أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جوزيف بشارة - مزحة عربية سودانية















المزيد.....

مزحة عربية سودانية


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 10:36
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


نقلت وكالات الأنباء بالأمس عن اتفاق الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى مع الرئيس السوداني عمر البشير على عناصر لتسوية الحرب في دارفور التي تشنها قبيلة الجنجويد المدعومة من قبل الحكومة السودانية على قبائل الفور والمساليت والزغاوة الدارفورية. وكان من أهم عناصر التسوية المقترحة أن يواصل القضاء السوداني نظره في الجرائم التي ارتكبت وفق تحريات اللجان القضائية، وأن تقدم الحكومة السودانية كل من يثبت مشاركته في أي نشاط اجرامي للعدالة مهما كان موقعه، وأن يتخذ المشرع السوداني الإجراءات اللازمة للتأكد من أن القانون الجنائي السوداني يتفق تماماً مع نصوص القانون الجنائي الدولي، وأن يتيح القضاء السوداني الفرصة لفريق من الخبراء القانونيين من الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية والامم المتحدة للاطلاع على اتساق القوانين السودانية وشموليتها وسلامة إجراءات التقاضي، وأخيراً أن تشكل الحكومة السودانية محاكم خاصة للنظر في الجرائم التي ارتكبت في دارفور بحيث تتوفر فيها ضمانات المحاكمة العادلة.

جاء طرح عناصر التسوية المزعومة بعد أيام قليلة من إصدار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو طلب اعتقال بحق الرئيس السوادني في عشر تهم تتعلق بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ضد مئات الألوف من أهل دارفور. ولا شك في أن عناصر التسوية التي توصل إليها الأمين العام للجامعة العربية مع الرئيس السوداني تأتي في إطار المحاولات الحثيثة التي تبذلها الجامعة العربية للخروج بالدول الأعضاء بها من ورطة طلب اعتقال رئيس دولة حالي الذي يشكل سابقة خطيرة في العالم العربي قد تقود في المستقبل إلى طلب اعتقال المزيد من الحكام العرب الذين قد تثبت إدانتهم بجرائم ضد الإنسانية. ولعل الجهود المتخبطة للجامعة العربية تعكس بحق المخاوف التي تسيطر على عدد من الزعماء العرب الذين يشبه سجلهم الجرائمي سجل الرئيس السوداني.

من المؤكد أن اتفاق التسوية الذي توصلت إليه الجامعة العربية مع الرئيس السوداني لا يعدو كونه محاولة سخيفة ومعيبة للتستر على جرائم مشينة ارتكبها زعيم عربي بحق شعبه، إذ لا يعقل أن يتولى عمر البشير بنفسه أو عبر قضائه غير المستقل التحقيق في جرائم ارتكبها نظامه ويعد هو المسئول الاول عنها. ولعله من المفيد هنا التأكيد على أن توصيات تقرير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتقديم عمر البشير للمحاكمة لم تكن مجحفة بحق البشير، بل أن التقرير الذي استغرق إعداده نحو ثلاث سنوات فند الاتهامات الموجهة للبشير والتي تتراوح بين سيطرته على الجناة ومنحهم الحصانة اللازمة لارتكاب الجرائم، وفصل الموظفين الذين يعترضون على ارتكاب الجرائم، وتعيين أخرين لتنفيذ الجرائم مثل وزير الدولة أحمد هارون، ودمج ميليشيا الجنجويد في السلطة السودانية، وحرمان الضحايا من بلوغ نظام العدالة الإجتماعية. وقد استنتج تقرير المدعي العام بناءً على الأدلة المتوافرة على تورط الرئيس السوداني المسئولية المباشرة لعمر البشير عن "إهلاك" قبائل الفور والمساليت والزغاوة الدارفورية.

لم تكن عناصر التسوية المخجلة التي توصل إليها عمرو موسى وعمر البشير إلا مزحة مهينة للإنسان السوداني الذي لا يجد من يدافع عنه في وجه الطغاة الذين يهدرون حقوقه. فالجامعة العربية التي كان منوطاً بها حماية حقوق الإنسان السوداني والدفاع عنها تخلت تماماً عن دورها، بل أنها تحالفت مع الطاغية عمر البشير ضد الإنسان السوداني. قد يكون من الإجحاف إلقاء تبعية الدور السيء للجامعة العربية على شخص "الموظف" عمرو موسى وحده، بل أن مسئولية الدورالذي تلعبه الجامعة تقع على عاتق الحكام العرب الذين لم يسعوا للتدخل لإنقاذ أهل دارفور طيلة السنوات الخمس الماضية. وفي هذا الصدد يجدر الإشارة إلى انه ربما كان تمسك الجامعة العربية بحماية الرئيس السوداني من مواجهة العدالة الدولية دليلاً على أن الجامعة العربية لا تعير اهتماماً لقضية دارفور لأن القبائل التي يبيدها الرئيس السوداني أفريقية وليست عربية.

وعلى جانب أخر لم تكن الانتقادات الشعبية العربية لقرار إحالة الرئيس السوداني للمحاكمة أقل سخافة عن دور الجامعة العربية. ولقد كان غريباً أن يرفض الكثيرون من العرب قرار الاتهام الصادر بحق الرئيس السوداني استناداً إلى ما قيل بأنه ازدواجية في تطبيق المعايير الدولية بشأن جرائم الحرب. وقد برر هؤلاء رفضهم محاكمة البشير بالادعاء بأن المحكمة الجنائية الدولية تتجاهل الجرائم التي يرتكبها الإمريكيون في أفغانستان والعراق والإسرائيليون في فلسطين. ولعل التبرير العقيم الذي يستند إليه هؤلاء يمثل دليل إدانة للعقلية العربية التي لا تكتفي باستخدام نظرية المؤامرة للتخلص من المسئولية العربية عن العديد من الكوارث، بل أنها تستخدمها في تبرير جرائم الإبادة التي ترتكب بحق أخوة لهم في الإنسانية والمواطنة والانتماء. وإذا كان الشك لا يساورني بشأن مسئولية بعض الحكام المضلِلين العرب عن معاناة شعوبهم، فبالمثل لا يساورني الشك بشأن بوجود خلل في عقلية الكثيرين من المضلَلين العرب الذين يبررون أبشع الجرائم حين يريدون. وهذا أمر مؤسف.

لست من الذين يؤمنون بأن اتهام عمر البشير بارتكاب جرائم حرب يعود إلى استهداف المجتمع الدولي لبترول السودان الذي تم اكتشافه بغزارة مؤخراً، أو إلى رغبة المجتمع الدولي في تقسيم السودان. فمتابعة الأخبار في مناطق الحروب الأهلية كليبيريا ورواندا ويوجوسلافيا السابقة تشير إلى أن اهتمام المجتمع الدولي بمسائل حقوق الإنسان يتزايد باطراد، وهو ما يدحض فكرة التربض الدولي بالعالم العربي. ولا شك في أن اهتمام المجتمع الدولي بمسائل حقوق الإنسان في مختلف بقاع العالم يعد أمراً إيجابياً حتى وإن كانت تشوب هذا الاهتمام بعض الشوائب من وقت لأخر. ولقد كان الترحيب الدولي الشديد بإلقاء السلطات الصربية القبض، قبل أيام قليلة، على زعيم صرب البوسنة رادوفان كارادجيتش المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد مسلمي البوسنة خلال حرب البلقان الأخرية دليلاً على جدية حقيقية للمجتمع الدولي في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان. وربما كان من المهم هنا التأكيد على أن جدية المجتمع الدولي لن تلتقي مطلقاً مع سخافة المزحة العربية السودانية السخيفة التي تحاول تبرئة البشير من جرائم دارفور.

لقد كان قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتقديم الرئيس السوداني للعدالة سابقة رائعة تعيد للمرء بعضاً من ثقته في العدالة الدولية لا سيما وأن عمر البشير لا يزال يتربع على عرش السلطة في السودان. لن تكون المحاكمة المتوقعة لعمر البشير بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة هي المحاكمة الأولى من نوعها التي يواجهها سياسي، فقد سبق البشير عدد من السياسيين مثل الرئيس اليوجوسلافي الأسبق سلوبودان ميلوسوفيتش، والرئيس الليبيري الأسبق تشارلز تايلور، وغيرهما من مجرمي الحرب في البوسنة ورواندا. وربما لن تكون محاكمة البشير هي الأخيرة التي يتعرض لها زعماء حاليون بخاصة في المنطقة العربية، إذ أن هناك عدداً لا بأس به من الزعماء المرشحين للحلول في ضيافة المحكمة الدولية في بدلة هيج الهولندية. ولذا فمن المهم أن يكف العرب وجامعتهم الميمونة عن مزحات تبرئة حكامهم السخيفة التي تهزأ بالعدالة وتهين كرامة الإنسان العربي.






#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 46664
- انتصار حزب الله وهزيمة لبنان وإسرائيل والثمن الباهظ لصفقة ال ...
- حول المؤتمر السعودي للحوار بين الأديان والحضارات والثقافات
- نحو معيار دولي واحد للتعامل مع الأنظمة الدكتاتورية
- عندما يفسد التطرف الديني المنافسات الرياضية
- حول المطالبة بمقاطعة المسلمين لعادل إمام
- هل يقود أوباما الولايات المتحدة إلى المجهول؟
- مسيحيو بلاد المسلمين بين خيارين أحلاهما بطعم العلقم
- عبد المعطي حجازي ومقارنة أنصاف المواهب بين فيروز وأم كلثوم
- رغم سلبياته: إتفاق الدوحة خير من دولة حزب الله
- بعد ستين سنة من الرفض والعنف: هلموا نمنح السلام فرصة
- مرارة الهزيمة السياسية لحكومة السنيورة أمام سلاح حزب الله
- هل ينقذ المجتمع الدولي لبنان من براثن حزب الله؟
- الإضراب وكعكة عيد ميلاد الرئيس مبارك
- قبو الرعب يسلط الضوء على جريمة كل العصور
- احتكار الله في بلاد المسلمين
- مساعي كارتر الحميدة تصطدم بمواقف حماس المتطرفة
- بين كراهية اليهود والعداء لإسرائيل
- الدكتاتورية أمامنا والفوضى خلفنا
- مناهضة تشويه الأديان بين العالمين الغربي والإسلامي


المزيد.....




- الحوثيون يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة إسرائي ...
- وزير الخارجية الأيرلندي يصل الأردن ويؤكد أن -الاعتراف بفلسطي ...
- سحب الغبار الحمراء التي غطت اليونان تنقشع تدريجيًا
- نواب كويتيون يعربون عن استيائهم من تأخر بلادهم عن فرص تنموية ...
- سانشيز يدرس تقديم استقالته على إثر اتهام زوجته باستغلال النف ...
- خبير بريطاني: الغرب قلق من تردي وضع الجيش الأوكراني تحت قياد ...
- إعلام عبري: مجلس الحرب الإسرائيلي سيبحث بشكل فوري موعد الدخو ...
- حماس: إسرائيل لم تحرر من عاد من أسراها بالقوة وإنما بالمفاوض ...
- بايدن يوعز بتخصيص 145 مليون دولار من المساعدات لأوكرانيا عبر ...
- فرنسا.. باريس تعلن منطقة حظر جوي لحماية حفل افتتاح دورة الأل ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - جوزيف بشارة - مزحة عربية سودانية