أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - الهدوء الذي يلي العاصفة














المزيد.....

الهدوء الذي يلي العاصفة


عبدالجليل الكناني

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 01:41
المحور: الادب والفن
    


إذا كان الهدوء الذي يسبق العاصفة هو الأكثر شهرة وشيوعا حتى صار مقولة يتداولها الكتاب والشعراء قبل غيرهم فان ذلك ، في الواقع، لخطأ شائع ، فالهدوء الذي يلي العاصفة هو الأكثر وقعا في النفس، والأكثر إمتاعا وجمالا وذلك ما عرفته ، أخيرا ، حينما صرت بلا مأوى بمعنى ، المأوى الذي يوفر الملاذ الآمن لشاغليه ، لم أكن يوما في حياتي إلا وتحت سقف من الكونكريت الصلب واقله من الطابوق والحديد المغطى بكل ما يعطيه مناعة وحفظا من الظروف العاتية وإذ أنني اعشق المطر ، حتى وان غضبت السماء وأرعدت فاني اسخر من فورتها التي لا تأتي بغير سيل المياه الدافقة فاصرخ بها أن تعطي المزيد ، المزيد وبلا توقف لتغسل أدران الغضب والأجيج الصاخب في قرارة نفسي المنفعلة دوما حتى صرت في مستقبل أيامي التي رأيت فيها منعة ، بلا منعة . كيف ؟ وقد تراكمت سنين الوظيفة والخبرة في عظامي ولحمي وجلدي المتغضن ، أزمان الجهد المتصل والعمل الدءوب فأجدني اليوم ، بغير ما فكرت وظننت وأيقنت ، بعد زوال الطاغية في أسوأ مما كنت . نعم كما تقولون وكما يقول زملائي الذنب ذنبي لأنني أسير وهم الكرامة والشرف والأمانة وتلك صكوك حين تعرضها في السوق يسخر منك اصغر مريديها ويهز رأسه أسفا عليك ياعم ألا تخجل من شيبتك تريد خداعنا بهذه الصكوك المزيفة إنها، ليست سوى أغلفة ورق البافرا التي يدخنها أجدادنا وكنتم انتم تلهون بها إبان طفولتكم ممثليها بالنقود . والواقع برهن زيف تلك الأوهام فقد أرعدت السماء وهذه المرة لم تفرحني ولم اهرع كما كنت أيام فورتي وأحلامي البيضاء لاحتساء ما يزيد نشوتي فأتنفسها بعمق واشم رائحة التراب الندي واغسل ، كما اسفلت شوارع بغداد ، روحي بنشوة نظيفة ، نظيفة تماما ، كان ذلك ماضي حين ينام السكارى تحت نصب جواد سليم مستلهمين الحرية والنشوة معا . وبالإضافة إلى أن هزيم الرعد المتصل يشبه دوي قصف الطائرات والصواريخ الموجهة للأمريكان ، ويوحي بالويل ذاته فان ارتداد صداه ينافس الريح العاتية ويساندها في زحزحة البيت ، البيت الخشبي " الكرفان " العتيق الذي اسكنه الآن ، بعدما اضطررت إلى ترك بغداد ، مع أكوام اللحم البشرية حتى انه ينفذ من سقفه بكاءا مرا متصلا فنهرع لجمع ما لدينا من قدور الطبخ والأواني لنوزعها في أرجائه لجمع الماء وبعدها نكتشف عناده في النفاذ من السقف في مواقع أخرى لم ندركها بسبب الظلام .......
عذرا تركت الكتابة فالساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل وزوجتي تصرخ – أبو فرح ،جد لنا ( جارة ) حل فالبعوض أكلنا .
الريح تعصف منذرة بانتزاع سقف الكرفان والرعد يلي ومضات البرق التي تشبه انفجارات براميل حبلى بالبنزين وقرقعة المطر فوق السقف مثل مطارق لا تمل ولا تكل تعزف سيمفونية رعب رتيبة متصلة وخرير الماء في كل مكان كغزو آلهات للموت على شكل مستعمرات هلامية تنفذ من حيث لا ندرك فتبعث في العظام رطوبة عطنة راعشة يزيدها اضطرابا دوي الرعد القاصم الذي لا يكتفي بصم الآذان إنما بصعق الأعين بقوة ومضاته الساطعة كانفجار كتلة من شموس تختبئ في صفحة السماء الحالكة الظلمة . بدا إن الحالة ستدوم ابد الدهر. وحين أُعيدَ ، وبصورة لم تكن في الحسبان ، التيار الكهربائي ، لم تكن عودته مدعاة للسرور فقد سارعت بإطفاء الأضوية وعزل قواطع الدورة خشية أن تتسبب تلك المياه الغازية باشعال الكرفان الخشبي حين تلامس أسلاك الكهرباء . وحيث أنني في تلك اللحظات الحرجة لم افقد تماما قدرتي على التحليل فقد عرفت أن إعادة التيار الكهربائي تعني زوال عاصفة الغضب الرباني الذي يوازي الغضب الساخر الموجة بعقل شرير لصواريخ العنف والرعب التي تطلقها آلات أمريكا وعبوات المجاهدين ومطيعي أولياء الله الناسفة للحياة وسياراتهم المفخخة التي تحصد أرواح العراقيين بالأرقام المجردة في قنوات الإعلام الطربة المنتشية التي تنبجس غالبا من شفاه حقودة وان تلونت بأحمر الشفاه المثير للشهوة . ذلك المشهد الذي يتكرر يوميا ولكانك تشاهد سلسلة متصلة بطلتها عاهر شبقة من آكلات لحوم البشر تتلذذ بامتصاص صدور الرجال حتى تنفذ الى قلوبهم المترعة بالدم الطازج ، أو من الشذاذ من آكلي لحوم الصبيات والأطفال الطرية اللينة بنهم حيواني يمتزج بطقوس سوداء مخاتلة مزدانة بالخشوع والورع والنسك .
حتى إذا ما انطفأت قرقعة اصطدام قطرات المطر على سقف الكرفان غادرتُ ، أنا ، الأجواء الخانقة الرطبة التي خلفتها العاصفة الممطرة فيه ، إلى حيث الفضاء العاري اذ فاجأني ذلك السكون العذب المصحوب بنسائم باردة طرية لا تكاد تحرك الأشياء غير خلجات النفس التواقة للامان والدعة عندها أدركت أن السكون الذي يلي العاصفة هو الأروع والأكثر وقعا في النفس ، وانه بعض مما يلتمسه الأحرار الثملين تحت نصب الحرية . وحيث ازددت نشوة وتألقا رحت أعب في صدري النسائم الندية المغسولة بماء السماء لتمازج روحي وتعانق لهفتها حتى إذا ما ساد صمت بسحر المساء سمعت أصوات اطلاقات نار بدت تزداد قربا ونظرت الى الكرفان الخشبي ومن خلاله رسمت صورة أطفالي وزوجتي وهم يغطون في نوم صار هانئا بعد هدأة الصخب المناكد وأحسست بان تلك الرصاصات العمياء لن تجد مقاومة لو أنها رامت النفاذ بعمائها من خلال الجدران الخشبية الرطبة .
25/10/2008



#عبدالجليل_الكناني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهم الموت والحياة ، إنكم خالدون من بعدي .
- شيخوخة بحناء الدم
- فلسفة الحاج سالم
- حسد أم حقد
- حسد أم حقد
- اسقاطات
- هل حقا أهل مكة أدرى بشعابها؟؟
- قصيدة الليل
- الأنا الحاضرة
- الأنا .. كل ما ينتمي الينا وننتمي اليه
- صناعة الخرافة ... خرافة العلم ، وخرافة الجهل
- الامريكا يحتفل ....... أحداث في ذاكرة طفلة ، في الرابعة من ع ...
- راعية السلام والحرية
- مقدمة لسمفونية الحياة
- إنّا رجال الوطن الآتون من النار
- الغرباء
- الخيانة ... خيانة الذات
- القصيدة تتشظى في فضاء الروح
- بين دواب القاع وبين مروج السطح
- سلام يا وطن


المزيد.....




- ابتكار ثوري.. طلاء -يعرق- ليُبرّد المباني!
- كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقاف ...
- بالتزامن مع تصوير فيلم -مازيراتي: الإخوة-.. البابا لاوُن الر ...
- -الدوما- الروسي بصدد تبني قانون يحظر الأفلام المتعارضة مع ال ...
- المرحلة الانتقالية بسوريا.. مجلس شعب جديد وسط جدل التمثيل وا ...
- تركي آل الشيخ يكشف عن رسالة لن ينساها من -الزعيم-
- الاحتفاء بالأديب حسب الله يحيى.. رحلة ثقافية وفكرية حافلة
- رغم انشغاله بالغناء.. ويل سميث يدرس تجسيد شخصية أوباما سينما ...
- قوارب تراثية تعود إلى أنهار البصرة لإحياء الموروث الملاحي ال ...
- “رسميا من هنا” وزارة التربية العراقية تحدد جدول امتحانات الس ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالجليل الكناني - الهدوء الذي يلي العاصفة