أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - شهادة أم شهادتان: القسم الثاني















المزيد.....

شهادة أم شهادتان: القسم الثاني


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 2447 - 2008 / 10 / 27 - 07:41
المحور: الادب والفن
    



-2-
مهجر أم منفى؟
(شهادة عامة)

لبريخت قصيدة بعنوان (تعريف المهاجر) يقول فيها :

يطلقون علينا اسماً أجده، دوماً، زائفاً: مهاجرون
أي أولئك الذين غادروا أوطانهم
غير أننا لم نغادر بمحض إرادتنا،
لنختاربلدا آخر
لا ولم ندخل بلداً لنقيم فيه إلى الأبد
لو أتيح لنا ذلك
ببساطة لقد فررنا
نحن مطرودون. ممنوعون
البلد الذي آوانا، لن يكون وطناً، بل منفى.

ربّما كان هذا صحيحاً قبل سنة 2003 عندما كان المنفيّ لا يمكنه العودة إلى وطنه. ولكن بعد زوال بواعث المنفى ماذا نسمى أنفسنا؟ مهاجرين أم منفيين؟ أ يصبح المنفيّ مهاجراً فجأةً لمجرّد أن باستطاعته العودة إلى مكانه الأول، حتى وإن لم تعد لديه القدرة على التعرف عليه؟ ولو تعرّف عليه أ يتعرف عليه في حاضره أم ماضيه؟ ما المكان؟ وقد أمسى غريباً مسكوناً بالخوف: أسلحة، ومحتل، وميليشيات تحرس الخراب، لا تميزها عن السلطة أبداً حتى أدق المجاهر في العالم؟ ما المكان وقد أصبح المنفيّ يجتازه مسرعاً وهو الزائر القادم المتمهل في تأمله للأشياء والناس واسترجاعه لأيامه الغابرة، حزينة أم سعيدة، لا فرق، وقد أصبحتْ جزءاً من ذاكرته التي تغلي أبداً وكأن المنفى وقود هذه الذاكرة التي يطفئها الآن مكانه الأول؟ منفاه الآن؟ الذي تحظر فيه المليشيات حتى الأغنية ودورالسينما، ولا تجد فيه حديقة تجمع الناس إلاّ نادراً.
بعضنا أراد الإقامة لا لأن المكان يستدرجه كما يستدرج الصياد طريدته بل فكرته، فكرة المكان ذاتها .. الفكرة التي وهبها كلّ كيانه في منفاه. ثلاثون عاماً وهو يحلم بفردوس مفقود ليس في واقع ولا حلم ، بل فكرة في ذات المنفيّ وهي تسحب جذورها معها ليكتشف فيما بعد أن تلك الجذور المسحوبة وراءه كانت مقطوعة، فلم الأسماء إذن: مهجر أم منفى، وقد أصبح منفاه منفى لا بالقوة بل بالفعل؟
حين تكون منفيّاً فأنت تنتظر. فماذا ننتظر الآن؟ وقد اصبح الوطن منفىً، والإقامة فخاً، والزيارة خطفاً، وقد يكون الاثنان طريقاً إلى الموت أو ضياعاً حين تفقد الوطن والمنفى معاً فلا ذهاب هناك ولا عودة بل حالة هي سكون محض .. موت آخر.
كان فكتور هيجو يقول، وهو الذي خبر المنفى طويلاً: " إنّه لمصدر عظيم، إذاً، من مصادر الفضيلة لدى العقل المتمرس أن يتعلم في البداية، شيئاً فشيئاً ، تغيير نظرته إلى الأشياء الظاهرية والعابرة، كيما يتمكن بعدئذْ من تركها وراءه إلى الأبد. فمن يجد وطنه عزيزاً وأثيراً لا يزال غرّاً طريّاً، أمّا الذي يجد موطنه في كلّ أرض فقد بلغ القوة، غير أن المرء لا يبلغ الكمال قبل أن يعتبر العالم أجمع أرضاً غريبة. فالنفس الغضة تركّز حبها على بقعة واحدة من العالم، والرجل القوي يشمل بحبّه كلّ الأماكن، أما الرجل الكامل فهو الذي يطفئ جذوة الحب لديه".
لكنّ العراقيّ المنفيّ وصل إلى هذه الخاتمة لا بتصميم ولا بإرادة ولا بإطفاء جذوة حبٍ لديه، وإنما وصل إليها بلا تصميم، ولاإرادة، بل وبقلبٍ لا تنطفئ جذوته أبداً، غير قادرٍ على الإقامة في وطنه ولاالعبور، عائداً إلى منفى لا يرضيه.. فهل أصبح العالم لديه أرضاً غريبة؟ بعد أن كان زمناً غريباً يقطع فيه طريق المنفى في سنة أو سنتين ما يقطعه الناس في بضع ساعات .. طريقاً مزروعاً بالألغام: مطارات عديدة .. وإقامات موقتة تقاس بالأشهر أو السنوات .. وتوجس دائم وقد لا يصل أبداً.
وها هو الآن يقطع الطريق ذاته إلى الوطن ولا يصل أيضاً .
وحين لا يصل المنفيّ إلى منفاه
ولا إلى وطنه
ماذا يفعل؟
أتساءل وقد تملكني الحزن: أيّ وطن هذا الذي يفضل أبناؤه أن يتحملوا العزلة في القطب على الإقامة فيه؟
أيّ وطن هذا الذي تبتعد عنه آلافاً من الكيلومترات لتحتفظ به فكرة .. فكرة حسب .. أرضاً بعيدة .. ما ضياً ، تلتقي به هناك حرّاً في عزلتك تستعيده أغنية أو حنيناً وتلعنه وتستعيده ثانية وتبكيه ولا يغادرك أبداً أو تغادره أبداً، حرّين من كلّ الحواجز وميليشيات القتل والتهجير( وهنا تعود اللفظة ثانية بمعناها الملتبس فهل هو نفي إراديّ أم تهجير؟ )
أيّ وطنٍ هذا الذي يطالب فيه حكامه ببقاء المحتل؟ وميليشياته بخروج المحتل؟
ولو دققت في الواقع وتعاملت بالمجاز لقلت إن المحتل خارج المكان، معزولٌ وحضوره لا يزيد الواقع إلا ثباتاً وتوغلاً في ماضيه عبر طقوس وندب وشعائر تنبثق من المجهول، ومواكب لا نهاية لها تتلقى التفجيرات بصدورتعلن: قاتل واحد لن يفزع الجميع .. ومهما تكرر الفعل فسيبقى القاتل فرداً والمجموع كتلة مخيفة لا ينفع معها حلم القاتل الذي يظل خارج المكان هو أيضا هناك قريباً من المحتل وإن كان لا يلتقي به، في مكانهما البعيد المعزول الذي لا يقربه للآخر غير القتل.
كأن ثمة إرادة تتلبس الجماعة في استعادة ماضيها لتقول للحاضر أنت العابر والماضي أبقى؟ أما المستقبل فلا أحد يتقدم إليه لأنّ الجميع في شغلٍ عنه. في مواجهةٍ واستعادة للمواقف لا تتيح لها التطلع إلى الأمام أبداًُ. ذلك شغل المنفيين البعيدين الذين فقدوا كل شئ في انتظارٍ ما .. انتظار سيظل شكله عالقاً في الذاكرة حتى لو اختفى محتواه.
أ نسمي ذلك مقاومة من الداخل؟ مقاومة بالأساطير والخرافة والندب؟
ماذا يحتل المحتل إذن؟
النفط؟
ولكن النفط هاهو يشتعل الآن، ويهدد بإحراق المحتل نفسه، وقد تناهبته المليشيات التي تقيم أسواقها المهربة علناً؟
ومثلما ظلّ المحتل خارجاً في وطننا ظلّ المنفيون خارجا في وطن المحتل.. إلاّ قلة سيكون دخولها ليس سهلاً بل مليئاً بالمصاعب؟ وسيصغرعددهم الضئيل أمام الأعداد الهائلة الزاحفة من المنفيين المتدفقين على الخارج بلا انقطاع ، حقيقيين كانوا أم غير حقيقيين.
لقد أصبح للمنفيين شوارعهم واسواقهم وحوانيتهم ولغتهم وفي بعض المناطق لم يعودوا يحتاجون إلى وساطة اللغة. إنها العزلة المنفية.. العزلة السعيدة خارج المكان. ولا يعني نجاحك في المنفى أن تكون داخله ضمن ذلك العدد الضئيل من المنفيين الذي تمثلوا المنفى وتمثلهم، بل ضمن ذلك السوق الذي مازال يلهج بلغته وتعابيره ومصطلحاته وبلاغته أيضاً.
ولأن المنفى أضحى سوقاً وفرصا أفضل فقد امتلأ بالمفاجآت وحلّت المعجزات فيه أحياناً، معجزات نادرة لهذا المنفيّ أو ذاك، مليئة بالمفارقات والسخرية والتواطؤ، غير أن السواد الأعظم من المنفيين ظلّوا يتقاسمهم حنينهم الأبديّ، وتذمرهم الذي انضاف إليه تذمرّ آخر مما يجري في وطن لا يشغل المنفيين وحدهم وهم أبناؤه حتى لو انقطعت وشائجهم به، بل يشغل العالم أجمع.
وإذا كانت فرص المنفيين الأوائل خلفهم في الوطن فإن فرص الكثير من المنفيين الجدد هي ما يتقدّمهم في المنفى، وقد أصابهم الذعر مما حسبوه خلاصاً يوماً.
لقد أسهمت المؤسسة العربية في المنفى ولا سيما الإعلامية منها في تخفيف هاجس الغربة لدى المثقف العربيّ المنفيّ، وثلمت حدّة موقفه النقدي ونزعة البحث لديه، وحولته إلى موظف صغير مثلما كان في وطنه، يقبض راتبه نهاية كلّ شهر، وأضافت إليه همّاً جديداً لم يكن بمثل هذه الحدة في وطنه هو تسديد "رهنه العقاريّ" الذي أصبح شاغله الحياتيّ. مثلما أحالت الكثير من المؤسسات المدنية، الدينية منها خاصة المواطن البسيط إلى مواطن مدجّن يمارس عاداته التي اكتسبها في وطنه بحماس أشدّ في منفاه، دافعه ربما الخوف من مواجهة واقع المنفى المعقّد بمفرده لاسيّما أنه لا يجهل هذا الواقع حسب، وإنما يجهل لغته أيضاً، وكلّ ما يجعله في علاقةٍ ما، سلباً أو أيجاباً، لذلك نراه يعود طفلاً من جديد، وقد أطبق عينيه، إلى رحم الجماعة.
لا أعتقد أننا في المنفى سنتوقع منجزاً كبيراً. قد نجده ، ربّما، في مكان آخر.. وزمن آخر هو زمن الأبناء الدي سيدركون الواقع الذي جهله آباؤهم، وقد يتمثلون وطن الآباء بقدر أكبر مما يتمثل الآباء وطن أبنائهم.
ومما يخفّف من حدّة الصراع القائم بين المثقف وسلطات المنفى هو أن هذه العلاقة تكاد تكون معزولة عمّا يحيطها من علاقات أخرى متشابكة قادرة على تأجيج الصراع كما هو في الوطن الأصليّ، ولأن المؤسسة تحلّ محلّ الوطن في علاقة المثقف بها تختفي السلطة في هذه العلاقة الأبوية الراعية للأبناء المنفيين، وتصبح علاقة المثقف بالمؤسسة-الوطن حجاباً لمعرفة ما يتجاوزها من علاقات أعمق، باعثها الخوف من مستقبل مبهم من دون رعاية المؤسسة. وحين يكون المثقف موظّفاً في مؤسسة عربية ما فهذا يعني تكريس لا جهده حسب، بل جلّ وقته حيث العمل يستغرق النهار كله تقريباً في مدن المنفى، وكلّ إمكاناته العقلية حين يصبح شاغله الشاغل هو إرضاء المؤسسة بممارسة دور الرقيب ذاتياً أي بمراقبة نفسه وكتابته و كتابات الآخرين ايضاً إذا كان مسؤول صفحة معينة في جريدة أو قسم أعلاميّ.
ومثلما أسهمت المؤسسة العربية في هذا المآل الذي انتهى إليه المثقف المنفيّ أسهمت فيه أيضاً مؤسسات البلد المنفى لما تتطلبه من مؤهلات وقدرات هي فوق طاقة المنفيّ وأبعد بكثير من إمكاناته المحدودة.. مهما كان تحصيله الدراسيّ والمهنيّ في بلده الأصليّ، لذلك نرى الكثير من المنفيين الذين أعرفهم : أطباء، مهندسون، علماء، شعراء، كتاب، أساتذة جامعة، لا يختلف وضعهم عن وضع أيّ منفيّ أميّ أو غير حقيقيّ في ما يستلمونه من مخصصات وخدمات ومعونات شهرية إن لم يكن وضعهم أدنى، لملابسات، لسنا بصدد تناولها الآن، بسبب عدم قدرتهم على التظاهر في الحصول على المكتسبات الآخرى، لذلك يصبح اهتمام أيّة مؤسسة عربية مهما ضؤلت قيمتها بأيّ مثقف عربيّ منفيّ امتيازاً وضربة حظ نادرة، ولا يعني رفضها غير التطرف والتفكير بعيداً عن الواقع.
وفي مثل هذا الوضع لا يحتاج المنفيّ إلى التظاهر أو الاختلاف أو الإعلان عن نفسه بوصفه فرداً متميزّاً في جماعة لها ماضيها المتميز بعاداته وقيمه وتقاليده لانّ الواقع الجديد كفيل بتزويده بهذا التظاهر وقد تحول إلى كانتونات معزولة لجاليات تتحرك كتلاً هي أقرب إلى الوطن منها إلى المنفى.. جاليات لا تحتاج حتى إلى اللغة وعلاقتها الوحيدة بالبلد المنفى هي قوائم الماء والكهرباء والضرائب ربّما لأقسام من هذه الجاليات التي يعيش أغلبها على المعونة الأجتماعية.
وإذا كان ثمة علاقة فهي أقرب إلى الانفصال منها إلى الاتصال: شراء بيوت باسماء أخرى، تأجير غرف في الصيف أو خلال العام لطلاب وغير طلاب، أي العمل في السوق السوداء والتحايل على الضريبة... مداخل ومخارج لا تطرأ في الذهن تفنن بها منفيون ثأروا لوضعهم الهامشي في مواجهة هيمنة المؤسسات ولا إنسانيتها في التعامل مع المنفيّ كرقم وإرغامه على العمل في غياب أيّة فرص للعمل.
ولكي يتخلص المنفيّ مثقّفاً أو أميّاً من تبعات المنفى واشتراطاته قد يلجأ إلى تعطيل حواسه أو ملكاته أو ماشئت من تسميات،أي التظاهر بالمرض، وحين ينجح في ذلك يصبح حرّاً حقّاً خارج جاذبية المنفى، وقد يكون خارج جاذبية الوطن نفسه، مستمتعاً بخروجه هذا عائماً في هواء من السعادة، فإن كان مثقفاً فهو يستعيد ملكاته الأخرى: القراءة باطمئنان والكتابة باطمئنان وإن كان أميّاً عمل في السوق السوداء بنشاط منقطع النظير، في مؤسسات عربية أو غيرعربية مدنية أودينية بأبخس الأسعار وأغلاها تبعاً لقيمة ما يملك أو ما يرتبط به ولكنه في كلّ الأحوال سيكون سيّدا في وطنه حيث العملة ستتضاعف في السوق السوداء وحتّى البيضاء آلاف المرات بطريقة سحرية فاتنة.
قال لي مرة منفيّ لم ينجح في مسعاه بألم: "متى يحين التقاعد في هذا البلد؟ " ، بعد أن لم يبق في مسعاه سوى الانتظار .. انتظار الشيخوخة وسن التقاعد الذي سيعفيه من كل التزاماته ووقوفه الذليل في مكاتب العمل وتلجلجه أمام الموظفين الذين يقابلهم كل أسبوعين طالبين منه الأدلّة على جديته في البحث عن العمل. لكن من جهة أخرى ينبغي ألاّ يغيب عن أذهاننا أن بعض هؤلاء المنفيين، ولا سيّما الأميين منهم وغير الحقيقيين، هم الأحتياطيّ لحكوماتنا الجديدة المقبلة، واسواقنا القائمة إن لم يكن في البلد الأصلي فلابأس في أيّ بلدٍ عربيّ آخريتخلّصون فيه من رطانتهم ليصدحوا بالأرقام، و هم الصم البكم ، وتعبيراتهم البلاغية المتبادلة عبر الهواتف النقالة في تجارة المفرد والجملة. هؤلاء رجع بعضهم إلى الوطن مستشارين ووكلاء ونواباً دون أن يفقدوا امتيازاتهم في البلد المنفيّ... رواتب ومساكن بل أن ثمة ميزة أخرى يتمتع بها هؤلاء هو المركزالدائم: العائلة في المنفى وربّها بين مدينتين أو أكثر.. في مغامرة لا يجترحها المنفيّ نفسه، وهو الأميّ بل يجترحها الواقع نفسه ويقدمها له على طبقٍ: حاجة السلطة إلى الأميّ. إنه لا يبحث بل يجد، إذا استعرنا عبارة بيكاسو بشكل مقلوب.
هكذا إذن ثمة واقع يجترح مصادفات أصبحت ضرورة، وعجزٌ أستحال قدرةً، وأمية سرعان ما أصبحت ثقافة، فماذا نسمّي هذا النمط الجديد من المنفيين: مهاجرين أم منفيين؟ أم بين بين؟
وإذا كنّا مهاجرين حالنا حال هؤلاء؟ أتنطبق علينا وصفة سرحان البحيري في حديثه عن مدام ماريانا صاحبة البنسيون في رواية نجيب محفوظ ( ميرامار) : " المهاجرون قوم وطنهم هو البلد الذي يوفّر لهم السعادة " ، دون أن يدري هذا البطل الموهوم الخاسر أن صاحبة البنسيون هي أبعد ما تكون عن السعادة التي استحالت ماضياً من الصعب استعادته.
ثمة منفيون غادروا المنفى لأسباب شتى وعادوا إلى وطنهم ليقيموا سنة أو سنتين وظلّوا كما هم أؤلئك المنفيين الذين يتمتعون، لا ندري كيف ؟ ، بامتيازاتهم في البلد المنفيّ؟ أين نضع هؤلاء العصيين لا على السلطات وحدها بل وعلى التصنيف أيضاً؟
التقيت مرة قبل عشرين عاماً في حفلة زفاف في موسكو بمليونير عراقيّ يفتخر أمام جمع من الأصدقاء والغرباء أنه حصل على اللجوء في بلد اوربيّ وله راتب الآن ومسكن وحقوق صحية ويرفق إعلانه هذا بضحكةٍ هستيريّةٍ داعرة. ماذا ترى يفعل الآن وقد تراكمت لديه خبرة عشرين عاماً مثلما تراكمت رؤوس أمواله وفوائدها وعمتّ الفوضى التي ستساعده بالتأكيد في تنظيم حساباته القادمة؟.
نتكلم عن المنفى وكأنه مكان بعيد. وهو ليس ذلك ابداً.
أتذكّر عبارة لكامو وردت في روايته المعروفة( الطاعون) يقول فيها: " إن أول ما يجلبه الطاعون إلى مدينتنا هو المنفى" . وقد جلب الطاعون المنفى إلى وطننا منذ أكثر من أربعين عاماً وربما اكثر من ذلك. وكلما مرّ الوقت اتسعت رقعة المرض وامتدت إلى بلدان أخرى وما عادت تنفع معها أدعية الساعين إلى ملكوت السماء ولا دعوات الساعين إلى ملكوت الأرض، وقد انفتح الحصار المضروب على المدن عن حصار أوسع، والنفي القادم إليها عن منافٍ عديدة. لكلّ مدينة منفاها الخاص المسيّج المعزول عن بقية المدن، ولكل بقعة في المدينة منفاها أيضاً.
مرض ينتشر ومنفىً يضيق واحتلال يجئ ثالثاً ولا اختيار هناك

ماذا يفعل المنفيّ؟
أ يحتمي باللغة؟

* هذا هو القسم الثاني من بحث قُُدّم في "الملتقى الدولي الأول للكتاب العرب في المهجر" الذي أقامته المكتبة الوطنية الجزائرية في الجزائر العاصمة بالتعاون مع المركز العربي للأدب الجغراقي دار ارتياد الآفاق أبوظبي- لندن وذلك في الفترة ما بين 24 و25 حزيران 2007.



#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادة أم شهادتان: القسم الأول
- قصائد قصيرة
- شجرة الرمّان..شجرة طفولتي
- الضحك
- الرحلة الأخيرة إلى المربد
- البناؤون
- حوار حول حكاية جنديّ
- الطريق إلى عدن
- مصالحات الشاعر
- خفّة الشاعر التي تُحتمل
- دليل الطيور
- أيتها السعادة تعالي لنبكي
- رحيل 1978 عبر الصحراء
- قصيدتان عن الخريف
- مجلة - المشاهد السياسيّ - تحاور الشاعر عبدالكريم كاصد
- صداقة الشعر
- تهريب
- حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد
- قصائد - أوكتافيو باث
- عشر قصائد وتعليق


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - شهادة أم شهادتان: القسم الثاني