أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - في اصل الاخلاق والقيم الجمعية















المزيد.....

في اصل الاخلاق والقيم الجمعية


حسام مطلق

الحوار المتمدن-العدد: 2349 - 2008 / 7 / 21 - 05:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يرى الكثيرون, وبحكم التوظيف الديني, أن الأخلاق هي فطرة سماوية للإنسان, وتاليا فإن القيم في المجتمات هي ثابتة تستمد ثابتها من أصولية الأديان. وبعيدا عن تناول " السماوية " كصفة عامة ومدى صحتها, فإنني هنا أناقش نشوء الأخلاق او القيم الجمعية من باب تصحيح المعلومة.
مع بلوغ الإنسان مرحلة الوعي الاستبطاني, وهي أعلى مرحلة تطورية للقشرة الدماغية, اندفع الإنسان في السعي للسيطرة على البيئة في محاولته البقائية الغريزية. ومن هنا وجد أن توظيف الطفل في الحياة الأسرية يخدم البقاء, فأحدث أول وأهم تعديل سلوكي في علاقاته الاجتماعية. فبعد أن كان الطفل عبء على الأب لا يلتزم به وبعد أن كانت الأم, كباقي الحيوانات, تلقي بصغيرها وتنجو بنفسها, لاحظ الأبوين أن للطفل دورا في الاستمرار والبقاء. فهذا الطفل يحمل في طياته عاطفة يمكن التعويل عليها في الشيخوخة. وهي تجربة ربما كانت محدودة مارسها عدد قليل في كل قطيع إنساني في البداية الأمر ولكن نجاحها ترك انطباعا بضرورة مراعاة هذا الصغير كي يرد الدين وهو كبير. هذا كان منشأ الأسرة ومنشأ الأخلاق. لقد احتاج الإنسان للأخلاق في معركة البقاء, وهو عاش بدونها ملايين السنين. بل يمكن الجزم أنها محدثة وليست أصيلة في سلوكه. فعلاقة القوة والبقاء هي الأصالة الإنسانية. بعد هذا التقديم يتوجب علينا أن نميز تعريفيا بين الفطرة " السماوية ", ومرة أخرى بتجاوز لإثبات السماوية أساسا, وبين التطور الاجتماعي. إن ما هو فطري, وفقا للمصطلح الديني, أو ما هو غريزي كمصطلح علمي, إنما يعتمد على الأزلية لا تخضع للتبدل هذا من جهة, ومن جهة ثانية أنه شائع وغير خاص بقوم عن قوم. فمثلا, التناسل يعتمد على إيلاج قضيب الرجل في فرج المرأة, ويمكن للتطورية أن تجعل الأمر يتم مخبريا بتلقيح بيضة ونطفة, إلا أنه ومهما ابتعدت المحاولات لا يمكن لها إلا أن تقوم على تلاقي بيضة ونطفة, هذا أزلي, ولهذا فإن الأمر فطرة أو غريزة, سمها ما تشاء. أما الأخلاق فهي متبدلة, متناقضة, متراكمة, تجريبية, للتطور المدني للشعوب والضرورات الحياتية المد الأقوى في تشكلها. بفرض أنها إلهية, فنحن أمام حقيقة, أن استقرار الذات الإلهية في إنشائها وعظمتها يستلزم استقرارا مواكبا في القوانين الناظمة لحياة وريثه في الأرض. إن الأنبياء أنفسهم لم يتفقوا على صيغة واحدة للأخلاق, ففيما كان زواج الأخ والأخت مباح في شريعة آدم هو سفاح في باقي الشرائع, وفيما زواج أبناء العمومة زنا في المسيحية هو مباح في الإسلام, وفيما شرب الخمر رجس من عمل الشيطان في الإسلام هو من أسس الشعائر في المسيحية, وفيما أكل الخنزير من الموبقات في الإسلام هو من ألذ ما يستطيب به النصارى, ويعاكس اليهود الإسلام المستسيغين للحم الجمل فيحرمونه. ويمكننا أن نتلمس مجاراة الأخلاق السالفة الذكر للواقع الاجتماعي حين نعلم أن تشريع تزويج الأخ والأخت وقع لمجاراة واقع لا مفر منه لانعدام أشكال العلاقات الأخرى بين المتناسلين خضوعا للضرورة الخلق التمثيلية. وأن زواج أبناء العمومة هي من سنن العرب الراسخة تاريخيا, وأن اليهود احتاجوا للجمال كوسيلة تنقل في بداوتهم الأولى فكان لابد من تشريع يحافظ عليها للصالح العام من مشتهي لحمها ومرقها, والشحم الخنزير الذي يسقط أرضا من يسترسل في لذيذ مرقه في حر الجزيرة العربية تطلب تشريعا يحفظ الأرواح من فيض دهنه, ولذا أجيز من لحم الضب طرف على طرف, وكلنا يعلم أن لا فرق بين خلايا الجانب الأيمن والأيسر إلا في ذوات أعضائها الفردية, كالكبد أو القلب. وهذا التبدل الذي وقفنا عليه يجاري القاعدة السلوكية التي تقول : محرمات اليوم هي فضائل الغد, ومنهم من يقولها : فضائل اليوم هي محرمات الأمس. وفي كلا الحالين نحن أمام حقيقة راسخة يمكن للفرد العادي تلمسها في حياته. وأستحضر هنا قول من الشعر في وصف حجاب حسناء : ألا ليت الحجاب هوى فأمسى يرد الساق عنا لا الجبينا. فإن الساق أجدر أن تغطى وإن الوجه أجدر أن يبينا. كأن الثوب ظل في صباح يقصر فيقصر حينا فحينا. ومع أن الشاعر يصف مجالسته لفتاة محجبة أخذت تتخلى تدريجيا عن حجابها نزولا عند ما لمسته من شاعرها من فكر تحرري, فإن الواقعة عموما تصلح في تصوير حال اللباس في مجتمعاتنا تاريخيا. فمن نساء العرب يطفن حول الكعبة متأزرات بوشاح على خصورهن نهارا وعاريات في الليل قبل الإسلام, إلى ساترات لما وقع بين الثديين والركبتين من أجسادهن إن كن جواري, مدنيات من جلابيبهن على جيوبهن إن كن حرائر بعد الهجرة, إلى متعريات في سوق النخاسة في يثرب وهن معروضات للبيع فوق سدة تعلو الأرض بقليل كي تتيح للزبائن معاينتهن في غير وقت نداء للصلاة من يوم الجمعة, إلى مكتسيات بالسواد كالغربان في العهد العباسي والعثماني. ومن شرف لا يسلم من الأذى إلا أن تراق على جوانبه الدم إلى دفع بناتهم للـ " أغا " يقضي منهن وطرا قبل تزويجها بابن القرية, وصولا للجينز والبكيني والتنورة القصيرة وشباب الغريبى على مبدأ رفيق سبيعي. إن هذا التبدل المظهري دلالة ما بعدها دلالة على أن الأخلاق مواكبة للحالة المدنية وليست من الطبائع الأزلية للإنسان. وليس علينا أن نقارن بين بحث الأبوين عن " البوي فريند " المناسب للفتاة في المجتمعات الغربية نزولا عند واقعية نفسية تعترف بحق العشرة للجميع, إلى جرائم الشرف التي تتشرف بها مجتمعاتنا بعد أن لم يعد لديها ما تتشرف به في واقعها السياسي والاقتصادي والثقافي, وما يشكله هذا التباين من دليل آخر على عدم ارتباط الأخلاق بالكيمياء الجسدية بل بالتطور المدني. فالأوربيات يحبلن, كما نساؤنا, بالإيلاج, لا بهز جذوع النخل. وطاعة الابن للأبوين وتقديس تلك العلاقة مرتبط بمدى عجز المجتمع عن أداء واجباته للأفراد المسنين, فهناك عدل الغرب عن تدمير الآباء لحياة الأبناء بالتأمين الصحي والتقاعدي تجاوزا للفشل الذي استحكم في شرقنا عن تأمين حياة كريمة للمسنين, فأطلقت, استعاضة, أيادي الأمهات في حياة الأبناء ببند جنة تمر من تحت أقدامهن. ولست أفهم أي جنة تدخلها بالتغاضي عن كذب امرأة, هي اليوم أما, وكانت قبيلا زوجة, وقبلا أخت وبنتا, وفي كل أحوالها, وبحكم ضعفها, مجبولة على الكذب لتحقيق مآربها. فترى الشرقي يباهي بترابط الأسرة في عالمه وكأن خلافات زوجته وأمه وشجاره مع أخوه وجاره وابن عمه ليست مقاييس لتحديد الفشل, أو كأن الواقعية الأوربية في احترام خصوصية الفرد بكامل جوانبها ليست ما يحارب من أجله كل فرد, فمع التسطح الثقافي المتفشي يعتقد الكثيرون أن الإنكار يغير الحقائق. إن الإنكار في المعرفة النفسية هو مرحلة يمر بها المتلقي لحين تكتمل في وعيه مجاميع تؤكد له الأزمة فيبدأ في المعالجة. إلا أنه وبسبب التواطئ الجمعي الذي يحظى به صار في حالتنا واقعا ومصيرا أكثر منه مرحلة, وتاليا, فإن تجاوزه بات يتطلب صدمة نفسية عالية الوتيرة, توازي بقوتها عمق استلابه لجوهر الفرد في شرقنا. الأخلاق والقيم الجمعية إذن ليست أزلية في تفاصيلها ولا في آلية تطبيقها, كالتناسل, ولا هي واحدة المنظومة بين الأمم لنقول أنها شائعة, بل هي مجارية للواقع الاجتماعي تنتج عنه وتخدم استقراره. ومن هنا يمكن للتعري أن يصبح أخلاقا, ويمكن للقتل أن يكون حميدا, فالمعيار التاريخي هو الغطاء الذي يؤمنه المتفلسفون للأفعال وتواطىء المجتمع في قبول ذلك التفلسف.



#حسام_مطلق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القدس عاصمة إسرائيل الابدية
- هينغتون وحروب خط الصدع
- الوزير والسكرتيرة وزوجة الرئيس
- السببية بين السحر والدين والعلم
- اخوان القردة بكلمات فلاسفة العرب
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثالث - في الوحدانية وا ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الرابع - في القصص وأخبار ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الخامس - في الاعجاز العل ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء السادس - في الصلاة وتماث ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء السابع - الخلية الأبيوني ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثامن - في الصفات المحم ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء التاسع - الاضطهاد والتعت ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء العاشر والأخير - محاكمة ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - الجزء الثاني ( في اللغة و الاض ...
- الاسلام في التفكيك والتركيب - مقدمة
- اخوان القردة
- الدماغ رحلة 300 مليون سنة من التطور
- تزامن المسارات : الخيار الإستراتيجي الذي غير التاريخ
- سباق بين بورش وديزل
- جنس - حب - ارتباط


المزيد.....




- تقرير رسمي يوضح سبب عدم إلقاء بشار الأسد كلمة في القمة العرب ...
- أمير قطر بجوار بشار الأسد بالصورة التذكارية للقمة العربية وس ...
- حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا ...
- بعد تقدمه بطلب للضمان الاجتماعي.. أمريكي يكتشف أنه غير موجود ...
- أوستن يدعو غالانت لحماية المدنيين وضمان تدفق المساعدات قبل أ ...
- الأهداف المحتملة لمحاولة اغتيال رئيس الوزراء السلوفاكي فيتسو ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /17.05.2024/ ...
- مسيرات أوكرانية تهاجم مصفاة نفط ومواقع مدنية أخرى في كراسنود ...
- استخباراتي أمريكي سابق: -إف-16- ستكون لعنة على أوكرانيا
- ضحايا من جنسيات مختلفة.. تفاصيل صادمة تكشفها عائلات المحتجزي ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حسام مطلق - في اصل الاخلاق والقيم الجمعية