أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - احتكار الله في بلاد المسلمين















المزيد.....

احتكار الله في بلاد المسلمين


جوزيف بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 2267 - 2008 / 4 / 30 - 11:38
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تبدو القضية التي نناقشها في هذا المقال مثيرة للدهشة والتعجب وربما أيضاً للاستفزاز والاشمئزاز. القضية تتعلق بلفظ الجلالة "الله" وعما إذا كان استخدامه يجب أن يقتصر على أتباع ديانة معينة دون غيرهم. لست أعتقد بأن أحداً قام في الماضي البعيد أو القريب بالادعاء باحتكاره للفظ الجلالة ككلمة لغوية، حيث جرى العرف على استخدام الديانات التوحيدية على اختلافها لكلمة "الله" للإشارة إلى الإله الواحد الذي تبشر به. إلا أن الأيام الأخيرة شهدت قيام إحدى الحكومات الإسلامية باتخاذ قرار بحصر استخدام الكلمة بين المسلمين وحظر استخدامها بين أتباع الديانات الأخرى. القضية هنا ليست هزلية أو مفتعلة وإنما هي جدية وحقيقية وجرت أحداثها في إحدى البلدان الإسلامية. عزيزي القاريء هل أدهشتك أو استفزتك القضية؟ انتظر فعندما تنتهي من قراء تفاصيل القضية ستجد نفسك غائصاً في بحر من الدهشة ومحيط من الاستفزاز.

طفت القضية على سطح الأحداث حين قررت الحكومة الماليزية برئاسة عبدالله أحمد بدوي في ديسمبر الماضي منع غير المسلمين من استخدام بعض الكلمات الشائعة بين أتباع العقائد المختلفة مثل "الله"، "صلوات"، و"بيت الله". وبررت الحكومة الماليزية عندئذ قرارها بمراعاة مشاعر المسلمين (!!!!!) والعمل على حماية المجتمع الإسلامي في ماليزيا من حملات تبشير محتملة قد يقوم بها المسيحيون هناك مستخدمين هذه الكلمات لخداع المسلمين. ونقلت وككالات الأنباء عن مصادر مقربة من الحكومية الماليزية أن الكنائس الماليزية تحاول استخدام اللغة المحلية للماليزيين بهدف اجتذاب المسلمين بعد إقناعهم بأن الله الواحد في الإسلام هو نفسه الله الواحد في المسيحية. وأوضحت المصادر أن استخدام المسيحيين الماليزيين للفظ الجلالة "الله" يساعد في خادع المسلمين بعدم وجود فروق بين المسيحية والإسلام، ولذا فقد كان قرار الحكومة بحظر استخدام كلمة "الله" بين الطوائف الغير مسلمة. وأفادت أخبار نقلتها "العربية" في كانون الثاني/يناير الماضي عن أن الحكومة الماليزية قررت أن تستخدم المنشورات المطبوعة للديانات الأخرى كلمات أخرى للإشارة إلى الله ومنها كلمة "الرب"، تجنباً لحدوث ارتباك بين المسلمين.

جاء قرار الحكومة الماليزية كزلزال الصادم والخطير للأقلية غيرالمسلمة في ماليزيا. فسارعت القلية المسيحية في ماليزيا بالطعن في دستورية قرار الحكومة المثير للجدل. فذكرت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية في عدد الجمعة 25 نيسان/ابريل الحالي أن صحيفة تصدرها الأقلية المسيحية في ماليزيا قامت برفع دعوى قضائية ضد الحكومة الماليزية لمنعها استخدام لفظ الجلالة "الله" في المطبوعة. وقالت هيرالد تريبيون أن السلطات الماليزية كانت قد قررت في كانون الأول/ديسمبر الماضي حظر استخدام كلمة "الله" في المطبوعات المسيحية بحجة أن الكلمة تشير فقط إلى الإله المسلم. وحذرت الحكومة الماليزية الصحف المسيحية بأنه قد تفقد تصاريح الإصدار في حال مخالفتها للقرار. وجاء في دعوى قضائية رفعتها صحيفة تتبع الكنيسة الكاثوليكية الوطنية في ماليزيا ضد الحكومة أن استخدام كلمة "الله" هو حق طبيعي لأنها الكلمة الوحيدة في اللغة الماليزية التي تعني "God" في اللغة الإنجليزية، ومن ثم فقد طالبت الدعوى بإلغاء قرارالحكومة، وبأحقية المسيحيين في استخدام كلمة "الله" في صلواتهم ومطبوعاتهم الكنسية.

وعلى صعيد أخر متصل بالقضية قامت إحدى الكنائس الإنجيلية في ماليزيا برفع دعوى منفصلة ضد الحكومة هناك لمنعها من استيراد بعض الكتب المسيحية التي تتضمن كلمة "الله" في محتواها. وقد أكدت صحيفة هيرالد تريبيون الدولية في تناولها لخبر منع المسيحيين من استخدام كلمة "الله" أن قرار الحكومة الماليزية يشير بوضوح إلى التزايد المستمر في معاناة الأقليات الدينية في ماليزيا من جراء محاولات الحكومة تشجيع الصحوة الإسلامية في البلاد التي يشكل المسلمون فيها نسبة 60% من إجمالي السكان البالغ عددهم 27 مليون نسمة.


لعل التأمل في أبعاد قرار الحكومة الماليزية يدعونا للتوقف أمامه للتفكير بهدوء في توابعه المخيفة وتأثيره المدمر. القضية هنا لا تتعلق فقط باستخدام لفظ الجلالة، وإنما بما يبدو على أنه محاولة احتكار المسلمين لله وتحريمه على الأخرين، أو ربما محاولة حماية الله من المسيحيين الأشرار. نعم أدرك أن هناك من هناك من يؤمن بأن "الدين عند الله الإسلام"، وأن هناك من يدّعون امتلاكهم للحقيقة المطلقة، وأن هناك من يقولون بكفر من يختلف عنهم في العقيدة، وأن هناك من يطالبون بالقضاء على "الكفار" و"المشركين" أينما وجدوا، ولكن أن يكون هناك من ينادون بضرورة حظر استخدام كلمة "الله" في أوساط غير المسلمين، وأن يكون هؤلاء من المسئولين الحكوميين فهذا كان بحق شيئاً مفاجئاً ومدهشاً. وحتى على المستوى اللغوي لا العقائدي أو اللاهوتي لم أظن أبداًً أن الأيام قد تجود علينا بمن يريدون احتكار كلمة "الله" لأنفسهم.

من المؤكد أن رؤية الحكومة الماليزية لله وللإسلام خاطئة ومعتلة، فلا الإسلام يمكن حمايته عبر القيود، لا الله يمكن حصره في نطاق المجتمعات الإسلامية. فالله، إن كان خلق المسلم وغير المسلم، فهو بالتأكيد ليس امتيازاً تتمتع به طائفة بعينها مسلمة كانت أو غير مسلمة. لا أعتقد بأن كل المسلمين يقبلون برؤية الحكومة الماليزية التي تشجع القول بأن هناك الله اليهودي، والله المسيحي، والله المسلم. فجميع الديانات التي يطلق عليها "التوحيدية" رغم اختلافها واختلافاتها تؤمن بأن الله واحد. ولا يغفى على أحد هنا أيضاً أن كلمة "الله" على المستوى اللغوي لا العقائدي أو اللاهوتي ليست حكراً على مجموعة دينية بعينها مسلمة كانت أو غير مسلمة، فكلمة "الله" لم يبدأ استخدامها مع نشأة الإسلام حتى يدعي المسلمون احتكارهم لها.

لا شك في أن القرار يعد ليس فقط إساءة للمسيحية، ولكن احتقاراً لها ولعقيدتها وللمؤمنين بها. تبدو أصابع التطرف والكراهية والشوفينية واضحة في قرار الحكومة الماليزية. ولقد لعب المتطرفون الإسلاميون، الذين بلغ نفوذهم وتأثيرهم للأسف دول الشرق الأدنى، دوراً كبيراً في إفساد العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين في كل دولة تواجدوا فيها، حتى بلغ الأمر أقصاه في ماليزيا التي أصبح استخدام المسيحيين لكلمة "الله" مثيراً لحساسية المسلمين ومغضباً لمشاعرهم.

الكثيرون من المسلمين لا يريدون الاعتراف بأن المسيحيين يؤمنون بالله الواحد على الرغم من أن المسيحيين لم يتوقفوا عن إيمانهم هذا منذ ولدت المسيحية قبل ألفي عام وقبل ظهور الإسلام نفسه. بل أن الكثيرين من المسلمين يعتقدون بأن المسيحيين الموجودين حالياً كفرة ومشركين، وبأنهم ليسو "النصارى" الذين تحدث عنهم القرآن بسورة المائدة واعتبرهم أقرب الناس مودة للمسلمين. وربما لذلك نادى المسلمون في ماليزيا بحماية الله من "الكفار" و"المشركين" من المسيحيين عن طريق حظر استخدام اسمه فيما بينهم وفي مطبوعاتهم.

لست أدري كيف ستنتهي قضية منع المسيحيين من استخدام كلمة "الله" في ماليزيا. ولست أدري إن كانت الحكومة الماليزية ستقوم بتخصيص كلمة أخرى للمسيحيين ليستخدموها في الإشارة إلى الله حسب عقيدتهم. من المؤسف أن يبلغ الحال بالحكومة الماليزية المسلمة هذه الدرجة المخيفة من التطرف في استخدام الدين، والتعنت في استخدام السلطة، والعجرفة في التعاطي مع حقوق الأقليات غير المسلمة. ترى كيف سيكون رد فعل المسلمين في البلاد العربية؟ هل ستجتاحنا موجة التطرف الماليزي فتحظر مجتمعاتنا على المسيحيين استخدام كلمة "الله" في كنائسهم وصلواتهم وكتبهم المقدسة حماية للإسلام والمسلمين من خطر التبشير؟

عزيزي القاريء إن كان قرار الحكومة الماليزية قد أثار اندهاشك أو ربما غثيانك، فلا حرج عليك لأن ما يجري حولنا يتحدى المنطق والعقل والحريات والحقوق. لا تستبعد قيام أحد أفراد جوقة المولعين بحمى الافتاء التي تطل علينا عبر الفضائيات بالسعي لتصدير الفكرة الماليزية إلى بلادنا عبر إصدار فتاوى من نوعية هلمّوا نحظر استخدام لفظ الجلالة بين غير المسلمين، وهلمّوا نراعي مشاعر المسلمين، وهلمّوا نحمي الله من شرور المسيحيين.



#جوزيف_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مساعي كارتر الحميدة تصطدم بمواقف حماس المتطرفة
- بين كراهية اليهود والعداء لإسرائيل
- الدكتاتورية أمامنا والفوضى خلفنا
- مناهضة تشويه الأديان بين العالمين الغربي والإسلامي
- في أوغندا: درس مسيحي في التسامح الديني
- موطيء قدم للمسيحي في وطنه
- كيف تحولت حرية العقيدة إلى حرية كفر في بلادنا؟
- حتى لا يتحول الاستحقاق الرئاسي إلى معركة تكسير عظام جديدة
- حين تكون الهمجية باسم الله
- ليت المسلمين يعاملون الأخرين كما يودون أن يعاملهم الأخرون
- انقلاب حماس في غزة وخزة موجعة في قلب فلسطين!
- متى يتوارى خلفاء قتلة السيد المسيح؟
- في الإنتقام الإلهي من برزان التكريتي!
- الغاء عقوبة الإعدام يحفظ للإنسانية كرامتها المهدرة!
- محاكمة جلادي صدام ربما تعيد الثقة في حكومة المالكي
- بعد إعدام صدام... هل يتعظ المتبقون من الطغاة؟
- المسيخ الدجال يظهر في العراق!
- في عيد الميلاد: من يُخَلِّصُ شعوبنا من أتراحها؟
- صوت العقل في مواجهة الغوغائية في العالم العربي
- لا لاستخدام السيدة فيروز في الأزمة اللبنانية!


المزيد.....




- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...
- “بابا تليفون.. قوله ما هو هون” مع قناة طيور الجنة الجديد 202 ...
- المقاومة الإسلامية بالعراق تستهدف قاعدة -عوبدا- الجوية الاسر ...
- “وفري الفرحة والتسلية لأطفالك مع طيور الجنة” تردد قناة طيور ...
- “أهلا أهلا بالعيد” كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024 .. أهم ال ...
- المفكر الفرنسي أوليفييه روا: علمانية فرنسا سيئة وأوروبا لم ت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جوزيف بشارة - احتكار الله في بلاد المسلمين