رفيقنا الذي رحل عنا

سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 2362 - 2008 / 8 / 3 - 11:11
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    

تمزق المجتمع الفلسطيني وتمزقت مؤسساته ومنظماته، ومنها منظمته الطليعية، "عصبة التحرر الوطني"؛ فانبرى نفر مقدام من الشباب في عمر الورود يفضحون المؤامرة ويهيبون بجماهير شعبهم إلى الصمود بوجهها، وذلك في ظروف صعبة من مطاردة الجيوش التي دخلت فلسطين بحجة إنقاذها . تشكلت من بين العناصر القيادية المجربة في العصبة قيادة مركزية من فؤاد نصار وفائق وراد وعبد العزيز العطي وفهمي سلفيتي ورشدي شاهين ورشيد الهباب. طوردوا الواحد بعد الآخر؛ واعتقل البعض وحكموا بالسجن فترات متفاوتة، واضطر الآخرون للتخفي.
اختفى فائق وراد بعد أن بحثت عنه السلطات العسكرية في بلدته بيتين. كان فائق وراد قد عمل معلما في مدرسة حكومية بقرية بيت فجار، بعد أن أنهى الدراسة الثانوية في المدرسة الرشيدية ونال شهادة المترك. اعتادت هذه المدرسة الثانوية الحكومية الوحيدة في فلسطين الجنوبية قبول اوائل الطلبة من مدارس الجنوب. انتقل في السنة التالية للعمل في كلية غزة واتصل بمؤتمر العمال في غزة وبمنظمة عصبة التحرر فيها. كانت عصبة التحرر الوطني الفلسطيني قد أعلنت استرشادها بالفكر الماركسي ومنهجيته المادية الديالكتيكية، فرفضت بناء عليه التمييز العرقي والطائفي. ميزت بين المستفيد الحقيقي من الصهيونية وبين المخدوعين والمضللين بدعايتها الزائفة . كما حددت المضمون الطبقي للصهيونية والوظيفة التي يؤديها مشروعها الاستيطاني بفلسطين لصالح السيطرة الكولنيالية على المنطقة بأسرها. كان وعيه الوطني قد أدرك الرابطة العضوية بين الانتداب البريطاني وحركة الاستيطان الصهيوني بفلسطين واطماع الرأسمال الامبريالي بالمنطقة، ثروات وطنية وموقعا استراتيجيا؛ فاختار المنهجية العلمية في رد الأذى عن شعبه ووطنه. انتخب مع زميله ورفيقه عبد العزيز العطي لعضوية اللجنة المنطقية للعصبة بلواء غزة. جاء فؤاد نصار ليختفي في مدينة غزة مع الرفيقين علي عاشور والنقابي أسعد مكي. لكن الجيش الجيش المصري شرع مطاردة اعضاء العصبة، واتضح ان قوات الهاغاناة المدربة على الفنون القتالية تكاد تقطع الاتصال بين لواء غزة والضفة الغربية ، فانتقل فائق وراد إلى بيتينن، وانتقل كذك عدد من الرفاق إلى القسم المتبقي من فلسطين ليحافظوا على جذوة المقاومة

بحثت السلطات العسكرية عن الرفيق فائق وراد في بلدته بيتينن فاختفى عن الأنظار وانتقل إلى نابلس، قائدا للمنظمة الحزبية في المنطقة. مارس هذا الرعيل وطنيته وفق المنهجية الماركسية، المنهجية التي تعتمد الحركة الجماهيرية وتسعى لتعميق الطابع التحرري بالديمقراطية، وتحاول اختصار المسافة بين التحرر القومي والتحرر الاجتماعي . ويقتضي هذا النهج توسيع الحركة الجماهيرية باضطراد وتربية الكوادر وتثقيفها نظريا وسياسيا وربط النشاط السري بالعمل العلني في أوساط الجماهير وداخل تنظيماتها النقابية والمهنية والاجتماعية.
استطاع التنظيم الجديد للعصبة توسيع نشاطه السياسي واكتسب شرائح شعبية ممن فتحوا الأعين على صدق النبوءة السياسية للشيوعيين. كانت اجتماعاته تتم في البيوت السرية في بت لحم وسلفيت ورام الله.
ولدى تحول العصبة إلى الحزب الشيوعي الأردني عام 1951، وضمت إليها العناصر الماركسية في شرقي الأردن ، تقرر نقل الكوادر المجربة والنشيطة من الرفاق إلى عمان؛ فانتقل الرفيق فائق للعمل في التنظيم والتحرير في منطقة عمان. بقي عضوا باللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب. كان من أهم بنود برنامج الحزب الشيوعي الأردني العمل على إقامة الدولة المستقلة الفلسطينية وتحرير الأردن من الروابط المجحفة مع الامبريالية ومقاومة مشاريع الأحلاف العسكرية بالمنطقة. وبفضل الخبرة السابقة في التنظيم والنشاط استطاع الحزب الشيوعي الأردني مد فروعه في معظم قرى الضفتين وكل مدنها. وبرز في منتصف عقد الخمسينات متنظمة سياسية جماهيرية وطليعية. بقي فائق وراد متخفيا في عمان إلى أن أعلن حل البرلمان المزيف ودعي إلى انتخابات برلمانية جرت في جو من النهوض الجماهيري والحرية النسبية. تقرر ترشيح الرفيق لعضوية البرلمان في قضاء رام الله، ومنحته جماهير رام الله ثقتها وفاز بعضوية البرلمان؛ وفاز أيضا الدكتور يعقوب زيادين عن منطقة القدس. وكان اللاجئون في مخيمات أريحا يقترعون ضمن المنطقة الانتخابية للقدس.
اعتقل الرفيق بعد الإطاحة بحكومة سليمان النابلسي الوطنية ، وجرى سحب عضويته مع عدد آخر من الأعضاء الديمقراطيين والوطنيين في البرلمان. وكان السجن ميدانا آخر للنضال الملهم، حيث عبر فائق وراد ورفاقه الشيوعيون عن شموخ وطني وبسالة في مقاومة الضغوط والإملاءات، وثقة لا تنضب بشعبهم. أصروا على التمسك بحق المعارضة في ظروف شاقة من الاعتقال والتحقيق والمحاكمة والسجن. وسجلت للشيوعيين مواقف عز داخل السجون ظلت مثالا يشاد به على الصلابة الوطنية لعقود تلت.
بعد ثماني سنوات صدر عفو عام أفرج بموجبه عن الشيوعيين المحتجزين داخل السجون وكذلك المطاردين وسمح للمنفيين بالعودة. شرع العمل لتوثيق الصلات مع منظمة التحرير الفلسطينية، وتعزيز الجبهة الداخلية. وبعد الاحتلال كان فائق وراد اول من أبعدته السلطات العسكرية عن الضفة، فواصل العمل في صفوف حزبه عضوا في المكتب السياسي. وكان من اوائل الشيوعيين الذين شغلوا عضوية المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية. وبعد وفاة الأمين الأول انتخبته اللجنة المركزية امينها الأول.
اصيب الرفيق بجلطة دماغية أثناء اجتماع المجلس المركزي بتونس، ونقل إلى الاتحاد السوفييتي ، حيث تمت معالحته من التجلط ومن الشلل النصفي لأطرافه.
بادر فائق وراد في جمع شمل الشيوعيين، مدركا عن يقين ان انشقاق الشيوعيين وشرذمتهم خطيئة. حقا فالانشقاق، أيا كان سببه، ينطوي على إساءة لسمعة الحزب في اوساط الجماهير ويضعف من جاذبية الفكر الماركسي. ثم بادر للتخلي عن مركز الأمين الأول للجنة المركزية.
كان فائق وراد ورفاقه منارات للوطنية الصلبة والصادقة. ربما خالطت نشاطه الحزبي لوثة ستالنية ، شان الآخرين من قادة الأحزاب الماركسية. وربما عطل الحوار الديمقراطي داخل الحزب، إذ فشلت الأحزاب الماركسية في الحفاظ على الجوهر الديمقراطي للتحرر الإنساني، الطبقي والقومي؛ لكنه ورفاقه لم يرتدوا عن الخط الوطني، وما تخاذلوا عن واجبهم الوطني، وظلوا امناء لرسالة الماركسية في توطيد وتوسيع دعامات الحزب داخل الحركة الجماهيرية وحاولوا في أغلب الحالات الاسترشاد بمنهجية المادية الديالكتيكية لدى طرح المهام الوطنية والاجتماعية.
رحل معظم أفراد العصبة المقدامة، لكن مآثرهم ستبقى ملهمة للأجيال ووقفات عز لمن يتبعون دربهم. ونرجو العمر المديد لمن بقوا على قيد الحياة .

#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات