أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر بدر حلوم - ظاهرة فومينكو أو فيروس التاريخ















المزيد.....


ظاهرة فومينكو أو فيروس التاريخ


منذر بدر حلوم

الحوار المتمدن-العدد: 743 - 2004 / 2 / 13 - 04:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


     لو ظن القارئ أن الحديث سيدور عن  واحدة من الظواهر الطبيعية كالبراكين أو الأعاصير أو ارتفاع درجة حرارة الأرض أو حتى الثقب الأسود ... أو ظاهرة تقنية كالفيروسات التي تخرّب دارات الكومبيوتر و برامجه,فلن يكون  بعيدا عن الحقيقة. ذلك أن ظاهرة الكتاب الخارج عن الضوابط المعروفة كالمنهج و الثوابت العلمية و المعارف التاريخية المبنية على أدلّة و وثائق  تكاد تكون طبيعية في الحياة الثقافية لكثير من البلدان اليوم  و خاصّة روسيا .
    تصدر في روسيا تباعا سلسلة مجلدات تحت عنوان ( روسيا و روما . هل نفهم تاريخ أوروبا و آسيا فهما صحيحا ؟ ) , صدر منها حتى الآن خمسة مجلّدات في حوالي ثلاث آلاف صفحة , إضافة إلى كتب أخرى كثيرة تتناول الموضوع ذاته , و جميعها من تأليف نوسوفسكى و فومينكو( هناك على , الأقل , إضافة إلى المجلدات الخمسة  أربعة كتب من تأليف فومينكو وحده صدرت بين عامي 1990-1996 وكتابان آخران لفومينكو ونوسوفسكي صدرا عامي 1995- و كتاب آخر لهما معا بالاشتراك مع كلاشنيكوف صدر عام 1995-1996 ). و جميعها تهدف , كما يقول مؤلفوها إلى وضع كرونولوجيا جديدة , اعتمادا على التحليل الرياضي , كرونولوجيا تنسف ليس فقط الترتيب العام المعروف للأحداث التاريخية , إنما و تلغي الكثير من الأحداث التاريخية التي لا يجدون لها مكانا في إعادة ترتيبهم للتاريخ . فالسيد المسيح , مثلا , ولد في القرن الحادي عشر الميلادي , أي بعد ميلاد المسيح المعروف بأحد عشر قرنا . ولكن أين هي يا ترى هذه القرون الأحد عشر ؟ لست أدري . فكل ما تقوم به الكرونولوجيا الجديدة أنها تحدث أثرا يشبه أثر عاصفة رملية تعمي العيون , عاصفة يعرفها جيّدا من يعيش في بلاد الرمل و الريح و العطش .أو يكون فعلها أشبه بفعل فيروس  يدخل دارات العقل و يخرب بعضا من برامجه و يمسح قواعد فهم التاريخ فيه. ولكن ماذا بعد العاصفة ؟ فثمة أشياء لا بد من الوقوف عندها.
    قد تجد من يعترض على قراءة كتاب يخرج عن المنطق العلمي و التاريخي و يكون محقّا في اعتراضه. و لكن ألا يفترض العزوف عن قراءة مثل هذا الكتاب معرفة مسبقة لا تتوافر للكثيرين؟ زد على ذلك , فإن قلّة ممن يقرؤون يبحثون فيما يقرؤون عن وحدة المنهج و عن توافق النتائج مع المقدمات و عن صلاحية المنهج المطروح , إذا وجد, لمعالجة مادّة البحث..الخ.
كما إن الحكم على صحّة الأنساق التاريخية المطروحة و منطقيتها  يحتاج إلى معرفة جيّدة بالتاريخ , الأمر الذي لا يمكن أن يملكه القارىء العام المستهدف بمثل مجلدات نوسوفسكي و فومينكو . و حتى الذي يكون على معرفة جيّدة بتاريخه , يصعب أن يعرف بالدقة الكافية تاريخ الآخرين . فمن الجهل أن يدّعي المرء المعرفة بكل شيء.  لذلك فثمة طعم لكل قارىء لا بد أن يأكله, بل سيحلو له أكله على خلفية النزاعات بين البلدان و الشعوب والحضارات والرغبة بتوكيد الذات القومية, حينا, و الدينية, حينا آخر, و الشخصية بين هذه وتلك. وهنا تكمن الخطورة . يعزز هذه الخطورة الإيمان  بالكلمة المطبوعة المنشورة الذي هو سمة القرّاء , خلا الباحثين منهم , وهو بدرجة كبيرة سمة القارىء الروسي الذي ربّي على مدى عقود عديدة لتقبّل ما يقرأه , ذلك أن في الشك بما يقدّم له خطرا على حياته.
    تتصدر مجلدات( روسيا و روما) واجهات محلات بيع الكتب الرئيسة في موسكو التي يزور الواحد منها ما يربو على خمسة عشر ألف قارىء في اليوم . أما حال متاجر الكتب , في روسيا و غيرها , فلا يتيح للراغب باقتناء كتاب فرصة التعرّف عليه جيّدا قبل اقتنائه. فإذن تكون الآلية السائدة( اشتر الآن و فكر فيما بعد!) . و هكذا يشترى الكتاب . أمّا بعد ذلك , فهناك ألف حيلة وحيلة لشد القارىء إلى صفحات مليئة بالألغام , أو لنقل لجرّه إلى الفيروس الذي يمسح العقل و يخرّب ما فيه كما تفعل فيروسات الكومبيوتر . وهكذا كان أن اشتريت المجلدات الخمسة , وبدأت رحلة القراءة التي كانت شيقة إلى حد بعيد . وهنا مكمن خطر آخر .
    مؤلفا العمل باحثان في الرياضيات , ويعمل معهما طاقم عمل كبير , كما جاء في المقدمة, يعمل بجد و مثابرة لإنجاز هذا العمل الهام الذي سيغيّر فهم التاريخ . و لكن أي تاريخ ؟ و لمصلحة من يجب أن يتغير فهم التاريخ ؟ و في عقول من يجب أن يتغيّر ؟ أعقول طلاب المدارس و الشباب الذين سيغدو ( روسيا و روما ) قاعدة لمعارفهم المستقبلية ؟ وبعد , إذا كان ما يسمّى بنسف الحقائق التاريخية يصلح لأن يكون هدفا, فلا أظنّه الهدف الذي ينتهي إليه عمل نوسوفسكي و فومينكو. فإلام عساه ينتهي بصرف النظر عن رغبة مؤلفيه؟
    نتساءل بداية: هل يصلح البحث في الجهات التي تموّل العمل و تروّج له , أو تلك التي تعاديه للوقوف على الأهداف الكامنة وراء العمل ذاته؟ يكون القارىء , عادة , غير معني بمن ينشر الكتاب و من يموّله و من يروّج له . فما لا يقوله الكتاب ذاته لا يعني معظم القرّاء في شيء . لذلك قد يكون في معرفة أن غاري كاسباروف بطل الشطرنج الشهير هو الذي يموّل الآن طباعة ونشر مختارات من عمل نوسوفسكي وفومينكو إلى الإنكليزية و الفرنسية , - كما أخبرني  ف. إيفانوف صاحب دار نشر ( روسكي دفور) التي تقوم  بذلك -  ,  و في  معرفة أن  محطة راديو ( صدى موسكو) التي يملكها اليهودي الشهير  غوسينسكي نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي  راحت تبث بصورة أسبوعية على مدى عام كامل برنامجا يتناول العمل المذكور بالنقد . قد يكون في ذلك كله ما يفيد باحثا جنائيا في إثبات تهمة معينة أو نفيها , غير أنه لا يفيد باحثا أدبيا أو علميا في وضع اليد على طبيعة الفعل الذي يمكن للنص المبحوث أن يؤديه . فمن شأن واضعي الأهداف , إذا كان ثمة أهداف مبيتة كما يميل البعض للتفكير ,  أن يهندسوا ما  يشاؤون من أهداف , غير أن العمل – حامل الأهداف قد لا ينتهي إليها , بل قد ينتهي إلى ما يعاكسها . لذلك فلا يكون أمام الباحث( غير الجنائي) إلاّ أن يكون العمل ذاته مرجعه الرئيس .
    تقف بنية كتاب (روسيا وروما)  وطريقة عرض المعلومات التي فيه حائلا دون قدرة القارئ على توصيف ما يقرأ أو تحديد موقعه في عملية القراءة :  فصول صغيرة  , طريقة عرض مسلّية ,  معلومات  تتكرر تحت عناوين مختلفة و بصور تكاد تكون متناقضة , بل تكون متناقضة في الكثير من الأحيان , فترهق من يحاول متابعتها وتدقيقها إلى درجة يكفّ معها عن فعل ذلك , لكنّه لا يتوقف عن متابعة العرض المسلّي . فيتابع العمل كما لو كان رواية أو كتابا من جنس أدبي آخر  يمكن انتقاء بعض المقاطع أو الفصول منه و إهمال بعضها الآخر. ولكن ما الذي يؤدي إليه ذلك كله؟ سيؤدي ذلك إلى انتهاء البعض إلى استنتاج عن لاجديّة الكتاب , و هذا البعض قد يستخدم بعضا مما جاء فيه للتندر و التفكه . و بعض من ذلك البعض  قد يطرح تساؤلات عن أهمية وجود رقابة على المطبوعات , رقابة على نوعية المادة المطروحة في سوق القراءة . فالجميع يتحمسون لمراقبة المواد الغذائية و ضبط نوعيتها , بل لضبط مواصفات جميع السلع الأخرى و مراقبة نوعية المطروح منها للتداول , فلماذا لا يكون الكتاب , كسلعة , خاضعا لرقابة النوعية وهو الذي يمكن  أن يصيب العقل بعلل قد تكون أخطر بكثير من تلك التي تصيب الجسد . ذلك ما يقوله بعض الذين كانوا أنصار متشددين جدا لرفع الرقابة عن الكتب و المطبوعات الأخرى في الاتحاد السوفيتي السابق . يقولون : لا أهمية هنا لقانون المنافسة , فهو قانون خبيث يعمل , غالبا , لصالح السلع السيئة المدعومة بإيديولوجيات و رأسمال و دعاية يصعب مقاومتها . و هكذا تضيع الكتابة الجادّة في ركام كمّ هائل من الكتابات التي تنسف جديّة كل شيء . أما البعض الثالث فقد يفقد ثقته بالتاريخ المكتوب , أي بكل تاريخ تقع عليه عينه , وليس فقط بما كتبه نوسوفسكي و فومينكو . و ربما يناقش هذا النمط من القرّاء الأمر على هذه الشاكلة : إذا كان لرجلين اثنين أن ينسفا وقائع التاريخ فأية وقائع هي , وما علاقتها بالحقيقة !؟ وهكذا فثمة من القرّاء أيضا من سيفقد ثقته بمقولة الرادع التاريخي. فعبارات كمثل إن التاريخ لا ينسى , أو التاريخ لا يرحم , أو إن التاريخ  لا يخدع ,تهتز , بل تصبح عديمة المعنى . ذلك أن التاريخ يبدو كمجموعة مقولات و وقائع وأحداث داشرة يتطاول عليها كل من لا يثنيه الكسل أو قلّة الحيلة عن ذلك . فقد تجمل أصحاب الوجوه القبيحة و من أين للآتين بعدنا أن يعرفوا كيف كانت في الحقيقة . و قد يصبح جزارو و طغاة اليوم رسل سلام و رحمة غدا . فالاعتقاد بأن كل صاحب سلطان يكتب التاريخ على هواه  يهيئ لكل صاحب قلم أن يغيّر التاريخ على هواه أيضا . وذلك ما يقوم به نوسوفسكي و فومينكو حين يحذفان آلاف السنوات و يضغطان التاريخ  . فما التاريخ من منظورهما إلاّ تاريخ القرون الثمانية الأخيرة , أما ما يقال عن الحضارات القديمة فكلّه هراء بهراء .
    وهكذا , فالمؤلفان لا يترددان بإلغاء حقب وشخصيات تاريخية. فإذا ما ورد في كتب التاريخ , أو النصوص التاريخية أن أحداثا تاريخية وقعت في مكان و زمان ما , و ورد في مصادر أخرى  أو في المصادر ذاتها أن أحداثا مشابهة لها , بطريقة أو بدرجة ما , في مكان آخر لشعب آخر وفي زمان قد يكون بعيدا جدا عن زمن وقوع الأحداث الأولى , فمعنى ذلك , وفقا لمنطق نوسوفسكي و فومينكو , أن الحديث , ببساطة , يدور عن الأحداث نفسها و أن أحدا ما من الحكّام ينسب إلى نفسه ما سجّل لغيره من فتوحات وبطولات , أو ينسب إلى غيره ما سجل عليه من هزائم . و الطريف في الأمر أن هذا المبدأ الذي يأخذ بالتشكيك بحوادث التاريخ أساسا له , يجعل المؤلفين يلغيان الأحداث القديمة لصالح الأحدث منها . أما أسماء الملوك والأباطرة والقياصرة فكثير منها وهمي . حتى إن شخصيتين تحاربتا يوما يمكن أن تكونا شخصية واحدة  , ف  دونسكي و مماي اللذان تطاحنا في  موقعة كاليكوفا الشهيرة ليسا إلا الشخص عينه, و الخان باتي و إيفان كاليتا  و ياروسلاف الحكيم ليسوا إلا شخصا واحدا , كما إن الكسندر نيفسكي و الاسكندر المقدوني رجل واحد ...
    بالنسبة لنوسوفسكي و فومينكو يكون كافيا أن تتشابه الأسماء والألفاظ في لغات الشعوب المختلفة كي تكون هذه الشعوب شعبا واحدا . كما يكفي أن يتشابه مقطع ما من اسمي بلدين متباعدين حتى يكون هذان البلدان في الأصل بلدا واحدا , أو أن يكون قد تبع أحدهما الآخر تاريخيا , أو أن شعبا واحدا , في أحسن الحالات ,هو الذي أعمر البلدين . و تكاد الأمثلة على ذلك تملأ المجلدات الخمسة . فمثلا الآيدا الإغريقية و الهند (  إينديا ) و  يهوذا ( إيوديا ) جميعها مشتقة من اسم الأخير . وذلك يعني , وفقا للمؤلفين , أن الهند من اسم يهوذا , و أن طروادة يهودية .  مثال آخر ساطع يقول بأن سوريا هي مقلوب روسيا مع انزياح ال (  يا  ) , فما دمشق ( داماسك) و موسكو( ماسكفا ) إلاّ اسم واحد . و هكذا فقد جاء تحت عنوان ( دمشق السورية التوراتية و موسكو الروسية ) ( مج 4 , ص 221 ) :" تصبح موسكو بدءا من القرن السادس عشر – وفقا لإعادة ترتيب التاريخ – عاصمة الأوردا الروسية  أي عاصمة بلاد الآشوريين ... " ثم يوضحان أن ذلك يعني أنها تصبح عاصمة السوريين . وكان المؤلفان قالا قبل ذلك ( مج3 , ص316) في معرض الإجابة عن أصل سورية القديمة : " سوريا , أسيريا , آشور  هي مجرد قراءة مقلوبة  لاسم روس , روسيا , راشا , روش التوراتية […] وبالتالي فإن اسم سوريا أطلق على الموقع الجغرافي لسوريا الحالية في فترة الحروب المغولية , أو فترة الأوردا الروسية , وفقا لإعادة ترتيب التاريخ " . ثم يأتي في الصفحة 447 من المجلد نفسه :( يتحول اسم سوريا عند حذف الأحرف الصوتية , مع القراءة المعكوسة, إلى روسيا: سوريا – سر , روسيا – رس . كما يعتقد أن اسم سوريا مشتق من الاسم القديم أسيريا – آسور , آشور و هكذا إذا حذفنا الأحرف الصوتية تصبح سوريا س س ر وتصبح روسيا ر س س . فإذن تظهر أسماء روسيا الثلاثة : روسيا و روس , و راشا في اسم سوريا بصيغه الثلاث: أسيريا و أسور و آشور " . ألا يغري ذلك كلّه بمسك الطرف الآخر للخيط  مما يجعل روسيا سوريّة , و يصبح واضحا عندئذ لماذا أرسلت سوريا , في حينه, آلافا مؤلفة من الطلاب لمتابعة تحصيلهم العلمي في مقاطعتها – روسيا , و لماذا وقفت سوريا , آنذاك, مع دخول الجيش الروسي إلى أفغانستان .  فلا يعقل ألا يقف البلد مع نفسه في الحرب مع الدوشمان الذين تحوّلوا إلى الطالبان ! , كما يغدو واضحا لماذا يتزوج آلاف السوريين- و أنا واحد منهم- من روسيات  فهل هناك ما هو أفضل من الزواج من ابنة العم ! . و بعد , فلماذا لا تكون طروادة هندية !؟ ( مع أن الذين انتصروا في حرب طروادة هم العثمانيون , وفقا للتاريخ الجديد الذي كتبه نوسوفسكي و فومينكو) , أو لماذا لا يكون يهوذا هنديا , قتل المسيح دفاعا عن دين بوذا؟
    بالعودة إلى المجلد الثالث نجد أن المؤلفين لا يكتفيان بروسنة سوريا  فشقيقتها مصر روسية كمثلها أيضا . جاء في الصفحة 469 من المجلد المذكور " إن أوريوس الأرض الملكية ( أرض القياصرة) , التي تصوّر غالبا على رأس الفرعون , هي كذلك مشتقة من كلمة : روس , روسي - دون أحرف صوتية – فقد تحولت  رسك فيما بعد إلى اللاتينية ريكس – ملكي و هكذا تكون فرضيتنا هي التالية : إن الشركس , أي القوزاق المملوكيون , الذين حكموا مصر في أواسط القرن الثالث عشر الميلادي – هم الهكسوس المشهورون في تاريخ مصر ( القديمة) . فحملة الهكسوس واحدة من الصور الواقعية العظيمة للحروب المغولية في القرن الرابع عشر الميلادي .  ثم إن الهكسوس بنوا في هذه الفترة – في القرن الرابع عشر الميلادي- تمثال ( أبو الهول) الكبير في مقبرة الجيزة المسيحية , أي في المقبرة القوزاقية , في أرض الأهرامات كرمز مسيحي لهيروئيم . "  أما دليلهما في ذلك فقرب كلمة ( سفينكس – أبو الهول) من اسم طائر ( فينكس ) الذي يأتي ذكره في الأساطير و الحكايات الروسية . و هكذا يكون أبو الهول – كما يكرران في الصفحة 483 من المجلد الثالث نفسه – قد بني في القرن الرابع عشر الميلادي , أي بعد أربعة آلاف سنة مما هو وارد في الكرونولوجيا المعروفة . و بعد :" الهرم الأكبر, برأينا , بني ليس قبل نهاية القرن الرابع عشر الميلادي , أي في عهد أسرة السلاطين – الفراعنة العثمانيين ." ثم ينتهيان في الصفحة 501 إلى الاستنتاج التالي :" على الأرجح , بني أبو الهول والأهرامات الثلاثة في نهاية القرن الخامس عشر – القرن السادس عشر الميلاديين  كرموز مسيحية . و ربما تكون الأهرامات الثلاثة تجسيدا للثالوث المسيحي ..." و في موضع آخر (مج3, ص26) : " هناك تفسير آخر محتمل , هو أن الهرم الأكبر يجسّد تابوت الرب , أي تابوت المسيح . أما الحجم الهائل لهذا الصرح فيرمز إلى قوة الإمبراطورية المغولية التي بنته ."
    الأمثلة المغرية في مؤلفات نوسوفسكي و فومينكو أكثر بكثير من أن تذكر , لكن الكثير منها أسطع من أن يهمل فاسم دولة السومريين (مج5,ص154) من اسم سمارا المدينة الروسية  . كما أن أصل الساموراي اليابانيين من قوزاق سمارا أيضا . أما المكسيك (ص164) ف  "من الواضح أن اسمها يتضمن لفظ موسكو" . ليس ذلك فقط , إنما المايا (ص165) " الموجودون حاليا في غواتيمالا هم أصلا من قازان وموسكو ".
     أما فلسطين الجريحة التي سنختم بها أمثلتنا  فما هي إلا روسيا البيضاء(154) " فاسم فلسطين المعروف ( باليستينا) جاء من بال  القريبة جدا من بيلي ( أبيض بالروسية ) و ستان(محطة) . و غير مستبعد أن يكون المقصود هنا بيلايا أوردا , أي بيلايا روس , أي روسيا البيضاء " . وأما فلسطين هذه فليست القدس التي فيها هي أورشاليم الحقيقية , إنما الأخيرة هي اسطنبول: " أورشاليم = طروادة= قسطنطينية= روما الجديدة"(مج3,469) , و" بالطبع يجب أن نتذكر أنّه كان هناك في البدء أورشاليم واحدة , تمت فيها أحداث التوراة في القرن الحادي عشر الميلادي , إنها المدينة القيصرة على البوسفور "(مج4,ص392) و هيكل سليمان مبني هناك , و أرض الميعاد هي الجزء الشمالي من حوض المتوسط إضافة إلى تركيا , أي تركيا و أوروبا . لكن ليس في ذلك ما ينقذ فلسطين فهما يعودان ليقولا في غير مكان ما معناه بأن أرض الميعاد هي حوض المتوسط بأكمله , بل ما هو أكثر من ذلك فما " طوفان نوح , إلا رحلة واحد من أسباط إسرائيل [..] الذين تحركوا في القرن 14-15 الميلادي باتجاهات مختلفة من الأوردا الروسية لاستعادة أرض الميعاد , أي أوروبا وأمريكا "(مج5, ص140) . ثم يتبين في الصفحة التالية أن خروج اليهود من إسبانيا ,  لم يكن إلا خروج جيش اليهود إلى أمريكا , وينتهي إلى أن " كولومبوس كان يهوديا"(مج5,ص142) وكان زعيم سبط إسرائيلي .
    وبعد , يتساءل المرء لماذا يغدو كتاب( روسيا وروما..) ممكنا الآن ؟ فليس في الكتاب مؤشر على مؤلفه فقط , بل على الزمن الذي كتب فيه . فثمة فومينكيون في كل أمّة يظهرون في لحظات ضعفها , يحاولون نسج إمبراطورية من كلمات متقاطعة . لكن ذلك لا يغيّر في واقع الضعف شيئا . وهنا يحضرني  فومينكيونا الذين يحلو لهم الإمساك بالطرف الآخر للخيط و  جعل العالم كله عربيا على غرار ما فعل فومينكو , فأقول ما كنت قد عبّرت عنه سابقا في  مقال ( الذات الضائعة بين التاريخ و الأيديولوجيا)(جريدة تشرين,2001,3,10) أن  يكون العرب قد أعمروا أوروبا يوما , وأن يكون اسم أوروبا من اسم عروبة , لا يجعلنا ذلك أقوياء اليوم و لا يكفينا لأن نكون أقوياء غدا . وللأسف, إذا كان يصح الأسف هنا, فإن أوروبا تلك لسنا وحدنا من ينسبها إلى نفسه , فثمة, إضافة إلى فومينكو  الروسي , فومينكي  يهودي يفعل ذلك , فقد جاء في مجلة ناش   سوفريمينك (2000,5) أن الكاتب اليهودي ميخائيل تشولاكي يقول بأن اسم أوروبا( الروس يلفظونها يفروبا) من كلمة( يفري) أي يهودي .
     أما بالنسبة للروس, فلن تعيد( إمبراطورية مغولية روسية عظيمة كانت يوما ) شيئا من الإمبراطورية السوفيتية الضائعة . أما الفعل الأخطر الذي يؤديه عمل نوسوفسكي و فومينكو  فهو نسج وهم على مساحة آلاف كثيرة من الصفحات عن وجود إمبراطورية روسية عظيمة و فتوحات روسية كادت تشمل العالم كله بما في ذلك أمريكا و الصين  .. بيد أنه لا روس في إمبراطورية الروس . فالروس , حسب الكتاب , هم المغول , هم التتر , هم الصينيون , هم الأتراك ... أما روس اليوم فليسوا أكثر من حملة الدين الأرثوذكسي , أي الشعب الذي لا يتعدى عمقه التاريخي عهد حكم أسرة رومانوف (   1613-1917) . والأهم من ذلك أن التاريخ الذي أعيد ترتيبه يجعل من روسيا أرضا للأتراك و للصينيين و للمنغوليين... لجميع أعضاء الإمبراطورية العظيمة, أي هو يهز مفهوم الوطن الروسي في عقول مواطنيه و يهيئ  ( تاريخيا) لتطاول الجوار على روسيا الضعيفة اليوم . أو أن هذا التاريخ الجديد, على الأقل, يمسح العقول بانتظار أيديولوجيا جديدة  لن يكون فيها للروس خير.
    هكذا يوضع السم في طعام لذيذ . و هكذا يدخل الفيروس بالحيلة بما يوافق متطلبات برنامج روسيا اليوم . المطلوب روسيا عظيمة , فلتكن عظيمة , و لكنها لن تكون روسية , بل و سيكون على الروس أن يدفعوا ثمن تسبب أسرة رومانوف بانهيار الإمبراطورية العظيمة التي كان اليهود جزءا هاما منها . فكل سبط من أسباط إسرائيل كان جيشا من جيوش تلك الإمبراطورية  المغولية العثمانية التي أضاعها الروس و ينتقم لها الآن نوسوفسكي و فومينكو و أعوانهما .



#منذر_بدر_حلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكتاب و جيل ما بعد البيريسترويكا - ماذا يقرأ الروس ؟
- قوة النموذج - إدوارد سعيد في عيون الكتّاب الإسرائيليين - الر ...
- الآن وهنا ! دعوة الأدب إلى القَصاص -بين تولستوي ودستويفسكي و ...
- إله الإرهابيين
- إدارة العلم في عصر العولمة وفقدان الهوية
- ولادة الصهيونية- الفصل السابع من كتاب الكسندر سولجينيتسن - م ...
- الليلة جرح روح ضعيفة
- أنشوطة اللاسامية و وجع الكتّاب الروس
- من (إيفان دينيسوفيتش) حتى (مائتا عام معا) سولجينيتسن واليهود
- سولجينيتسن في شَرَك المعايير المزدوجة ؟
- أولغا بيرغوليتس - حصار الروح
- أنّا أخماتوفا - نصف قرن في قفص الاتهام
- التكامل والإبداع
- الطفور بين البيولوجيا والثقافة
- البيولوجيا والثقافة دموية القسر و عبثية الفصل
- صناعة الحاضر- أو حاضرنا هو مستقبلنا
- - مشكلة الشخصية -1- بين الحرية البيولوجية و القيد الأيديولوج ...
- البطالة وثقافة اللامبالاة


المزيد.....




- Lenovo تطلق حاسبا متطورا يعمل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي
- رؤية للمستقبل البعيد للأرض
- درون روسي -يصطاد- الدرونات الأوكرانية بالشباك (فيديو)
- صحيفة أمريكية تشيد بفاعلية درونات -لانسيت- الروسية
- الصين تستعد لحرب مع الولايات المتحدة
- كيف سيؤثر إمداد كييف بصواريخ ATACMS في مسار العملية العسكرية ...
- ماهي مشكلة الناتو الحقيقية؟
- هل تغرب الشمس ببطء عن القوة الأمريكية؟
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /30.04.2024/ ...
- كيف تواجه روسيا أزمة النقص المزمن في عدد السكان؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر بدر حلوم - ظاهرة فومينكو أو فيروس التاريخ