أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تاج السر عثمان - نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(5)















المزيد.....

نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(5)


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2368 - 2008 / 8 / 9 - 10:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


فترة الحكم الثنائي ( 1898 _ 1956 )
كان من ضمن أهداف الاستعمار الإنجليزي تحويل السودان إلى مزرعة قطن كبيرة تشكل مصدرا دائما ومستمرا لمصانع لانكشير من خامة القطن السوداني ، أي مصدر رخيص للمواد الخام وسوق لمنتجاتها الصناعية حسب قوانين التبادل غير المتكافئ ، ولتحقيق ذلك كان لابد من إلغاء نظام الرق وتنظيم ملكية الأرض .
_ تعميم العمل المأجور وإلغاء نظام الرق:
ترجع جذور إدخال العمل المأجور في الزراعة (( المقصود هنا العمل مقابل أجر نقدي )) إلى فترة الحكم التركي، وخاصة بعد إدخال المحاصيل النقدية (( القطن، النيلة، قصب السكر.. الخ ))، إضافة للتوسع في عمليات زراعة الصمغ.
وكانت من الصعوبات التي عاقت انطلاق هذا العمل هو نظام الرق ، فقد كان الأرقاء مرتبطين بأسيادهم وبالأرض إذ كانوا يعملون في الزراعة والرعى . وخلال فترة المهدية لم تتطور الزراعة بسبب الحروبات والضرائب الباهظة على المزارعين ونهب الجهادية لمحاصيل المزارعين رغم المحاولات المختلفة من الخليفة عبد الله لتشجيع الزراعة وخاصة بعد مجاعة سنة 1306 ه .
وبعد احتلال قوات كتشنر للسودان عام 1898 م كان من ضمن بنود اتفاقية الحكم الثنائي هي إلغاء نظام الرق ، فقد كان من مبررات احتلال السودان القضاء على الرق ومحاربة الاتجار بالرقيق ، وهذا ما تم تصويره للعالم الخارجي ، فقد شرعت حكومة السودان في معالجة بعض المشاكل بشأنه .
ورغم الجانب الإيجابي في قرار مؤتمر بر وكسل 1891 الذي ألغى نظام الرق وتجارة الرقيق عالميا ، وباعتباره قرار إنساني ومثل درجة أرقى في سلم التقدم البشرى ، ولكن كان من ضمن أهداف الإنجليز إدخال شكل جديد من الاستغلال الرأسمالي الذي يشكل مرحلة أرقى من علاقات الإنتاج العبودية .
ولتحقيق هذا الهدف كان من ضمن الخطوات لإنجازه هي فك ارتباط الآلاف من الرقيق الذين كانوا في الزراعة والرعى على شريط النيل حسب علاقات الإنتاج العبودية ، فكان لابد من تحرير هؤلاء الرقيق للاستفادة منهم عن طريق العمل المأجور في مشاريع الاستعمار الزراعية ، وفى البنية التحتية كعمال زراعيين ، وعمال خدمات وعمال صناعيين ، وغير ذلك ، ولاشك أن تلك خطوة تقدمية فيما يختص بتحرير هؤلاء الرقيق من علاقات الإنتاج الرأسمالية التي لاتخلوا من استغلال . فقد كان اغلب الرقيق عندما دخلت قوات كتشنر السودان يعمل في الزراعة أو الرعي أو خدما في المنازل ، ولذلك واجهت الإدارة البريطانية صعوبات عدة وصفها أحد الإداريين البريطانيين فيما يلي (( كان على الحكومة الخيار بين أمرين أحلاهما مر ، فإما الاعتراف المؤقت بالرق السائد أو التحرير الفوري للرقيق ، الأمر الذي كان يؤدى إلى تقويض الاقتصاد في البلاد ، وذلك لان التحرير الفوري كان يؤدى إلى هجر اكثر المزارع الكائنة على ضفاف النيل والى فقدان قطعان كثيرة من الماشية التي يملكها البدو ، والى موت آلاف من الأبرياء الذين اجبروا على العيش دون خطأ من جانبهم على العيش في ظلال نظام اجتماعي معاد لللافكار الغربية التي قبلوها باعتبارها أمرا ضروريا لاغنى عنه لممارسة الحياة اليومية والتحرير الفوري للرقيق كان يعنى إطلاق سراح آلاف الرجال والنساء دون تحمل للمسئولية في مواجهتهم والذين كادوا يصبحون مصدرا للشغب )) ( محمد عمر بشير : مشكلة جنوب السودان ، ص 58 _ 59 )
ولحل مشكلة الرق كانت السياسة الحكومية تقوم على المبادئ والإجراءات التالية : _
ا _ العمل على تخديم الأفراد ، وتطوير نظام العمل بالاجر كبديل عن العمل عن طريق السخرة ، وذلك عن طريق تطوير الاقتصاد .
ب _ اتخاذ إجراءات مضادة ومعادية لتجارة الرقيق مماثلة لتلك السياسة التي اتبعت في بلدان إفريقية أخرى خضعت للسيادة الأوربية .
ج _ السماح لكل رقيق يترك سيده إذا قرر ذلك طائعا مختارا لنفسه .
د _ حرمان السيد من ممارسة حقوقه القانونية لاسترداد الرقيق الذي اثر الحرية ( المرجع السابق ص 59 _ 60 )
لقد كان تحرير الرقيق أو إلغاء نظام الرق خطوة تقدمية في سلم التحرر الاجتماعي ونقطة تحول هامة في استبدال علاقات الإنتاج العبودية بعلاقات إنتاج رأسمالية قائمة على العمل المأجور ، وان كانت هذه العملية لم تكن سهلة ، فقد واجهتها مشاكل وصعوبات معقدة تتعلق بإلغاء نظام الرق الذي كان موجودا منذ آلاف السنين وتعمقت جذوره في اقتصاد المجتمع السوداني ، وفى بنيته الفوقية ، ومن هذا المنطلق واجهت الإدارة البريطانية فى السنوات الأولي مصاعب جمة في القضاء النهائي على نظام وتجارة الرقيق (( للمزيد من التفاصيل راجع : محمد عمر بشير المرجع السابق ، ومحمد إبراهيم نقد : علاقات الرق في المجتمع السوداني ))
ما يهمنا هنا هو البند الأول من المبادئ والإجراءات التي اتخذتها الحكومة وهو العمل على تخديم الأفراد وإدخال العمل بالأجر كبديل عن العمل عن طريق السخرة ، وذلك عن طريق تطوير الاقتصاد .
ومعلوم أن عمل الرقيق أو عمل السخرة كان يقوم على استحواذ مالكي الرقيق على كل إنتاج عملهم مقابل معيشتهم ومعيشة أولادهم. وبإدخال نظام العمل المأجور حدث في قوانين العمل في السودان ، فاصبح العامل الزراعي أو الصناعي يعمل لساعات محددة مقابل أجر محدد .
ونشير هنا إلى أن هذه الخطوة تمت بأثر خارجي ، أي لم تتم نتيجة لتطور باطني ، وساعد فيها ارتباط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي ، وهدف الإنجليز لإيجاد عمال أحرار أو أيدي عاملة رخيصة متحررة من عبودية الأرض لمشاريعهم الكبيرة للقطن التي كانوا يخططون لها ، والتي كانت من أهداف احتلالهم الأساسي للسودان .
وفى تقرير للكونيل جاكسون مدير مديرية بربر حيث جرت العادة على استخدام الرقيق في الزراعة بأنها شرعت في الاندثار والزوال تدريجيا نتيجة المجهودات التي اتبعتها الإدارة الجديدة ، وذكر أيضا في عام 1932 م أن الزراعة أصبحت تقوم دون الاعتماد على أعمال الرقيق ، وإذا أخذنا بما أورده جاكسون في تقريره ذلك ، يمكن القول أن العمل المأجور حل محل العمل العبودى (( أو عمل السخرة )) نهائيا منذ عام 1932 م .
_ ملكية الأرض:
عندما احتلت قوات كتشنر السودان عام 1898 م كانت أشكال ملكية الأرض التي كانت في المهدية على النحو الآتي :
أ _ الملكية الخاصة لللاراضى :
ب _ ملكية الدولة أو بيت المال ، وتشمل أراضى الترك والنصارى التي صادرها الأمام وضمها لبيت المال إضافة للغنائم وغير ذلك ..
ج _ الملكية الجماعية لللاراضى أو ملكية القبائل .
هكذا كان الحال من ناحية ملكية الأرض قبل الحكم الثنائي، وكان لابد للاستعمار كي يحقق أهداف احتلاله للسودان أو تحويله لمزرعة قطن كبيرة من مواجهة مسألة الأرض باعتبارها مسألة أساسية في مجتمع زراعي رعوي كالسودان، وتشكل ركيزة العمل الأساسي.
وبدأت الإدارة البريطانية في عمل مسح شامل لم يخلو من مشاكل تتعلق بدعاوى الملاك القدامى الذين صادرت المهدية أملاكهم وغيرهم، ولكن الحكومة أصرت على مبدأ أن جميع البور غير المأهولة تعتبر ملكا لها. لإنجاز عملية المسح استخدمت الحكومة فرق كاملة من المساحين في كل أنحاء المديريات فقاموا باستخراج خرائط محددة لكل المعلومات المطلوبة كموارد الماء والمراعى والغابات والجبال والمناطق الصحراوية والمدن الرئيسية وفروع النيل مما ساعد على إنجاز التخطيط للمشروعات الزراعية الكبرى في السودان ، وبعد ذلك أصدرت الحكومة قوانين تنظيم الملكية وتسوية النزاع حول الأراضي والتي كان أهمها : _
قانون الحقوق على الأرض 1899 م، قانون الغابات 1901 م ، قانون نزع الأراضي 1903 م ، قانون تحديد الأراضي ومساحتها 1905 م قانون تقييد تصرف السودانيين في الأراضي 1918 م .
وكان الهدف من صدور القوانين المقيدة لبيع الأراضي هو منع المضاربات وانتقال الأراضي لللاجانب والمصريين ، ورغم صدور هذه القوانين ، فان عملية المسح والتسوية لللاراضى لم تكن قد تمت نهائيا في أنحاء السودان .
ومن أهم القوانين التي أصدرتها إدارة الحكم الثنائي فيما يتعلق بالأراضي كان قانون تسوية الأراضي وتسجيلها عام 1925، والذي وضع القواعد الأساسية لتسوية وتسجيل الأراضي إذ ضم وجود صاحب الأرض والمستند الدال على ملكيته، واعتبر الأراضي غير المشغولة ملكا للحكومة.
ونص على انه في حالة الأراضي التي لاتزرع بشكل منتظم ، فأن مجرد زراعتها بواسطة أي شخص لمدة معينة لا يعطيه الحق في ملكيتها ملكية مطلقة ، كما نص القانون على أن يكون التصرف في الأراضي من خلال وثائق معتمدة ، كما تم إدخال نظام الحكر .
وفى عام 1930 م صدر قانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام وذلك بنزع ملكيتها.
وهكذا نلاحظ تطورا آخر حدث مع بداية الحكم الثنائي ، وهو تطور حق الملكية الخاصة لللاراضى الذي يعنى الاستعمال والاستغلال والتصرف ، فحسب ما ورد في قانون الأراضي وتسجيلها 1925 م عن التصرف في الأرض بأنه كل ما يرهن أو ينقل من شخص لاخر بفعل الأطراف ، أو بأمر محكمة ، وان أيلولة الأرض أو الرهن تعنى نقلها من شخص لاخر بالميراث أو أي طريقة قانونية أخرى (( د . سعيد محمد احمد المهدى : قوانين السودان _ المجلد الأول _ 1901 م _ 1925 م ، 1975 م ، ص 6 ))
وبصدور هذا قانون 1930 م الخاص بقانون ملكية الأراضي الذي منح الحاكم العام السلطة للحصول على أي مساحة للاستخدام العام ، وذلك بنزع ملكيتها ، تكون الإدارة الاستعمارية قد استكملت قبضتها على ملكية الأرض ، وقننت كل الخطوات التي اتخذتها منذ بداية حكمها والتي مهدت بشكل أساسي لإدخال زراعة القطن والذي كان من أهداف احتلالها للسودان .

حصاد التنمية الاستعمارية ( 1898 _ 1956 م )
بعد إلغاء نظام الرق وإدخال العمل المأجور وصدور قوانين ملكية الأرض ، تم تمهيد الطريق لقيام تشكيلة اقتصادية _ اجتماعية تابعة ، أي خاضعة لاحتياجات بريطانيا ومد مصانعها بالقطن الذي كان المحصول النقدي الرئيسي في تلك الفترة .. وقامت مشاريع زراعة القطن في السودان لتلبية ذلك الاحتياج الخارجي ، ونجحت زراعة القطن في الجزيرة والقاش وطوكر والنيل الأبيض وشمال الخرطوم وجبال النوبا ومنطقة الزاندى بجنوب السودان . ومن ثم زاد حجم الأقطان المصدرة إلى إنجلترا ، وبهذا الشكل تحول السودان إلى مزرعة قطن كبيرة ..
ودارت كل عجلة التنمية الاستعمارية حول القطن ، فقام خزان سنار وحفرت الترع الرئيسية والفرعية ، وقامت شبكة متكاملة من مناطق الإنتاج في الجزيرة وغيرها إلى الخرطوم وبور تسودان ، كما قامت المحالج اللازمة ، حتى يتم تصدير القطن خاليا من البذرة . وفى مشروع الجزيرة كانت الإدارة والحكومة تستحوذ على 60 % من عائد القطن ، وفى مشاريع القاش وطوكر كانت الحكومة تستحوذ على 50 % ، أما في جبال النوبا فقد كانت الحكومة على 80 % من عائد القطن .. وفى المشاريع الخاصة كانت أدوات الإنتاج : طوريه ، منجل ، نجامة ، ملود ، محراث ، .. الخ ، وهى أدوات الإنتاج نفسها التي استخدمها المزارع السوداني منذ آلاف السنين ..
لم تكن التنمية الاستعمارية متوازنة ، فنرى شمال السودان ووسطه هو الذي نال نصيب الأسد من تلك المشاريع (( مشروع الجزيرة ، مشاريع الإعاشة ، مشاريع الطلمبات في الشمالية )) كما نلاحظ مشروعين فقط في الشرق هما مشروعا القاش وطوكر .. وفى إقليم كردفان مشروع واحد هو مشروع جبال النوبا .. أما الجنوب فلم يحظ ألا بمشروع واحد هو مشروع الزاندى والذي توقف بعد أحداث التمرد 1955 م .
أحكمت بريطانيا سيطرتها على تجارة السودان الخارجية من خلال سيطرة البنوك الأجنبية التي كانت تتحكم في راس المال في اتساعها وانكماشها .. كما كانت الشركات البريطانية تسيطر على معظم تجارة الصادر والوارد ، أما ما تبقى فقد سيطرت عليه الشركات الأجنبية الأخرى (( الأجانب المتسودنين )) من يونانيين وشوام ، والجزء الضئيل المتبقي للنشاط التجاري فقد عملت فيه الرأسمالية السودانية المحلية ..
ولقد سيطرت بريطانيا على المواد الخام التي يصدرها السودان خاصة القطن حيث بلغ نصيبها منه في السنوات 1926، 1927، 1929، 1930، 1932، 1940، 1946، 1952 م ( د. زكى البحيري : التطور الاقتصادي والاجتماعي في السودان ، ص 520 ) وكان نصيبها في باقي السنوات كبيرا يزيد عن 60 % ولكنه قل قرب نهاية الحكم الاستعماري ، وكان القطن يشكل 63 % عام 1955م ، وكان 72 % من عائد صادرات السودان عام 1956 تتجه إلى أوربا الغربية وأمريكا الشمالية و50 % من الواردات تأتينا منها ، وباقي الصادرات والواردات تستولي عليها الهند مصر .
أي أن الاقتصاد السوداني ، كان في ارتباط وثيق مع النظام الرأسمالي العالمي ، كما أن مجموع الصادرات والواردات يعادل حوالي 40 % من أجمالي الناتج المحلى .
كان المستعمر البريطاني ينهب الاقتصاد نهبا كبيرا من خلال حصوله على الأقطان السودانية اللازمة لمصانع لانكشير بأسعار متواضعة اقل من أسعار السوق العالمية . فخلال الحرب العالمية الثانية مثلا عقدت بريطانيا صفقة مع حكومة السودان حصلت بمقتضاها على كل الأقطان المنتجة بسعر 4.5 جنية في المتوسط للقنطار في الوقت الذي كان فيه سعر السوق مضاعفا ، واشترت بريطانيا خلال هذه الفترة 7 مليون قنطار وبذلك نهبت السودان نصف ثمن أقطانه قدرها بعض الباحثين بثلاثة مليون من الجنيهات ، هذا إضافة لنهب آخر مقداره 25 مليون الجنيهات نتيجة شراء الماشة بأسعار مخفضة خلال الحرب العالمية الثانية ( د . زكى البحيري : المرجع السابق ، ص ، 521 ) ، هذا إضافة للأرباح الهائلة التي كانت تحققها الشركة والحكومة في مشروع الجزيرة ، مثلا فقد بلغ نصيب الشركة في الفترة ( 1946 _ 1950 م ) 26.90 مليون جنية مصري ، بينما بلغ نصيب المزارعين خلال الفترة نفسها 16.57 مليون مصري ( جيتسكل : مشروع الجزيرة ) .
هذا إضافة إلى أن معظم الأرباح التي حققتها شركة السودان الزراعية تم تحويلها إلى خارج البلاد في شكل عائدات لاصحاب الأسهم ، ويلاحظ أن أجمالي أرباح الشركة في السنوات الأربع الأخيرة ( 1947 _ 1950 م ) من في السودان كانت اكثر من 9.500.000 جنية إسترليني ( تيم نبلوك : صراع السلطة والثروة في السودان ، ص ، 29 _30 ) ، أي أن الاستعمار كان ينهب ويستنزف قدرات البلاد الاقتصادية ، ويصدر الفائض الاقتصادي اللازم لتنمية البلاد إلى الخارج ، وفى النهب أيضا ترد مرتبات كبار الموظفين والإداريين الإنجليز ، ففي عام 1945 م بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا 61.3 %من إجمالي المرتبات في الميزانية، وعندما أحيل هؤلاء الموظفين للمعاش عام 1954 م تقاضوا تعويضا مقداره 1.590.00 جنية مصري ، وهذا النهب الاستعماري ، ومن كل النواحي ، يجعلنا نؤكد أن المستعمر جاء لينهب الشعب السوداني ، وبالتالي كان ذلك من أسباب تخلف السودان الاقتصادي والاجتماعي .
ترتب على نمط التنمية التي فرضها المستعمر على السودان وهو التخصص في زراعة محصول نقدي واحد (( القطن )) أن تخلفت الصناعة ، وتم إجهاض أي محاولة من جانب الرأسمالية السودانية الناشئة لاقامة صناعة وطنية ، وذلك لان المستعمر كان يريد السودان سوقا لتصريف منتجاته الصناعية ، وفى هذا الخصوص كانت الضرائب الجمركية متدنية تماما ، كما هو الحال في البلدان الأخرى ، ولم ترفع نسبتها الابعد الحرب العالمية الثانية ، ومع ذلك فقد كانت النسبة العامة لرسوم الواردات حتى عام 1950 م في حدود 15 % فقط ، أي أن الصناعة المحلية لم تحظ بأي حماية جمركية ، وفى عام 1956 م ، كانت الصناعة الحديثة تساهم بأقل من 1 % من إجمالي الناتج المحلى ، وتستخدم حوالي 3 % من عموم القوى العاملة في البلاد ، لما أن نصيب الصناعة في عام 1956 م من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي لا يتعدى مليونين و762 ألفا من الجنيهات مقابل 9.9 ملايين للقطاع الحرفي ، وكان نصيبها من القوى العاملة 12.257 ( الماركسية وقضايا الثورة السودانية، دار الوسيلة، 1987، ص، 70 )، أي نصيب الصناعة الحديثة اقل من ثلث نصيب الصناعة الحرفية التقليدية، ونشير هنا إلى أن نصيب الصناعة ( حديثة و حرفية ) كان 9 % من إجمالي الناتج المحلى.
في عهد الاستعمار البريطاني اتسع نمط الإنتاج الرأسمالي ، أي نشأ قطاع حديث وسط محيط متلاطم من القطاع التقليدي ، أي أن نمط التنمية المذكور لم يحدث تغييرا عميقا في القطاع التقليدي ، وتشير إحصائيات عام 55 / 1956 م أن القطاع التقليدي كان يساهم ب 43.4 % ، وبالتالي ، فان حوالي 90 % من سكان البلاد كانوا مرتبطين بالقطاع التقليدي (( كرعاة ومزارعين بسطاء )) ، وحتى في القطاع الحديث ، فقد كانت دخول العمال والعمال غير المهرة متدنية ، كما أن عائدات المزارعين من القطن تكاد تكون صفرا ، أي أن دخولهم كانت في حد الكفاف .
صحيح انه قامت المدن التجارية والصناعية والتي كان سكانها عام 1956 م حوالي 10 % من سكان السودان ، كما شهدت البلاد توسعا في الزراعة المروية والآلية والمواصلات والتعليم والخدمات الصحية ، ولكن رغم ذلك ظل حوالي 90 % من السكان مسجونا في القطاع التقليدي الذي يعتمد على أساليب الزراعة التقليدية وتربية الماشية .
ورغم تدفق دخول كبيرة للحكومة من مؤسسات القطاع العام من مشروع الجزيرة ومشاريع القطن الأخرى والمحالج والسكك الحديدية والخطوط الجوية...الخ من الدخول إلا أن الضرائب كانت تمثل 64 % من الإيرادات الحكومية في عام 55 / 1956 م.
ورغم ذلك ، فأن معظم هذا العائد كان يذهب 40 % منه في شكل أجور للموظفين ( يستحوذ 61 % منها الموظفون البريطانيون ) .
كما كان يذهب اكثر من 20 % من الإيرادات في سداد الديون مع فوائدها ، أما ميزانية التعليم فقد كانت متواضعة لا تتعدى 2 % من الميزانية عام 1938 م ، وميزانية الصحة بلغت 4 % ، أما نفقات قوة دفاع السودان فقد كانت 8.9 % في إجمالي ميزانية الحكومة .
ورغم وجود فوائض والاحتياطيان العامة التي بلغت حوالي 7 مليون جنية عام 1947 م ، إلا أن الحكومة لم تعد استثمارها في مشاريع اقتصادية واجتماعية ، ولم يعرف السودان برنامج التنمية إلا في أعوام 1946 ، 1951 ، 1953 ، 1956 م ، بعد ضغط الحركة الجماهيرية ، وازدياد نمو الوعي الوطني الذي كان يطالب بزيادة ميزانية التعليم والخدمات الصحية وغير ذلك .














#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(6)
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(7)
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(3)
- تعقيب علي رسالة بروفيسور ساندرا هيل
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(2)
- نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(1)
- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956م( الح ...
- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956(3)
- الماركسية وطبيعة الحزب في تصريحات الشفيع خضر
- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956م (2)
- حول ظاهرة الاسلام السياسي: اشارة للتجربة السودانية
- ماهو ديالكتيك العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي؟
- ماعلاقة دراسة المفهوم المادي للتاريخ بالواقع السوداني؟
- الماركسية والديمقراطية وحكم القانون وحرية الضمير والمعتقد
- نشأة الدولة في السودان القديم(2)
- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات اليمينية ...
- الأزمة في دارفور: مفتاح الحل بيد السودانيين
- نشأة الدولة في السودان القديم
- المفهوم المادي للتاريخ: هل هو بديل لدراسة الواقع والتاريخ ال ...
- حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية الخاص بالرئيس ...


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - تاج السر عثمان - نشأة وتطور الرأسمالية السودانية(5)