إنفجار دمشق : الوطن بكروز دخان

حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 09:37
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    

تقوم النظرية الامنية في سوريا, كما في العديد من البلدان العربية, على الكثافة العددية لرجال المخبارات, وهذا طبعا يقع على حساب الكفاءة, تلك الاعداد لن تكون من العقائدين الا فيما ندر ولذا يتطلب الامر مبالغ مالية كي تغري في كتابة التقارير واداء المهام التي تنيطها بهم الاجهزة الامنية ومنها المراقبة والتقرب الى الاهداف.
كي تغطي الاجهزة الامنية هذا العبء المالي هي تغض الطرف عن تجاوزات يقوم بها هؤلاء وهذه التجاوزات نختصرها بجملة واحدة : شراء الولاء على حساب انتشار الفساد, اي مباركت الفساد.
الاف المخصيين اللذين تطلقهم الاجهزة الامنية في الشوارع لم يحولوا صباح اليوم دون وقوع الانفجار الأليم, فقد أمكن لخمسمائة ليرة سوريا ان تعطل دورهم كله, خمسمائة ليرة سوريا دفعت على احد المعابر الحدودية سمحت لسيارة ملغمة بالمرور كي تهدم امن وطن.
من المؤكد أن المنفذين عبروا مرات ومرات وفي كل مرة كانوا يدفعون خمسمائة ليرة سورية كي يتأكدوا أن الوردية ليس بينها رجل شريف وربما كي يدعموا الثقة مع عناصرها جلبوا لهم بعض " كروزات " السجائر وهدايا اخرى, لقد بيع الوطن بخمسمئة ليرة سوريا وكروزات مالبورو, هذا مردود النظرية الامنية التي تقوم على المخصيين في اداء الواجبات الوطنية.
لدي بضعة شواهد يمكنني ان ادلل بها على صحة ودقة ما اقول, قبل شهور وفي احدى عواصم العرب العتيقة, وربما الاعتق, وفي شارع اسمه من اسماء الحرية ينتهي الى ساحة ترمز الى تلك العاصمة توقف لي سائق تكسي كي يقلني الى احدى الضواحي, هي الثالثة في ترتيب المسافة التي تتطلب حوالي خمسة وعشرين دقيقة, المدة كافية كي يدور حوار ولانني لست ممن يميلون لمثل هذه الحوارات كانت المبادرة من السائق.
كما ان للسنين اثرها على الانسان, ان في تجاعيد الوجه او في ثخن الصوت, فإن للمسؤولية وخبرات الحياة علاماتها على العيون وسكنات وحركات الانسان, اهل الخبرة والحل والترحال واللذين قضوا عمرهم في السفر والتنقل لا تفوتهم مثل هذه الملاحظة, السائق رجل من اهل القرار وليس مجرد سائق تكسي.
تابعت الحوار معه بنفس الوتيرة, ليس لدي ما يدعوني كي اغير من كلامي, فلا هي اول ولن تكون اخر مرة ينتحل رجل مخابرات مهم صفة ما كي يقابلني, انتهى الطريق دون ان يعرف الرجل عن نفسه واكتفيت باعطائه نصف دولار بقشيش, ولعل هذا يحسب لي فلا استبعد ان اكون المواطن العربي الوحيد الذي تجرا على اعطاء رئيس احد الاجهزة الامنية بقشيش وهو يعرف انه قد يكون هو.
دفعني الفضول كي اعرف من السائق لذا زرت احد هؤلاء المخصيين, عادة ابتعد عنهم احتقارا وكراهية لسلوكهم الدنيء وليقيني انهم لا يخدمون الاوطان ولكن يتاجرون بها ولكن الفضول غلبني, بعد دردشة لم تاخذ اكثر من نصف ساعة كان المخصي اياه قد اعطاني وصفا بدنيا لقادة الاجهزة الامنية وتاليا امكنني ان احدد من هو سائق التكسي لتمتعه بميزة بدنية خاصة لا يمكن تجاوزها.
هنا علينا ان نتوقف عند نقطتين: الاولى ان التقارير التي رفعت رئيس هذا الجهاز الامني لم تكن متقنة ولم تنبه بما يكفي الى قدرتي حتى حل الرجل علي كسائق تكسي اذ كان بامكانه ان يظهر كرجل اعمال ولربما فسرت تلك السكنات التي تتركها المسؤولية على حركة العين انها بسبب تاريخ في التجارة وادارة المال وما تتطلبه هذه الاعمال من قرارات, وان يكن أيضا من الصعب ان انخدع ولكن حتما سائق التكسي هي اضعف الاحتمالات التي يمكنني ان اقبل بها مع ما لرئيس ذاك الجهاز من حضور شخصي.
النقطة الثانية أن المخصي اياه بدلا من ان يكون مفيدا صار ثقلا فقد حدد لي من هو سائق التكسي وهو ما يقودني الى سؤال مشروع : ماذا لو كنت اعمل لجهة معادية؟. لقد قطعت علاقتي بأكثر من خمسين ممن ارسلتهم الاجهزة الامنية نفورا مني لطبائعهم الدنيئة ولكن اما كان بالامكان ان اعمق علاقتي بهم وتاليا استخدهم للحصول على معلومات اوظفها لخدمة جهة معادية؟. السؤال مشروع, الا تعتقدون؟.
كي تتضح الصورة اكثر سوف اسرد حادث مع المخصي نفسه, القيت عليه السلام وهو في محله وكان في زيارته قريب له, ابن خال أو ابن خالة, انصرفت لامري بعد سلام عابر, وانا في طريقي الى البيت تذكرت انني بحاجة الى بعض المشتريات فعدت ادراجي الى بقالة قريبة من محله, يبدو انه في الاثناء قررصاحبنا ان يغلق محله ويغادر وتصادفت مغادرتي للبقالة مع تجاوزه وقريبه لها. خرجت في اثرهما كي امازحهما وفي نيتي ان اقول : شو وين ما بروح بشوفكم, ولكن وانا اقترب سمعته يتحدث الى قريبه شارحا بالتفصيل المهمة التي كلف بها من المخابرات نحوي اذ على ما يبدو هو يجيب عن سؤال لقريبه : من هذا؟. لا صوته المرتفع يعكس حذرا في اداء المهمة ولا سرده للتفاصيل يدل على ذلك.
هذه الثرثرات ليست من سمة رجال المخابرات, اعرف هذا جيدا وانا رجل قضى ربع قرن من حياته متغربا في بلاد العرب اتنقل بين مدينة واخرى ودولة واخرى, اميل للقراءة لا اكثر ومتابعتي للشؤون السياسية تدفع اجهزة المخابرات لمراقبتي في كل مكان احط فيه, هي خبرة بالتجربة.
السيدة ليفني تأتي الى السياسة من الموساد, وسبق لها ان عملت في عواصم العرب لمدة قيل انها ثمان سنوات, في احدها كسيدة اعمال المانية, حين أعلن عن ترشيحها كرئيسة لوزراء اسرائيل تذكرت حادث اخر عن مخصي المخابرات اياه, فقد كان يفترض به ان يقدم لي فتاة كي اقع في حبها وتاليا اتزوجها, المخصي وهو يقدم لي تلك الفتاة لم يكف عن مداعبة فخذيها بيديه, هذا كان قبل شهور من مصادفتي له ولقريبه خارج البقالة, طبعا لا تقولوا لي ان هذا جزء من الخطة, فحتى العاهرة كانت لتشعر ببعض الحرج من ملامسة احدهم لفخذيها بكل تلك العلانية, الرجل كان ينفس عن عقده النفسية لا اكثر ولا اقل, في لاوعيه هي صارت امرأتي وهو ينال من شرف رجل اخر, هذا باختصار ما كان يجول في خاطره, حتى لو اراد ان يقول انها سهلة وليس هناك تعقيدات في مواعدتها لامكنه ان يفعل ذلك بتركها تتحدث لا بمصادرة كل الحوار بل حتى انه اخذ الورقة التي عليها رقم الهاتف وقال : لا خلوا اي اتصال بينكم عن طريقي, طبعا قلت في نفسي : لماذا هل انت قوادها؟ الم تقدمها على انها صديقة في مجموعة من الاصدقاء لا اكثر ولا اقل؟. كل هذا التراكم من الفشل والمخصي اياه لم يبعد عن ملفي تخيلوا حجم الفشل.
ترى لو كان الموساد الاسرائيلي يعمل بطريقة التلميس على الافخاذ هل كانت السيدة ليفني تحقق لشعبها ما حققته حتى كافئها المحازبون وهم من جنرالات اسرائيل بان يرشحوها كي تصبح قائدة عليهم؟.
الارزاق في سوريا قليلة, المخصيون يتطاولون على الناس ولذلك اكثر من شاهد, والحجة التي كانت تساق دائما هي ان الوطن بامان, اليوم صباحا سقطت هذه المقولة, لقد استهدف الامن ولا تتوقعوا ان تكون تلك اخر السيارات الملغومة, هي رسالة في سلسلة رسائل, هكذا تدار الامور, البسطاء يميلون الى التقليل من المصيبة ولكنني لست بسيطا ولا اريد لشعبي ووطني ان يباع بخمسمائة ليرة وكروز دخان.
اعرف ان هذا الكلام سوف يكلفني الكثير, ولكن حين تصل الامور للوطن فلا كبير و لامحرم, ان تطل علينا الاجهزة الامنية بعد ايام وتعطينا التفاصيل من اين دخلت السيارة ومن هي الجهة التي كانت وراء الرسالة او تقرر ان تطمس الامر لاسباب امنية كل هذا لا يعني ان الامن لم ينتهك.
ان ارادت الاجهزة الامنية قصائد الشعر فتلك تباع على الارصفة في كتب متخصصة, وان ارادت ان نلتزم الصمت فالصمت في هكذا اختراق عار, نعم, اليوم الصمت عار, البكاء للنساء, الشعارات للمنافقين, لقد وضعت يدي على الجرح وبرأت نفسي امام نفسي لا امام احدكم.
الثكالى ثكلن واليتامى تيتموا, رفع القلم وانقضى الامر, ولكن لا بد من اعادة النظر في النظرية الامنية, انتم بها تسيطرون على العوام ولا تحمون الوطن من الخارج وها قد تكررت الاختراقات حتى بات رفع الصوت واجبا مها كان الامر مكلفا. لا للمخصيين واطلاعهم على دقائق الامور, لا للنظرية الامنية التي تبرر الفساد بحجة الامن. الاجهزة الامنية السورية استرخت, اصابها ترهل السلام, الاشارة اليوم كانت حادة, المطلوب غربلة واسعة واعادة صياغة النظرية الامنية. امن الوطن يبدأ من خارجه والمواطن ليس خائنا, الخونة هم ثلاثة : المرتشي, والمتعامل مع اسرائيل, والانتهازي الذي يستغل نفوذه لاغراضه الشخصية, ثلاثتهم مشكلتنا فلا تختصرواها باسرائيل لانه قد بات واضحا ان اسرائيل تنفذ الى الوطن من خلال المرتشي والانتهازي وبخمسمائة ليرة وكروز دخان لا اكثر, لقد حصحص الحق.

#حسام_مطلق (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات