تتصاعد الحملة على فيلم آلام المسيح من اخراج الممثل والمخرج المعروف ميل غيبسون ، وقد شهدت قضية هذا الفيلم الذي يتحدث عن آلام السيد المسيح ومعاناته مع يهود تلك الحقبة من الزمن حملة صهيونية كبيرة معادية للفيلم اثمرت في بعضها عبر قيام غيبسون الذي قام بتمويل الفيلم من ماله الخاص بتغيير وحذف بعض المقاطع التي تم الاعتراض عليها ولكن ليس جميعها. معروف ان الممثل غيبسون من الكاثوليكيين الملتزمين بكاثوليكيتهم، ومن المتدينيين المسيحيين النشطين.
مفاجأة هذا الفيلم انه ولأول مرة منذ فترة طويلة استطاع ان ينتزع موقفا من الادارة الأمريكية الحالية مخالفا لموقف الحركة الصهيونية وصنيعتها اسرائيل. فقد اصطف المسيحيون المتصهينون من جماعة المحافظين الأمريكيين المعروفين بوقوفهم الى جانب اسرائيل ودعمهم الدائم لها ظالمة أو مظلومة الى جانب غيبسون وفيلمه, وكان من ابرزهم الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش ونائبه تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد، هذا الموقف قد يؤثر طبعا على حملتهم الانتخابية التي ستكون بكل تأكيد حملة ساخنة لأنها ترقد على صفيح عراقي فلسطيني ساخن جدا.
جاء هذا الاصطفاف الامريكي الرسمي حول غيبسون وآلامه التي تسبب بها فيلمه آلام السيد المسيح بعدما حشدت وجهزت واستنفرت الصهيونية العالمية طاقاتها لتؤكد ان الفيلم معادٍ للسامية، فبحجج سخيفة مثل : ان الفيلم يؤكد مسئولية اليهود عن قتل السيد المسيح يقوم الصهاينة بالترويج لدعاية معاداة السامية في الفيلم، ويحشدون ويستنفرون كل طاقاتهم ولوبياتهم المنتشرة في العالم لمحاربته. فقد استطاعوا اجبار غيبسون على تغيير لقطات اساسية ورئيسية في الفيلم ، لكن وبالرغم من تلك الانجازات والانتصارات بالنسبة لهم ولزيفهم، إلا أنهم لازالوا يعارضون الفيلم ويقاومونه بكل قوة.
من اللافت للانتباه ان أحد الحاخامات ويدعى مارتزهير أدلى بحديث لمجلة لوموند الفرنسية المعروفة قال فيه تعقيبا على الفيلم : " كنت مصعوقا ، مرعوبا بوصف الفيلم القاسي والمباشر واللا إحساسي للديانة اليهودية في ذلك العصر، وإدانتها إدانة جماعية." وقد جاء الرد على تصريحات الحاخامات ورؤساء الحركة الصهيونية المعادية للفيلم بوقوف الطائفة المعمدانية الاصولية الإنجيلية في امريكا ( 50 مليون تابع في الولايات المتحدة الأمريكية) بكل قوتها مع الفيلم وقيامها بشراء آلاف التذاكر وتوزيعها مجانا على أعضاء الطائفة من اجل مشاهدة الفيلم، كمساهمة منها ايضا في دعمه وترويجه وكتعبير عن تأييدها له. كما كانت لورا بوش زوجة الرئيس الأمريكي قد طلبت نسخة خاصة لمشاهدة الفيلم، وفي سؤال وجه لها اثناء زيارة لمدرسة ثانوية في بنتونفيل بولاية اركنسون سألت من قبل الصحافيين أن كانت ستشاهد الفيلم ، فردت بالايجاب وعقبت ان الفيلم يبدو مشوقا جدا وأنها تود رؤيته. وسوف يعرض الفيلم لأول مرة يوم 25 شباط – فبراير الحالي، هذا وقد دفع الجدل المثار حول الفيلم الشركتان المالكتان الى زيادة طبعاتهما من الفيلم بنسبة 60% قبل بدء العرض، وقد تمت الزيادة في النسخ بسبب زيادة طلبات دور العرض، حيث من المتوقع ان يشهد الفيلم إقبالا كبيرا من الجماهير التواقة لمشاهدة احداثه المثيرة.
لا بد لهذا الفيلم المثير للجدل الذي يتحدث عن آخر 12 ساعة من حياة السيد المسيح، والذي اعتبرته اوساط مسيحية أمريكية انه حرص على الدقة في التعامل مع الاحداث، ان يؤثر على علاقات بوش مع اللوبيات الصهيونية حلفاؤه ولو لحين في المعركة، وقد يكون في حال تطورت قضيته وزادت خطرا كالشعرة التي قد تتسبب في قسم ظهر الحملة الانتخابية للادارة الأمريكية الحالية وللجمهوريين. عندها سوف يكون بوش على المحك وسوف ننتظر بفارغ الصبر كيفية تعامله وادارته مع هذا التحدي الكبير، لأنه تحدي الارادات في بلد تحكمه اللوبيات والشركات والدعايات.
ولا بد من معرفة رأي الممثل والمخرج ميل غيبسون حيث كان الأخير قال ( قرأت الخبر في موقع انترنت عربي للاسف فقدته ولم اعد اذكر اسمه) في حوار مع مجلة " ريدرز دايجست" الأمريكية سوف ينشر في عدد آذار القادم ، وذلك في معرض رده على سؤال عن رأيه بالمحرقة اليهودية ابان الحرب العالمية الثانية: " بالتأكيد كانت هناك فظائع، فالحرب العالمية الثانية قتلت عشرات الملايين من الناس،وبعضهم كان من اليهود في معسكرات الاعتقال. لقد فقد أناس كثيرون حياتهم .. خلال القرن الفائت. في الاتحاد السوفياتي وحده قتل عشرون مليون شخص". هذا الحديث وما جاء فيه من صراحة وجرأة في الطرح وتعامل واقعي مع الحقيقة سوف لن يعجب الجماعات واللوبيات اليهودية وكذلك الحركة الصهيونية وقادة اسرائيل، لأن هؤلاء يعتبرون انفسهم الضحية الوحيدة للمحرقة وللحرب العالمية الثانية، ومثلما يقولون انهم شعب الله المختار فأنهم يعتبرون أنفسهم انهم ضحية النازية ومعاداة السامية المختارة،متجاهلين ملايين الروس والبولونيين والالمان والأوروبيين وابناء الشعوب الأخرى و الآخرين الذين سفكت دماؤهم وقتلوا في تلك الحرب الشريرة.وغير آبهين بمعاداة السامية التي تطال العرب والمسلمين وغيرهم من المهاجرين في اوروبا.
المسئول الأول عن آلام السيد المسيح هو الظلم واللا عدالة واللا مساواة والذين كانوا يطاردونه ويلاحقونه ويشهرون به في تلك الحقبة من الزمن والذين طالبو بصلبه وتعذيبه وتركه يتألم على صليبه،لقد عانى وتألم السيد المسيح بسبب الناس ولأجلهم جميعا في جميع الأزمنة و الأوقات. وبالتأكيد فأن المسيح يتألم في هذه الأيام لمعاناة أهله وربعه في فلسطين المحتلة حيث تستباح الاراضي الفلسطينية ويتم حجز وسجن الشعب الفلسطيني في بلداته ومدنه وقراه ومخيماته المحاصرة والمغلقة والمحتلة, وتقوم اسرائيل الصهيونية ببناء وتشييد جدار المبكى الجديد في قلب وعمق الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ، حيث قسم هذا الجدار الجديد بيوت الفلسطينيين وجعلها شوارع للصهاينة وعصاباتهم من المستوطنين، كأنهم يطبقون المثل البولوني " اليهودي" القديم الذي كان يقول " بيوتكم شوارعنا" أو " شوارعنا بيوتكم" حيث كان العمل ضن هذا المثل من العوامل التي أدت لتأزم العلاقة بين اليهود البولنديين والمسيحيين من سكان البلد. واليوم تقوم اسرائيل باعادة العمل بالمثل "اليهودي" البولندي القديم عبر تحويلها بيوت الفلسطينيين شوارع لجيشها ولمستوطنيها،و تقوم كذلك بتحويل شوارع واراضي الفلسطينيين لبيوت وامكنة خلف الجدار تسلم باسم الرب والتوراة لمستوطنين لازالوا يساهمون في إيذاء وعذاب وآلام أبناء وطن السيد المسيح.
نقول للذين يبنون جدار القفص الكبير أن النصائح التي تلقوها من الشركات الخاصة بتجميل الجدار عبر تلونيه او القيام بطلائه سوف لن تخفف من المواقف المعادية للجدار ومن المواقف الرافضة لسياسة اسرائيل العنصرية.
قد يأتي عنصري صهيوني ويقول ان هذا الكلام معادي للسامية لكننا نقول له أن معاداة السامية ليست أكثر من علاقة مخلوعة لا بد لها ان تقع نهائيا وتنتهي مرة واحدة والى الابد، لأنه ليس من حق الذين يبنون جدار الفصل العنصري على اراضي الآخرين المحتلة،مخالفين بذلك القانون الدولي وحقوق السكان المدنيين تحت الاحتلال أن يتحدثوا عن ان هناك من يعاديهم لأجل دينهم او عقيدتهم، فهؤلاء يفعلون كل شيء ممكن وحتى مستحيل من أجل جلب العداء لهم، فأعمالهم في فلسطين ليست اعمالا اخلاقية وليست انسانية، أنها اعمال من رجس الشيطان ومن نفس فصيلة الاعمال النازية والفاشية، تتلاقى في همجيتها مع كل البشاعات التي مرت بها الانسانية. نعتقد ان عملية بناء الجدار سوف تستمر وسوف تتم ولن تلتفت اسرائيل لاي قرار في محكمة لاهاي هو بالأصل غير ملزم لها، وذاكرتنا القريبة والبعيدة مليئة بالأمثلة وبالشواهد فاسرائيل لم تلتزم بقرارات ملزمة اصدرها مجلس الأمن الدولي، إذن كيف الحال مع قرارات محاكم غير ملزمة؟.
لدينا قناعة بأن الجدار العازل سوف يتحول قريبا لجدار مبكى جديد في بيت لحم والخليل ونابلس وغيرها، وهذا بالتأكيد جزء من آلام السيد المسيح التي لازالت مستمرة، فالقرآن يقول :
" وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ".