أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - قراءة في - تحولات - زهدي الداوودي















المزيد.....

قراءة في - تحولات - زهدي الداوودي


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2476 - 2008 / 11 / 25 - 09:06
المحور: الادب والفن
    


أنهيت يوم أمس قراءة رواية تحولات لمؤلفها زهدي الداوودي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت عام 2007 . كلمة " تحولات " أو مصطلح " تحولات " يحملان نظرة فلسفية وما يستتبع تلك النظرة من تفاصيل واختلافات وتناقضات . هكذا ظننت الرواية من عنوانها .
غير أن الرواية ظهرت لي من بداياتها أنها بالغة التنوع في كثير من تصوراتها ومن جدلها اللذين تصفحتهما بشوق ودقة ومتعة وقد كنت أثناء القراءة بحاجة إلى استذكار التاريخ السياسي للعراق في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إذ أدركت بسرعة بعد قراءة صفحاتها الأولى أن أحداث الرواية تدور في خمسينات القرن العشرين وما بعدها في حقبة الستينات . كل أحداثها الصغيرة تدفع قدرات ذهن القارئ الذي كان قد عايش تلك الفترة أن يحس إحساسا عظيما بالحياة السياسية الصعبة وبما صاحبها من دور الأفكار النقية وطبائع المناضلين من اجل تحريك قوى الشعب ضد الظلم والطغيان . وقد جعلتني أفكار الرواية منهمكا شخصيا في استذكار الواقع الموضوعي الخمسيني والستيني من القرن العشرين بما يتعلق بطوفان الصراعات المتسارعة في السياسة العراقية . لقد ارتكزت رواية " تحولات " على كثير من مشاهد الحياة النابضة في أيام تلك الفترة ولياليها وتضحيات مناضليها .
لم افترض مسبقا أن الرواية تاريخية .
لكنني وجدت نفسي قارئا لرواية تدور في مجال البحث عن حرية الوطن والمواطن .
كما وجدت اهتمامات كاتبها زهدي الداوودي مرتبطة بحياة الفرد العراقي مثلما هي مرتبطة بالجماعات السياسية المتعددة في ساحات تلك الحقبة .
فكرة زمان الرواية ، محددة ومعنية ، كانت عرضة للتقلبات والتغيرات المرتبطة بالعقل الحر عند تتبع مسارات الرويّ لمناضلي تلك الحقبة . بعضها كان متوافقا وبعضها كان متنافرا وبعضها لا يجلب غير اللوم والصراع بين أبطال الرواية . من هنا بالذات انحاز مؤلفها زهدي الداوودي إلى منحها عنوان( تحولات ) لكن بعيدا عن ماهية الفلسفة الصرفة في محاولة منه لتلخيص إحدى تجارب حاملي النداء الوطني السامي .
هل استطاعت الرواية الخروج بروح سياسية جديدة ..؟
هل استطاعت تقديم رواية تسجيلية ..؟
أم أنها كانت مجرد انشغال عميق بآفة العصر العراقي ، أعني السطحية في إستراتيجية عامة وخاصة وضعتها قوى سياسية مختلفة المشارب والأهداف لإنقاذ الوطن من الطريق المسدود الذي شعرنا به حال انحراف ثورة 14 تموز عن الديمقراطية التي نادى بها المتنورون ..؟
تمثل الجهد الأكبر للمؤلف على نقطة هامة هي إتقان العلاقة بين السياسة والرواية من دون انحراف عن الموازنة الضرورية بين هذه وتلك . كانت صفحات الرواية وآلياتها مدمجة بنوع دقيق من فطنة المؤلف وذكائه معتمدا على الوزن النوعي لكل من معدني الرواية والسياسة . فتحاشى طغيان القص السياسي على الرواية إذ يفقدها عناصر التناغم والانسجام في السرد الروائي . كما أن لغة الرواية وحدها قد تأتي بخاصية محدودة تفقد الخيط المرشد للزمان والمكان الذي له طبيعته السياسية الجوهرية المتحكمة بالزمان والمكان الروائيين . رغم أن زمان ومكان رواية زهدي الداوودي التي تحرك خلالها الراوي قدمت كشفا وتصورا محدودا بمنطقة عراقية معينة دارت فيها مسارات الرواية وقد كان المكان اختيارا موفقا لتقديم نفع ما للرواية العراقية الجديدة رغم اعتقادي بحاجة هذه الرواية بالذات إلى مزيد من التفاصيل اليومية الدقيقة لتكشف لنا جوهرها وليس تسارعها حسب .
في تصوري أن موضوع العلاقة بين السياسة والرواية هو من الموضوعات المفرطة في حساسيتها ومداخلها وافتراضاتها وإيضاحاتها التمهيدية ومن ثم نتائجها العمومية . وفي كثير من روايات هذا القبيل يقع الروائي في التقريرية السياسية إذا فقد الدقة أو انه يقع في متاهة العشوائية الروائية إن لم تكن مادته مبنية على أسس فنية ذات استبصار قصصي ضمن سلسلة متوازنة ومتلازمة في التحولات الروائية التي تستحق جدارة الفن الروائي بما في ذلك جدارة المتعة لدى القارئ .
ما تكشفه لنا ( رواية تحولات ) هو التركيز على سلسلة متلاحقة من الأفكار والحركة والأفعال التي تدور حول العقل الداينميكي لبطل الرواية ( زوراب ) الذي استطاع أن يحول قريته الصغيرة إلى ميدان فعال لحركة الأفكار والعلاقات الإنسانية الايجابية بين مختلف طبقات الناس الطيبين في القرية من جهة وبين مختلف القوى السياسية الوطنية . فهذا الشاب الفقير اليتيم كان نتاج واقع اقتصادي – اجتماعي في قرية فقيرة وعن طريق الفقر واليتم اندفع الداوودي في تحويل هذه الشخصية الشابة اليتيمة والفقيرة إلى شخصية لها مضمون ولها قيمة متميزة من خلال إذابة طابعها ( الفردي ) داخل مواهب وبرنامج ( المجموعة الحزبية ) المحيطة به في المدرسة والقرية مما دفعته تدريجيا إلى سلسلة من التحولات في العلاقة مع الأسرة والناس والمجتمع بما أدى تدريجيا إلى رفع نسبة مشاركته في العمل السياسي والى رفع مستوى جدارته من كونه فردا ( منعزلا ) إلى فرد ( جماعي ) والى شخصية إنسانية عامة قادرة على إنتاج متغيرات كثيرة داخل مجتمع قريته بعد انتمائه إلى حزب سياسي واسع النفوذ في العراق كله رغم الحظر العنيف المفروض على نشاط أعضائه .
تظهر الرواية في البداية أن أفعال الفكر مهما كانت صغيرة ومهما كان ميدانها صغيرا ، قرية أو مدينة ، فهي ــ أي أفعال الأفكار ــ استنادا لما قاله هيجل :( تكوّن مادة التاريخ ). هذا الشكل وجدناه متمثلا في العلاقات السلبية والايجابية بين شخوص الرواية مما جعل مادة الرواية قائمة على تجربة عملية وليست على مدركات حسية حسب . كانت حقبة تاريخية مهمة تلك التي اختارها زهدي الداوودي لتكون شهادة حسية لبعض تجارب الإنسان العراقي وتجارب النضال العراقي . وقد وجدت نفسي ، كقارئ ، أرى واستذكر أفعال تلك الحقبة واشعر بها وبعنفها عند تسلسل قراءتي لصفحاتها .
لكن كيف يراها قارئ شاب لم يعش تلك الحقبة وربما لا يعرف تفاصيلها .. كيف تظهر قيمة الرواية تحولات في عينيه .. هل تؤثر عليه انهيارات متعاقبة شهدتها الحياة السياسية السابقة في العراق ..؟
لقد حاول المؤلف الإجابة على سؤالي من خلال اعتماده على إيجاد الصلة بين ما هو صادق في حركة شخصيات الرواية وبين ما هو موجود في العالم الاجتماعي الواقعي . بمعنى أن زهدي الداوودي كان يسهم في تحضير الواقع أمام أحاسيس القراء من أجيال ما بعد ثورة 14 تموز ليجعلها شيئا تاريخيا يحرك نظراته الى المستقبل من خلال بما انقضى ومات من أحداث الماضي وقد جاء زهدي الداوودي إلى الرواية السياسية ليشهد بالحق كما يراه عن عراق تلك الفترة لكي لا يكون جيل ما بعد ثورة تموز مقطوع الصلة بروح المستقبل رغم انه كان واضحا في مظاهر حياده مع أبطاله كما لم ينغلق على نفسه بل كان ينظر عن كثب إلى حركتهم والى تطور أفكارهم جميعا حتى البائسين منهم .
رغم أن الكاتب زهدي الداوودي قد جعل الشأن الرئيسي في روايته هو شأن من شئون الماضي وقعت خارج نطاق وجود أجيال القراء الحاضرين في هذا الزمان غير أن ما فعلته رواية تحولات ليست ذات جانب واحد ، أي أنها اقتصرت على تناول موضوع محدد في تاريخ سياسي عراقي محدد ، بل كانت الرواية قد أكدت في جانبها الفكري والتاريخي أن القدر المشترك في التاريخ العراقي بين العرب والأكراد والمسيحيين والتركمان وغيرهم لا يفنى ، وان ارتباط تاريخ الشعب العراقي ضد الظلم والطغيان لا ينفصم ، وان تحولات الناس و التاريخ لا تتوقف ، وان العقلانية الواعية في النشاط السياسي لأعضاء الحزب الشيوعي العراقي ستظل وسيلة الأجيال المناضلة المعاصرة لتحقيق وسائل واستعدادات وابتكارات قادرة على المساهمة مع كل قوى الخير في عملية تغيير حياة الناس والمجتمع .
اعتمد مؤلف رواية تحولات خطابا روائيا مكثفا وكنت أتأمل بمزيد من التفاصيل الدقيقة لوصف حياة الخلية الحزبية واختلافها عن فصيل البيشمركة في معسكر يريد أن يقاتل وعن معاناة فردية السجين السياسي في زنزانته وفي تحمل عذاباته وصبرها عليها . كان ضروريا ، كما اعتقد ، وصف حياة زوراب وصفا دقيقا وصادقا وواقعيا ، أعني بمنتهى التفاصيل ، طالما كانت سيرته الذاتية هي الوظيفة الرئيسية في هذه الرواية خاصة وأن زوراب ظهر أمام القارئ أنه يرفض رفضا قاطعا في كل مراحل حياته ــ في الرواية ــ هذا الواقع ويعمل من أجل تغييره رغم انه لم يتقن فن قتل الإنسان لعدوه الإنسان حيث تنازل أكثر من مرة عن قراره باستخدام العنف وكان ذلك مظهرا من مظاهر التحولات .
كذلك لاحظتُ أن زهدي الداوودي لم يسخر مساحة روائية كافية حول موضوع المرأة في نضال مجموعة أهالي القرية والمدن المجاورة وظلت كل أحلام الأم ومادلين وجميع الفتيات منكسرة أمام مأساوية الواقع . وإذا كانت مادلين محبوبة زوراب غائبة عن دورها في الحب والعمل فأنها ظلت في حياة الفتى زوراب حاجة وضرورة وإرادة لا بد وأنها ستكون من منجزاته النضالية في المستقبل . فإذا كان يبدو للقارئ أن وجود مادلين كان عابرا في الرواية بل هو مجرد رمز فان الواضح أن المؤلف أراد لهذا الرمز أن يظل قائما وانه لا يفنى ، بل حتى يمكنني القول ان تحولات الرواية أرادت أن تقول أن الشعب العراقي لا يحرز تقدما حقيقيا من دون رمز موروث من ثقافة الماضي . لقد استطاع زهدي الداوودي بذكاء وبساطة أن يجعل من رمز مادلين مقتنى روحيا للمناضلين العراقيين يجب البحث عنه باستمرار وفي كل الظروف السياسية والاجتماعية وفي ضوء التعارض الأزلي بين الخطأ والصواب رغم أنني وجدت الرواية لا تخلو من أحكام فردية لمؤلفها لكن الرواية مع تكثيف حواراتها وتسلسلها تسهم في تنشيط روح السياسيين والمفكرين والحزبيين .
إنها ، والحق يقال ، رواية عراقية بمضمون وشكل كبيرين من التجربة والخبرة ليس فيها غير الطريق المنطلق من بذرة السياسة إلى بذرة الرواية فنال فنه مستوى عال من النجاح بتقديم رواية سياسية ذات جذور عميقة وأزهار عبقة يتوسطها الفكر والإيمان بالتحولات .



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في البرلمان العراقي يستمر عذاب الشعب وتعذيبه ..!!
- وزيرة بلا تصريحات طنانة مثل ماكنة خياطة خربانة .. !
- أيها السيد المالكي أصغ ِ إلى مستشاريك مرة واحدة وأبحث عن انت ...
- بين هامبورغ وبغداد مسافة ألف عام يا هيفاء ..!
- يا أم عوفٍ كم كتابا قرأتِ في هذا العام ..!!
- إلى السيد نوري المالكي مع التحية ..!!
- هذا عصر الانترنت يا دولت رئيس الوزراء نوري المالكي ..!!
- أيها الفقراء العراقيون ما أسعدكم ..!!
- ضاع دم كامل شياع لأن لجان التحقيق لا تحقق ..!!
- المحجبات العراقيات مولعات بمشاهدة المسلسلات التركية المدبلجة ...
- قمر كارل ماركس يشع من جديد ونجم فرنسيس فوكوياما يخفت ..!!
- غياب الحقيقة والتاريخ في مسلسل الباشا ( الحلقة الأخيرة )
- حركة رشيد عالي الكيلاني ونتائجها في مسلسل الباشا (3)
- مقتل الملك غازي في عيون مسلسل الباشا (2)
- صورة نوري السعيد مشوشة في مسلسل الباشا (1)
- متى يدرك المسئولون في البصرة أن التمور تنعش أفرشة الليل ..!!
- متى يصدق دولت الرئيس أن وزارة التجارة ليست عذراء ..!!
- رئيس الوزراء يقول .. واللواء قاسم عطا يفسر القول ..!!
- نواقيس الخطر .. مثال الالوسي / نموذجا ..!!
- متى ينتحر وزير الداخلية العراقي معالي جواد البولاني ..!!


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم المطير - قراءة في - تحولات - زهدي الداوودي