|
إذا سكت المثقف ، فمن الذي سيدافع عن المجتمع ؟
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 2363 - 2008 / 8 / 4 - 10:30
المحور:
المجتمع المدني
فعل المكاشفة ، الكتابة فوق الكتابة على حد قول رولان بارت ، فن صعب للغاية ، لذا هناك من يجوس النص ويغوص في معانيه ، من يبحث عن درجاته أو تدرجاته التراكمية ، إلى أن يصل إلى درجة الصفر صعوداً نحو فيوض النص ، لهذا السبب يظل فعل المثاقفة – القراءة الكتابة والمتابعة للمشهد السسيولوجي والسسيوثقافي – صعب للغاية على من لم يكن مهووساً لدرجة الجنون ، لأن في داخل كل مجنون ما ينهشه من الداخل – دودة - كما قال ماريو فارغاس يوسا ، وعلى من يمارس فعل المثاقفة - أن يقف ولو لمرة واحدة ضد نفسه - بعد مشروع طويل من النبش والحفر والتبئير، ليتخلص من هواجسه ولينصص ذاته بعد كل مرحلة ، لربما يقف يوماً ما في المنتصف ما بين الإيدلوجيا – كل خطاب لا يخلو من أيدلوجيا حتى خطاب الأنا – وما بين الفن .
إن المبدع الحقيقي أو المثقف المريض بهكذا هواجس له في فعل الإزاحة والإنزياح طاقة ، ومن يؤمن بفعل الاشتباك والمشاكسة وتتلبسه روح التمرد ، يشتغل عنده المتخيل ، باحثاً عن إرهاصات جديدة ، تحولات للفكرة منذ تاريخها الأول – الأسطورة – من هنا يظل يتتبع أحافيرها ، أنساقها ، وزعزعة الأساسات لقناعات تكاد تتحول إلى جدران إسمنتية وإلا سيظل دائماً محكوماً بالأسلبة ، مستلبا لسقف أو حفرة عميقة خائر القوى ، لا يستطيع أن يحمل صخرة سيزيف ولا حتى محاولة الخلاص .
ودائماً في كل مشهد ثقافي هناك حالات ثلاث ، لأصناف ثلاثة من البشر : المثقفون ، أنصاف المثقفين ، أشباه المثقفين ، وهناك بشر من الفئة الثانية والفئة الثالثة لا تكرمنا بسكوتها فقط ، بل تطلب منا أن نصمت ، وإذا قلنا لهم " لا " ، أمطرونا في نصائحهم التي لاتسمن ولاتغني من جوع ، ويحاول هذا البعض أن يستكثر علينا الحيادية في الطرح ، ويستكثر علينا نبش هذا المشهد الثقافي من جديد ، لأنه فقط لايتوافق مع مسطرته ومصالحه الخاصة ، ولأننا لم ندخل في " الشلة " التي يريدنا أن نكون من أعضائها ، ويظل دائماً ساقطا في فخ " الوهم " بأننا نقف ضده ، أو أننا نقف مع من يقف ضده .
وعن هذه الأوهام يقول علي حرب : " إنها أوهام تستوطن الذهن وتعرقل عمل الفكر ونشاط الفهم ، الأول هو الوهم الثقافي ويرتبط بمفهوم النخبة ، والثاني هو الوهم الأيديولوجي ويرتبط بمفهوم الحرية ، والثالث هو الوهم الأناسي ويرتبط بمفهوم الهوية ، والرابع هو الوهم الماورائي ويرتبط بمفهوم المطابقة ، والخامس هو الوهم الحداثي ويرتبط بمفهوم التنوير " .
لذا نحن مشغولون بكل تلك الأوهام ، ونحاول نبشها وتفكيكها ، ولسنا وحدنا في ذلك ، وسنظل نحاول قدر المستطاع أشراك الآخر معنا من خلال فعل طرح الأسئلة ، وجمع الإجابات من كل الأطراف ، لنخلق نوعا من الجدلية ، والتي تعطينا في نهاية الأمر نوعا من الحراك ، وفي ذلك النوع من الطرح لا نتعامل بقلوبنا ، بمعنى آخر ليس في دواخلنا ضد أي أحد شيء من أوهامه .
لكننا مازلنا مصابين بالدهشة تجاه ما يحدث من خلال قراءتنا لهذا المشهد ، إذ نجد الشللية ، ونجد سعي المثقف لنفي المثقف آخر ، كما أن جمعيات النفع العام في حالة من الجزر المعزولة إذ تغيب عنها حالة التناغم ، وأيضاً حالة التفاعل مع ما يحدث في العالم أو في البلاد من أحداث ، وهذا يحدث أيضاً مابين المثقفين حملة الأقلام والمبدعين بكل أطياف المشهد ، والذي يصيبنا بحرقة أكثر عدم تجاوب البعض مع الهواجس التي تشغل هويته الثقافية أو الإبداعية وكأنه غير معني بها تماماً ، ولتلك الأسباب وغيرها تواجه الأفكار إشكالياتها ، مما يسبب فيما بعد ضعفا في الديمقراطية وتراجعا في التنوير وتشظيا للحالة العقلانية ، و المفكر أو المثقف الذي لايستطيع تغيير العالم أو محيطه ، فكرياً ، بتجديد أفكاره أو بتغيير طريقته في التفكير أو بابتداع ممارسة فكرية جديدة ، لن يغير شيئاً ، ذلك أن المفكر فاعل اجتماعي لكونه فاعلاً فكرياً قبل أي فعل آخر .
والمثقف والمبدع الحقيقي لا يكتفي بالفن فقط ، إذ يجب أن تشغله قضية الحقوق والحريات ، أو تهمّه سياسة الحقيقة ، أو يلتزم بالدفاع عن القيم الثقافية ، المجتمعية أو الكونية ، بفكره وسجالاته وكتاباته ومواقفه ومشاركته في الإحداث والمحاور الجدلية ، فهذه صفته ومهمته ، بل مشروعيته ومسئوليته ، بهذا المعنى ، فالمثقف هو الوجه الآخر للسياسي ، والمشروع البديل عنه ، وعلى عاتقه تقع مسئولية " الدفاع عن المجتمع " على حد قول ميشال فوكو .
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إصبع يشير إليك ويرميك في خانة التصنيف
-
العولمة المتوحشة!
-
بؤس العالم
-
طبخة تموز وكأن شيئاً لم يحدث
-
جدلية الماء والنار
-
الصحافة الكويتية واللعب بالمشاعر
-
مرضى ال ms في الكويت.. من الذي سيقتص لهم؟
-
قضية البدون في الكويت
-
طرة أو نقشة
-
إلى أين توجهت أصوات «حدس»؟
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 4)
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 3 )
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 2 )
-
الحياة البرلمانية .. والثقافة السياسية ( 1 )
-
كيف نصنع دكتاتورا ونشنقه ونتباكى عليه؟
-
الحداثة والبحث عن نظرية نقدية
-
الصبي الذي حطّم أصنام أبيه
-
البذور الجديدة
-
أصنام الكتابات
-
ريثما تطن نحلة أخرى في الدماغ
المزيد.....
-
حماس تحذر من أي بديل عن الأمم المتحدة للإشراف على عمل الأونر
...
-
مسؤول إماراتي لـCNN: سفينة مساعدات للدولة في طريقها إلى غزة
...
-
-لا حيلة ولا قوة لنا-: اللاجئون السوريون في الأردن ولبنان و-
...
-
يديعوت أحرونوت: بن غفير طلب قتل بعض المعتقلين بمجمع الشفاء
-
أرادوا إدخال مساعدات.. اعتقال حاخامات ونشطاء على الحدود مع غ
...
-
-ارتكب أفعالا تنطوي على خيانة وطنه-..داخلية السعودية تعلن إع
...
-
-حماس- تبدى موقفها من التقرير الاممي حول -الأونروا-وتحذر
-
تحديث بشأن التحقيق حول مشاركة موظفين بالأونروا في هجوم حماس
...
-
اعتقال المتهم الـ12 بالهجوم الإرهابي على مجمّع -كروكوس- في م
...
-
غزة.. فضحت -حرية التعبير- الغربية وسخّفت تهمة -معاداة السامي
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|