أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - عودة إلى المشهد السوري















المزيد.....


عودة إلى المشهد السوري


محمود جلبوط

الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 08:21
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


عاب علي البعض صمتي عما يجري في المشهد السوري في الفترة الأخيرة : مفاوضات النظام الغير مباشرة مع العدو الصهيوني , كما درج أصحاب الشأن على تسميتها , أحداث صيدنا يا والتي ذهب ضحيتها العديد من الموقوفين قتلى وجرحى على ذمة ما تناقلته الأخبار , ومحاكمات معتقلي إعلان دمشق , والإفراج عن عارف دليلة , وغيره وغيره .
وعتب بعض البعض حبا لأنهم تعودوني أن يكون لي دائما دلوا في المشهد السوري بعد أن أدمنت حبه وأحرص دائما أن يكون لي رأي حول قضاياه الهامة بالرغم من تابعيتي الفلسطينية على اعتبار حضوره الكثيف في وجداني(وفي زهراتي الثلاث وردة وريتا وفينوس) مما أوجب علي دفع ضريبة انتمائي وولائي لياسمينه الدمشقي وفتنته الساحلية , اعتقالا وملاحقة ومضايقات وأمراض ومنفى بعيدا عن الأهل والإخوة والأصدقاء والأحبة .

أكثر ما أزعجني من بعض هذا البعض غمزه من قناتي عندما ذهب بعيدا , أقل ما يقال فيه بأنه بعيد عن الموضوعية بل لأقل أنها عصابات نرجسية وشخصنة للعمل السياسي والكتابة الصحفية انسجاما مع ما يسود الأوساط الصحفية والسياسية من سلوك شاذ تشكيكي غير ودّي وغير أخلاقي تطبيقا لمبدأ مكيافيللي الذي سادها دهرا طوال تاريخ ممارستها وما زال .

قبل الخوض في أسباب ابتعادي كما لمزوا , بل هو صمت إرادي مقصود , نريد أن ننوه إلى أن:
1_ أنا لست كاتب مناسبات ولا مطرب في برنامج ما يطلبه المستمعون أو المشاهدون لكي ألبي طلباتهم وأغني الأغنية التي يطربون لسماعها , ولا أرضى بدور كهذا ولا أتصور أنه يليق بي أو يناسبني لأني أفتقر أصلا للنجومية الإعلامية والصحفية فأنا بطبعي لا أحب الخوض كثيرا في الضجيج والقال والقيل , أنا أمارس النشاط الكتابي من قبيل ممارسة حق إبداء الرأي في قضايا تهم أمتي في حاضرها ومستقبلها , أؤيد وأنحاز لقوى المقاومة في مواجهة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية والعالم , و للطبقة الشعبية التي أنتمي إليها ولقضايا كادحيها وفقرائها علّني أساهم ول بالقليل القليل في بناء مستقبلنا بلبنة صغيرة جدا ومتواضعة(لتلميذ يستكتبه الأساتذة الكبار كما علّق أحد الإخوة تحت اسم حنظلة على بعض ما نشره لي موقع أجراس العودة دون علمي ودون ذكر المصدر الذي استوحى منه المقال) بل أشارك بذلك إيمانا مني بأن المشاركة والحوار هي الطريق الوحيدة للوصول للقواسم المشتركة بين أصحاب المصلحة الواحدة وللتعبير عن الاتفاق والاختلاف , وأحايين كثيرة أهرب بكتاباتي مماّ يشوب روحي من وجع عبر قصة قصيرة هنا أو خاطرة تجيش في قلبي لأنفس عماّ يشوبني من قهر من أجل راحتي النفسية .

2_أنا لا أعتاش من فعل الكتابة الصحفية ولا أقتات بفعلها , بل قلّما يوفر لي عملي الشاق الذي أتكسب به لحفظ كرامتي وكرامة عائلتي وقتا يمكّنني من متابعة المستجدات السياسية أو الثقافية أوالفكرية أو حتى الإخبارية , فأنا أسمعها دايما بايتة كما يقولون بالعامية , لأن عملي كسائق شاحنة يتطلب مني البقاء أسبوعين سواقة على الطريق وأحيانا شهر كامل بعيدا عن عائلتي , فبكون يلي ضرب ضرب والي هرب هرب.

3_أهيب بالجميع , كتبة وسياسيين , لتأسيس أخلاقية جديدة في العمل السياسي والكتابة السياسية أو الصحفية , نقدا كان أم إبداء رأي أوالإختلاف فيه , يكون عمادها الأخلاق والموضوعية , والابتعاد قدر الإمكان عن التمحور حول الذات والتعصب والشخصنة والإقصاء والأستذة والتسفيه برأي الآخر , فالفرق كبير بين النقد والتهكم والتهجم الشخصي , سيكون هذا أجدى للحوار والنقاش في الموضوع الموما عنه أو إليه, فهذا أدعى للنضوج الفكري والسياسي , وإلاّ نكون عرضة للوقوع في النرجسية أو الهرطقة أو السفسطة , اللهم إلاّ إذا كان هذا عن قصد وتوجه موجه من قبل أطراف معادية(سجانين سابقين أو متصهينين متأمركين) .

4_لا غضاضة لدي من تقاطع مواقف سياسية تكتيكية يتخذها نظام عربي هنا أو هناك مع ما نتبنى من مواقف سياسية , مع التأكيد على الافتراق الجذري في المسببات والمصالح فيما بيننا , إن كانت هذه التكتيكات تصب في مصلحة قوى المقاومة للاحتلال إن في العراق أو لبنان أو فلسطين أو في أي خندق معاد للمشروع الامبريالي الصهيوني , إن في تأمين السلاح للمقاومين أو المتطوعين أو معلومات استخبارية أو لوجستية تخدمهم أو حتى بالمواقف السياسية أو الدعائية , بالرغم من الإدراك المتوفر لدي أن سياسات هذه النظم دون استثناء في الإطار العام هي في خدمة مصالح الاحتكار الأمريكي الصهيوني بمفاعيلها وطرق اتخاذها ولغاية تنفيذها وذلك انسجاما موضوعيا مع العلاقة البنيوية القائمة بينها كشريحة طبقية كولونيالية تابعة لبنية المركز الاحتكاري , وأن أي نظام منها مستعد لبيع المقاومين عندما تزول مسببات الخلاف بينه وبين المركز وعند عقد أول صفقة له معه على مذبح مصالحه , ولا خجل لدي من ذلك , بل الخجل كل الخجل أن تتقاطع مواقف سياسية تكتيكية لي مع أهداف وأجندات العدو الصهيوني الأمريكي , ومن الأهمية بمكان التيقظ في مواجهة ما يخطط لنا جميعا من أسرلة وأمركة وصهينة .
بل أكاد أؤكد أن الدعم مطلوب لأي إجراء تتخذه أنظمة الدول الطرفية لتحسين شروط التبادل بينها وبين الدول المركزية في أوربا وأمريكا وآسيا(فيما يتعلق بتصدير موادها الأولية من نفط وخلافه أو استيراد الغذاء والآلات) وعدم الرضوخ لشروط البنك الدولي , بل علينا الدفع لديهم لاتخاذ المزيد من إجراءات الممانعة في وجههم لأن هذا يخدم بشكل أو بآخر قوى الثورة المحلية وقوى مناهضة العولمة المتوحشة في العالم .


غادرتُ ساحة العمل السياسي الفلسطيني أواسط السبعينات من القرن الماضي عندما خطفت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية الصراع من ساحته وحاضنته العربية بحكم قناعتي الفطرية أن الصراع أوسع من فلسطين بالرغم من وجدانيتي الفلسطينية البسيطة التي تكونت في ظلّ تجربة التشرد التي ألمت بي طفلا يسكن شوارع المخيم ثم قواعد المقاتلين عندما اشتد ساعدي لحمل بندقية كفدائي , وأدركت مبكرا قبل تثقفي أن الصراع هو صراع بين الاحتكار العالمي الحاضن للكيان الصهيوني الذي أقيم لتنفيذ مهمة وظيفية محددة والأمة العربية كمجموع للشعب العربي الحاضن الطبيعي للقضية .
بسعي حثيث من الكولونياليات العربية وأنظمة الكومبرادور , و تواطؤ مراكز القرار الصهيوامبريالي العالمي , سعى الكومبرادور الفلسطيني ممثلا بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية لفلسطنة الصراع بعد أن توّجوها خداعا ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني وأفتوا لها أحقيتها , هروبا من المسؤولية والمحاسبة , بالتفاوض مع مراكز القرار الصهيوامبريالي باسم فلسطين إلاّ عندما تتضارب المصالح فيما بين ممثلي هذا الكومبرادور العربي .
ولأنه حدث ما حدث آثرت الانسحاب أو لنقل استراحة محارب , والتفت لدروسي التي كنت قد أهملتها بسبب انشغالي في العمل الفدائي آنذاك خاصة عندما كانت تسلبني النخوة مقاعد الدراسة أثناء أي عدوان صهيوني على قواعد الفدائيين في لبنان أو سوريا بعد أن طردت من الأردن على أثر مجازر أيلول إلى أن شاءت الصدف أن أنتقل إلى ساحة النشاط السياسي السوري .
قد لعب وجودي في الموقع الجغرافي السوري والصدفة(أن تكون دراستي الجامعية بعد حصولي على الشهادة الثانوية على مدرجات كلية الهندسة الكهربائية التي توفر فيها عدد وافر من الشيوعيين السوريين خصوصا من الحزب الشيوعي_المكتب السياسي ومجموعة الشلل الماركسية قبل أن تتحول إلى رابطة العمل الشيوعي ثم حزب العمل الشيوعي) دورا كبيرا وبشكل جذري فيما لحق من خياراتي السياسية , وتجذّر ذلك بعد أن نقلت سكني إلى وسط مدينة دمشق(قشلة_حارة اليهود) بعيدا عن التجمع الفلسطيني في مخيم اليرموك .
انتهت استراحة المحارب لدي عندما حسمت خياري السياسي بانخراطي في صفوف الحزب الشيوعي_المكتب السياسي بعد أن اطلعت على مقررات مؤتمره الخامس عبر نقاشات مطولة مع رفاق ورفيقات في الحزب مازلت أكن لهم كل المحبة والاحترام , زملائي على مقاعد الدراسة في المعهد والكلية , كان الحزب حينها في مرحلة انتقالية دخلها بعد انشقاقه عن الحزب الشيوعي الأم إثر صراع مع جناح خالد بكداش بسبب قضايا أساسية اختلفوا حولها أهمها قضية الصراع العربي الصهيوني والوحدة العربية وانحيازه إلى اعتبار الشعب العربي شعب واحد وليس "شعوب عربية"في طور التكوين" يحق له بناء دولة الأمة وقضايا خلافية أخرى ضمها كتاب أسمي قضايا الخلاف .
وبشكل ملخص جدا كان حزب في طور التكوين يؤسس لنفسه خطا مستقلا ومختلفا عما عهدته المنطقة العربية حتى ذلك الوقت من ماركسية , يحاول أن يعرّب الماركسية على طريقته أو لنقل أنه يحاول أن يعقل القضايا العربية المطروحة ماركسيا بعيدا عن الفهم الماركسي التقليدي السوفيتي الذي ساد الفكر الماركسي العربي حتى ذلك الحين , ساهم فيما بعد مع أحزاب أخرى , ناصريين في الاتحاد الاشتراكي ومجموعة ياسين الحافظ ومجموعة أكرم الحوراني والبعث العربي الديمقراطي , التجمع الوطني الديمقراطي اعتبر نفسه فصيلا من حركة التحرر القومي العربي راح يحاول قدر استطاعته واستطاعة العقل الماركسي العربي المتمرد على المدرسة السوفيتية(الستالينية) في حينه دمقرطة العمل السياسي والحزبي رؤية مشروعاتية تحلى بها هذا الحزب للدرجة التي صاروا يسمون بسببها الشيوعيون القوميون , والشيوعيون المؤمنون وهكذا.
على المستوى السوري العام , ونحن هنا لسنا بصدد سرد كل التفاصيل والمقال أصلا غير مخصص للتأريخ ولا للتحليل الطبقي الاجتماعي لبنية المجتمع السوري أو لبنية النظام , كانت سوريا في حينه تعيش فجر آخر انقلاباتها التي حملت مسمى الحركة التصحيحية بقيادة وزير الدفاع السوري للنظام السابق الجنرال حافظ الأسد الذي كان من أعمدة الانقلاب السابق 23 شباط , كان يحاول قادة الانقلاب الجديد , في ظل القمع السياسي وقيادة الحزب الواحد للمجتمع بحلته الجديدة , أن ينالوا استحسانا وقبولا واعترافا بهم محليا وإقليميا ودوليا مستبدلين قدر ما استطاعوا شعارات رفاقهم البعثيين المنقلب عليهم , محليا إنشاء الجبهة التقدمية إحدى علائمها الأساسية ومهادنة التيار الإسلامي العام الذي كان يكن العداء للقيادة السابقة , وإقليميا استبدال شعار الوحدة العربية بشعار التضامن العربي والتنسيق المشترك , ودوليا الاعتراف بقراري الأمم المتحدة 242 و338 الخاصين بتنظيم إدارة الصراع العربي الصهيوني حسب رؤية الغرب والكيان الصهيوني بدل شعار التحرير للأراضي المغتصبة , الجولان وفلسطين , وانتهجوا سياسة اللعب على المتناقضات محليا و إقليميا و دوليا فأتقنوها.
وما كادت الأمور تستقر لقادة الانقلاب بعد ترتيبهم الأوضاع الداخلية في حزب البعث والجبهة التقدمية والبنية السياسية الداخلية خارج الجبهة بعد أن أمنوا جانب الأغلبية من رفاقهم في حزب البعث(واللذين عارضوا الانقلاب من الأحزاب الأخرى) ومن لم يؤمن جانبه أودع السجن إلى جانب القيادة السابقة إلى أن انفجرت في وجهه المشاكل السياسية الداخلية من أكثر من طرف سياسي كل حسب أجنداته واستحقاقاته , انسحب الحزب الشيوعي السوري_المكتب السياسي من الجبهة واستأنف دعاية سياسية تنسجم مع وضعه الجديد كحزب معارض , الإتحاد الاشتراكي بزعامة جمال الأتاسي , انطلاق حزب شيوعي جديد بعد أن تبلورت شروطه باسم رابطة العمل الشيوعي وطرحه شعار إسقاط السلطة مما دفع به ليكون هدفا لبطش النظام واتخاذه قراره لتصفيته من خلال حملة اعتقالات واسعة طالت رفاقه في النصف الثاني من عقد السبعينات للقرن المنصرم , لكن من أهم ما وسم الحقل السياسي السوري أواخر السبعينيات من نفس القرن , وبدون الدخول في التفاصيل وحيثيات الأسباب والدوافع وتداخل مصالح الأطراف الإقليمية والدولية , هو إعلان الإخوان المسلمين الحرب على النظام السوري بأجندات طائفية مما فتح شهية النظام انطلاقا من حينه للقمع والقتل بشكل واسع حتى وصلت درجة الممارسات الفاشية التي كنت شاهدا شخصيا على بعضها تجلت بتنفيذ المجازر , مجزرة سجن تدمر ومجازر في جسر الشاغور وحلب وما أتى بعدها متأخرة مجزرة حماة الشهيرة , وصل المجتمع السوري فيها حافة حرب أهلية طائفية قذرة في ظلّ ما ساده من احتقان طائفي نتيجة الممارسات الطائفية المبرمجة قصد بها النظام تفتيت المجتمع تعمية عن تقصيره في تحرير الأرض المغتصبة وتضليلا عن الصراع الحقيقي يقابلها أجندة وقتل طائفي مضاد تقترفه جماعة الإخوان المسلمين بحق المواطنين على الهوية الطائفية من خلال تنفيذ التفجيرات في الأماكن العامة ووسائط النقل العامة والاغتيالات الفردية , في ظل هذا الوضع المتفجر حاول الحزب ورفاقه في التجمع الوطني الديمقراطي في ظل هذه الأوضاع السياسية المتدهورة انتهاج خط ثالث سمته الديمقراطية ومدينة المجتمع من خلال توزيع البيان الأول للتجمع وطني الديمقراطي في مطلع عام 80 والذي أودت بي مساهمتي في توزيعه إلى المعتقل أو لنقل استراحة محارب طويلة لكنها اضطرارية لحق بي رفاق الحزب بعد بضعة أشهر إثر قرار للنظام بتصفية الحزب لا بل كل تصفية مخالف لسياسته , وكان نتيجتها أن ماتت السياسة في سوريا , ومن تسنى له النجاة من بطشه إما فرّ إلى المنفى أو نزل هو والسياسة ليعيشوا تحت الأرض في حياة سرية بعيدا عن النور والشمس .
وترتب عن سياسة النظام هذه مضاعفات كارثية تجلت مظاهرها مؤخرا على السلوك السياسي المرتد للكثير من الشيوعيين السابقين لربما محاكاة للمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية ذو الأصول التروتسكية(مع فارق بسيط هو أنهم ليسوا من أصول يهودية) , بعد تنصيب الامبريالية الأمريكية نفسها زعيمة للعالم إثر سقوط الإتحاد السوفييتي وهزيمته في الحرب الباردة وتفككه وإنشاءها من بقاياه حزام دول قومية عميلة لها تحيط بروسيا الإتحادية لتهدد أمنها في عقر دارها .

هناك في العالم السفلي حيث جغرافيا استراحتي الاضطرارية , وبعيدا عن الذكريات المؤلمة , تحقق لي إيجابيتين , وربما الوحيدتين من بين ركام القهر المعشش في روحي , أولاها مراجعة التجربة الماضية والوقوف أمام الذات , وثانيها المطالعة الممنهجة , وخاصة بعد انتقالنا إلى سجن عدرا , التي ساعدتني لترتيب الأفكار داخل رأسي لما سبق من اطلاع فكري على قلّته , ثمّ الاستزادة بنهم من خلال مراجعة معظم الفكر الماركسي والقومي والديني , القديم منه والحديث , كانت بقعة الضوء فيه تعرفي على فكر مهدي عامل ونظريته" في نمط الإنتاج الكولونيالي" , وفكر سمير أمين ونظريته "نمط الإنتاج ألخراجي"والتبادل اللامتكافيء والدولة القومية .
لم يطرأ أي جديد على المشهد السوري حتى نهاية عقد التسعينيات الثقيل إلى أن تدخل الموت واختطف الرئيس السوري حافظ الأسد منتصف عام 2000 , ولم يكن هناك أي جديد , من وجهة نظري , فيما اتخذه النظام من إجراءات لتوريث بشار الأسد الحكم بالرغم من حداثة سنه , ولا أرى فيما جرى من بعد أي جديد فيما يخص ويتعلق بالنظام السوري ضمن مشهده العام , لا من حيث بنية النظام الطبقية , ولا شعاراته وممارسته الأيديولوجية ولا سلوكه الأمني وعلاقته مع المواطنين , ولا من ناحية اعتقال أومنع الرأي الآخر , اللهم إلاّ إذا اعتبرنا جديدا تخفيف تواجد العناصر الأمنية المسلحة في الشوارع والمرافق العامة وتخفيف حدة القمع الأمني والإرهاب العام , أوالسماح القليل القليل لنقد بالهمس لبعض مظاهر الفساد , أوتقديم الموقوفين والمعتقلين إلى القضاء لمحاكمتهم بينما كان الموقوف يقضي سنوات طوال دون محاكمة , لربما كان الجديد الوحيد إذا اعتبرنا أنه قد أثّر على التوجهات العامة للنظام هو اضطراره للانسحاب من لبنان إثر عملية اغتيال الحريري , وأصبحت أمريكا جارا مباشرا لسوريا بعد احتلالها للعراق , واعتبارها النظام نظاما مارقا وأحد أقطاب محاور الشر بسبب دعمه للمقاومة العراقية واللبنانية والفلسطينية منهية بذلك شهر عسل طويل عاشاه طوال مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية , مرورا بمشاركته لقواته لضرب العراق في حرب الخليج الثانية بسبب مشكلة الكويت , مع ما يترتب على ذلك من تخويف وإرهاب له للانصياع بحضور النموذج العراقي والليبي .

إن الجديد الحقيقي في المشهد السوري هو ما جرى من تحولات سياسية وفكرية شملت برامج وتوجهات أطراف أساسية في صفوف المعارضة السورية القديمة والحديثة وما طرأ من تبدل في ولاءاتها و تحليلاتها ومهماتها بما ينسجم مع عصر العولمة على حساب التوجهات السابقة المتعلقة باعتبار نفسه فصيل في حركة تحرر قومي عربي لتحرير الأرض والإنسان في مواجهة المشروع الصهيوأمريكي .
توّج هذا الجديد بتكاثر مؤسسات الأنجزة على ساحة القطر السوري وتكاثر مؤيدي القطرية والتجزئة والدعوة للاكتفاء بسورية كوطن نهائي "للمكونات السورية"فتقدم المشروع الصهيوأمريكي في صهينة وأسرلة وأمركة لفئة لابأس بها راحت تسوق لأمريكا وللاعتراف بالكيان الصهيوني وحقه في الأرض العربية والعيش المشترك معه والتنديد بمضايقات المقاومة إن كانت فلسطينية أو لبنانية وتهورها , ولبرلة لبعض من أطراف اليسار على حساب الأفكار الاشتراكية , وعلى هذه الأرضية حققت المحافظية الجديدة في سوريا مواقعا لا يستهان بها , وقد ساهم بكل ذلك ممارسات النظام القهرية والقمع الشديد والاستبداد وإلغاء السياسة من المجتمع وانفساح المعتقلات للمعارضين على مدار عشرات السنين من حكم البعث مما أدى بالبعض , وهذا البعض يتكاثر بعلاقة جدلية مع اتساع ساحة القهر وانسداد آفاق التغيير , لأن يحلم بالخلاص على أيدي العدو عبر احتلال الأرض وسرقة الثروة وإهانة الكرامة , ولا أدري , وبسبب ابتعادي عن مزاج الشارع العام لفترة طويلة , إن كان هذا مزاجا شعبيا عاما يستند عليه هذا البعض , وبغض النظر عن تقييمنا السلبي له ومسبباته , فهو بالتأكيد نجاح حققته قوى الاحتكار المعولم الذي أصبح يسكن قصادنا ومنحبو(مستوحاة من أغنية لنجاة الصغيرة) .

في ظل ما قدمنا من وصف للمشهد السوري وما ينوي له هذا البعض من ترسيخ له كوطن نهائي لمواطنيه "السوريين ومن في حكمهم" , أصابني اغتراب , شعور من نوع خاص , كأنني لاجيء للتو وعائلتي على أراضيه , شعور دفعني للصمت أو لنقل لاستراحة , للتأمل , ولكي أسرّي عن نفسي التي تعودت أن سوريا هي شمال فلسطين , رحت أجول على صفحات الانترنيت والمواقع الالكترونية في فلسطين , ربما اشتياقا لها وشعورا بالذنب أني انشغلت عنها طويلا بسبب مساهمتي المتواضعة على تخومها لتحسين الوضع فيه , لأني أرى فيه شرطا ضروريا لتحريرها , فتعرفت على مجموعة تفانين للإعلام الفني والثقافي الفلسطيني وإبداعاتهم الجميلة المنشورة على صفحاتها , وعلى مجموعة رام الله , وعلى الشاعرين عبد السلام العطاري وزياد الجيوسي .
وكان أهم عزاء لي في ظل شعور الاغتراب الذي أصابني هو تعرفي على مجموعة كنعان الفكرية وعضو هيئتها الإدارية مسعد عربيد الذي عرفني بدوره على صديقه الدكتور عادل سمارة الذي أسعدني أن أنكبّ على قراءة كتاباته الفكرية الهامة بنهم , خاصة ما قام به من تنظير فكري دفاعا عن دولة الوحدة , وأفكاره عن التنمية بالحماية الشعبية والحل الاشتراكي كرؤية مستقبلية تتعامل مع قضية الصراع العربي الصهيوني , ومحاولته بالعموم لتأسيس فكر مقاوم للمشروع الصهيوامبريالي في عصر العولمة المتوحش وأجندته في منطقتنا بشكل خاص وفي المناطق الطرفية بشكل عام .



#محمود_جلبوط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول مشروع حل الدولة الفلسطينية الواحدة(3) والأخيرة
- حول مشروع حل الدولة الفلسطينية الواحدة(2)
- حول مشروع حل الدولة الواحدة في فلسطين(1)
- سولانا ورزمة إغراءاته المقدمة لإيران
- في النكبة
- رسالة إلى السياسيين الألمان(مترجمة عن الألمانية)
- رسالة إلى القراء بمناسبة قيام دولة إسرائيل
- هل وقعت المقاومة في الفخ الذي نصبه لها المتساوقون مع التآمر ...
- مشروعا صغيرا للفرح والمقاومة
- يوم للتضامن مع الأسير العربي والفلسطيني معا
- حكاية حب
- هل من مهمات العلماني العربي شتم الإسلام ومن متطلبات التغيير ...
- حول شعار تحرير المرأة وأخواته
- أحجية القصة القصيرة
- لا تندهي ما في حدا فقد تأسرلنا
- وجهة نظر في أسباب تخلفنا
- قصة قصيرة ...ألاعيب الذاكرة
- غادر الحكيم السديم العربي
- معطيات مفزعة عن واقع البناء في القدس الشرقية
- قصة قصيرة جدا


المزيد.....




- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...
- زاخاروفا: إستونيا تتجه إلى-نظام شمولي-
- الإعلام الحربي في حزب الله اللبناني ينشر ملخص عملياته خلال ا ...
- الدرك المغربي يطلق النار على كلب لإنقاذ فتاة قاصر مختطفة
- تنديد فلسطيني بالفيتو الأمريكي
- أردوغان ينتقد الفيتو الأمريكي
- كوريا الشمالية تختبر صاروخا جديدا للدفاع الجوي
- تظاهرات بمحيط سفارة إسرائيل في عمان


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - محمود جلبوط - عودة إلى المشهد السوري