أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فؤاد النمري - - النظام - العالمي الهجين القائم اليوم















المزيد.....

- النظام - العالمي الهجين القائم اليوم


فؤاد النمري

الحوار المتمدن-العدد: 2367 - 2008 / 8 / 8 - 11:04
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تكاتبنا فوجدنا كلينا مختلفين رغم إدعائنا أننا ماركسيان، أو الأحرى مختلفان في تفسير ماركس ، خاصة وأن جميع الماركسيين المنكفئين بشكل خاص قد أساءوا فهم ماركس فافترضوا أنه كان قد دبّج نظريته من أجل إقامة العدل والمساواة والخير والجمال في العالم . من قراءتي ل " ردّي على الأستاذ النمري " للصديق الدكتور عدنان الظاهر تأكد لي أن الجزء الأعظم من اختلافنا يعود إلى الدلالة المختلفة تماماً لدى كلينا لمفردة " البورجواي " . أحسب أن الدكتور الظاهر يعلم تماماً أن المفردة " البورجوازي " إنما جاءت للدلالة على سكان المدن(bourg/borough) التي أخذت تتكون في المناطق الحرة (franchise) بين الإقطاعيات المختلفة في أوروبا ويفد إليها الأقنان هرباً من الإقطاع الجائر للعمل وكسب قوتهم اليومي خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، وكانت تدعى مثل هذه المدن ب "البورغ" والعديد من المدن الأوروبية ما زال يحمل نفس الإسم مثل همبورغ ومجدبورغ وبطرسبورغ وستراسبورغ وأدنبره (عدن بورغ) وغيرها، فدعي مواطنها بالبورجوازي . إلا أن ماركس استخدم هذه المفردة بدلالتها التاريخية حيث أن الصناعات في تلك المدن كانت صناعات يدوية وحرفية فردية (مانيفاكتورا) . البورجوازي في قاموس ماركس ليس هو الذي يتطلع إلى تحسين شروط حياته بصورة فردية وبطرق ليست شرعية في الغالب على حساب الآخرين، كما في المعنى المستخدم من قبل الدكتور الظاهر وكثيرين مثله، بل هو من يستخدم إحدى وسائل الإنتاج الفردية وينتج إنتاجاً مستقلاً قابلاً وحده، وكما هو، للمبادلة لصالح المنتج . فالفلاح الذي ينتج الحبوب بنفسه ويبيعها لصالحه هو بورجوازي وضيع، مثله مثل عامل الخدمات وحتى العامل الذي يشتغل بالقطعة .

لو أخذ الدكتور الظاهر بالمعنى الماركسي لمفردة " البورجوازي " لتخلصنا من معظم اختلافاتنا ؛ ولأنه لم يأخذ أبدى استغرابه من القول أن الإتحاد السوفياتي أنهار بفعل الصراع الطبقي باعتبار أن الطبقة الوسطى التي تضم العسكر والفلاحين انتصرت في صراعها ضد العمال السوفييت . عمل وإنتاج الفلاحين والعسكر هو في التحليل الماركسي ذو طبيعة فردية بورجوازية متجذرة . عانت دولة دكتاتورية البروليتاريا السوفييتية كثيراً من تمرد الفلاحين على السلطة ووصل بهم الأمر في الأعوام 1930– 32 إلى حرق محاصيلهم وقتل ماشيتهم بصورة واسعة جداً من أجل تجويع العمال في المدن وتقويض السلطة السوفياتية بالتالي . وواصلو بعد الحرب ضد النازية التهرّب من الإيفاء بالتزاماتهم للدولة مما رتب على الدولة السوفياتية استيراد الحبوب من الولايات المتحدة رغم أن إنتاج الإتحاد السوفياتي من الحبوب كان يزيد على ثلاثة أضعافه في الولايات المتحدة . أما العسكر فيذكر في هذا السياق محاولة انقلاب توخاتشوفسكي، قائد الجيش في العام 1937 وانقلاب حزيران 1957 وانقلاب 1964 ضد الأمين العام للحزب الشيوعي وأخيراً انقلاب 1990 الذي انتهى بتفكيك الإتحاد السوفياتي ومنع الحزب الشيوعي من العمل . كتب خروشتشوف في مذكراته .. " أحداً في الحزب لا يجروء على معارضة الجيش وإن استمر الحال كذلك فسيسقط سروال الإتحاد السوفياتي في وقت قريب وسينكشف عيبه إلى العالم " ، وهو ما حدث فعلاً . فمجمع الصناعات العسكرية كان يستنزف الإقتصاد السوفييتي لآخر قطرة . كانت ذريعتهم هي سبق أميركا في ميدان التسلح لكن ذلك كان مجرد ذريعة جوفاء كاذبة ؛ كانوا يستنزفون الإقتصاد السوفياتي كوسيلة تكتسي شيئاً من الشرعية ثم هي أمضى من وسائل الصراع الأخرى ضد العمال . الفلاحون والعسكر كانوا قبل الثورة من البورجوازية الوضيعة ولم تغير الثورة من طبيعة إنتاجهم البورجوازية حتى وإن أرغمت الدولة الفلاحين على الإنضمام إلى وحدات تعاونية (كولخوزات) . كانت سياسة ستالين 1932 ــ 1936 تنحو باتجاه تقليص العسكرة بحجة أن كل روبل ينفق على العسكرة إنما هو تأخير للبناء الإشتراكي مما تسبب بمحاولة انقلاب توخاتشوفسكي الخطيرة . لكن هذه السياسة انعكست تماماً بعد الحرب بسبب ظهور السلاح النووي . كانت القيادة السوفياتية في العام 1950 تبحث جدياً في إلغاء طبقة الفلاحين من المجتمع السوفياتي لكن ستالين استمهل الأمر بضع سنوات فقط غير أن الحزب بقيادة خروشتشوف بعد بضع سنوات (1957) عاد يأخذ بسياسة بوخارين (1925) سياسة " فليغتن ِالفلاحون بأنفسهم " وهو ما يعني تعميق الطبيعة البورجوازية الخالصة للفلاحة .

أما صفة " الوضيعة " التي يعترض عليها الدكتور الظاهر، فهي الترجمة الدقيقة لكلمة “petite” الفرنسية أو لكلمة “petty” الإنكليزية وليس “pity” كما يعتقد الصديق الظاهر . الترجمة الدقيقة لكلمة “petty” هي وضيع بمعنى قليل الأهمية أو الأثر أو تافه (trifle)، لكن المترجمين العرب، ولأنهم، هم أنفسهم، من طبقة البورجوازية الوضيعة فضلوا ترجمتها بالصغيرة “little” وليس الوضيعة “petty” التي تستبطن معنى الإنحطاط القيمي، والفرق بين المعنيين واضح وبيّن . البورجوازية الوضيعة في الولايات المتحدة الأميركية، حيث لها أكبر تواجد، تنتج زهاء 85% من مجمل الإنتاج القومي لكنها مع ذلك لن تنجح في إقامة إمبراطورية تقوم على اقتصاد ذي قوى ذاتية مثلما كان قد نجح قبلها الرأسماليون الأمريكان ، وذلك بسبب وضاعة إنتاجها .

المسائل الأخرى التي أثارها الصديق الظاهر كنت قد عالجتها، جميعها، مراراً وتكراراً في مختلف كتاباتي المنشورة ، ومن أهم هذه المسائل هي مسألة انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي . ومرة أخرى أجدني مضطراً لتكرار نفسي مع الإعتذار للقراء .

الجمود العقائدي هو من أخطر الأمراض في العمل الشيوعي . فالشيوعيون من أنصاف وأرباع الماركسيين ما زالوا يعتقدون أن النظام الرأسمالي جدد نفسه في العولمة (globalisation) . نقول لهؤلاء العقائديين .. إنه ثور، فيردون مع ذلك.. احلبوه ! . نقول لهم أن الإنتاج الفردي البورجوازي هو اليوم نمط الإنتاج السائد في البلدان الرأسمالية الكلاسيكية سابقاٌ ، فيردون ليس هذا ما يغيّر في الأمر شيئاً !! عجيب أمر هؤلاء القوم، لكأنهم إذا ما وافقوا على هذا الأمر فلن يعودوا عندئذٍ شيوعيين ، لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماماً إذ لن يعودوا شيوعيين إذا لم يوافقوا . كيف للولايات المتحدة الأميركية أن تكون دولة رأسمالية ثم إمبريالية وزهاء 85% من إنتاجها يتم بوسيلة فردية غير رأسمالية منذ ربع قرن ؟ كيف تكون رأسمالية وإمبريالية وهي اليوم أكبر مستورد للبضائع ولرؤوس الأموال في العالم ؟ علمنا ماركس ولينين أن خاصية الدولة الرأسمالية الأولى والأخيرة هي تصدير البضائع ورؤوس الأموال، فكيف تنقلب الأحوال في الولايات المتحدة الأميركية ومع ذلك تظل دولة رأسمالية وإمبريالية ؟ ليفدنا هؤلاء القوم العقائديون ؟! ليفدني محاوري الدكتور الظاهر !! وقلنا لهم أيضاً أن نمط الإنتاج الرأسمالي يتم عبر الدورة المحددة بالتحليل الماركسي وهي (نقد ـ بضاعة ـ نقد) لكن عندما قررت الدول الخمس الغنية (G5) في إعلان رامبوييه (Declaration of Rambouillet) في نوفمبر 1975 كفالة الدولار في الأسواق النقدية وقطع علاقته العضوية بالإقتصاد الأميركي، وبذلك لم يعد الدولار المعادل الأمين لقيمة البضائع صعوداً وهبوطاً، انسدت دورة الإنتاج الرأسمالية إذ لم تعد البضاعة تساوي النقد ولم يعد النقد يساوي البضاعة . حجر سنّمار في البناء الرأسمالي هو النقد واحتفاظه بقيمته الرأسمالية فعندما ينفك النقد عن قيمته الرأسمالية كما قضى بذلك إعلان رامبوييه ينهار النظام الرأسمالي برمته. عبثاً حاول ريغان في الولايات المتحدة وثاتشر في بريطانيا بعث الرأسمالية من جديد في الثمانينيات، وما كان لهما أن ينجحا بالطبع، فالتاريخ لا يعود القهقرى كما أشار الصديق الدكتور الظاهر.

ثم ماذا عن " الإمبرطورية " الأميركية اليوم ؟
لعلّنا جميعاً نتذكر أنه تواجد في سبعينيات القرن الماضي بحيرتان (pool) من الدولارات في العالم الرأسمالي ؛ البحيرة الأولى وهي "اليورودولار" والبحيرة الثانية وهي البترودولار . في تلك الأثناء كانت تصدعات الإنهيار بادية على معسكر الإشتراكية ؛ وبالتوازي تراجع معسكر التحرر الوطني بصورة دراماتيكية بهزيمة مصر 1967 ثم هزيمتها الثانية 1973 وبالعديد من الإنقلابات العسكرية الرجعية التي حدثت في بلدان مثل الكونغو 1961 والعراق 1963 وإندونيسيا 1967 وغانا 1971 وغيرها . الإنحسار الواسع للثورة الإشتراكية العالمية وامتداداتها في الثورة الوطنية سمح بكل سهولة للدول الرأسمالية الكبرى الخمس (G5) أن تتخذ إجراءين عميقين وهامين غيّرا مجرى تطور العالم : الأول وهو كفالة الدولار من السقوط في سوق العملات وهذا إجراء لارأسمالي (anti-capitalism)، والثاني وهو إغراق الدول المستقلة حديثاً بالدولارات عن طريق القروض السهلة والميسرة بهدف التخلص من فائض الإنتاج في مراكز الرأسمالية أولاً ثم تقويض الأبنية الإقتصادية المستقلة في هذه الدول من خلال تعميم نمط الحياة الإستهلاكية (consumerism) لشعوب العالم الثالث الجائعة من بعد ؛ وهذا أيضاً إجراء لارأسمالي . يرجّح أن زعماء الدول الأغنى الخمسة الذين اجتمعوا في قلعة رامبوييه في ضواحي باريس لم يدركوا انعكاسات هذين القرارين الخطيرين على بلدانهم وبشكل خاص على الولايات المتحدة بعد أن تعرض الدولار الأميركي لتدهور مريع في أسواق الصرف في الأعوام 1971 ـ 73 . انتقل الأميركيون من الإقتصاد الرأسمالي إلى النقيض تماما وهو الإقتصاد الإستهلاكي وتحولوا من إنتاج السلع على النمط الرأسمالي إلى إنتاج الخدمات غير الرأسمالي لا من قريب ولا من بعيد . وأخذت الإدارة الأميركية تغرق في الديون من أجل أن تغطي احتياجات شعبها فقط . يتردد كثيراً على ألسنة بعض المختصين أن الدين العام الأميركي قد تجاوز اليوم 44 تريليون من الدولارات أي أربعة أضعاف مجمل إنتاج الولايات المتحدة القومي ومع ذلك لا زال بعض العقائديين يؤكدون أن أمريكا ما زالت إمبراطورية الرأسمالية الإمبريالية . منذ ثلاثين عاماً أخذت الولايات المتحدة تعتمد في استمراريتها على طباعة الدولارات التي لا تغطيها أية قيمة حقيقية إعتماداً على كفالة دول مجموعة السبعة بالإضافة مؤخراً إلى روسيا والصين والدول العربية النفطية ـ هل لعاقل أن يتصور إمبراطورية رأسمالية وإمبريالية لا تستطيع كفالة عملتها فترهنها للدول الأجنبية !!! يقول أحد الأخصائيين أن الكتلة النقدية للولايات المتحدة الأميركية تصل إلى مائتي تريليون من الدولارات ؛ لا أدري كم منها خارج الحدود والتي هي في نهاية الأمر دين مستوجب الإيفاء على أمريكا. لم تعد أميركا تنتج الكثير مما له قيمة حقيقية وتكتفي بطباعة الدولارات المفرغة من كل قيمة وبيعها للعالم . وعندما يتردد العالم في شراء أوراقها الخضراء تشعل حرباً تفضل أن تكون مقبولة على العالم فلا ينقطع عن شراء الدولار وقد أخذ يقرأ الشعار المكتوب عليه (بالله نثق IN GOD WE TRUST) كما هو في الواقع (بالمدفع نثق IN GUN WE TRUST ) . الورم الأميركي أضحى ورماً سرطانياً لا سبيل لمعالجته . الإنهيار الأميركي كما يتمناه اليساريون والقوميون والإسلاميون، وهو وشيك في كل الأحوال، سيرافقه انهيار سريع ومأساوي للحياة في العالم كله دون استثناء، وسيفقد إثر ذلك هؤلاء اليساريون والقوميون والإسلاميون كل مشروع لهم مهما كان صغيراًِ وتافهاً . حبذا لو أن مفكراً عبقرياً يرسم طريقاً للإنفكاك من هذه الأزمة الكارثية، أو أن تتشكل هيئة عالمية تضم كبار المفكرين والماركسيين من أجل هذا الغرض الملح ومن الخطورة بمكان بحيث يهدد مستقبل البشرية.

عندما يفلس العقائديون من مختلف الأطياف ويجدون أنفسهم بلا حجة أو حيلة، وكيلا يعترفوا بذلك، يتذرعون بالقول أن العولمة هي عولمة أميركية لأن رأسمال الشركات بدون جنسية يعود لأمريكيين يحملون جوازات سفر أمريكية ! لكن ماذا لو غيّر هؤلاء جوازات سفرهم ؟! رأس المال الصيني والياباني ربما يهيمن على نصف الإقتصاد الأميركي ومع ذلك تظل الصين شيوعية واليابان ديموقراطية مسالمة، أما أميركا فهي رأسمالية إمبريالية !! لماذا ؟! لا أحد يجيب . السؤال الفيصل في هذا الشأن هو .. لماذا انتقلت الشركات الرأسمالية من مراكز الرأسمال إلى أطرافه ؟ يجيب العقائديون المفلسون أن الإنتقال كان بسبب الأيدي العاملة الرخيصة في الأطراف والاقتراب من المواد الخام ؛ لكن مثل هذه الإجابة السطحية لا تفسر ظاهرة العولمة الحديثة أي هروب المؤسسات الرأسمالية من مراكزها الكلاسيكية إلى الأطراف . تحدث لينين عن الإمبريالية في العام 1916 (الإمبريالية أعلى مراحل الرأسمالية) وذكر كيف يقيم الرأسماليون مصانعهم في البلدان التابعة لاستغلال الأيدي العاملة الرخيصة والمواد الخام لكنه لم يتحدث مع ذلك عن عولمة تجدد شباب الرأسمالية بل أكد العكس تماماً وهو أن ذلك من شأنه أن يقصّر من عمر النظام الرأسمالي بصورة فعالة . إذاً العولمة الحالية ظاهرة مختلفة لا شأن لها برخص الأيدي العاملة والمواد الخام . أشار كارل ماركس إلى أن النظام الرأسمالي بخلاف كل الأنظمة السابقة هو نظام عالمي (universal/global) ، فالعولمة ليست أمراً جديداً أو مرحلة مستجدة في النظام الرأسمالي . الجديد في الأمر هو نزوح المؤسسات الرأسمالية من مراكزها التقليدية إلى الأطراف ، إلى البلدان المتخلفة وغير الرأسمالية . الرأسمالية العالمية التي تحدث عنها لينين قبل زهاء قرن كانت تحتفظ بوحدة أشبه ما تكون بالخلية تكتمل بداخلها دورتها الإنتاجية، لها نواة وهي المركز أو المتروبول الرأسمالي ولها بروتوبلازم وهو المحيط من البلدان المستعمرة والتابعة . عولمة اليوم تتمثل بانفراط الخلية فلا يعود لها مركز أو أطراف وهو ما يعني انهيار النظام الرأسمالي . لا يمكن بحال من الأحوال أن ينمو النظام الرأسمالي في محيط غير رأسمالي كما هو حال البلدان المتخلفة وخاصة أن النظام الرأسمالي لا يمكنه الإستغناء عن القوى العسكرية القادرة على حمايته والدول المتخلفة لا تستطيع توفير مثل هذه الحماية . إذاً السؤال الفيصل ما زال قائما دون إجابة من الذين يعتبرون العولمة انبعاثاً جديداً للرأسمالية، بل وانبعاثاً أميركياً أيضاً بالرغم من أن الرئيس الأميركي بل كلنتون نفسه افتتح مؤتمر سياتل ليقول أنه هو أيضاً ضد العولمة، السؤال .. لماذا هجرت الرأسمالية مراكزها حتى أصبحت هذه المراكز بدون رأسمالية ؟؟

الأسباب الحقيقية وراء هجرة مؤسسات الإنتاج الرأسمالية من المراكز إلى الأطراف هي أن ظروف عملها في المراكز لم تعد مناسبة . كانت الدولة تهيئ كافة الشروط المناسبة لعملها لكنها فيما بعد السبعينيات لم تعد كذلك . فالدولة قبلئذٍ كانت دولتهم، دولة الرأسماليين لكنها بعدئذٍ لم تعد كذلك ؛ أضحت دولة الطبقة الوسطى التي تقوم على الإقتصاد الإستهلاكي (بالتعبير المجازي) وترعاه . والإقتصاد الإستهلاكي هو البيئة القاتلة للإقتصاد الرأسمالي، فالشعب الذي يستهلك ما ينتج وما لا ينتج ليس هو الشعب الذي لا يستهلك كل ما ينتج كما في النظام الرأسمالي . والدولة الرأسمالية التي كانت تقمع العمال إذا ما طالبوا بزيادة الأجور أو تحديد ساعات العمل أضحت في الثمانينيات دولة الرفاه (Welfare State) التي تلاحق الرأسماليين في جباية الضرائب التصاعدية الباهظة منهم . النظام الرأسمالي الذي قام أصلاً في مراكزه الأساسية في الغرب كان قد بدأ بالانهيار في سبعينيات القرن الماضي وأخذ انهياره شكل هروب المؤسسات الرأسمالية من مراكزه العريقة إلى الأطراف البعيدة، إلى بلدان الشرق المتخلفة . وكي تتمكن هذه المؤسسات الرأسمالية من القفز فوق كل المعوقات القانونية والضريبية تخلت عن جنسيتها الأصلية واكتسبت كل جنسيات البلدان المضيفة فأصبحت متعددة الجنسية أو الأحرى عديمة الجنسية فلا تلتزم بأية التزامات ذات شأن تجاه الدول المضيفة ؛ ورغم أنها غدت عديمة الجنسية ظل العقائديون والدوغماتيون يصرّون على أمركة هذه المؤسسات بعد أن لم يعد فيها أي عنصر أمريكي . العولمة هي أخيراً انهيار النظام الرأسمالي واندثار الإمبريالية بكل جنسياتها .

فـؤاد النمري
www.geocities.com/fuadnimri01



#فؤاد_النمري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دعوى البورجوازية الوضيعة بتقادم الماركسية
- أيتام خروشتشوف ليسوا مؤهلين للمراجعة وللنقد الماركسي
- َعَلامَ يختلف الشيوعيون البلاشفة اليوم ؟
- العمل الشيوعي والمسألة الوطنية (2)
- العمل الشيوعي والمسألة الوطنية
- حقائق العصر الكبرى وتقادم الماركسية المزعوم
- الحزب الشيوعي اللبناني يستعير مكتبه السياسي من مكتب حزب الله
- ما بين العمل البرجوازي والعمل الشيوعي (Individual production ...
- الحرية في الجوهر
- في حوارٍ ماركسي
- في المعتقدات الصدئة
- إلى الذين استبدلوا الماركسية اللينينية بالسياسات الوطنية الب ...
- في الحوار غير الماركسي
- إساءة إستخدام قوانين الديالكتيك (ما لا أزال مختلفاً فيه مع ا ...
- الهدّامون من الشيوعيين سابقاً
- لغز التسلح السوفياتي !
- ما زال في أيتام خروشتشوف نَفَس يتكلم !
- الأمين العام خالد حداده .. نصيراً للشيوعية !
- المرتدون عن الماركسية
- في تقادم - المسألة الوطنية -


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - فؤاد النمري - - النظام - العالمي الهجين القائم اليوم