أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - شجرة الرمّان..شجرة طفولتي














المزيد.....

شجرة الرمّان..شجرة طفولتي


عبدالكريم كاصد

الحوار المتمدن-العدد: 2428 - 2008 / 10 / 8 - 04:41
المحور: الادب والفن
    



في حياتنا ثمة أشياء صغيرة نظلّ، على صغرها، نستحضرها ونستحضرها حتّى تكبر فلا نستطيع لها ردّاً. ونعجب كيف انبثقت فجأةً لتحتلّ كلّ هذه المساحة في النفس؟
من بين هذه الأشياء ثمة شجرةٌ صغيرةٌ طالما قادتني إليها زوجتي الراحلة كلّما جئتها زائراً قبل زواجنا، في حديقة منزل أهلها الخلفيّة .. . شجرة رمّان ها أنا أراها فجأةً وهي تتفتح في بيتي ...
وأتذكر جثمان أبي المسجى في ظلّ إوراقها يحيط به الغاسلون وتحجبه ستارة بيضاء.
ثم ها هي تلتمع في أكثر من بيت .
يا لدهشتي، حين تذكرت أنّ جلّ حدائق المنازل في مدينتي البصرة لا تخلو أبداً من شجرة رمّان صغيرة تشع ثمارها المتدلّية الحمراء في البعيد.
لماذا لم أعرف هذا من قبل؟ لماذا لم أعرف أنها قد تكون شجرة طفولتي؟


في شجرة طفولتي
فانوس يضئ :
رمّانة حمراء


غير أن ذاكرتي، إذ امتدّت، تقلّصت ثانيةً عند حديقة أهل زوجتي، فزاد حنيني إليها واختفت بهجتي بلون ثمارها، وتخيّلتُ أو تمنّيت لو أنّ هناك شجرة رمّان أغرسها عند قبر زوجتي في مقبرة ( كنسل غرين ) في لندن .
ما أشدّ وحشتي !
وما أبهج شجرة الرمّان !
وما أبعد حبيبتي !
ثمّ انداحت الذكريات فتذكّرت جلستي في الباص الذاهب إلى دمشق عبر الأردن وحرجي في المقعد المواجه للمرآة المنصوبة في مقدّمة الباص، وأنا أتطلّع في وجوه الركّاب وهم يتطلّعون بي وبوجوه بعضهم بعضاً. وممّا خفّف حرجي إغفاءتهم المتواصلة، غير أنّ ضيقي لم يتوقّف إلاّ عندما توقّف الباص في الطريق. تعرّفتُ على طالبٍ مثلي ذاهبٍ إلى دمشق للدراسة في جامعتها أيضاً. قدّم لي رمّانةً لم أر مثل حمرتها ولمعانها وحجمها أبداً. قال لي إنها من بستان أهله في بعقوبة. جلب احمرارها الحياة والسكينة إلى نفسي ... بعد أن أشاعت المرآة فيّ الاضطراب.
تذكّرت ( كاواباتا ) وقصصه القصيرة التي نسيتها فلم يبق منها عالقاً في ذاكرتي غير شجرة رمّان منتصبة في أكثر من قصةٍ فيها.
في شجرة الرمّان يحضر الماء والنار جنباً إلى جنب وتصدح الأسماء الغريبة كالطيور وتشتعل الأساطير.. لم تسحرني كلمة مثلما سحرتني كلمة جلّنار، ذات الأصل الفارسيّ والتي تعني الرمّان في اللغة العربيّة، ولعلّ ما زاد في سحر هذه الكلمة هو جرسها في أبياتٍ وردت في الشعر العباسيّ وشعر الزهاوي كنت أحفظها في طفولتي :


لستُ أنسى فيما ســــمعتُ الهزارا إنّه كان فاتناً ســـــــحّارا
صاح في الروض صيحةً ثم طارا فكأنً الهزارَ أضـرم نارا
عندما صاح في حشى الجلّنارِ



وأشجار الرمّان بحّد ذاتها أساطير حمراء في واقع أخضر أو رماديّ من النخل والعرائش في أبي الخصيب. أتذكر وقوفي أمامها كلّما طلعتْ لي من خضرةٍ تشعّ ، و (كربٍ ) يذوي ، وروائح تشتعل متخفّيةً في احمرارها الخجول الذي يفضح حياءها. لم أكن أدري من قبل أنّ لشجرة الرمّان مثل هذا التأثير الذي يشيع في داخلي الحنين ... إلى بيتي .. إلى الطرق التي سلكتها ذات يوم عاشقاً أو خائباً أو وحيداً ... إلى حبيبتي التي تنام الآن بلا شجرةٍ لتوقظها أغصانها في الصباح ، ولكنّني تذكّرتُ شجرة أزهرت حمراء ذات يوم فكتبتً هذا المقطع الصغير من مقاطع عديدة:


هذه الشجرة
المكتظة بالأزهار الحمراء
أتهزأ بي ؟


لعلّ هذه الشجرة هي شجرة الرمّان التي تمنّيتها مغروسةً عند قبر حبيبتي .
أجل سأقرأ قصائدي بعينين أخريين وسأبدل بالتفّاحات الخمس رمّاناتٍ خمساً، وشجيرة الورد سأراها شجيرةَ رمّان .
أجل سأمارس لعبتي مع الأزهار :


الأغطية البيضاء
قدح الثلج المائل فوق الرفّ
الرمّانات الخمس
قميص النوم
جواربك السوداء
الكرسيّ الفارغ
ذبذبة الضوء على المرآة

( طبيعة صامتة من ديوان " نزهة الآلام " )



#عبدالكريم_كاصد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضحك
- الرحلة الأخيرة إلى المربد
- البناؤون
- حوار حول حكاية جنديّ
- الطريق إلى عدن
- مصالحات الشاعر
- خفّة الشاعر التي تُحتمل
- دليل الطيور
- أيتها السعادة تعالي لنبكي
- رحيل 1978 عبر الصحراء
- قصيدتان عن الخريف
- مجلة - المشاهد السياسيّ - تحاور الشاعر عبدالكريم كاصد
- صداقة الشعر
- تهريب
- حوار مع الشاعر عبدالكريم كاصد
- قصائد - أوكتافيو باث
- عشر قصائد وتعليق
- ما أبعد الطريق إلى بغداد
- البصرة مدينة لا مرئية
- عن السياب وتمثاله


المزيد.....




- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...
- تونس: مدينة حلق الوادي تستقبل الدورة الرابعة لمهرجان -نسمات ...
- عشرات الفنانين والإعلاميين يطالبون ميرتس بوقف توريد الأسلحة ...
- حكايات ملهمة -بالعربي- ترسم ملامح مستقبل مستدام
- مسرحية -لا سمح الله- بين قيد التعليمية وشرط الفنية
- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم كاصد - شجرة الرمّان..شجرة طفولتي