أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عدنان شيرخان - ثقافة الاعتذار















المزيد.....

ثقافة الاعتذار


عدنان شيرخان

الحوار المتمدن-العدد: 2395 - 2008 / 9 / 5 - 02:40
المحور: المجتمع المدني
    


ليس من السائد والمتعارف عليه في دول ومجتمعات كثيرة ما اقدمت عليه العداءة الذهبية الاميركية ماريون جونز( 31 عاما) عندما اعترفت بتناولها المنشطات، واعتذرت والدموع تملأ عيونها قائلة "لقد خذلت نفسي وعائلتي وجميع المعجبين، اني اعتذر" ، وأعادت جونز الميداليات ( 3 ذهبية و2 برونزية) التي أحرزتها في أولمبياد سيدني التي اقيمت العام 2000 الي اللجنة الأولمبية الأميركية. والتي سلتمها إلى اللجنة الأولمبية الدولية لتمنحها بدورها إلى من يستحقها، وقد اعتذرت اللجنة الأولمبية الأميركية إلى نظيرتها الأسترالية على خلفية اعتراف جونز بتناولها المنشطات مبدية "أسفها الصادق والمتواضع" لجميع المسؤولين والرياضيين والأشخاص الذين شاركوا في أولمبياد سيدني.
في امور عديدة ينظر الى المجتمعات الديمقراطية العريقة على انها خلاصة تجارب بشرية استغرقت قرونا، فلاسفة ومفكرون ، سياسيون ونخب مثقفة، رجال عظام كتبوا وألفوا ووقفوا بثبات واصرار على ان تتحول مجتمعاتهم الى الديمقراطية، واذا جاز ان نقتفي الاثار بهدوء الى جميع مفاصل تلك المجتمعات، ونفكك كل قيمة ودلالة، فأننا بحاجة الى اظهار المزيد من المرونة والتفهم لتلك الدلالات، ويبدو اننا نفتقد مبادرات ونماذج تعمق اشاعة هذه القيم في مجتمعنا.
في المجتمعات الديمقراطية تسود ثقافة الاعتذار، وتعمق تفهم هذه الثقافة عبر سنين طويلة، واول دافع يقف وراء الاعتذار هو المشاعر العالية بالمسؤولية والذنب والندم، وينم فعل الاعتذار عن شجاعة كبيرة، وهو ذروة انتفاضة النفس على قيود كثيرة، لان الاعتذار قد يفقد المعتذر اشياء مهمة كما حصل مع العداءة جونز.
والاعتذار غالبا ما يكون خيارا صعبا، ويحتاج الى وقفة صادقة مع النفس، ويأتي على خلفية صورة تزدهر فيها المشاعر الانسانية التي تقدر عمق المعاناة التي مر بها ( الآخر)، فمثلا رفض رئيس الحكومة الاسترالية السابق جون هوارد لاكثر من عشر سنوات الاعتذار لسكان استراليا الاصليين عن مجمل السياسات والقوانين التي تسببت بمآسي للسكان الاصليين، الى ان جاء رئيس الوزراء الحالي كيفن راد واعتذر (بمنتهى الشجاعة) وامام البرلمان للسكان المحليين وقال : "نحن آسفون للالم والمعاناة التي سببتها هذه السياسات للاجيال الضائعة ولاطفالهم وذويهم. نقول نحن آسفون للامهات والآباء، والاخوة والاخوات، ولتدمير عوائل ومجتمعات باسرها. نقول نحن آسفون لكل الاذلال والمهانة التي تسببنا بها لشعب عزيز ذي حضارة يعتز بها."
وتنتظر شعوب وامم الاعتذار لعقود، فكوريا والصين تنتظران وتطالبان اليابان بأعتذار عن الجرائم والفضائع التي ارتكبها الجيش (الامبراطوري) الياباني قبل واثناء الحرب العالمية الثانية، ومن الغريب ان اليابان اعتذرت لاميركا عن معركة بيرل هاربر المعروفة، ولم يعتذر الاميركان عن جريمتي هيروشيما وناغازاكي.
ويطالب الشعب الجزائري بأعتذار فرنسا عن الحقبة التي استعمرت خلالها الجزائر (130 عاما) وعن الجرائم والمآسي التي رافقت تلك الحقبة السوداء، وربما منى الجزائريون انفسهم بأعتذار الرئيس الفرنسي الحالي ساكوزي خلال زيارته الاخيرة الى الجزائر، ولكنه لم يفعل، قال "ان ثمة فضائع ارتكبت هنا ولكن فرنسا لن تعتذر"، وهذا تعالي ليس له من صدى عند الطرف المظلوم الا زيادة في مشاعر الغبن والحيف. وكذلك فعل (علي حسن المجيد) وخلال محاكمته لدوره في حملة (الانفال)، عندما لم يبد اي ندم على اتخاذه قرار قصف الأكراد بالأسلحة الكيماوية، وقال في إحدى جلسات المحاكمة: "أنا هو الشخص الذي أصدر الأمر الى الجيش بتدمير القرى وترحيل ساكنيها. لن أعتذر، فأنا لم أخطئ."
لا يعقل ان يكون المسؤولون في دول العالم الثالث ملائكة بلا خطايا، او آلات حاسبة تؤدي عملها بمنتهى الدقة وبعيدا عن الوقوع في الخطأ، ليس الامر كذلك بدون شك، فقائمة الدول الاكثر فسادا هي قائمة دول العالم الثالث بأمتياز، ولكننا لم نرى مسؤولا واحدا (في هذه الدول) اعتذر واستقال، وقال أنني اخطأت ويطلب المغفرة من الشعب، هذه ثقافة غائبة بل ينكرها كثيرون، وينظر اليها كثقافة انهزامية، فالرجال لاتعتذر، وتموت اصرارا على خطئها، في المجتمعات الديمقراطية يعلم الصغير على الاعتذار، ويفهم متى يقول (أني آسف)، ويقولها السياسي ويعنيها ويتحمل مسؤوليتها، ونحن احوج منهم وفي حالات كثيرة ليطل احد السياسين ليقول لنا ( أنني آسف، اني بشر لقد اخطأت)، وبحاجة الى جمهور يتفهم ويقبل الاعتذار. قبل نحو ثلاثة اشهر اعتذر رئيس الوزراء البريطاني وابدى عميق اسفه الى المواطنين والمقيمين في بريطانيا، عن اضاعة دائرة تابعة لوزارة الخزانة ملفات كاملة تتضمن معلومات شخصية مهمة عن ملايين البريطانيين والمقيمين، قال براون في بيان تلاه امام مجلس العموم : «انني آسف واعتذر عن الامر»، وتحدث عن آخر ما توصلت اليه التحقيقات، ووعد بمنع وقوع المعلومات في أيدي محترفي الجريمة المنظمة.
وفي قضايا المجني والمجتي عليه، او قضايا الظالم والمظلوم وحتى الجلاد والضحية، تكون لكلمات الاعتذار اثرا بالغا في ازالة الكثير مما يكمن في النفوس من مشاعر الانتقام والغبن والحيف والظلم، وقد يكون الاعتذار قاعدة رصينة لارساء مصالحة وطنية شاملة، وهذا ما حدث في جمهورية جنوب افريقيا، عندما اعتذرت الاقلية البيضاء الحاكمة عن سياسة التمييز العنصري وتفردها بالحكم، وتنازلت لصالح اجراء انتخابات عامة، وبادر ضحايا سياسة الفصل العنصري والاعمال الوحشية الى مسامحة جلاديهم ومعذبيهم، وقد ساعدت تلك المشاعر الطاغية على سرعة اندمال جراح جنوب افريقيا العميقة، اجريت الانتخابات وفاز بها المؤتمر الوطني الأفريقي، واصبح مانديلا رئيسا للدولة التي سجن فيها 27 عاما، اقر سياسة المساواة بين البيض والسود، وكان ذلك حلما بعيد المنال. وتحول مانديلا ( بعد ان كان اشهر سجين في العالم) الى رمز من اهم رموز حقوق الانسان والحريات والمساواة، بأعلانه انتهاج سياسة التسامح والصفح والعفو والمغفرة ،ونبذه ومعارضته سياسة الانتقام والعقاب، وفاز في العام 1993 بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع آخر رئيس لجنوب افريقيا من الاقلية البيضاء فريدريك دكلارك.
واذا كانت جنوب افريقيا قد نجحت وانتقلت من دولة القمع والقهر الى دولة ديمقراطية بفضل ثقافة الاعتذار، فكم من دول وشعوب تنتظر اعتذارات من جهات انفردت بالسلطة وتتحمل مسوؤلية كاملة ومباشرة عن حقبات دموية ، ومن جلادين ساموا الناس سوء العذاب، لتبدأ عهدا جديدا وصفحة بيضاء كما فعل مانديلا وجنوب افريقيا .



#عدنان_شيرخان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اضطهاد وضحايا
- المرأة والبرلمان
- المصالحة في جنوب افريقيا : مهارات التفاوض وبناء الثقة أعادت ...
- مواجهة الوحش
- سرطان السلطة
- مانديلا : 90 عاما
- خيبة امل المنتظرين


المزيد.....




- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...
- تعذيب وتسليم.. رايتس ووتش: تصاعد القمع ضد السوريين بلبنان
- كنعاني: الراي العام العالمي عازم على وقف جرائم الحرب في غزة ...
- كيف تستعد إسرائيل لاحتمال إصدار مذكرة اعتقال دولية لنتنياهو؟ ...
- منظمة التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بش ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - عدنان شيرخان - ثقافة الاعتذار