أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي















المزيد.....



قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 2337 - 2008 / 7 / 9 - 10:57
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مقدمة
إننا في سنة 2008 نكون قد بلغنا 10 سنوات منذ اعتماد ما يسمى بالتناوب التوافقي، وهو التناوب الذي تم على خلفية دستور 1996 وكذا على خلفية ما كان يعرف بالسكتة القلبية علما أنه منذ سنة 2005 تم الحديث مرة أخرى عن السكتة القلبية ولعلها سكتة قلبية تهم فقط الجماهير الشعبية نرى أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية تتدهور سنة بعد أخرى ويوما بعد آخر، لكن تاريخ المغرب عبارة عن مجموعة من السكتات القلبية بالنسبة للطبقات المسحوقة، فقد كانت هناك سكتة قلبية سنة 1964 أعقبتها انتفاضة 23 مارس 1965 ثم السكتة القلبية لأواخر عقد السبعينات حينما تم اعتماد سياسة التقشف أعقبتها انتفاضة 1981 ثم السكتة القلبية لسنة 1983 والتي اعقبتها انتفاضة 1984 والسكتة القلبية لسنة 1988 والتي أعقبتها انتفاضة 14 دجنبر 1990 فالإعلان عن السكتة القلبية تسبق دائما العزم على اتخاذ اجراءات لاشعبية تزيد من افقار هذا الشعب واغتناء الأقلية حيث حققت الأقلية الحاكمة ثروات خيالية لا يحلم بها حتى كبار الرأسماليين في البلدان الرأسمالية. إذن فالتناوب التوافقي جاء في سياق سياسي واقتصادي معين، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما قيمة العشر سنوات الماضية اقتصاديا وسياسيا؟
ونظرا لتشعب الموضوع وبهدف الاختصار واستخراج الخلاصات العامة ستركز هذه المداخلة على:
1 – المؤشرات العامة للاقتصاد الوطني خلال 10 سنوات وانعكاساتها؛
2 - خلفيات الوضع الاقتصادي الراهن وآفاق التغيير



القسم الأول: المؤشرات العامة للاقتصاد المغربي خلال 10 سنوات وانعكاساتها
لن أتطرق للكثير من المؤشرات نظرا للوقت المحدد المخصص لهذه المداخلة، وسأقتصر فقط على الجوانب الأكثر دلالة وهي كل من نسبة النمو الاقتصادي السنوي، وضعف الانتاجية، سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي، ثم فشل سياسة الانتاج من أجل التصدير وكذا دور السياسة المالية والإقتصادية للدولة في تكريس الوضع القائم.

أولا: اقتصاد يعيد نفسه من دون نمو

يعتبر نمو الناتج الداخلي الإجمالي السنوي وهو ما تحققه القطاعات الاقتصادية الثلاث: الفلاحة والصيد البحري والصناعة والتجارة والخدمات من نتائج، أحد المؤشرات على تقدم أو تراجع الاقتصاد.
وفي هذا الإطار نجد أن وتيرة نمو الاقتصاد المغربي على امتداد العقود الثلاثة الماضية معدلات نمو ضعيفة، بحيث أن النمو الحقيقي للناتج الداخلي الإجمالي كان بمعدل 3,9 % في الفترة الممتدة بين 1980 - 1989، وبمعدل 1,3 % في فترة 1990 – 1998 وبمعدل 3,1 % في الفترة 1998 – 2007.
إن هذه النسب الضعيفة من معدلات النمو تؤكد على الكساد والبطالة السائدين كما تؤكد على كون الاقتصاد غير قادر على الإقلاع والحد من البطالة. وبالتالي فإن ذلك يعيق تنمية البلاد أكثر مما يعرقل مستوى النمو نفسه، فضلا عن كونه يؤدي إلى انعدام القدرة التوقعية لمجريات التدابير الاقتصادية.
ب - عوامل ضعف النمو الاقتصادي
• ويمكن إرجاع ضعف النمو الاقتصادي إلى عدد من العوامل نذكر من بينها ما يلي:

- هشاشة الاقتصاد الناجمة عن التقلبات المناخية؛
• فالاقتصاد المغربي ظل شديد الارتباط بمنجزات القطاع الفلاحي ، حيث يشكل هذا القطاع 14 % من الناتج الداخلي الخام، ولا زال يشغل أكثر من 40 % من الساكنة النشيطة .
• إضافة إلى ذلك فإن لتقلبات النشاط الفلاحي آثار خارجية سلبية على النمو الإجمالي، حيث أن انخفاض الإنتاج الفلاحي لا يؤدي فقط إلى انخفاض الصادرات بل وينتج عنه أيضا ضعف المداخيل، مما ينعكس سلبيا على استهلاك الأسر؛
- تقلب الظرفية الاقتصادية للاتحاد الأوروبي الذي يشكل المنفذ التجاري الأساسي للمغرب؛
- ضعف الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي ؛
- ضعف الاستثمارات العمومية والخاصة؛
- النقص الحاصل في ميكانيزمات تمويل الاقتصاد؛
- محدودية القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني؛
- ضعف نجاعة السياسات الضريبية والنقدية، وعدم ملاءمة الموارد المرصودة؛
– التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي على حساب تنمية السوق الداخلي؛
– تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الاقتصاد الوطني.

ويظهر ضعف نمو الناتج الداخلي الاجمالي على الخصوص من خلال الناتج الداخلي الخام لكل مواطن؛ فلم يتجاوز هذا المعدل طيلة العشر سنوات السابقة 1 % وهذا المعدل لا يمثل اليوم سوى خمس الناتج الداخلي الاجمالي للمواطن الاسباني.
إن التوجه الخارجي للاقتصاد المغربي على حساب التنمية الداخلية وكذا تراجع دور الدولة كقاطرة لجر باقي مكونات الاقتصاد الوطني يشكلان عاملين أساسيين كرسا ضعف النمو الاقتصادي،
فالتوجه الخارجي للاقتصاد المغربي من خلال الإنتاج من أجل التصدير يقلص من إمكانية تطوير إنتاج فلاحي وصناعي يلبي الحاجيات الأساسية للمواطن المغربي ويخلق علاقات عضوية بمختلف النسيج الاقتصادي الوطني ويرفع من حجم السوق الداخلي مما يزيد من حركية عوامل النمو الاقتصادي.
أما بالنسبة لتراجع دور الدولة كقاطرة والمراهنة على الاستثمارات الأجنبية الخاصة والقطاع الخاص عموما فقد أبان عن سلبية كبيرة نتيجة انتشار الكساد وعدم اقبال المستثمرين الأجانب بأحجام معقولة.


2 – ضعف إنتاجية القطاع الفلاحي
- ضعف مساهمة القطاع الفلاحي في النمو:
تؤكد مؤشرات الأداء الفلاحي خلال العشر سنوات الفارطة على فشل دريع للسياسات الفلاحية، فمختلف الاستراتيجيات المعتمدة قبيل هذه الفترة لم تعرف طريقها للتنفيذ نظرا لغياب إرادة حقيقية للإصلاح الزراعي.
ومن بين هذه الإستراتيجيات نذكر ما يلي:
درج الخطاب الرسمي منذ أواخر عقد الستينات على تبني التوجهات الاستراتيجية الأربعة التالية دون أن يكون لها الأثر المنشود في الواقع:
• الاكتفاء الذاتي الغذائي
• توازن الميزان التجاري
• الرفع من دخل الفلاحين
• الحد من الفوارق الجهوية
بدل هذه التوجهات التقليدية الأربعة تم وضع قانون توجيهي يهدف إلى عصرنة الفلاحة على توجهات جديدة للسياسة الفلاحية ارتكزت على وضع العديد من البرامج كما يلي:
• البرنامج الوطني لبناء الطرق القروية ؛
• برنامج توفير الماء الشروب للساكنة القروية ؛
• برنامج الكهربة القروية الشاملة ؛
• البرنامج الوطني للتمدرس؛
• استراتيجية 2020 للتنمية القروية؛
• مخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية 2000 – 2004 ؛
• إستراتيجية طويلة المدى لتنمية الفلاحة المغربية.
• اعتماد مبدأ الأمن الغذائي عبر الاستيراد بدل الاكتفاء الذاتي؛
• إدماج السوقين الدولية والوطنية ؛
• الرفع من دخل الفلاحين وتأمينه ؛
• المحافظة على المواد الطبيعية وإعطاؤها قيمة أكبر؛
• الإصلاح الزراعي في المناطق البورية ؛
• وضع القانون المتعلق بالماء ؛
• اعتماد البرنامج الوطني للري ؛
• إحداث صندوق التنمية القروية؛

والملاحظ أن مختلف هذه البرامج إما أنها ظلت حبرا على ورق، أو أنها حققت نتائج باهتة. فحجم الإنتاج الفلاحي ظل دون المستوى المطلوب، حيث سجل الاتجاه العام للإنتاج تراجعا بالنسبة للناتج الداخلي الإجمالي، مستقرا في حوالي % 14.
ومن بين المؤشرات الدالة على هذا التطور السلبي للقطاع هناك ما يلي:
1 - لم يتحقق أبدا هدف الاكتفاء الذاتي الغذائي ، بل عوض هذا الهدف بهدف تحقيق الأمن الغذائي وهو ما يعنى مواصلة استيراد الحاجيات الغذائية ويجعل السوق الداخلي عرضة لتأثيرات السوق الدولي؛
2 - تراجع إنتاج الحبوب قياسا بالفرد الواحد الذي يبلغ حوالي 203 كيلو، وهو ما يمكن أن يعتبر تعميقا للتبعية الغذائية لبلادنا ، فنسبة تغطية الإنتاج المحلي للاستهلاك الداخلي يبقى أقل من % 50 بالنسبة للقمح الطري مثلا؛
3 - وإذا كان انتاج اللحوم البيضاء قد تزايد بنسبة %41 وزاد على غرار ذلك الإنتاج الحليبي، إلا أن أعداد رؤوس الماشية تقلصت بنسبة %27 بالنسبة للأبقار والماعز، بينما تم تسجيل استقرار في عدد رؤوس الأغنام؛
4 - كما أن انعكاس اندثار الفرشة المائية على أوضاع الفلاحين باتت واضحة للعيان وتكتسي طابع الخطورة الداهمة،
فهناك حوالي %43 من الساكنة القروية تستغل أراضي ضعيفة المردودية، الأمر الذي لا يوفر لها شروط العيش الكريم،
وأن %54 من المناطق القروية تعيش شبه عزلة،
وأن %16 فقط من الأسر القروية تتوفر على الكهرباء؛
5 - وتحتل زراعات الحبوب 57 % من المساحات القابلة للزراعة؛ إلا أن مساهمتها في القيمة المضافة الزراعية لا تتجاوز 23,8 %، وبذلك يلجأ المغرب إلى استيراد الحبوب من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يكرس المزيد من التبعية الغذائية.
6 - كما أن الخضراوات والحوامض التي تعتبر من المنتجات الرئيسية في المناطق المسقية توجه في الغالب نحو التصدير.
– انعكاس تدهور القطاع الفلاحي على الساكنة القروية
يؤدي تدهور أوضاع القطاع الفلاحي إلى عدد من الانعكاسات السلبية على الساكنة القروية ومنها ما يلي :
1 - عجز الفلاحين الفقراء والصغار على الاستمرار في تجهيز أبارهم مما دفع بالعديد منهم إلى التحول في أحسن الأحوال إلى عمال زراعيين إن لم يلتحقوا بصفوف البطالة وبالهجرة نحو المدن؛

2 - لجوء الفلاحين المتوسطين إلى القروض لمواجهة متطلبات النفقات الإضافية التي أصبح يفرضها نضوب آبارهم حتى يحافظوا على مزارعهم ونشاطهم الفلاحي في حده الأدنى؛
3 - تفاقم الانحرافات الاجتماعية: كالبغاء، والتسول،والتعاطي للمخدرات واللصوصية؛

4 - ويؤدي انخفاض النشاط الفلاحي لأغلبية الفلاحين إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية العامة للبلاد؛

إن هذه الوضعية مازالت مرشحة للتفاقم وان جميع القرائن تثبت أن دولة الكمبرادور والملاكين الكبار ماضية في تطبيق سياسة مراكمة الأرباح السريعة على حساب مستقبل البلاد والتوازنات البيئية والجهوية، وتفريطا بالأمن الغذائي للمواطن.
فنحن نستورد الآن القمح سواء كانت السنة جيدة أو سنة سيئة، فحتى عندما نعيش سنة جيدة من حيث الأمطار نقوم باستيراد القمح، حيث نستورد في المتوسط 30 مليون قنطار وهذا يعني أن المغرب أصبح مستورد بنيوي للحاجيات الغذائية الأساسية، وأنه أصبح هشا أمام تقلبات الأسعار الدولية.

3 – ضعف مساهمة القطاع الصناعي في النمو

أ - صناعات لا تستجيب للحاجيات الأساسية للمواطنين
إن القطاع الزراعي ليس العامل الوحيد المسؤول عن ضعف النمو فقد تم تسجيل ركود الصناعة ونقصان التنافسية في قطاع الانتاج الصناعي في التسعينات. فقد بقي قطاع الصناعة قارا إذ مثل 30 % من الناتج الداخلي الإجمالي في حين انتقل قطاع الانتاج الصناعي من 17 % الى 7%.

يرتكز النسيج الصناعي المغربي على الخصوص في مدينة الدار البيضاء، حيث تتجمع الصناعات الفولاذية والميكانيكية والكهربائية والفلاحة الغذائية والنسيجية.
وإذا كانت السياسة الصناعية التي انطلقت من مبدأ إعطاء الأولوية لإحلال الواردات قد استقطبت الصناعات التحويلية الخفيفة ولاسيما منها الفلاحة الغذائية والنسيجية إلا أن الجهود المبذولة في هذا المجال تصطدم بضعف قدرة الاستهلاك المرتبطة بطلب الأسر المغربية،
لذلك تحولت حاجة السياسات الصناعية نحو تنمية الصادرات بارتباط مع استغلال وتصدير الموارد الطبيعية للبلاد (معدنية، فلاحية، صيدية... الخ ) بينما ضلت آليات السياسة الصناعية تستغل وسائل الاحتراز والتحفيز والاستثمار العمومي .
ففي ظل محدودية السوق الداخلية، تم تشجيع الصناعات الموجهة نحو التصدير، وفي هذا الإطار برزت مجموعات رأسمالية احتكارية (كمجموعة أونا مثلا) تنشط وتتطور في محيط محمي ومحفز من طرف الدولة .

لكن تكوين أقطاب احتكارية أو شبه احتكارات يحد من وتيرة تصنيع البلاد، لأن الاحتكار يتعارض مع مفهوم المنافسة الذي يتغنى به الخطاب الليبرالي السائد، والذي صدر بشأنه قانون حول الأسعار والمنافسة منذ سنة 2001 لكنه ظل حبرا على ورق.
ويؤدي هذا الواقع بطبيعة الحال إلى تكريس المزيد من هيمنة ما يسمى بالمخزن الاقتصادي وتحالفاته الطبقية على قطاع صناعي موجه أساسا نحو الخارج ولا يلبي إلا استثناء الحاجيات الأساسية للمواطنين .

ب - أسباب تراجع الصناعة المغربية خلال السنوات العشر الماضية :
1 - الانفتاح المطلق على الواردات، حيث تدمر المصنوعات الأجنبية المصنوعات المنتجة محليا؛
2 - نهج سياسة الباب المفتوح وتفكيك الرسوم الجمركية والذي تستفيذ منه فقط المنتجات الصناعية الأجنبية؛
3 - إبرام اتفاقيات التبادل الحر من موقع التبعية؛
4 - منافسة الشركات متعددة الاستيطان للشركات المحلية.
وقد أدى ذلك إلى :
تفاقم أزمة النسيج؛
إغلاق المئات من المؤسسات وتشريد المئات من العمال؛
ارتفاع أسعار المحروقات التي رفعت من كلفة الإنتاج ومن الأسعار؛
ونتيجة لهذه العوامل ازدادت نسبة النمو انخفاضا.


4 – عجز متواصل للميزان التجاري
رغم مراهنة السياسة العمومية على سياسة التصدير فقد سجلت المؤشرات الرسمية مساهمة سلبية للطلب الخارجي،
فقد تزايدت واردات السلع والخدمات بوتيرة أكبر خلال مرحلة 2001-2004 ، حيث بلغ معدل نموها 7,6 % مقابل 5,9 % بين 1997 و .2000 .
بينما عرفت الصادرات ارتفاعا متواضعا من مرحلة لأخرى منتقلة من 4,9 % إلى %.5,8 مما أدى إلى تفاقم العجز التجاري.
وهكذا تراجعـــت مساهمــة التجــارة الخارجية في النمو بـ 0,4 نقطة لتسجــــل (ناقص 1%) من الناتج الداخلي الإجمالي.
فحسب المنظمة العالمية للتجارة، بلغ معدل النمو السنوي المتوسط للصادرات بالمغرب 4,1 % ، وهو معدل أقل من نظيره المسجل في تونس(6,9 %) وماليزيا (6,3 % ) والمكسيك (7,1 %) وتركيا (11,5 % ) وهنغاريا (13,1 % ) والصين (19 %).
ثم إن 71 % من الصادرات المغربية خلال العشر سنوات الأخيرة تهم الصناعات الغذائية والنسيج والكيمياء وهي قطاعات لا تمثل سوى 28 % من التجارة العالمية حسب مركز التجارة الدولي.



ثانيا: انعكاسات تطور الوضع الاقتصادي

1 – صعوبات المقاولات الصغرى والمتوسطة
أ - مكانة المقاولات الصغيرة والمتوسطة
رغم هيمنتها العددية داخل النسيج الإنتاجي فإن المقاولات المتوسطة والصغيرة لا تسهم إلاّ بقسط متواضع في النشاط الاقتصادي.
فإذا كانت المقاولات المتوسطة والصغيرة تمثل 92 % من المقاولات المغربية سنة 1998، فإنها لم تسهم سوى بنسبة 10 % في القيمة المضافة المحدثة وبنسبة 16 % في كتلة الأجور الإجمالية.
ولعل المقاولات التي توفرت لها الفرصة للولوج شبه الحر للسوق الأوروبية، وبالتالي تطوير صناعة المواد الجاهزة للاستعمال الموجهة للتصدير ستعرف نموا أكبر على أساس الامتيازات التنافسية كاليد العاملة الرخيصة والقرب الجغرافي والثقافي من أوروبا؛
وتساهم هذه المقاولات إلى جانب المجموعات الكبرى، في تغيير بنية الصادرات.
ب – صعوبات المقاولات الصغرى والمتوسطة
غير أن المقاولات الصغرى والمتوسطة ظلت تعاني من إنتاجية ضعيفة للتشغيل بسبب عوامل داخلية خاصة بالمقاولة (عدم تكوين المستخدمين، مشاكل التنظيم، قدم عتاد الإنتاج)؛
وأكثر من ذلك، فالمقاولة تستفيد من الريع الذي يوفره نظام الولوج الامتيازي إلى السوق الأوروبية؛
ومن جهة أخرى تضررت كثيرا تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة خلال عشر سنوات السابقة، بسبب حدة المنافسة الدولية (إلغاء الاتفاقية متعددة الشبكة، انخراط الصين في المنظمة العالمية؛ للتجارة، انفتاح الاتحاد الأوروبي على بلدان أوروبا الوسطى والشرقية واتفاقيات التبادل الحر )، الزيادات في الأجور؛
كما أن تمركز الصادرات على أساس نظام محدود القيمة المضافة لتحويل المنتجات سيسهم في حصر النشاط الصناعي في عمليات التجميع، التي ليس لها سوى وقع محدود على تصنيع البلاد.
أما بالنسبة للمقاولات المتوسطة والصغيرة، الموجهة نحو السوق الداخلية فقد عانت من عدة إكراهات منها:
• واقع الكساد المرتبط بإجراءات التقويم الهيكلي وبالسياسة الانكماشية للميزانية العامة، على الطلب الداخلي؛
• كلفة الفرص المرتبطة بالعراقيل إدارية؛
• كلفة التمويل؛
• عدم ملائمة مؤهلات الموارد البشرية .
وتضاف هذه الإكراهات إلى عناصر الضعف الداخلي للمقاولات المتوسطة والصغيرة (تدبير قصير المدى، رأسمال ناقص، تأطير ضعيف وانعدام الشفافية المالية) والقدرة المحدودة جدا للمقاولات على مواجهة تحديات العولمة، ورهانات منطقة التبادل الحر الأورو متوسطي .
ينضاف إلى ذلك، أن مشكل تنافسية المقاولات المتوسطة والصغيرة يزيد استفحالا، بسبب التراجع المستمر لامتيازاتها التنافسية التقليدية ( ظهور بلدان منافسة تعتمد كلفة أجور أكثر انخفاضا)؛
هذا فضلا عن معاناتها من عائق حقيقي يتعلق بالتجديد والابتكار . وبذلك فتأخر المغرب في هذا الميدان، يتجلى بوضوح في العدد القليل للمقاولات التي تمارس البحث والتنمية، %8 فقط من المقاولات تقوم بأنشطة البحث باستمرار أو بشكل ظرفي، داخل القطاع الصناعي المغربي. لكنها تمثل %20 من رقم المعاملات ؛
فالجهد المبذول من أجل البحث والتنمية، والذي لا يتعدى %1,4 تقريبا من رقم المعاملات يحظى بأهمية أكبر في قطاعي النسيج والإليكترونيات ؛
وهناك نسبة مرتفعة من المقاولات الصغرى والمتوسطة الموجهة للسوق الداخلي انتهت إلى الإغلاق بسبب العوامل السالفة الذكر. مع ما يتبع هذا الإغلاق من تسريح للعمال وتشريد لأسرهم.


2 – اتساع نطاق الاقتصاد غير المهيكل
هناك اقتصاد جماهيري تعيش عليه نسبة كبيرة من أبناء الشعب المغربي، ويشكل جزءا من الاقتصاد غير الرسمي، كما يساهم بنسبة هامة من الناتج الداخلي الاجمالي، وقد عرف هذا الاقتصاد تطورا ملحوظا خلال العشر سنوات الأخيرة.

أ – مكانة الاقتصاد الجماهيري غير المهيكل
تحتل أنشطة القطاع غير المنظم مكانة بارزة في خلق مناصب الشغل، واكتساب التأهيل وتوزيع المداخيل وطرق الإنتاج والاستهلاك .
وتنتج هذه الأنشطة مواد وخدمات لفئات اجتماعية ذات دخل محدود، يستحيل عليها الاستفادة من خدمات أو أنماط إعادة التوزيع، التي تتولاها الدولة .
لذا ففي كل مدن البلاد، يزداد بشكل مثير، عدد المهن الصغيرة والأنشطة التي تمارس في الأزقة .
إن هؤلاء الحرفيين المتجمعين في أحياء عتيقة مصنفة حسب نوع المهنة، والناقلين الحضريين والرصاصيين بالورشات الصغيرة، والبنائين، والمشتغلات في أعمال التنظيف، والباعة المتجولين، كلها فئات تكون نسيجا اقتصاديا منفردا .
وتلعب هذه الأنشطة دورا مهما في سير الاقتصاد غير الرسمي وفي الضبط الاجتماعي لبلادنا .
يمثل الاقتصاد الجماهيري غير المهيكل 39 % من الشغل غير الفلاحي، ومن المرجح أنه يهيمن في المجال الحضري بنسبة 71,6 % من الوحدات الإنتاجية؛
ويتعلق الأمر أساسا ببعض فروع النشاط في القطاعات التي تشغل يدا عاملة غير مأجورة كالتغذية والنسيج والجلد والخشب وأعمال معدنية، البناء، إصلاح سيارات وأدوات شخصية، تجارة التقسيط؛
أما مقاولات التجارة الصغرى (ولاسيما الباعة المتجولون) فإنها تهيمن فعلا على القطاع، وتليها الصناعة (خياطة، الإسكافة ) والخدمات والبناء .
تتوفر حوالي نصف هذه الوحدات غير المنظمة على محل و11,1 % منها يعمل بسكناه .
وتوجد أهم أقطاب هذه التجمعات بنواحي طنجة، دكالة، مكناس، فاس مراكش والجهة الشرقية .
وتنتمي الفئات الاجتماعية المشتغلة في هذا القطاع إلى الطبقات الكادحة التي تكد يوميا بوسائلها الخاصة للتغلب على الوضع الاقتصادي الخانق.
وتنتج الأنشطة غير المنظمة عن الهجرة والتمدن، وأزمة الشغل الرسمي، وحالة سوق الشغل، والصعوبات التي تواجه الدولة في تنظيم النشاط الاقتصادي وضبطه، والسياسات الاقتصادية المطبقة الموجهة نحو الخارج.

ب – أسباب اتساع القطاع غير المهيكل
شكل تدني الأجور وارتفاع معدل الشغل العرضي، عنصرين هامين في نمو القطاع غير المنظم .
فوضعية العمل المأجور توجد في دوامة سريعة التأثر سلبيا، بالرغم من أن الأجر يحتل أول رتبة لدى الساكنة النشيطة:
كما أن حصة المأجورين بالنسبة للساكنة النشيطة تراجعت من 40 % سنة 1997 إلى 38 % سنة 2007 وتوجد وضعية التأجير في حالة تراجع وانخفاض مستمرين .
فتقليص ساعات العمل وتصاعد الاستئجار المؤقت زادا من حدة عرضية النشيطين، وشجعا على ممارسة شغل ثان .
وبهذا عجلت أزمة الشغل، وكذا الشغل المؤجر ظهور أنواع أخرى من الأنشطة غير مأجورة .
ويلعب الفقر دورا مؤثرا في انتشار القطاع غير المهيكل. فلقد أسهم الفقر بشكل كبير في اتساع الأنشطة غير المنظمة، بسبب مفعوله على المداخيل . حيث يدفع الأسر المعوزة إلى اختيار استراتيجيات للبحث عن مورد مكمل للمداخيل، في الأنشطة غير المنظمة.
وفضلا عن ذلك، يقدم نمو القطاع غير المنظم بدوره جوابا إضافيا عن نقائص المنظومة التعليمية؛ فالقطاع غير المنظم أصبح أكثر فأكثر مجالا لاندماج غير المتمدرسين .
وقد أكد تقرير للامم المتحدة على الوضع الكارثي للمدرسة العمومية، فهناك حالات هدر مدرسي واسعة، ولاسيما في مرحلة الانتقال من التعليم الأساسي الابتدائي إلى الإعدادي ثم الثانوي، الأمر الذي يدفع بالعديد من الشباب إلى الالتحاق بالقطاع غير المنظم، الذي أصبح يمثل إجابة عن ظواهر الإقصاء الاقتصادي والاجتماعي الذي يتيح بالكاد، لشرائح من الساكنة ضمان الاستمرار في العيش .

4 – اتساع معدلات البطالة

أ – اقتصاد ينتج العطالة
يواصل معدل البطالة منحاه المتصاعد في ارتباطه بالمستوى الدراسي ، فقد بلغ معدل البطالة %18,6 لدى التقنيين والأطر المتوسطة و%30,8 لدى خريجي التعليم العالي و%34,6 لدى خريجي التعليم الثانوي .
وقد زاد معدل البطالة الحضرية بثلاثة أضعاف لدى خريجي التعليم العالي ما بين خلال العشر السنوات الأخيرة، مؤكدا بذلك عدم تلاؤم منظومة التعليم مع متطلبات سوق الشغل وعدم قدرة النظام الاقتصادي على استيعاب هذه الأفواج.
و فيما يتعلق بمؤشر البطالة حسب النوع، فإن البطالة تنتشر أكثر لدى النساء بنسبة %25,8 ، مقابل %6,17 لدى الرجال .لكن هذا التطور النسبي لم يسجل تراجعا يذكر، حيث ظل معدل بطالة النساء بالمقارنة مع بطالة الرجال مستقرا بحوالي %1,5 .
ولقد أصبحت البطالة طويلة الأمد المشكل الرئيسي لدى الشباب، كما يشهد على ذلك التصاعد المهول لنسبة العاطلين لمدة تفوق 12 شهرا ، وتؤكد حدة هذا المشكل وجود بطالة بنيوية بالمغرب :فبالنسبة للعديد من مناصب الشغل تظل المؤهلات التي توفرها منظومة التربية والتكوين غير كافية.
ما تزال البطالة تهم بحدة الشباب، لكن بدرجة أقل بالمقارنة مع الراشدين، ففي سنة 2003 بلغ معدل البطالة مستواه الأعلى لدى الشباب والشبان الراشدين 24-15عاما أي بنسبة % 34,5 مقابل %20,2 بالنسبة للراشدين .
وتشهد بطالة الشباب خاصة حاملي الشهادات على افلاس الاقتصاد الرأسمالي المخزني ببلادنا.
إن تفاعل الأرقام وقوتها وما أثارته من مشاكل بين الوزارة الأولى ومديرية الإحصاء والتخطيط خصوصا بالنسبة لعدد المواطنين الذين يوجدون تحت عتبة الفقر المطلق وهل يبلغ 10 ملايين أم فقط 5 ملايين، قد أثار زوبعة من القلق داخليا وخارجيا،
خصوصا وأن المؤسسات المالية الدولية التي خفضت من حجم تمويلاتها للدول النامية قد رهنت هذه التمويلات في قمة مونتيري بالمكسيك في الفترة المتراوحة ما بين 18 و22 مارس 2002 بمحاربة الدول النامية للفقر المطلق لكونه يضر باقتصاد السوق المعولم. فانطلاقا من هذه الخلفية وما أثارته تقارير ماكينزي والبنك الدولي وتقرير التنمية البشرية عاد الحديث عن السكتة القلبية بقوة.

ب – الحلول الصورية الترقيعية للعطالة:
فانطلاقا من هذه الخلفية سقطت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ووضعت من بين شعاراتها محاربة الفقر والتهميش في البوادي والمدن، وقد حددت غلافا ماليا للمبادرة في 10 مليار درهم مقسمة على 4 سنوات، أي بمعدل 2,5 مليار درهم كل سنة ابتداء من سنة 2006.
لكننا إذا علمنا أن الميزانية العامة للدولة تلغي سنويا صرف حوالي 9 مليار درهم برسم نفقات الاستثمار على هزالة هذه النفقات فإن علامة استفهام كبيرة تطرح بخصوص كيفية استعمال ال 2,5 مليار درهم لمحاربة الفقر في المغرب.
ثم إن السياسات الحكومية المعتمدة في اطار القوانين المالية السنوية تسير عكس ما تعلن عنه المبادرة،
كما أن تجميد الأجور وتجميد التوظيف وإثقال كاهل ذوي الدخل المحدود بالضرائب والسماح بالتسريحات الجماعية للعمال وعدم الالتزام بتطبيق مدونة الشغل ومستحقات الضمان الاجتماعي كلها سياسات تقود إلى المزيد من تكريس الفقر والبطالة وتدهور القوة الشرائية.
إذن فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أداة أخرى للالتفاف على مطالب الطبقة الكادحة للارتقاء بوضعها الاجتماعي.
فلو تم فقط تطبيق مدونة الشغل على علاتها عبر احترام الحد الأدنى للأجور ومستحقات الضمان الاجتماعي وإيقاف التسريحات الجماعية فإن من شأن المداخيل التي سيتم تداولها بين العمال والفلاحين أن تمكن إلى ضخ ما يزيد عن خمس ملايير درهم سنويا على خزينة الدولة، وهو مبلغ يفوق ال 2,5 مليار درهم الواردة في المبادرة.

القسم الثاني: أسباب الوضع الاقتصادي الراهن وآفاق التغيير المنشود

أولا: أسباب الوضع الاقتصادي الراهن
تتداخل الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لتنتج لنا الوضع الاقتصادي الراهن الذي يتسم بضعف النمو والانتاجية وينتج الفقر والبطالة والكساد. ويمكن إجمال أهم الأسباب المسؤولة عن هذا الوضع فيما يلي:

1 – طبيعة الاختيارات الاقتصادية المعتمدة
تخضع السياسات الاقتصادية والمالية المعتمدة في المغرب للفكر الاقتصادي والمالي المهيمن على الصعيد العالمي، وهو فكر يميني متطرف يقوم على هيمنة رأس المال عالميا ونزع جميع العراقيل أمامه.
ومعلوم أن رأس المال يعيش في أزمة دائمة، لأن بقاءه واستمراره رهين بما يولده من فوائد وأرباح، وبما أن الفوائض المالية المتراكمة في الأبناك الدولية تصل إلى أرقام خيالية، بينما مجالات الاستثمار تبقى محدودة، لذلك فإن فوائض رأس المال التي لا تجد لها منفذا للاستثمار والربح فإنها تكون مهددة بالتبخيس وحدوث أزمات تهدد النظام الرأسمالي بكامله، لذلك فإن استراتيجية رأس المال تستهدف التغلغل والهيمنة على المقدرات الاقتصادية لجميع الشعوب واخضاعها لشروط تراكمها، وذلك دون الاهتمام بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشعوب.
ونظرا لأن مصالح التحالف الطبقي الحاكم في المغرب تلتقي مع مصالح رأس المال العالمي سياسيا واقتصاديا سواء بسبب التبعية، أو من أجل الحفاظ على هيمنته السياسية الداخلية، فإن الاختيارات الاقتصادية المعتمدة تقوم على استراتيجيات تكيف البلاد كلها لخدمة شروط التراكم الرأسمالي.
وفي هذا الإطار يمكن قراءة سياسة الميزانية.

2 – دور سياسة الميزانية في تكريس الاختيارات الاقتصادية السائدة
3 – ميزانية عامة انكماشية
في اطار جهوده الهادفة إلى الاستقرار على مدى السنوات الأخيرة حافظ المغرب على العجز في الميزانية في مستوى دون 3 % سنويا ونجح في تقليص مديونيته الخارجية إلى حدود 6,42 % من الناتج الداخلي الاجمالي.
لكن وضعية الميزانية أقل ملائمة مما قد توحي به هذه المعدلات. فتقليص عجز الميزانية والمديونية الخارجية لم يتم إلا بفضل ضغط متصاعد على الموارد الداخلية ومعدلات الفائدة. وبالتالي ففي مدة 15 سنة ارتفع معدل المديونية الداخلية للخزينة بأكثر من الضعف بحيث انتقل من 20,4 % من الناتج الداخلي الاجمالي في سنة 1985 إلى 95,45 % في 2001. فهذا الصعود الصاروخي للمديونية الداخلية العامة تثير ملاحظتين، الأولى تتعلق بإمكانية احتماله لأنه بالنظر إلى وتيرة نمو هذه المديونية فقد تؤدي إلى أزمة حادة في المالية العامة بل قد تفضي إلى هز الثقة في الدولة، إضافة إلى ذلك فالعجز المسجل في الميزانية في السنوات الأخيرة كان يخضع لإجراءات غير متواترة، ومن دون هذه الاجراءات لعل العجز كان سيرتفع إلى 5 % من الناتج الداخلي الاجمالي. فالسؤال المطروح إذن هو : ماذا سوف يكون مآلنا عندما نبيع كل مقدراتنا؟ والملاحظة الثانية ترتبط بانخفاض موارد الدولة، إن الوضع قد يزداد سوءا مع الانفتاح التدريجي للإقتصاد المغربي على الاقتصاد العالمي. إن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة قد تزيدان من مستوى حساسية المغرب لتقلبات المحيط الدولي دون أن ننسى تداعيات ذلك على الوضعية العامة. وفعلا فإن فقدان المداخيل الجبائية على إثر رفع الحواجز الجمركية قد يصل إلى 1,9 % من الناتج الداخلي الاجمالي لفترة 2000 إلى 2012 فقط بما يرتبط بأوروبا، وقد يصل إلى 2,6 % في حالة الانفتاح على العالم كله.
أ – توازنات مالية غير مضمونة
للتحكم في العجز المتواتر في الميزانية العامة خلال الفترة 1998 – 2007، اعتمدت الدولة على الخصوص، على عائدات الخوصصة، والتي غطت جزئيا منذ 1993 ضياع الأرباح المرتبطة بإعادة جدولة الدين .
ولقد أسهم بيع هذه الموجودات من أصول الدولة في تقليص كبير للعجز المتواتر في الميزانية وفي مقابل ذلك فقدان الدولة لعائدات المؤسسات المالية المخوصصة ومحاولة تعويض هذه الموارد برفع معدلات الضرائب على المنتجات والخدمات الأساسية واسعة الاستهلاك.
فعبر عائدات الخوصصة الاستثنائية تراجع عجز الميزانية بمعدل %3,1 من الناتج الداخلي الإجمالي خلال الفترة 1996 – 2006.
لكن هذه العمليات المتعلقة بالخوصصة قد توهم بتقديم صورة أسلم للمالية العمومية .غير أن العجز لم يستقر في نسبة % 2,6 إلا بفضل تفويت % 35 من اتصالات المغرب لفيفاندي، مما وفر مداخيل جديدة لصناديق الدولة .

ب – انفاق عمومي مختل
ظل هامش التصرف في الميزانية العامة ضعيفا خلال العشر سنوات السابقة، بسبب عدم قابلية تقليص نفقات التسيير وخدمة الدين .
وقد زادت نفقات التسيير في تصاعدها لتصل إلى 18,2 % من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2003
كما أنها ظلت تحظى بالحصة الأكبر في نفقات الدولة وكتلة الأجور 12 % من الناتج الداخلي الإجمالي طوال فترة 1998 – 2007 وفرضت هيمنتها على بنية النفقات:
فلقد فاقت النفقات ضعفي ما كانت عليه ما بين 1990 و2003وبذلك، أضرت هيمنة نفقات التسيير بنفقات الاستثمار، التي انتقلت من %7,8 من الناتج الداخلي الإجمالي في 1993 إلى 4,8 % سنة 2003 ؛
ومن المؤكد أن هامش تحرك الدولة في تحويل الاقتصاد قد تأثر بشكل خاص من هذه الحالة

ج – مداخيل عمومية في انخفاض مستمر
رغم انخفاضها نسبيا ظلت الضرائب غير المباشرة مهيمنة على بنية العائدات الجبائية ، وذلك خلافا لما هو عليه الحال في البلدان النامية حيث تمثل الضريبة المباشرة أكبر حصة من العائدات الجبائية .
ويعزى هذا الوضع إلى حجم الاقتصاد غير المهيكل في بنية الناتج الداخلي الإجمالي، وإلى عدم التحكم في وعاء الضرائب المباشرة الرئيسية، وإلى غياب ضرائب على الثروة وعلى التركات،
فالضريبة على الشركات تشكل موضوع غش وتهرب جبائيين كبيرين كما تم مؤخرا تخفيض معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % لكي تحرم الدولة من أزيد من 24 مليار درهم؛
أما الضريبة العامة على الدخل فتركز جلها على مداخيل الأجور بينما تعاني المداخيل الضريبية من الصعوبات المرتبطة بالاقتطاعات الجبائية في حالات المهن الحرة التي يصعب ضبط مداخيلها.
وهكذا بلغت حصة الضرائب غير المباشرة في العائدات الجبائية إلى %46 في 2003 مقابل %47,3 سنة .1993
سجلت الضرائب المباشرة انخفاضا ملموسا بسبب حصول نقص في معدل الإخضاع الجبائي للضريبة على الشركات أساسا .
ولقد زادت حصة الضرائب المباشرة بشكل ملموس في المداخيل الضريبية، منتقلة إلى %36,5 سنة 2003
ومن جهتها، عرفت حصة الرسوم الجمركية تراجعا مستمرا
وبالفعل سجلت العائدات الجمركية انخفاضا، ابتداء من 1995 لتتضخم سنة 1998 ، نتيجة تفعيل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي .
ويظل النظام الجبائي المغربي يعكس موازين القوى والصراع الطبقي السائد بحيث ترتفع الضرائب على ذوي الدخل المحدود والتي يسهل اقتناصها عند المنبع سواء تعلق الأمر بالضرائب على الإنفاق كالضريبة على القيمة المضافة التي تمت مراجعة معدلاتها نحو الزيادة سنة 2006 أو الضريبة على الدخل؛
أما أرباح الشركات وأرباح ذوي المهن الحرة والسلع والخدمات الكمالية فتتمتع بتفضيل يفضح الطبيعة الطبقية للنظام السياسي. فتقليص معدل الضريبة على الشركات من 35 % إلى 30 % كان بمثابة هدية لرأس المال تصل قيمتها الاجمالية إلى 24 مليار درهم.

3 – تواطؤ السياسيين والمثقفين
يساهم في تكريس الوضع الحالي الانتهازية الواضحة للطبقة السياسية والمثقفون حيث أن 90 % من هذه الفئة تتسابق نحو خدمة التوجهات السياسية والاقتصادية القائمة طمعا في التسلق الاجتماعي والاقتصادي، في حين أن الدور التاريخي للمثقفين والسياسيين يكمن في تفكيك أسباب التدهور القائم والثورة عليه من أجل تغييره.

ثانيا: أفاق التغيير المنشود
إن تغيير الوضع الإقتصادي والاجتماعي القائم هو سياسي بالضرورة، فإذا كنا اليوم نلاحظ أن السياسي يخضع للمصالح الاقتصادية فيجب قلب المعادلة حتى يتمكن السياسي القوي ديموقراطيا في التحكم في الاقتصادي
1 – دور الحركة الاجتماعية في التغيير
التغيير لا يأتي من القمة، لذلك فإن أطر التغيير يكمن في القاعدة الاجتماعية وخاصة لدى الطبقة العاملة وعموم الكادحين لأنها هي التي تكتوي بالانعكاسات السلبية للنظام الاقتصادي والاجتماعي القائم، كما أن وعي الطبقة العاملة وعموم الكادحين يتولد يوميا عبر احتداد الأزمة وعبر ردود أفعالهم من خلال تنظيم حركات اجتماعية مناهضة لاسباب فقرهم واستغلالهم.
كما أن كل حركة اجتماعية يجب أن تواكبها بالضرورة مبادرات سياسية كإجابات عن طموحات الطبقة العاملة، لذلك فإن تقوية الحركة الاجتماعية واستقلاليتها عن التوظيفات الضيقة يمر عبر تحصين هذه الحركات وتنظيمها، تم التعبير سياسيا عن مطامحها.

2 – دور الطبقة السياسية والمثقفين في التغيير
تلعب المصالح المتضاربة دورا مركزيا في تحديد التعبيرات السياسية للطبقة السياسية والمثقفين، كما يلعب الانتماء الطبقي كذلك دورا في تحديد هذه التعبيرات وتناقضاتها.
كما أنه في ظل نظام سياسي استبدادي ينحرف الوعي لدى الكثير من السياسيين والمثقفين إما خوفا أو تزلفا للنظام القائم.
وتلعب المنظومة التعليمية هي الأخرى دورا في ظهور المقف والسياسي الثوري، أو المثقف الانتهازي الخنوع.
وأعتقد أن تغيير الواقع يتحقق من خلال إلتحام المثقف العضوي الثائر بالطبقة العاملة للمساهمة في صياغة النظريات والحركات الثورية سياسيا واقتصاديا وبناء الأداة السياسية للطبقة العاملة.

3 – بناء اقتصاد معتمد على الذات
يصعب تحديد معالم نظام اقتصادي يستجيب لطموحات الجميع، خارج منظور اقتصادي اشتراكي ينتفي فيه التفاوت الطبقي كما هو قائم حاليا.
كما أن أي منظومة اقتصادية إذا لم تكن تلبي الحاجيات الأساسية للطبقات الكادحة في الأجر العادل والحياة الكريمة فلا يمكن اعتبارها اقتصادا بل استغلالا مقنعا.
فالاقتصاد الاشتراكي يجب أن ينطلق من الاعتماد على الذات ومن التحرر الاقتصادي الفعلي من التبعية سواء في الميادين الفلاحية أو الصناعية أو الخدمات، وبطبيعة الحال فإن قدرة الاقتصاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي وتلبية الحاجيات الأساسية سيكون قادرا على تحقيق تبادل متكافئ مع الشعوب الأخرى





#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسباب فشل الملتقى الرابع لتنسيقيات مناهضة الغلاء
- نداء إلى تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية
- مسؤولية الدولة قائمة في محرقة ليساسفة
- سلطات الباطرونا تتغلب على سلطة الدولة
- هجوم رأسمالي على الطبقة العاملة وخمول سياسي ونقابي في مواجعة ...
- أوضاع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للكادحين بالمغرب
- المغرب بين الوضع الحقوقي الدولي والجهوي
- لا يمكن توقع ردود فعل الجماهير إزاء ارتفاع الأسعار
- السياسة الاقتصادية لا تخدم سوى مصالح رأس المال المحلي والدول ...
- الغلاء يفضح ضعف السياسة الاقتصادية بالمغرب
- الدولة تخفي إرهابها بالوعود
- النمط الاقتصادي المعتمد لا يؤدي إلى تنمية اجتماعية
- البرلمان والاعتقال السياسي
- المشهد السياسي الحالي في المغرب والمشاركة السياسية للمرأة
- جماهير مدينة سلا تحتج على غلاء الأسعار وعلى تدهور الخدمات ال ...
- سياسة الميزانية والهروب إلى الأمام
- الحركات الاحتجاجية في المغرب ضد السياسات الاقتصادية والاجتما ...
- القانون المالي لسنة 2008 في خدمة الأغنياء
- أي أفق لتنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية في ال ...
- لم نتلق أي تحذيرات بالتراجع عن تنظيم الوقفات


المزيد.....




- الخارجية الإيطالية تستدعي السفير الروسي بسبب -أريستون-
- الدولار القوي.. مصدر قلق لاقتصادات العالم
- -فيتش- تحدد تصنيف فرنسا الائتماني
- تركيا تدعم أبرز الصادرات الفلسطينية
- معتصمون في جامعة جورج واشنطن يطالبون بمقاطعة إسرائيل أكاديمي ...
- -قطاع الطرق-: حين تتزعم فاتنة إيطالية عصابات البحث عن الذهب ...
- المركزي الروسي يحدد الأداة الفعالة لمواجهة التضخم
- انتعاش سنغافورة الاقتصادي يواجه عقبات بينها حرب غزة
- ارتفاع أسعار النفط و-برنت- يحقق مكاسب بنحو 2.5%
- بوتين يصدر مرسوما بنقل إدارة -أريستون- و-بوش- لشركة روسية


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - عبد السلام أديب - قراءة سريعة في 10 سنوات من الأداء الاقتصادي