أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - استعادة الدور الرأسمالي ضرورة وطنية















المزيد.....


استعادة الدور الرأسمالي ضرورة وطنية


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 2426 - 2008 / 10 / 6 - 05:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يقيم الغالب من الناس علاقة بين الرأسمالية و الإمبريالية على أن الثانية الامتداد الطبيعي للأولى, أي أن الرأسمالية صائرة بالضرورة إلى الامبريالية, بالتحول الطبيعي أو بالارتباط العضوي, هذا شرح ماركسي ولينين يفتقر إلى مراعاة البعد الوطني في كينونة الإنسان, أي انه ربط غير صحيح, للرأسمالية دور وطني يجب التنبه له واستعادته, الاشتراكية التي مارسنها كانت صِداميهَ لأسباب سياسية سوف يرد شرحها في الجزء الثاني من المقال, فالاشتراكية العربية, كما كل الأيديولوجيات العربية, هي رد فعل, ترجمة لنصوص, أو في أحسن الأحوال اندفاع عاطفي يفتقر إلى عنصر الأصالة الذي يجب أن يتميز بها كل فكر كي يكون مفيدا للوطن, المفكر العربي منفعل لا فاعل, هذا قانون التفكير العربي منذ قرن ونيف.
التصادم قاد إلى هجرة رأس المال والعقول الاقتصادية وجعل الاقتصاد الوطني في حالة فوضوية هي أقرب إلى حقل تجارب لنظريات أوصلت الحال إلى الفقر والبطالة بشهادة تقارير تصدر عن هيئات مختلفة لا تنقطع رغم ضخامة الثروات الطبيعية والباطنية العربية.
قبل المتابعة, ومنعا للبس, دعونا نميز بين الإمبريالية والرأسمالية تعريفيا كي يستقيم لنا الشرح القادم: الإمبريالية هي توظيف لاقتصاد الدول خدمة لنخبة في مجتمع آخر, أما الرأسمالية فهي توظيف للمال الوطني لصالح نخبة في نفس المجتمع.
هذا لا يلغي الخطر الطبقي الناجم عن الرأسمالية, أتفق معكم, ولذا علينا أن نعمد إلى تطبيق نظام ضرائبي تصاعدي بالتوازي مع سلسة إصدارات قانونية تعرف مصطلحيا بـ " anti-trusts " وهذه الحزمة من الإجراءات تسمح للدولة بالوقوف في وجه التمركز المالي, وإن بشكل محدود, و لكنها تعطيها القدرة على تحقيق سيطرة فاعلة لاستعادة نصيب هام من العوائد المالية المتحققة من المشروعات الاقتصادية والتي عادة تذهب لجيوب الرأسماليين كي ما تعيد تدويرها لصالح الفئة الأوسع من المواطنين.
بذلك نكون قد حققنا قصدنا في الأمرين معا: الحفاظ على النخب الاقتصادية فاعلة في الساحة الاقتصادية الوطنية بعقولها وأموالها والثاني هو تمكين الطبقة الاجتماعية الأوسع من الاستفادة من العوائد المتحققة من كفاءة أداء تلك النخب.
الفلاح ربما يعشق الأرض ولكنه ليس أفضل من يديرها, علاقته بالأرض علاقة عاطفية لا تجعل منه صاحب نظريات في الجدوى الاقتصادية المثلى, والمعادلة تنجر على العامل والآلة أيضا, الأرض لمن يعمل بها دعوى عاطفية آن أن نلقيها جانبا, الفلاح يجب يشمل بضوابط الحد أدنى من الأجر وأن يتضمن عقده تأمينا اجتماعيا وآخر صحيا وأن يحصل على حقوق تمثيلية في الهيئات المدنية والدستورية التي تقود عملية التشريع في البلاد وأن يكون لأطفاله مستقبل واضح بعيش كريم, هذا لا خلاف فيه, ولكنه والعامل ليسا الأفضل للتخطيط الاقتصادي.
نحن بحاجة إلى استلهام النموذج الاسكندنافي في التوجيه الاقتصادي حيث يتحرك المال بدورة اقتصادية عادلة بعيدا عن العاطفة وتصفية الحسابات مع الماضي وباقي الشعارات الناصرية التي فهمت الاشتراكية على أنها أداة توظيف سياسي لحشد التعاطف الجماهيري على حساب المستقبل الوطني . التطبيق الناصري للاشتراكية, الذي ما يزال ساريا في بلادنا, يشبه من حيث مستو الوعي شرح مونتسيكو للتطبيق " الديمقراطي " حيث الأمور مختزلة ببرلمان يمنح السلطة وملك لا يستطيع احد عزله, الأمور في هكذا مرحلة من الوعي تشبه شيخ وحجاب يرد العين, لا يمكن لوطن أن يكون منيعا ما لم يكن أبناءه محصنون في لقمة عيشهم, والقوانين التي لا تزال تستلهم المبادرات الارتجالية في الحل لا تساعد على استقرار يحتاجه التوظيف المالي الكبير والواسع.
من المؤسف أننا إلى اليوم نقرأ في صحفنا المحلية عن فسح وزارة التجارة السورية لاستيراد المادة الفلانية, وعن الترخيص لمشاريع من نمط كذا, تلك كلها مضيعة للوقت, حددوا شرط الصفة السورية بنسبة كذا للاستثمارات الكبيرة وبيان المصدر المالي للطرف الثاني ضمانا لعدم التغلغل الأمني وأخرجوا من اللعبة, الكلام للسلطة السياسية. أو اقسموا أنفسكم فريقين, أول اقتصادي يمارس مهام المال فقط وأخر سياسي يمارس اللعبة الكبرى. لن ينجح اقتصاد يختبئ خلف القرار السياسي من سقطاته عن المحاسبة, والمحاسبة في الاقتصاد لا تكون بغير الابتلاع, الخاسر في الاقتصاد يأكله السمك الأكبر, هذا هو قانون السوق, البقاء للأقوى, والقوة تحدد بالممارسة الاقتصادية المتقنة لا بالمحسوبية, فالأهم أن تحصل الدولة على العوائد الضريبية التي تجعلها قادرة على القيام بواجباتها الثلاث الأساسية التي حددها آدم سميث : 1- حماية المجتمع من الخارج " أي الجيش والمنظومة الأمينة الإستخباراتية ومجموع العلاقات الخارجية التعاونية " 2- حماية الأفراد " أي العدالة والتأمينات الاجتماعية وفرص العمل والشرطة " 3- الإنشاءات الخدمية الصرفة " أي الجسور وما لا يحقق بطبيعته عوائد اقتصادية ولكنه من ضرورات المجتمع والحياة المدنية بما فيه الرقابة البيئة ". فيما عدا ذلك فإن السلطة السياسية تكون في حالة توسع إلى غير دائرتها الاختصاصية وهي بذلك تمارس مهام ليست من خبرتها ولا في طاقتها أن تحقق عليها رقابة وآخر أمثلة هذا الهدر في الطاقات ما قيل أنه لجان مراقبة الأسعار في رمضان ضبطا للأسعار, ترى هل هذا هو دور السلطة السياسية؟. وأي ضمانة أن الأمر لن يتحول إلى اقتسام التاجر والمراقب للرفع السعري الذي سيدفعه المواطن مضاعفا من جراء الفساد المستشري الذي يعيق سلامة تطبيق كل قانون مهما كانت نية إصداره حسنة؟. أفكر بتاجر يقول لجاره : شو قصة لجان المراقبة الي عم يحكوا عنها ؟. الجار : يعني ليرة لجيبك وليرة لجيب المراقب. التاجر : طيب والمواطن شو طلعلوا؟. الجار: ولو !!! المواطن هو الدفيع.
يجعل ميل ستيوارت ممارسة السلطة لصفات متجاوزة للضرورات الثلاث السابقة سببا في الفساد الاجتماعي كونها تصبح محركا لآمال الناس ومخاوفهم, وهذا برأي احد أسباب الفشل الذي نعانيه, ليس فقط اقتصاديا بل على عدة مستويات منها الفساد الأخلاقي, وهي بالمناسبة نقطة تطرق لها المفكر السوري الراحل أنطوان مقدسي, وهو بعثي قبل كل بعثي اليوم, حين وصف ما آلت إليه الأمور بقوله " لقد قتلوا الإنسان – الكلام ورد في لقاء أجرته معه صحيفة الحياة اللندنية ".
أدرك أن نفوذ السلطة السياسية على المفتاح الاقتصادي هي من ركائز النظرية الأمنية التي تحكم بها سيطرتها على الأوراق الداخلية اجتماعيا لضمان ترجيح كفة الولاء بتقلب الأوضاع سلبا أو إيجابا, ولكن تلك الأوراق قد تتحول إلى جالب للنقمة إن استمر الميل في التفاوت المعيشي بين الناس إلى الانحدار نحو هوة ساحقة تقيم صرح طبقية جديدة تختلف عن الطبقية التي انطلق النظام لمحاربتها في مشروعه التأسيسي من حيث الأسماء والوجوه لا من حيث المفاعيل, أي بدلا من طبقت العامل والفلاح التي كان الإقطاعي والبرجوازي ينتهكانها انتقلنا إلى طبقية المسئول والمرتشي والانتهازي المتسيد على المواطن العادي, الوضع القائم يستحضر قول ستندال في توصيف ما آلت إليه الثورة الفرنسية من انحراف " ضاحية سان جيرمان صارت هي مصدر البرجوازية والمصرف أصبح رمز نبالة الطبقة البرجوازية الجديدة ", فهذا ما تؤل إلية الأمور حين يوظف ضابط المخابرات البنك والقرض المصرفي لصالح الغرض السياسي, وتاليا, الشخصي للسلطوي المنتفع.
ففي حين هدف الاشتراكية أن يكون العيش الكريم مصان للمواطن العادي نرى آلية منح القروض تعيد توزيع المال البنكي لصالح نفس الطبقة المسيطرة على الحياة السياسية, فالقرض المصرفي لا يخدم المشروع الصغير ومحاربة البطالة إلا في عناوين التوصيف, ذلك أنه حتى حين تفرض الجهات الخارجية على السلطات المحلية مثل هذا التوزيع لا يخفى على أحد مدى الانتهاك الذي يمكن أن يقع في أولويات الصرف عبر طبيعة الأوراق " الثبوتية " المطلوبة للاستحقاق, فما دام رموز السلطة السياسية غارقون حتى آذانهم في المنفعة المالية وصلاحياتهم غير مقننة بفعل نفوذ الأجهزة الأمنية التي ترتكز بدورها إلى المخصيين أخلاقيا في التقييم والمتابعة فإن القروض المصدرة " للمواطن " هي بحقيقتها مصدرة لجيوب الفساد أو لإعادة إنبات الإخصاء الأخلاقي للمواطن ضمانا للولاء السياسي بدلا من أن تؤدي مهمتها في خلق بنيوية نفسية سليمة , لقد أصبح البنك رمزا جديدا لنبالة جديدة كما قال " Stendhal ".
إن استمرار تأثير السلطة السياسية على الحياة الاقتصادية بأدق تفاصيلها وفي غير الخدمة العامة يغذي عناصر الفساد و يضع محاربته في قالب لفظي تلاعبي على شاكلة مقولة المتنبي " فيك الخصام وأنت الخصم والحكم ", وهي النتيجة التي قلنا أن ميل ستيوارت حذر منها حين قال : أية وظيفة مضافة للسلطات التي تمارسها الحكومة تتسبب في جعل تأثيراتها على آمال ومخاوف الجماهير أوسع وأكثر انتشاراً، مما يؤدي إلى تحويل الجزء الأكثر فاعلية وطموحاً من الجماهير إلى متطفلين على الحكومة.
والتطفل لا يعني في الحالة السورية فقط الهدر المالي بل يمتد , كما قلنا, ليدفع السوية السلوكية للإنسان نحو الانحطاط الأخلاقي أيضا, أي الخلل البنيوي حتى في معاير الولاء الوطني.
لا بد من اتخاذ خطوات أسرع لتحرير الأسواق عبر انسحاب السياسة بأداتها, اقصد المخابرات, من الحياة الاقتصادية لتمكين توطين أكبر للمال الوطني ضمن شروط الأمان المستقبلي التي يتطلبها كل استثمار, على أن يحدث هذا بتوازي مع مكافحة واضحة للفساد تتبناها جهات صحفية محلية صرفة أو وطينة في الجوار, والفائدة من ذلك هي ألا تكون السلطة السياسية برموزها السيادية مجال سخط المتضررين من التصحيح الاقتصادي, واقصد هنا تشتيت حقد الغارقين في الفساد, وإعطائهم, أقصد رموز الفساد, الفرصة الزمنية الضاغطة كي يعودوا إلى دمج سرقاتهم بالسقف القانوني سريعا تصحيحا للمسار الاقتصادي الذي يؤسس للحالة الضريبية كمصدر أساسي لدخل الدولة.
ليس الغرض من التطبيق المشار إليه أعلاه ممارسة انتقامية من السارقين والفاسدين بل الرغبة في إعادة توجيه دفة الاقتصاد نحو الحالة الصحية, الإقطاعي كما البرجوازي كانا من اللصوص, والباشا والوالي من قبلهما, واليوم المسئول والمرتشي, تلك من حقائق التاريخ, المجتمعات تتطور ليس بتصفية الحسابات مع الماضي, ذاك كان الخطأ الناصري, بل هي تتطور بتصحيح المسارات عبر إعادة تدوير المال للصالح العام.
نحن بحاجة إلى إيجاد فرص عمل كريم لثلث الشعب السوري, فاستقلال الفرد الاقتصادي هو ما يجب أن نخطط له لا استمرار تذويب الفرد في الأسرة الأبوية إلى ما لانهاية, وهذا يعني ضمنا أن تمتلك المرأة استقلالها الاقتصادي أيضا تحقيقا للفرد القوي من حيث البناء النفسي.
حين أقول فرص عمل أنا لا أتحدث عن ثور الساقية الذي يعمل من ساعات الفجر الأولى حتى يرتد إلى فراشه أخر الليل كالقتيل, تلك ليست الحياة لتي نريدها للمواطن السوري, أنا أتحدث عن عمل بأجر معقول يصون الكرامة ويحقق معدلا من الرفاه لا يقل عن دول الجوار الفاقدة أصلا لأي مصدر من مصادر الدخل غير التحصيل الدقيق للضرائب, وطبعا فساد أقل, أقل بكثير.
هناك جملة أفكار أولية تبدأ بالعقار, وربما تساهم أيضا في حل مشكلة السكن, إن عجزت الشركات العقارية الكبرى عن إنهائها, فالعائد المالي سوف يسمح ببناء وحدات سكنية شبابية وتأمين وسائل مواصلات لمواقعها البعيدة عن مركز المدينة, والاقتراح أن تقسم المدن إلى دوائر ضريبية, وسط تجاري دائرة ثانية وثالثة وهكذا.
وأن يكون في كل دائرة عدة شرائح, أي المحال التجارية الواقعة على الشوارع الرئيسة تحصل منها ضريبة مقطوعة كذا بقياس مساحة المتر المربع, والمصنفة في الشريحة الثانية هي التي تبعد عن الشارع الرئيس مسافة كذا وقس عليه للمكاتب وحتى الدور السكنية لدفع سكانها لمغادرة كل وسط تجاري في كل دائرة, مما سيخلق تدريجيا فصلا مناسبا للسمة المدنية فتصبح دور السكن في الوسط التجاري هي دور للتأجير للغرض السياحي أو للخبراء والسفارات, أي تحويلها إلى استثمار تجاري, وهذا يعني أن يُحَصَل عن تأجيرها ضريبة مقطوعة كتلك التي تحصل من المحال التجارية بغض النظر عن دفاتر التاجر أو دورته المالية ومهنته, وهذا تحقيقا لضرورة خروج الضعيف من حيث الفكرة و الإدارة من مجال التنافس التجاري لصالح الأكثر جدوى وتنظيما, والأهم طبعا أن الميزان التجاري للدولة سوف يرسم على أسس واضحة لأن الإحصاء العمراني يكفي لكتابة الكثير من الأرقام بدقة تفتقر إليها اليوم الدوائر التخطيطية في مستلزمات رؤيتها المستقبلية خصوصا أذا اعتمدنا إضافة الضريبة موزعة على مدار السنة إلى عداد الماء و الكهرباء مما سيعني تهرب ضريبي يصل للصفر, فلا يتخيل مشروع تجاري أو استثمار عقاري بدون ماء وكهرباء, ولا يتخيل معدل استهلاك كهربائي ومائي عال بدون أن يكون العقار موضوع استثمار تجاري, وطبعا لن ننسى الفائدة الأهم من هكذا تطبيق والتي سوف تخلق هجرة للريف والمدن الصغيرة والمزارع مع ما يعنيه هذا من إعادة إحياء مناطق كاملة قتلها فشل التخطيط الاقتصادي.
بنفس الطريقة ليس على الدولة أن تحصل ضرائبها من الصناع والمستوردين وفقا لدفاترهم بل وفقا لطاقتهم الإنتاجية, أي كما يضيف الصانع قيمة كذا كتكاليف كهرباء وعمالة إنما على أحدهم أن يضيف إلى إنتاجه قيمة كذا ضريبة مقطوعة, وبدورها تخضع لشرائح متعلقة بحاجة المجتمع للمنتجات ولبعض الشروط الأخرى من البحث العلمي وتبني الكوادر الطلابية وغيره من التصنيفات التي باتت معروفة للجميع. ولن ننسى أننا بتبني الشريحة الضريبة بالاستناد إلى الطاقة الإنتاجية ندفع المستثمر الصناعي لأداء وظيفته الاجتماعية بمثالية أفضل ذلك أن المُصَنع الذي يحصل على تسهيلات المدن الصناعية وغيرها من ميزات الحماية الوطنية عليه أن يدير مشروعه بالمقابل بغية تحقيق عوائد الفرصة البديلة لا العائد البرجوازي القائم على مزاجية المالك, المال له غرض اجتماعي يتجاوز ملكية الفرد و " بعد نظر " ضابط المخابرات.
هذا الضغط يحقق مصلحة إبعاد الضعيف سريعا من السوق ويسهل إعادة تصويب المشروع الوطني, ولا يعد هذا تدخلا في الحياة الاقتصادية لان الشرط لا يمس حرية المبادرة الفردية ولكنه يدفعها كي تكون أكثر اجتماعية كما أنه يصون الضريبة من التلاعب ويقدم للمخطط الاقتصادي لدى البنوك المقرضة أرقام دقيقة تقيم عليها حساباتها.
نفس الصيغة تصح على الأراضي الزراعية حيث يمكن تقسيمها وفقا لخصوبتها إلى شرائح وكل دونم, كمثال, يدفع عنه ضريبة مقطوعة, وما على المزارع إلا أن يكون أكثر حكمة في إدارته لمشروعه أو أن يتنازل عنه ولو بالتأجير لصالح الشركات الزراعية الكبرى, وهو ما سوف يحصل مع أصحاب العقارات أيضا.
هذه الاقتراحات, على ما تحمله في ظاهرها من قسوة, هي الآلية الصحيحة للوصول إلى مشاريع وطنية بربحية مثالية قادرة على المنافسة ليس فقط في العائد بل في مستوى الخدمة السياحية أيضا وهو ما سيؤمن صمودا قويا في وجه الغزو الذي لابد وأن يقع في النهاية مهما استمر الهروب منه.
تلك الاقتراحات هي الطريقة الأفضل لدفع المستثمر للاستعانة بالكفاءة العقلية والمهنية لتتمحور حولها الحركة الاقتصادية, كما هو حاصل في الغرب, فلا يبقى المشروع خاضعا لمزاجية المالك, لأن المالك ما لم يكن حكيما في الاختيار و الإدارة سرعان ما سيدفعه الفشل إلى التحول إلى موظف في مشروع آخر ضمن شروط الأمان الاجتماعي من الضمان الصحي والاجتماعي وغيرها من التطبيقات التي تصون كرامة الجميع ولكنه في الخارطة النهائية سوف يأخذ موقعه المناسب الذي أفرزته له الصفات الطبيعية وهذا يعني أن تتحول النخبة تدريجيا إلى نخبة عقلية لا نخبة وراثية فقط.
هربرت سبينسر يقول : الطبيعة تعمل من ناحية على التخلص ممن هم دون الحد الأدنى من مستويات التطور وتعمل من ناحية أخرى على إخضاع الباقين لانضباط التجربة بما يكفل نمو عنصر يكون في آن متفوقا وفقا لظروف الوجود و قادرا على التصرف بانضباط التجربة, غريزيا أو بالوعي, الأساس أن يساير التطور.
شرحه هذا الذي يستخدم فيه مصطلحات قد ينصرف الذهن إلى أنها تأتي من كتاب لداروين هو في الحقيقة يصف بها عمل المجتمع وتطوره.
غير خاف على احد أن المشروعات الاقتصادية الكبرى عالميا تدار من قبل اختصاصيين بمرتبات عالية ولا يعدو دور الملاك التنزه ومراقبة الوضع العام, الفلاح الذي أهمل أرضه في واقعنا وتحول إلى خدمة السيارات العابرة على الطرقات عبر محل بيع " كازوز " أو في أحسن الأحوال استراحة تبيع الشاورما مطلوب منه أن يترك الأرض للشركات الكبرى ويعود فلاحا, مالك مؤجر وفلاح, ليس المهم الصفة المهم أن تزرع الأرض من جديد, التخصص هو ما يعطي المشروع الغربي الكفاءة النهائية في تسيد الاقتصاد العالمي
وما من داع للتذكير أن المشاريع الكبيرة, زراعيا أو صناعيا, سوف تؤمن أيضا فرص عمل بأعداد كبيرة وبدخل واضح المعالم بدلا من المشروعات الصغيرة التمويل والتي يتطلب الحصول على قرضها البنكي شروط خاصة من الإخصاء المخابراتي .
ليس دور المخطط الوطني أن يمارس الرعوية لصالح صاحب المال, فحمايته الشخصية ليست موضوع التخطيط, ماله هو الموضوع, وليس عليه أن يبني خططه انطلاقا من حالة عاطفية تركتها في نفوسنا شعارات مثل " الأرض لمن يعمل بها " , إن التوجه يجب أن يكون لوطنية الاستثمارات الكبرى من جهة وإلى تفعليها اقتصاديا بالصيغة الأمثل من جهة ثانية, فهذا ما يحقق وقفة في وجه التمدد الامبريالي المنتظر ومن جهة ثانية يصون المواطن في عيش كريم, أما من المالك فتلك لا عبرة لها ما دام في نهاية اليوم الجميع سيجد دخلا بحد أدنى يضمن الكرامة دون أن يغلق الباب في وجه الراغبين في الارتقاء بدخلهم ما دامت لديهم ملكات ذاتية استثنائية تفيد المجتمع وطبعا المشروع الرأسمالي هو الأقدر على فهم هكذا امتيازات لا ضباط المخابرات.
ليس علينا أن نخشى من الرأسمالية, هي الأقدر على أداء الوظيفة الاقتصادية, ما علينا أن نخشاه هو الامبريالية ورغبتها في السيطرة على موارد الشعوب, ومن وسائلها لتحقيق ذلك أن تتوسع الهوة المعيشية بين أبناء المجتمع فقرا وغنى, لا وسطية وغنى, فتُسَخِرْ النقمة لصالحها, المجتمعات المتوازنة معيشيةً تعذر على المشروع الامبريالي أن يعبث في دواخلها, وحدها المجتمعات الفقيرة تسقط بشكل مدوي وبطريقة الانهيار في القبضة الامبريالية, جورجيا مثال.
بإعادة الاعتبار للرأسمالية الوطنية كوظيفة وطنية يقوم عليها البناء الاقتصادي نحن نبني حصانة من المد الامبريالي لا العكس, فمهما تأخر الانفتاح الاقتصادي, بدءً أو سيراً, ففي النهاية ما لم يكن الوطن محصنا بمشروعات كبيرة من النمط الرأسمالي مستولية على كل المظاهر الاقتصادية, لا شديدة الربحية فقط كحال سيرياتيل, سوف يكون الاستثمار الضعيف صيدا سهلا للتصيد الإمبريالي.
الإصدارات القانونية الحامية للمال الوطني تقوي المقاومة الرأسمالية للإمبريالية ولكنها تصبح بلا جدوى في تحصين الاستثمارات المحدودة, خصوصا إن تذكرنا أن المافيا هي احد أدوات الإمبريالية في غزوها لاقتصاديات الدول الضعيفة, والمافيا فاعلة جدا مع المشروعات الفردية ولكنها بطبيعتها لا تقوى على النيل من المؤسسات الاقتصادية المرتبطة بالبنوك, تأثيرها في هكذا حالة ينال شخوص من الداخل ولا ينال العمل ودوره الوطني, اللهم إلا أن يكون هناك غطاء سياسي, وقد شهدنا محاربة السيد بوتين لدور المافيا في تصريف المال الروسي.



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تحقق الرأسمالية الآمان الاجتماعي
- الواحدية في تاريخ الفلسفة
- الانسان العربي ووعي الذات
- النظرية الأمنية : مقارنة بين المخابرات الأميركية والعربية
- القضية الكردية بين الغدر والحق
- المراة في الاسلام
- فتوى سعودية من آل الشيخ: المسلسات التركية حرام
- مختارات من أقوال الحكماء - 2
- الدراما السورية بين الواقع والرسالة
- أنا وصاحباي, الله والشيطان ; الجزء الأول- الواقعية السياسية
- في اصل الاخلاق والقيم الجمعية
- القدس عاصمة إسرائيل الابدية
- هينغتون وحروب خط الصدع
- الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس
- السببية بين السحر والدين والعلم
- اخوان القردة بكلمات فلاسفة العرب
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثالث - في الوحدانية وا ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الرابع - في القصص وأخبار ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الخامس - في الاعجاز العل ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء السادس - في الصلاة وتماث ...


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - استعادة الدور الرأسمالي ضرورة وطنية