أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد السلام أديب - اندثار الأمل















المزيد.....

اندثار الأمل


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 09:34
المحور: حقوق الانسان
    


كنت أجلس يوم الاثنين من السادس أكتوبر 2008 في احد مقاهي مدينة الرباط أرتشف فنجان قهوتي الصباحية واتصفح احدى الجرائد حينما التحق بي صديقي وطلب قهوته وفتح الحديث معي بالإشارة إلى حالات الانتحار التي أصبحت منتشرة ببلادنا حيث أوردت الصحف ذلك اليوم خبر 3 حالات انتحار في ظرف 3 أيام بالدار البيضاء، وعقب صديقي على ذلك بأنه هو الآخر طالما فكر في الانتحار، فقلت له حينذاك: "الله أودي، ياك لاباس أنا تانشوف راك بخير، موظف قد الدنيا، مصنف خارج السلم، ولديك زوجة وطفلان جميلان وبيت وسيارة، فماذا دهاك حتى تفكر أنت الآخر بالانتحار؟".
نظر إلي صديقي بعينان كما لو أنهما ستنهمران دموعا، وقال لي، لا تخدعك المظاهر، فأخوك أصبح مفلسا حقيقيا، لأن الديون والقروض الاستهلاكية تحيطني من كل جانب، تصور أن راتبي لا يتعدى 2.500,00 درهم وهو سيتناقص أكثر من كثرة القروض الاستهلاكية ثم إن ديوني تتجاوز 70 مليون سنتيم لن تنقضي حتى أصل سن التقاعد، فنظرا للمواسم والأعياد والسقم الصحي للزوجة والأبناء والوالدين والإخوة وحاجياتهم المتعددة أصبحت أقترض كل ثلاثة أشهر لكي أتغلب على شظف الحياة وأسدد ديوني من بعض الزملاء وأضمن لنفسي مصروف الجيب لمدة لا تتجاوز 45 يوما، فأنا لم أعد أدري لماذا أكد وأشتغل يوميا فهل لسداد الديون فقط؟ لقد اسودت الدنيا في عيوني وكم من مرة فكرت في الانتحار.
ولأنني كنت أريد أن أبعد صديقي عن السقوط في بئر التشاؤم المظلم وأنقذ نفسي أيضا من الوقوع فيه، حاولت تعويم النقاش وإعطائه بعدا غير شخصي ولو بالهروب به بعيدا، فقلت لصديقي، إن وضعيتك هي أفضل بكثير من 4,1 مليار من البشر الذين يعيشون اليوم حالة الفقر المطلق على وجه الأرض والتي أكدتها آخر الإحصائيات لعدد من الخبراء الدوليين، أي أن ثلثي البشر يعيشون تحت عتبة الفقر، فهل تريد من كل هؤلاء أن يقدموا على الانتحار، فعلى الأقل أنت قادر على حفظ توازنك المالي والمعيشي.
أراد صديقي أن يؤكد لي سعة إطلاعه محاولا تفنيد العدد الحقيقي للفقراء عبر العالم بقوله أن آخر دراسة للبنك الدولي في أبريل من سنة 2007 تؤكد أن عدد الفقراء حول العالم هو 986 مليون نسمة وليس 4,1 مليار نسمة.
أعجبني مع ذلك رد صديقي فهو على الأقل قد أخرجنا من التشاؤم الخاص إلى التشاؤم العام واستطاع أن يحتسي قهوته ويسترسل في المناقشة، وقد عقبت على تدخله بأن حسابات البنك الدولي تستهدف التقليص من عدد الفقراء حول العالم بإتباع مناهج إحصائية غير موضوعية وهو ما انتبه له عدد من الخبراء الآسيويين المستقلين وأرادوا تفنيد مزاعم البنك الدولي نظرا لكونه يستبعد العديد من المعايير ويسقط الكثير من الاعتبارات من حساباته.
عقب صديقي على قولي، بأن عدد الفقراء حول العالم في كل الأحوال سيتزايد خصوصا مع الأزمة المالية والاقتصادية التي انفجرت يوم 13 شتنبر الأسود الماضي، والتي كان من نتائجها إفلاس عدد من الأبناك الأمريكية والأوروبية، فالأزمة لن تتوقف عند هذا الحد رغم تصويت الكونغرس الأمريكي على ضخ 700 مليار دولار لانقاد أزمة الرهون العقارية، ورغم تدخل الدول الأوروبية الأساسية من أجل تأميم الأبناك المفلسة، فتراجع النيوليبيراليين لصالح الكينيزية في اطار تبادل الأدوار لن ينقد سوى الرأسماليين من الانهيار، أما الطبقة العاملة وشعوب دول العالم الثالث فهم من سيدفع تكاليف هذا الانقاد، وهم من ستزداد أوضاعهم سوءا وفقرا. فالكينيزية التي انقدت النظام الرأسمالي بعد أزمة 1929 لم تكن تخفي بشاعة استغلال الرأسماليين للطبقة العاملة وشعوب العالم الثالث، فالتاريخ يعيد إنتاج نفسه بشكل أكثر تشويها.
أجبت صديقي الذي تمكن من تغيير نبراته الحزينة إلى نبرات حادة ثائرة، هناك فرق واضح بين أزمة عقد الثلاثينات من القرن الماضي وأزمة اليوم، فأزمة الثلاثينات التي انطلقت مع الحرب العالمية الأولى وانفجرت سنة 1929 كانت تتسم بتواجد قوى اشتراكية شيوعية قوية وأخرى فاشيستية إلى جانب القوى الرأسمالية، ففي خضم صراع هذه القوى والقيم التي تحملها كان المواطن العادي يتمكن من صياغة أهداف واضحة وبلورة قناعات بتوفر مشاريع مجتمعية تفتح الأمل على مصراعيه وتدفعه للمزيد من الإنتاج والعطاء وخلق البهجة من حوله رغم الحربين العالميتين المدمرتين. إننا اليوم في عشية الذكرى 91 للثورة البلشفية على النظام القيصري البائد في روسيا التي حدثت في أكتوبر 1917، وأرجعت الأمل إلى عمال العالم للتخلص من براثين الاستغلال والاضطهاد، فالأمل في التغيير كان حافزا للإنسان لتجاوز مختلف العقبات أما اليوم فأعتقد أن الأمل قد اندثر، فعلى الرغم من إشراف النظام الرأسمالي، الذي أفقر العالم، على الانهيار، لا نجد الى جانبه أو في مواجهته قوى اشتراكية أو شيوعية محكمة التنظيم قادرة على التعجيل بهذا الانهيار، وبالتالي بعث الأمل في النفوس في غد أفضل.
قاطعني صديقي بالتأكيد على ظاهرة اندثار الأمل في نفوس الجميع وحتى في نفوس صغار السن، فالإنسان المغربي برأيه يعيش نهاية التاريخ، فهو يشعر أنه على الرغم من فساد النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي وانعكاسات ذلك على تدهور التعليم العمومي والصحة العمومية وتفاقم الغلاء وانتشار الفقر والبطالة والأمراض الفتاكة والمجاعات في كل مكان من العالم وتزايد الظلم والاستغلال وتغلب أصحاب النفوذ بأساليب القمع والمحاكمات الصورية على كل محاولة تظلم أو احتجاج للمظلومين، وأن ذلك يحدث في ظل صمت مطبق لما يسمى بالأحزاب السياسية أو المركزيات النقابية لأنها تحولت بفعل نهاية التاريخ إلى أرستقراطيات سياسية ونقابية تمتهن تطعيم الشعب بالمورفين خلال ما يسمى بالانتخابات التشريعية والجماعية، تم تعيد تكرار خدمة رأس المال في جميع نزواته وعربداته، متجاهلة الباب المسدود الذي أوصلوا الشعوب إليه.
قاطعت صديقي ضاحكا، لقد تمكنت مع ذلك من أن أجعلك تعترف بأن أزمتك الشخصية لا تساوي شيئا أمام أزمة باقي البشر، وتؤكد أن السبب الأساسي لحالات اليأس التي تنتابنا، ناجمة أساسا عن غياب الأمل في تغيير الأوضاع القائمة، لكني أعتقد أن خلق شحنة من الأمل يجب أن تنبعث من دواتنا نحن ومن رغبتنا نحن في تغيير الواقع المفروض علينا ومن قدرتنا على المقاومة والحلم بغد أفضل. فإذا كانت الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية قد أصبحت بوقا للهيمنة السائدة بفعل انحراف زعمائها وبيروقراطية أجهزتها، فعلينا فضح هذه الأبواق وبالتالي إخراس الأصوات المنبطحة، بل والعمل على دمقرطة أجهزتها، وإن لم نتمكن من ذلك نؤسس أحزابا ونقابات جديدة وإن تم منعنا من ذلك ننظم أنفسنا ونكتسح جميع الواجهات الجماهيرية لنناضل داخلها ونقود الصراع الطبقي ضد الاستغلال والهيمنة وديكتاتورية السوق من أجل بلورة مشروع مجتمعي آخر لن يكون إلا اشتراكيا ينتفي فيه الاستغلال والتفاوت الطبقي.
أوقفني صديقي ليلمح لي بأنني أحلم وأن لا أحد أصبح يؤمن بخرافة الاشتراكية بعدما انتهت مع سقوط الاتحاد السوفياتي وتحول الصين إلى اقتصاد السوق، فقد أصبحنا في اطار قدرية تاريخية، ملخصها نهاية التاريخ، ولأن لا أحد سيرغب في تغيير واقعه الذي تعود عليه من أجل واقع آخر غير واضح المعالم والذي أكدت تجارب الديكتاتورية الستالينية سوداويته، وبأنني ذو تكوين حقوقي ولا أفهم شيئا في السياسة.
استوقفت صديقي مرة أخرى، مؤكدا على تكويني الحقوقي وبأن ذلك لا يتعارض مع الافصاح عن قناعاتي السياسية التي تتماشى مع سيادة حقوق الإنسان كونيا، ثم أضفت، إن ما تقوله هو اليأس بعينه، وما أدافع عنه أنا هو الأمل، وفي ضياع الأمل ضياع للحياة، فالمشروع المجتمعي الاشتراكي هو قدر البشرية الحتمي، لأن البشر يجب أن يعيشوا سواسية ولا أحد يستغل الآخر ولا أحد يحكم الآخر، بل الحكم للشعب، للطبقة الكادحة، الذي يبلور قواني فوق الجميع، من أجل مصلحة الشعب والطبقة الكادحة، أما الآن فإن البرجوازية والرأسماليين هم الذين يسيطرون على جهاز الدولة ويضعون القوانين التي تخدم مصالحهم، ويسخرون هذا الجهاز لاستغلال الشعوب والطبقة الكادحة، فالتغيير الحقيقي يجب أن يقوم على انتزاع الطبقة العاملة لجهاز الدولة من البرجوازية ووضعها في يد الطبقة الكادحة ولا تنعدم هنا الآليات لتحقيق ذلك وصيانة هذه الاختيارات وليس بالضبط كما كان الشأن بالنسبة لرأسمالية الدولة في الاتحاد السوفيتي أو الاتجاه التحريفي الذي شهدته الصين.
عقب صديقي على أقوالي وقال، بينما الناس تمشي على الأرض أراك تغط في النوم فوق السحاب، في انتظار أشياء لن تتحقق أبدا، لأن ما تحلم به يتطلب تنظيما سياسيا ماركسيا لينينيا، يستغرق بنائه عشرات السنين في خضم الصراع الطبقي العنيف، وبربط هذا التنظيم علاقات وثيقة مع أحزاب شيوعية تتمتع بنفس القوة التنظيمية في مختلف بلدان العالم، في اطار أممية شيوعية، وتمتلك كلها جرأة المقاومة والإبداع وينتشر خطابها وسط كل الأوساط والطبقات الدنيا والوسطى وحتى البرجوازية حتى تقتنع كلها بجدوى التغيير المجتمعي المنشود، وهذا يتطلب آليات إعلامية وموارد مالية لا قدرة لهذه الأحزاب على توفيرها، وحتى إن كان ذلك ممكنا فإن احتمال ظهور ماكارتية جديدة على الصعيد العالمي وسنوات رصاص جديدة على المستوى المحلي سيؤدي إلى إحباط كافة الجهود، لذلك أطلب منك أن تعود إلى الواقع وتستسلم لاهتماماتك الحقوقية المحدودة.
لم أرغب بعد انتهاء صديقي من تعقيبه في الكلام مرة أخرى لأني لاحظت قوة اندثار الأمل فصديقي لا يستطيع حتى مجاراتي في أحلامي فبالأحرى أن يتمتع بفكر المقاومة، ولأن الشعور بالهزيمة أصبحت معششة في نفسه، لذلك تبرز لديه بين الفينة والأخرى فكرة الانتحار، ولعل الاستسلام للواقع ببشاعته دون محاولة المقاومة هو واقع أكبر من الانتحار.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمغرب
- السياسة الاجتماعية في المغرب ومواجهة الفقر
- أثرياء يمارسون التهريب القانوني للعملة
- الأزمة والانتفاضات الاجتماعية في المغرب
- حكومة بدون شعب، وشعب محروم من حكومة تعبر عن ارادته الجماعية
- قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي
- أسباب فشل الملتقى الرابع لتنسيقيات مناهضة الغلاء
- نداء إلى تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
- مسؤولية الدولة قائمة في محرقة ليساسفة
- سلطات الباطرونا تتغلب على سلطة الدولة
- هجوم رأسمالي على الطبقة العاملة وخمول سياسي ونقابي في مواجعة ...
- أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين بالمغرب
- المغرب بين الوضع الحقوقي الدولي والجهوي
- لا يمكن توقع ردود فعل الجماهير إزاء ارتفاع الأسعار
- السياسة الاقتصادية لا تخدم سوى مصالح رأس المال المحلي والدول ...
- الغلاء يفضح ضعف السياسة الاقتصادية بالمغرب
- الدولة تخفي إرهابها بالوعود
- النمط الاقتصادي المعتمد لا يؤدي إلى تنمية اجتماعية
- البرلمان والاعتقال السياسي
- المشهد السياسي الحالي في المغرب والمشاركة السياسية للمرأة


المزيد.....




- أمريكا تدعو إسرائيل إلى اعتقال المسؤولين عن مهاجمة قافلة الم ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال ...
- الجمعية العامة للأمم المتحدة تصوت الجمعة على عضوية فلسطين ال ...
- النيابة التونسية -تتحفظ- على مدافعة بارزة عن حقوق المهاجرين ...
- تونس: توقيف رئيسة منظمة -منامتي- التي تناهض العنصرية وتدافع ...
- رئيس البرلمان التونسي: الادعاءات بالتعامل غير الإنساني مع ال ...
- أزمة مياه الشرب تزيد محنة النازحين في القضارف السودانية
- الأمم المتحدة: غوتيريش سيوجه رسالة إلى بوتين بشأن تنصيبه
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: إسرائيل غير راغبة ...
- تحقيق لبي بي سي يكشف شبكة عالمية لتعذيب القرود


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبد السلام أديب - اندثار الأمل