية والتعددية















المزيد.....

الوطنية والتعددية


حسين علي الحمداني

الحوار المتمدن-العدد: 2482 - 2008 / 12 / 1 - 03:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يتفق علماء الاجتماع السياسي على أن مفهوم الوطنية أخذ طابعه السياسي بعد أن تشكلت الدول وفرضت الحدود الجغرافية. وهنا نجد أن مفهوم الوطنية مفهوم محصور في المعنى السياسي كما يصوره لنا علماء السياسة الغرب وهذا في الواقع ضيق كثيراً من مفهوم الوطنية وجعله مفهوماً سياسياً أكثر منه مفهوماً إنسانيا شاملاً.
ودون شك إن الفكر السياسي الإسلامي لا يعترض على المعنى السياسي لمفهوم الوطنية، ولكنه يعطي لهذا المفهوم اتساعاً بحيث يصبح مفهوماً أكثر شمولاً. فالمواطنة الصالحة ليست حكرا على مكان دون آخر بل هذه الممارسة مطلوبة في كل زمان ومكان في الداخل والخارج. ولعل أبرز من أعطى لمفهوم الوطنية اتساعه الإنساني المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ليس منا من دعا إلى عصبية). وبردِّه حين الشجار على من قال مستنجداً بعصبيته( ياللأوس.. ياللخزج!) فقال " أبدعوى الجاهلية!، وأنا بين أظهركم؟!"
وفي هذا الحديث نجد الرسول الكريم يحرص على التلاقي الإنساني بين كل فرد في المجتمع الإسلامي. وهذا التلاقي يجعل لمفهوم الوطنية أساساً ثقافياً واجتماعياً وأخلاقياً إلى جانب الأساس السياسي. وفي هذا السياق فالإسلام تجاوز المعنى السياسي الضيق لمفهوم الوطنية. ذلك أن إبراز المعنى السياسي على كل المعاني الأُخرى في مفهومها للوطنية يعطي الوطنية صورة فكرية مشوهة وقاصرة، حيث سيكون الانتماء السياسي أو الولاء السياسي للقبلية أو العائلة أو الجماعة التي يولد فيها الفرد على حساب انتمائه الإنساني أو ولائه للوطن زماناً ومكاناً.
وفي ضوء ذلك نرى أن الإسلام يعطي مفهوماً إنسانياً شاملاً للوطنية. ذلك المعنى الذي ينصهر فيه الولاء أو الانتماء من الجزء إلى الكل، بحيث لا يتوقف امتداد الولاء أو الانتماء عند حدود العائلة أو القبيلة أو البلدة، وإنما يتسع ليشمل كل شيء من مكان الوطن وزمانه ودون حدود لمعنى السياسة والجغرافيا أن (قولوا للناس حسناً) (وتعاونوا على البر والتقوى) بل وفي حال عدم الوفاق أياً كان (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى)
وفي الواقع أن الدول يجب أن تكون هي موضوع التقاء كل التوجهات والأفكار والآراء التي تعكس نوعاً من التعددية الثقافية/الفكرية في المجتمع. إذ إن الوطنية إذا لم تكن فوق "التعددية الثقافية" فلن تكون لها جذور في سلوكيات الإفراد والجماعات. وهنا يمكن القول: بأن من أبرز المشكلات التي تواجهها الوطنية اليوم هي : مشكلة التعددية الفكرية. وهذا ينطبق على كل المجتمعات الإسلامية بما في ذلك المجتمع العراقي. فالمجتمع العراقي – بالرغم من نجاحه في التلاقي والتوافق الوطني خلال العقود السابقة – يشهد الآن مؤشرات تصدع نظراً لتفاقم ما يمكن تسميته بمشكلة التعددية الفكرية.
والتعددية الثقافية/الفكرية في حد ذاتها ليست مشكلة، فمن حق كل فرد وكل جماعة أن يكون لها من الطرائق الفكرية والمذهبية ما تريد!. ولكن شريطة أن تكون كل المرجعيات الثقافية قائمة على أساس المصالح الوطنية العُليا، ولا تشكل خرقاً لمسلمات الوطن. وهذه المصالح الوطنية العُليا إنما هي مصالح المجموع وليست مصالح خاصة منعزلة تؤدي في النهاية إلى الصراع الفكري في المجتمع. ذلك الصراع الذي يمكن أن يشعل نار الفتن والانقسام الاجتماعي والإنساني ويغذي قنوات التطرف والإرهاب ليقضي على كل قيمة شريفة دينية كانت أو وطنية.
وفي الواقع أن الوطنية يجب أن تحتوي التعددية ومن ثم تؤدي إلى التلاقي الثقافي، وهنا فإذا كانت الوطنية مجموعة من القيم الأخلاقية والسياسية فهي أيضاً مجموعة من القيم السلوكية. ولا يمكن بأي حال الفصل بين القيم والسلوك في مجال الوطنية.
الوطنية ليست مفهوماً سياسياً فحسب، بل إنها مفهوم يستوعب مجالات مختلفة في واقع حياتنا الاجتماعية. وهذا الفكر مقيد بحدود الزمان والمكان. ولا يستطيع البحث العلمي النزيه أن يُجرد الفكر الوطني الإنساني من حدود الزمان والمكان. وإذا كان الإسلام يعطي لمفهوم الأمة تصوراً شاملاً أو كلياً يتخطى حدود المكان والزمان. فإن ذلك التصور لا يتعارض مع تصور الوطنية في حدود الزمان والمكان. ذلك أن التصور السليم للوطنية له مستويان هما:
أ‌- مستوى العلاقة بين الفرد ووسطه الاجتماعي.
ب- مستوى العلاقة بين الفرد والوسط الاجتماعي الإنساني العالمي.
ورقيِّ الوسط الثاني يعتمد اعتماداً كلياً على رٌقي الوسط الأول. فإذا حافظ الفرد على اتزان حبه وانتماءه لوطنه وأهله وأبناء عشيرته فإنه من الطبيعي أن يحافظ على ذلك بالنسبة للأمة..بل والعالم أجمع.
غير أن القوى العالمية المعاصرة لا تريد للوطنية أن تنمو في هذين المستويين. وإنما تريد هذه القوى استبدال الوطنية/المواطنة المحلية بالتغريب Westernization والوطنية/المواطنة العالمية بالعولمة Globalization ولا شك أن عملية الاستبدال هذه تتم بوسائل الترغيب والترهيب. ووسائل الترغيب كثيرة منها الانضمام إلى اتفاقيات التجارة العالمية والمشاركة في المشروعات وإقامة منطقة تجارية عالمية في المنطقة الإسلامية وغيرها من المنظمات والشركات العالمية. ووسائل الترهيب كثيرة منها: الحرب الإعلامية على القيم الإسلامية، والغزو العسكري وتغذية الصراعات الطائفية.
والمتتبع لواقع المجتمع العراقي ومسيرته يجد أن الوطنية تواجه مأزقاً في إطار التحديات والتغيرات الدولية المعاصرة. ويمكن القول ابتداءً بأن الوطنية هي:مجموعة الأفكار والقيم المرتبطة بثوابت الزمان والمكان والتي تمتد لتشمل مستوى العلاقة بين الفرد ووسطه الاجتماعي وتشمل مستوى العلاقة بين الفرد ووسطه الاجتماعي الإنساني العالمي.
ولاشك أن الوطنية في ظل الموجات العالمية من التغريب والعولمة في أشد الحاجة إلى مجهودات وطروحات رجال العلم والثقافة وعلماء الدين والاجتماع والسياسة من أبناء الوطن. تلك المجهودات التي تعمل في إطار جماعي من أجل وضع شروط جديدة للاتساق والتكامل في بنية الوطنية العراقية.
وليكن هدفنا في المقام الأول يهدف إلى تذويب التناقضات وأسباب العزلة الفكرية والنفسية بين الناس. فمن المهم جداً أن يتحاور أعضاء المجتمع ويتناقشون بهدف الترابط العضوي والفكري والتكيف الوطني مع ظروف المجتمع وتحديات الداخل والخارج. وكما يقول الاجتماعيون لا يمكن للدولة في عصر المتغيرات أن تقوم بكل شيء. وبالتالي فقيام مؤسسات اجتماعية تعنى ببث ثقافة الحوار وتنمية الفكر والتلاقي الثقافي يعد مهمة وطنية تحتاج إلى وعي بها ومن ثم ممارستها في مؤسسات المجتمع المختلفة رسمية وغير رسمية. وهذا هو خطوة في المسار الصحيح ووسيلة مهمة في بث وتنمية ثقافة الحوار والتلاقي بين أفراد المجتمع وأطيافه. ولكن هذه الوسيلة تحتاج إلى تفعيل اكبر وأكثر لتكون ممارسة عملية في كل مدينة وفي كل مدرسة.
.ذلك أن المرحلة التاريخية الحالية تتطلب بل تفرض علينا نحن أنباء الوطن الواحد قدراً كبيراً من المرونة الفكرية التي تؤدي إلى الشعور بالمسؤولية الوطنية سواء من جانب الفرد العادي أو من جانب المثقف. ولعل مما يحد من التوجهات المغالية في اليمين أو اليسار العمل على نشر الفكر الوسطي وتهيئة البيئة الاجتماعية والتعليمة والإعلامية له. وتيسر كل الوسائل والسبل لنشره، مع الحرص على الحد من كل قناة شخصية أو إعلامية تخدش أو تخرق فكر الاعتدال والوسطية.
والشروط الاجتماعية اللازمة لاستمرار الوطنية كفكر اجتماعي بنَّاء يعكس تحقيق مستوى عالٍ من (التلاقي" أو "التآلف" أو "الترابط" العضوي) بين الرؤى والأفكار والاتجاهات الوطنية المختلفة تحت مظلة الدولة وسيادتها
وهنا يجب التأكيد بأن شروط الاتساق لا تعني أبداً القضاء على "التفرد" و "الخصوصية" ، وإنما تعني القضاء على الحسابات الشخصية الضيقة والنزاعات التعصبية وأنصار المغالاة والتشدد وكل ما يخرق وحدتنا الوطنية من جهة ومسيرتها الحضارية من جهة أخرى.
وعلى ذلك فإن كانت شروط الاتساق التي نتطلع إليها تهدف إلى إبراز وتدعيم الوجود الوطني في شكل أو قالب عصري جديد، فإن شروط الاستمرار تهدف إلى إمداد هذا الوجود بالحياة والحركة والاستمرارية.







#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البطالة 00 الشبح الذي يهدد الجميع
- البنود السرية في الاتفاقية العلنية
- شخابيط في الهواء الطلق
- جوهر المواطنة
- كيف نفهم المجتمع المدني
- تلميذ جيد .. معلم سيء
- متسولون في كل الامكنة
- الجهل والكراهية مادة الفكر المتطرف
- رؤية أمريكا للشرق الأوسط
- العراق والعرب والمرحلة الجديدة
- مفهوم المواطنة في الفكر العقائدي والفلسفي
- شيوخ يقودون المدارس وشباب يفترشون الارصفة
- المجتمع المثقف بين الوصاية والمشاركة والتبعية
- الشباب وقيادة المجتمع
- حرية الاحلام المريضة
- قراءة هادئة لشارع صاخب
- النفط مقابل الكرة
- الجذور التاريخية لمفهوم حقوق الإنسان
- الطريق إلى البيت الابيض
- نظفوا العراق


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسين علي الحمداني - الوطنية والتعددية