أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - جمعة كنجي الطائر المسافر إلى الشمس















المزيد.....

جمعة كنجي الطائر المسافر إلى الشمس


نواف خلف السنجاري

الحوار المتمدن-العدد: 2450 - 2008 / 10 / 30 - 02:57
المحور: الادب والفن
    


في ذكرى رحيله الثانية والعشرين:
جمعة كنجي الطائر المسافر إلى الشمس
قراءة في مجموعته القصصية (ذلك المسافر)
هذا ما تبقى من جمعة كنجي مجموعة من القصص كتبها ولم ينشرها فـ (صدّام) العراق لم يترك له فرصة، ودفنه كبقية أسرته تطبيقاً للمقولة الأزلية في العراق (لا حياة للأحرار في هذا الوطن).. بهذه الكلمات الحزينة ختم الناشر المجموعة القصصية (ذلك المسافر) للقاص الراحل جمعة كنجي، والصادرة عن دار بترا للطباعة والنشر عام 1996 .
تتضمن مجموعة (ذلك المسافر) أربع عشرة قصة تجسّد ( بساطة الحياة، الغربة، الحرب، صراع الإنسان مع الطبيعة، القهر الاجتماعي والفوارق الطبقية) كل هذه الثيمات تسيل مع كلمات القاص كجدول رقراق يحمل في ثناياه الصدق والحس الإنساني الشفاف الممتزج بالأفكار الفلسفية والسياسية والاجتماعية، ويؤطرها الهاجس الوطني الذي كان يثقل كاهل جمعة كنجي. كما أن اضطهاد الإنسان والحرمان والفقر كان لها مساحة واسعة ضمن طروحات القاص.
لقد استطاع جمعة كنجي بذكائه وموهبته أن يسّخر شخصيات حقيقية من صلب الواقع ويزجها في بناء عمله القصصي، ففي قصته (في دائرة البيطرة) يقول: (كان لنا جار سكير، عصبي المزاج لا يطيق سماع أي صوت. تصوروا انه تشاجر مع جدتي مرة لأن صوت صرصر في بيتنا كان يقلق راحته)، وفي نفس القصة يقول كنجي: (الكلاب السائبة – من وجهة نظر البيطرة – كانت اكره الحيوانات لأنها تسبب الأكياس المائية. أما كلاب الذوات، الكلاب التي تعيش في بحبوحة داخل قصور فخمة فكانت هي المدللة في دائرتنا، مجتمع الكلاب إذن هو الأخر مكون من طبقات – تعساء ومحظوظين- فيا للمهزلة!..) إنها كلمات سلسة قريبة من حياتنا، خالية من الألفاظ المنمّقة والعبارات الرنّانة والكلمات الفخمة ويفهمها الإنسان العادي والمثقف على حد سواء.
ويستمر القاص في سرده مستثمراً التراث الديني والموروث الشعبي: (كان أبي ينتمي إلى جماعة دينية تؤمن بالحلول، الروح تبقى هائمة بعد الموت.. هكذا روح كل مخلوق وعندما تأتي الفرصة المناسبة فان الله يحلها في جسد مخلوق آخر).. تنزلق أفكار الكاتب بسلاسة وتمتزج بسهولة مع مجريات القصة كما تمتزج الخمرة بالماء الزلال بحيث لا يصد عنها القارئ، لأن طرحها يختلف عن طرح الوعّاظ والتربويين، وينتهز كنجي كل فرصة سانحة للسخرية من الأوضاع السياسية والاجتماعية فيقول:( في صباي زادت خبرتي بالكلاب فهذا كلب متكبر ربما كان إمبراطورا، وذاك كلب ذليل ربما كان شحاذاً وبينها الأناني والمتسامح والشجاع والجبان والذكي والغبي بل فيها من يكره أبناء جلدته كذلك الطاغية الذي احرق مدينته).
اكتمال الصورة والتناسق يظهران جلياً في كل جملة فحتى شتيمة الأب لا تخرج عن عالم الكلاب الذي يفضله (الطفل – طبيب البيطرة) فيقول) تلقى على مضض شتائم والده المذقعة : ابن الكلبة! الم اقل لك بأن روحك هي روح كلب؟!) وكذلك عندما يشتمه عمه: ( كلب ابن الكلب).. أو حين يقول: (عمري الآن ثلاثة أضعاف كلب مسن) - (الكلاب المرحومة)...
أما من ناحية التقنية والتكنيك القصصي فنلاحظ أن القاص يبدأ قصته من نهايتها، ثم يعرض التفاصيل بطريقة (فلاش باك) فالقصة لا تسير وفق ترتيب زمني عادي، وإنما هناك تلاعب واضح بعنصر الزمن وهذا يعطي إثارة وجمالية للقصة، بحيث لا تترك للقارئ – حتى الذكي – فرصة التنبؤ بمجريات الأحداث. ولزيادة التشويق وإشراك القارئ في أجواء القصة يبقي القاص بعض الخيوط ولا يفصح عنها ويتركها لتصور القارئ.. فبعد أن يسرد مواقف عن مشاغباته ومقالبه مع عمه وجاره السكير يلمّح إلى مقلب مع والده ولكنه لا يذكره، فلنا أن نشحذ خيالنا كما نشاء فيقول: (لن أقول لكم ما حدث فسامحوني).. إنها قصة مليئة بالتواضع والثقة والإخلاص للكلمة والنزول إلى مستويات قد يحسبها غيره متدنية وتؤثر على قيمة كاتبها.. هناك أيضا الإسقاطات غير المباشرة ( كيف يمكن أن يخون أصدقائه القدامى ) وها هو يعرض أمامنا بعبقرية فذة صورة (كتاب رسمي) يقضي بالقضاء على الكلاب لأنها تلحق الأذى بالناس وهو نفسه عضوا في اللجنة ... هذه سابقة إبداعية في تكنيك القصص ، فلم اقرأ قصة فيما سبق تحوي على نص كتاب رسمي يصيغه القاص بحرقة وحرفية متقنة وكأن الكتاب صدر فعلاً عن طبابة صحة نينوى!!
والقصة لا تنقصها الحبكة فيخلق الكاتب المواقف المقنعة ويضع (بطله) في موضع احتمال إصابة بداء الكلب عندما يعضه كلب الأفندي، انه يختار كلب الأفندي بالذات
فيا للضربة الموفقة.. وعندما يقول للمدير كنتُ امزح يرد المدير قائلاً: ( كل المجانين يدّعون بأنهم عقلاء) انظر إلى الطرح الفلسفي في سياق القصة. وحين تنتهي القصة يقفلها القاص ببراعة كما بدأها واضعاً كل كلمة في مكانها الصحيح، كمن يضع آخر قطعة من لوحة مكسورة ومبعثرة ويكملها.
(قصة الاحتجاج) تبدأ بطرد موظف مفصول بعد أن تعييه المراجعات من قبل موظف فظ ليقول له بكل وقاحة واستخفاف: (ليس لدينا درجات شاغرة الآن، وسوف ننظر في أمر إعادتك للخدمة السنة القادمة) بعدها يعرض تفاصيل المعاناة.. حر بغداد الذي لا يطاق، وقروي مفصول ومفلس ومديون لصاحب الفندق القذر.. تعب وعرق وانكسار ثم يتوج كل ذلك بمخبر سري يراقب (البطل) البائس الممتلئ بالوطنية.. في صالة السينما – ملاذه الآمن- صوت فيروز يؤجج مشاعره الوطنية الجياشة (الآن الآن وليس غداً) ثم أم كلثوم (أعطني حريتي أطلق يديا) في أجواء السينما وبعيداً عن عين الرقيب يصفق (البطل) للثورة والثائرين... وعندما يخرج يصادف مظاهرة فينظم إليها غير مبال بكل الأصوات المحذرة.. ويسقط شهيداً ترفعه عشرات الأيدي والحناجر تهتف: المجد للشهداء وتنتهي القصة.
قصة(ذلك المسافر) والتي تحمل أسم المجموعة يقول الكاتب في جملة ما يقول: (جوهر الحقيقة لا يتغير وان تغير مفهوم الناس عنها.. ولم تتوقف الأجرام السماوية عن الدوران عندما كان يعتقد الناس بأنها لا تدور ) إنها عصارة فكر الكاتب يزرعها ما بين السطور.
(معركة خاسرة أخرى): قصة تصوّر معاناة المدخن عند إقلاعه عن التدخين فيها عبارة فلسفية: (أيقنتُ أن في الفشل لذة لا تقل عن لذة النجاح أبدا). يصور القاص معركته مع التدخين كمصارعة وحش مجنون لا بد أن ينتصر عليه ويحطمه.. نرى الكاتب لا يدخر جهداً في دس سخريته أينما حانت الفرصة، بل ويخلقها خلقاً..فأين التدخين من (فرض منع التجوال) أو (لن يحدث أي انقلاب)!!
قصة (كوخ على نهر الكومل): تصوير للنضال والكفاح ونكران الذات والتضحية في سبيل المبادئ.. قصة المواجهة مع قوات جيش النظام البائد..
(الحقيقة الضائعة): قصة فلاح ايزيدي بسيط توجه إلى مدينة الموصل للتسوق، فيعامل كأنه حيوان نجس لا يبيعه أحد، ويضاعفون الأسعار عندما يعرفون انه (ايزيدي)، وحين يسأل عن سبب ارتفاع الأسعار ينهال عليه البائع بصفعة ويتهمه بأنه أهان دينه، فيسب ويلعن إبليس ويثير الباعة الآخرين ضده وتكبر الحلقة لتتحول إلى ما يشبه المظاهرة. عندما يدافع شاب عن الفلاح يقول الفلاح: (خير للإنسان أن يموت شجاعاً من أن يموت جباناً طالما انه سيموت).. ويدافع عن نفسه بشجاعة، وتزداد الحلقة فيستغلها بعض اللصوص وينهبون الحوانيت وتعم الفوضى...
يبلغ الفلاح المسكين نهاية الطوق بأعجوبة وحين يسأله احدهم: (ماذا يحدث في باب الطوب؟) فيجيبه الفلاح بسخرية: ( لا أدري!!).
حين تنتهي من قراءة قصص (ذلك المسافر) تشعر وكأنك التهمت قطعة حلوى، أمتعتكَ ولكنها لم تشبعك فتطلب المزيد.. ونحن نطلب المزيد من أعمال المبدع الراحل جمعة كنجي - التي كتبها ولم تنشر بعد- وهذه دعوة لجمع أرثه القصصي من الضياع، ليكون في متناول المثقف العراقي، ويصبح فناراً يضيء الطريق أمام الكتاب الشباب.
[email protected]

------------------------------
جمعة كنجي
- مواليد 1933 الموصل ، بعشيقة/بحزاني
- أنهى الدراسة الإعدادية – القسم الأدبي – سنة 1953
- خريج الدورة التربوية سنة 1954، عين معلما ً في مدارس سنجار والشيخان والموصل .
-التحق بصفوف الأنصار عام 1963 ، بعد فصله من التعليم .
- بدأ الكتابة في الصحافة العراقية عام 1952، حيث نشر العديد من المقالات في جريدة ( فتى الموصل ) وبعدها في إتحاد الشعب وطريق الشعب والفكر الجديد وشمس كردستان .
- كان له اهتمام بالتراث ونشر العديد من المواضيع في مجلة التراث الشعبي .
- كتب القصة القصيرة ، وله عدة مجاميع غير منشورة .
- نشر قصص للأطفال من خلال دار ثقافة الطفل عام 1985.
- نشرت له مجموعة قصصية في سوريا بعنوان ذلك المسافر عام 1996 عن دار بترا للطباعة والنشر.
- له مخطوطة غير منشورة عن الديانة الأيزيدية .
-اعتقل بسبب نشاطه السياسي لأكثر من مرة في عهود مختلفة .وتعرضت عائلته للإبادة بعد اعتقالها في آب 1988، ومن ضمنها زوجته وأبناؤه الثلاثة ووالدته وشقيقته وأولاد شقيقه ( أبو عمشة) ووالدتهم .
ولحد اليوم لم يعثر عليهم رغم سقوط النظام واكتشاف المئات من القبور الجماعية .
منع من النشر وتعرض لإستدعاءات متكررة من قبل جهاز الأمن ، تعرض إلى سكته قلبية قاتلة يوم 18/10/1986 بعد خروجه من مبنى مديرية أمن نينوى مباشرة .



#نواف_خلف_السنجاري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ورقة يانصيب
- قصتان قصيرتان جداً
- أسئلة البدايات
- طقوس
- (التحدّي)
- المزارع الثقافية التعاونية..!!
- إلى جواد كاظم إسماعيل مع التحية..
- ظلال الكلمات
- التصاق
- برعم
- تصفيق / قصص قصيرة جداً
- إنعتاق
- قصص قصيرة جداً /غيمة محبوسة
- إطفاء عيون
- سبع قصص قصيرة جداً
- قصص قصيرة جداً /صقل المواهب
- قصص قصيرة جداً
- قصص قصيرة جداً :طالع
- حزن الآلهة
- قرابين


المزيد.....




- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...
- سيطرة أبناء الفنانين على مسلسلات رمضان.. -شللية- أم فرص مستح ...
- منارة العلم العالمية.. افتتاح جامع قصبة بجاية -الأعظم- بالجز ...
- فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي ...
- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نواف خلف السنجاري - جمعة كنجي الطائر المسافر إلى الشمس