أنهى مجلس فتح الثوري اعمال جلساته التي استمرت لمدة ثلاثة ايام متتالية، حيث شهدت الجلسات عواصف شديدة وتبادل قصف كلامي وحذف أدوات بين الرئيس عرفات و اللواء نصر يوسف من جهة وبين عرفات و نبيل عمرو من جهة أخرى،ثم خرجوا جميعهم من قاعة الاجتماعات بزعل وغضب ، لكن الوساطات أخذت تفعل فعلها فعادوا لاحقا لمتابعة الاجتماعات.
عادوا للقاعة لكنهم باعتقادنا لن يعودوا ابدا للعمل وفق خطة عمل واحدة وفهم واحد، فالاختلافات والخلافات بينهم وصلت حد القطيعة وألا عودة وألا وفاق ، وهي بالأصل تعبر عن مدى حجم وعمق الخلافات والأزمة التي تعصف بفتح خاصة وبالوضع الفلسطيني عامة.
اجتمع المجلس الثوري للحركة بعد فترة طويلة من الانقطاع وبعد سنوات من الانتفاضة الفلسطينية وفي أجواء فلسطينية داخلية تبعث على القلق وتفوح منها رائحة الخلافات الداخلية الحادة ، خاصة ضمن صفوف حركة فتح الحاكمة وسلطتها الوطنية الممزقة. كذلك في وضع اقليمي يشهد أسوأ حالة من حالات الخنوع العربي والتردي الذي يجتاح المنطقة العربية منذ احتلال العراق في نيسان ابريل من العام الماضي. بحيث تسببت تلك الضربة القاسمة بتحويل البلاد العربية لأحجار شطرنج بيد اللاعب الأمريكي وحليفه الصهيوني.
القواعد الأمريكية موجودة في معظم الدول العربية، والسياسة الأمريكية أصبحت المرجع والأساس للأنظمة العربية ، وهناك من العرب من يقدم بسخاء دعمه وامواله لحملة الرئيس بوش الانتخابية ، مع العلم ان ادارة بوش اوضحت واظهرت علنا موقفها المعادي للقضايا والحقوق العربية من الحقوق الفلسطينية العادلة حتى حقوق الأسرى العرب في غوانتنامو كوبا وغوانتانامووات العراق وفلسطين المحتلة.
يقال أن المجلس الثوري للحركة سوف يخرج بقرارات سلمية منها تمسك فتح بخيار السلام من خلال الاعلان بأن المجلس يتمسك بخيار النضال السلمي و الاعلان انه طريق الحركة مع الاحتفاظ بحق الدفاع عن النفس وبرفض العمليات ضد المدنيين رفضا قاطعا. وكذلك من خلال التأكيد على معارضة الحركة للعمليات المسلحة ضد المدنيين الاسرائيليين ودونما إشارة لكتائب شهداء الأقصى التي تعتبر الذراع العسكرية للحركة. والتي يطالب بعض قادة فتح بحلها ووقف نشاطها ، مع ان هذه المطالب ليست عقلانية ولا هي منطقية ، فموازين القوى في فتح تؤكد ان كتائب الاقصى تتمتع بقوة كبيرة بين كادر واعضاء الحركة بينما الذين يعادونها لا يتمتعون سوى بصفاتهم القيادية والتاريخية.
ولقد جاء كلام الوزير السابق محمد دحلان قبل ايام عن الذين يتحدثون عن امكانية قيام المجلس الثوري للحركة بحل كتائب الأقصى، حيث وصفهم بأنهم لا يعرفون الواقع على الأرض ويجهلون موازين القوى، ويأتي هذا الكلام ليؤكد انه لا يوجد سيطرة لقيادة فتح المركزية على كتائب الأقصى. ثم أن هذه النظريةتأكدت عبر اعمال كتائب الاقصى التي تتناقض وسياسة قادة فتح والسلطة. و هذه النظرية تفسر كلام الوزير عزام الأحمد عضو المجلس الثوري للحركة والذي قال " أن قرارات فتح ملزمة لجميع أعضاء الحركة وأي خروج عنها هو خروج عن حركة فتح".
هذا الكلام يعطي للخلافات الفتحاوية أبعادا جديدة حيث ان كتائب الاقصى التي اكدت طوال الفترة الماضية تعارضها وتصادمها مع سياسة اركان السلطة الفلسطينية وقيادة فتح المركزية ، سوف ترفض الالتزام بقرارات المجلس الثوري التي ستنص على عدم التعرض للمدنيين ، لأن الكتائب تقول أنها ستهاجم المدنيين الاسرائيليين مادامت اسرائيل تهاجم المدنيين الفلسطينيين مثلها في ذلك مثل كتائب القسام وابو علي مصطفى وسرايا القدس ولجان المقاومة الشعبية. في حال ان الكتائب نفذت أي عملية ضد المدنيين الاسرائيليين سيعني ذلك خروجها عن قرارات فتح وعدم التزامها بتلك القرارات، وفق ما يفهم من كلام عزام الاحمد وقبله وبعده كلام جبريل الرجوب ومحمد حوراني. وذا صح وتمردت الكتائب على قرارات المجلس الثوري عندها ماذا ستفعل قيادة فتح ؟ هل ستحارب الكتائب؟ وإذا قررت محاربتها فبمن ستحاربها ؟ وإذا قررت فصلها فمن سيبقى في تنظيم فتح في الضفة والقطاع ؟
ان اجتماع المجلس الثوري لحركة فتح سوف يؤثر بقراراته على الوضع الداخلي الفلسطيني بشكل عام حيث ان تعزيز الجبهة الداخلية لفتح سوف يساهم في تعزيز الجبهة الداخلية الفلسطينية. لكن لكي يتم تعزيز هذه الجبهة لا بد من تجديد دماء حركة فتح حتى تتجدد ايضا بعض الدماء منظمة التحرير الفلسطينية المغيبة بقرار من نفس قيادة فتح. ولا بد للقرارات التي ستصدر عن المجلس الثوري وهي بالطبع ستأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقليمي وكذلك الدولي أن تكون هادفة ، لأن أي تلاعب بالقرارات وأي غموض في المواقف سوف ينعكس سلبا على مسار الحركة ووحدتها الداخلية المهزوزة. وهنا لا بد من الاشارة الى ان على حركة فتح ان تراعي المشاعر الفلسطينية وأن تقدر التضحيات الجسيمة للشعب الفلسطيني على مذبح الانتفاضة وفي خضم المقاومة دفاعا عن الأرض والحقوق ومن أجل طرد الاحتلال وسحق الاستيطان. في حال تم الالتفات لهذه التضحيات وتقديرها والاستفادة من الوحدة الوطنية الموجودة آليا في الشارع الفلسطيني فأن الأمور سوف تكون على ما يرام وسوف يجد الفلسطينيون انفسهم في حالة وحدة حقيقية تبعد عنهم شبح الحوار الفاشل الذي جرى في القاهرة ولم يصل لشيء.
من المتوقع ان تخرج قرارات المجلس الثوري لحركة فتح وفق رؤية الرئيس عرفات وحسب ما يراه مناسبا. ومن أهم تلك القرارات التأكيد على التزام فتح بعملية السلام وفق رؤية ومسار الذين قادوا سلام اوسلو منذ المفاوضات السرية وحتى يومنا هذا ، بما معناه إعادة التأكيد على خريطة الطريق ورؤية بوش لحل الدولتين. كذلك الإعلان عن الالتزام بالحوار الوطني الفلسطيني ولو نظريا لأن نتيجة الحوار لن تكون باي حال من الاحوال مع تصورات وقناعات قيادة السلطة الفلسطينية بل في خانة الوحدة الوطنية الحقيقية وليس الصورية.
كما أن امكانية عدم التطرق لموضوع كتائب الأقصى واردة بشكل كبير لأن الموضوع سيف ذو حدين قد يجرح من يلمسه وعلى كل حال فهذه القضية تبقى رهن التطورات السياسية وطبيعة مواقف الحركة في المستقبل القريب، مما يعني ان موضوع الكتائب سيبقى معلقا لحين وضوح الموقف السياسي الفتحاوي الذي لا شك في انه يتعارض ويتصادم مع موقف الكتائب.
إذن القضية أصبحت قضية وقت فقط لا غير. لذا نعتقد ان هناك ايضا احتمال اتخاذ قرارت تتبنى الإصلاحات الحركية وإضافة أعضاء جدد للمجلس الثوري وتشكيل لجنة تحضيرية لعقد مؤتمر الحركة السادس لامتصاص بعض الغضب في صفوف بعض كوادر وقيادات الحركة. كما أن الوضع الامني ( الأجهزة الأمنية الفلسطينية والتسيب الأمني في مناطق السلطة) سوف يذكر في البيان الختامي لكن لا نعرف ماهية وطبيعة القرارات الخاصة بتوحيد الأجهزة الأمنية خاصة ان هذا الموضوع من اكثر المواضيع حساسية وخلافا بين الرئيس عرفات و أعضاء آخرين في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح ومنهم ابو مازن الذي تغيب عن الاجتماعات ونصر يوسف ومحمد دحلان و نبيل عمرو وغيرهم.
ان محاولة لوم وسائل الاعلام واتهامها بتكبير وتضخيم الخلافات داخل حركة فتح ليست سوى بهلوانيات فتحاوية يقوم بها بعض المتحدثين لوسائل الاعلام. فالقاصي والداني يعرف ان حركة فتح تشهد صراعا تاريخيا لا بد ان يخرج بمهزوم ومنتصر ، والقضية كما قلنا مسألة وقت فقط لا غير. وفي الختام نقول أن القضية ليست قضية فتح فقط لأنها قضية تتعلق بمصير شعب ووطن وحقوق. لذا فهي تخص كل فلسطيني وليست حكرا على أبناء فتح بالتحديد.