أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - النص الكولاجي. . صنع الله إبراهيم نموذجاً















المزيد.....

النص الكولاجي. . صنع الله إبراهيم نموذجاً


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 726 - 2004 / 1 / 27 - 04:15
المحور: الادب والفن
    


أسهمتْ التيارات والمذاهب الفنية في رفد الأجناس الأدبية بالعديد من معطيات التبدل والتغيير. فالفن التشكيلي على ما يبدو هو أكثر الأجناس الإبداعية ميلاً إلى التحرر والإنعتاق السريع من ربقة الأشكال والمضامين القديمة، أو حتى تلك الأشكال التي لم يمضِ عليها ردحاً طويلاً من الزمن، وهذا الأمر ناجم عن حيوية هذا الفن وتفاعله السريع مع مستجدات العصر. فالرواية والشعر والقصة القصيرة والمسرحية قد أفادت كثيراً من هذه الانقلابات التي حدثت في الفن التشكيلي في القرن العشرين تحديداً، ولهذا تململ الكُتّاب بعد الحرب العالمية الأولى، إذ وجدوا أنفسهم مجبرين على تمّثل هذه الانقلابات أو ( الثورات ) الفنية على الأصح، واكتشفوا بعد أن أطالوا النظر فيها ضرورتها وانسجامها مع روح العصر. ولا يمكن بطبيعة الحال، التعرض إلى مجمل التغييرات الدراماتيكية التي حدثت للأجناس الأدبية برمتها، وإنما سنتطرق إلى جانب واحد من جوانب التغيير في الرواية العالمية، وبضمنها الرواية العربية. وأول إرهاصات هذا التبدل كان يتمثل في ظهور الرواية التي تعتمد على تيار الوعي والشعور التي تبناها كل من جيمس جويس وفرجينيا وولف ومارسيل بروست ووليم فوكنر وآخرين، ثم عززها عدد من الكتاب العدميين الذين ينظرون إلى الحياة بمنظار فلسفي تشوبه الكثير من الأجواء الرمادية أمثال فرانز كافكا وألبير كامو وجان بول سارتر وجوزيف كونراد. غير أن ظهور تيار الرواية الجديدة كان حدثاً صاعقاً بحد ذاته، وأبرز من مثّل هذا الاتجاه الجديد في فرنسا هو ألن روب غرييه وأتباعه الأربعة ميشيل بوتور وكلود سيمون  وناتالي ساروت ومارغريت دوراس الذين حطموا الشكل الروائي القديم المؤطر بشروط تقليدية صارمة عفا عليها الزمن،ولعلني لا أبالغ إذا قلت بأن ألن روب غرييه كان ، ولا يزال يبغي الوصول إلى المستحيل، فلقد انقّض على البنية التتابعية في النص الروائي، واعتبرها شكلاً ميتاً ينبغي هجره أو التخلي عنه نهائياً، لأن هذا النمط من الكتابة لم يعد يثير اهتمام القارئ العضوي الذي يشترك في تأليف النص من خلال مخيلته كما يزعم كُتّاب الرواية الجديدة. فالنصوص الروائية الجديدة لا تعتمد على حبكة تقليدية تتطور فيها الأحداث بشكل تتابعي، وإنما تعّول كثيراً على الحبكة المتداخلة التي تنمو فيها الأحداث وتتصاعد بشكل معقد، وغير نظامي. فتارة نلمس بنية مكرورة، وتارة أخرى نقع على بنية متداخلة، وحيناً نواجه بنية متقابلة، وحيناً آخر نجد أنفسنا أمام بنية متضادة. ومن خلال هذه البنى جميعاً علينا ( كقّراء ) أن نعيد صياغة الأحداث من جديد، ونلم شتاتها المبعثر في متن النص. ولابد من إحالة القارئ إلى نماذج معينة للرواية الجديدة كي يقول فيها كلمته الأخيرة. ويكفي أن نشير هنا إلى الروايات الثلاث لألن روب غرييه وهي ( الغيرة )و ( المتلصص ) و ( المماحي)، وبودي أيضاً أن أحيل القارئ إلى رواية ( الحديقة ) لمارغريت دوراس. إذاً نستطيع القول أن أعمدة البناء الروائي القديم قد تصدعت على أيدي هؤلاء الروائيين الكبار الذين كانوا يجازفون بمستقبلهم الأدبي من أجل التجريب والإتيان بشيء جديد، وهذا الموقف ليس غريباً على المبدعين في كل العصور، ويكفي أن نشير إلى أن جيمس جويس أو ( نبي التشويش ) كما لُقّب لاحقاً  قد واجه صعوبة كبيرة في نشر مجموعته القصصية الأولى ( دبلنيون ) بعد أن رفضها أصحاب دور النشر الآيرلندية والبريطانية، وهو الذي كتب فيما بعد ( يوليسيس ) رائعة القرن العشرين دون منازع. وفي المسرح يمكننا الاستشهاد بأدب العبث واللامعقول الذي تمثل بعدد كبير من كُتّاب المسرح وأبرزهم صموئيل بيكيت، آرثر آدموف،يوجين يونسكو، فرناندو آرابال وجون أوزبورن وغيرهم من الكتاب الذين كانوا يصورون الحياة كما يرونها في كوابيسهم وأحلامهم السرية، حتى غدا العقل الباطن مرتعاً خصباً لأفكارهم وهواجسهم اليومية، وقد أنتجوا أدباً مسرحياً رفيعاً سيظل راسخاً في الذاكرة الجمعية للناس، ومن بين أهم هذه الأعمال ( في إنتظار غودو )و ( المغنية الصلعاء )و ( الكراسي )و ( الخادمتان ) و ( أنظر وراءك بغضب ) وما إلى ذلك من النتاجات المسرحية المهمة التي أقلقت الناس على مدى نصف قرن تقريباً. إن هذه التغييرات الجذرية في الكتابة لابد لها أن تمتد من المركز إلى الأطراف على حد توصيف المثقفين الأوربيين، وهذا ما حدث فعلاً في أواخر الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي، إذ شرع الكتاب العرب بتبني مفهوم الكتابة الجديدة، ولكن دون أن يتخلوا نهائياً عن الأساليب التقليدية القديمة، ولعل أبرز الكتاب العرب الذين نستطيع أن ندرجهم تحت هذه اليافطة هم فاضل العزاوي وعبد الرحمن مجيد الربيعي وسليم مطر وفاتح عبد السلام وجمعة اللامي ومحمد خضير وإبراهيم أحمد، ومن الكتاب الكرد جلال زنكابادي ومحي الدين زنكنة وصلاح زنكنة وتحسين علي محمد وكلشان البياتي وأحلام منصور وهيفاء زنكنة وعشرات الأسماء الأخرى التي سنتوقف عندها لاحقاً. أما الكتاب العرب فأبرز من مثّل تيار الكتابة الجديدة هم أدوار الخراط وصنع الله إبراهيم وأهداف سويف ورؤوف مسعد ومي تلمساني وغالب هلسا والطيب صالح ومحمد شكري والطاهر بن جلون وهاني الراهب وغادة السمان ورشيد الضعيف والروائي السوري الكردي سليم بركات. وقد حاول هؤلاء الأدباء أن يجددوا على أصعدة مختلفة، فبعضهم انحصر همه في التجديد اللغوي مثل سليم بركات وأدوار الخراط، وبعضهم ركّز على المضامين الجديدة أمثال رؤوف مسعد ومحمد شكري، وهناك من ركز على إحداث ثورة في الشكل أمثال جمعة اللامي وصلاح عيسى وغالب هلسا وصنع الله إبراهيم وجبرا إبراهيم جبرا غير أن أبرز من حاول أن يكتب نصاً كولاجياً فيه الكثير من الجدة هو صنع الله إبراهيم في رواياته الخمس الأخيرة وهي ( اللجنة )و ( بيروت بيروت ) و ( ذات ) و (شرف ) و ( وردة ) بالرغم من أنه لم يكن الروائي الأسبق في هذا المجال فقد سبقه جمعة اللامي وغالب هلسا وصلاح عيسى، غير أن صنع الله إبراهيم هو الذي رسّخ كتابة النص الكولاجي على مدى عشرين عاماً أو يزيد، فلهذا بات النص الكولاجي مقترناً باسمه. فلقد آثر صنع الله إبراهيم أن يتخلص من الشكل التقليدي في كتابة النص الروائي، كما فعل غالب هلسا في رواية ( الضحك ) التي استخدم فيها أخبار الغزو والأغاني الوطنية والأناشيد الحماسية، في حين استخدم صلاح عيسى صوراً فتوغرافية في متن روايته الوحيدة ( شهادات من زماننا ). أما صنع الله إبراهيم فقد استخدم الخبر الصحفي والوثيقة والإعلان والتحليل الخبري والبحث والدراسة العلمية واليوميات في نصه الروائي، وهذه سابقة لم يألفها الأدب العربي من قبل، وقد أصر صنع الله إبراهيم على مواصلة هذا المشروع في الجزء الأكبر من نتاجاته الأدبية. ولكي نحيط القارئ علماً نقول إن صنع الله إبراهيم لم يكن يريد تأكيد صحة هذه الأخبار والوقائع المستلة من الصحف أو تفنيدها، وإنما أراد فقط أن يعكس الجو الإعلامي الذي كان سائداً آنذاك، كما أراد أن يحيط القارئ علماً بمصائر شخصياته والظروف والملابسات التي أثّرت فيهم. ولكننا لو قرأنا روايات صنع الله إبراهيم بشكل معمق لاكتشفنا أنه يذهب أبعد من ذلك بكثير حتى ليغدو الجو الإعلامي الذي يتحدث عنه شيئاً ثانوياً قياساً بمجمل أحداث التاريخ المصري الذي يعكسه صنع الله إبراهيم منذ أيام الملك فاروق وحتى يومنا هذا، بل أنه من خلال هذه الوثائق والأخبار والدراسات التي وظفها في رواية ( اللجنة ) يعود بنا إلى الظروف والملابسات والوسائل التي بنيت فيها الأهرامات المصرية، كما أنه لا يتوقف عند حدود العالم العربي، بل يذهب أبعد من ذلك في رواية ( شرف ) إذ يتحدث عن المكسيك وحضاراته الثلاث( الأزتيك والمايا والأنكا ) ويتعرض إلى الأهرامات المكسيكية القديمة التي بنيت منذ أربعة آلاف سنة، كما يتطرق إلى بلدان أمريكا اللاتينية متناولاً أخبارها التاريخية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومن خلال هذه الطروحات يتجلى البعد الفكري لصنع الله إبراهيم الذي ينتصر دائماً للفقراء والمسحوقين في كل مكان. ففي رواية ( ذات ) يعّري الطبقة الحاكمة في مصر، ويكشف عن تورطها في عمليات سلب ثروات الشعب المصري سواء عن طريق المسؤولين الكبار أو عن طريق المؤسسات الدينية التي تلاعبت بمصائر الناس البسطاء. فهو يسلط الضوء على شركات الريان والبركة والهلال والبنوك الإسلامية، ويعيد إلى ذاكرتنا أسماء أشرف السعد وعثمان أحمد عثمان والدكتور رفعت المحجوب وأحمد فوزي وإبراهيم نافع والدكتور مصطفى خليل وعبد الخالق المحجوب وهدى عبد المنعم وعصمت السادات ويوسف القرضاوي وكمال حسن علي وأنيس منصور وفتحي توفيق عبد الفتاح وعبد الصبور شاهين ومحمد متولي الشعراوي وعدنان خاشقجي ومحمد حسنين هيكل وفؤاد سلطان وجلال السادات وطلعت السادات ويوسف إدريس  وسعد بن فهد. وفي رواية ( وردة ) تغطي أخباره الكولاجية المقتطفة من الصحف والمجلات والدوريات ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة الجزء الأكبر من بلدان العالم العربي، ولا ينسى أن يذّكر القراء بالمجازر التي أُرتُكبت بحق الشعب الكردي في العراق، كما يذّكر بجبهة تحرير ظفار، أو ابتلاع اليمن الجنوبي، وكثير من الوقائع التي حدثت في مصر والسعودية والإمارات وعُمان ولبنان مستفيداً من المذكرات التي  كتبتها شهلا ( وردة ) منذ عام 1960 حتى1975 . إذاً نستطيع القول أن صنع الله إبراهيم قد أفاد كثيراً من الخبر الإعلامي والوثيقة الصحفية والإعلان والبحث والدراسة والمذكرات الشخصية وغيرها من المعطيات الأخرى التي خلقت بحق نصاً كولاجياً يقترب كثيراً من اللوحة الكولاجية  المعاصرة التي تحاول أن تتمترس خلف أكبر قدر ممكن من المعلومات والأفكار ووجهات النظر المتعددة، وما يزال صنع الله إبراهيم متربعاً فوق عرش النص الكولاجي دون منازع، ولكن يبقى السؤال المهم هو: إلى متى سيظل صنع الله إبراهيم متشبثاً بهذا الشكل الذي أصبح قديماً إلى حد ما قياساً بالتطورات الدراماتيكية التي تعصف بالأساليب الفنية الحديثة؟

 



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع المخرج المغربي عبد الواحد عوزري
- حوار مع نصر حامد أبو زيد
- أحداق - في عددها الثاني بحُلة جديدة • الخطوة الثانية من رحلة ...
- مخيلة الأدباء المنفيين . . إشكالية الكتابة عن الداخل والخارج
- حوار مع الفنان التشكيلي سعد علي
- ملامح الإستبداد الديني في العراق الجديد
- عقدة الرُهاب من الأجانب وتحفيز خلايا الأحقاد النائمة
- المخرج قتيبة الجنابي في فيلمه الجديد: خليل شوقي. . الرجل الذ ...
- الفنان الكاريكاتوري كفاح محمود لـ - الحوار المتمدن
- حوار مع الشاعرة الأفغانية زاهدة خاني
- القاص إبراهيم أحمد- الكلمات ينبغي ألاّ تفيض أو تشح عن المعنى
- بلجيكا تمنع إرتداء الحجاب والرموز الدينية في المؤسسات الرسمي ...
- مسرحية ( ليلة زواج ) محاولة لاستنطاق الغياب
- حوار مع النحّات والتشكيلي حسام الدين العقيقي
- حوار مع القاص فهد الأسدي
- حوار مع الفنان التشكيلي فاضل نعمة
- حوار مع الفنان والمخرج راجي عبد الله
- ندوة ثقافية في لاهاي عن حق الاختلاف والكتابة الجديدة
- الفنان التشكيلي منصور البكري لـ- الحوار المتمدن
- الفنان والمخرج الكردي بكر رشيد لـ- الحوار المتمدن


المزيد.....




- الإِلهُ الأخلاقيّ وقداسة الحياة.. دراسة مقارنة بين القرآن ال ...
- بنظامي 3- 5 سنوات .. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 الد ...
- مبعوث روسي: مجلس السيادة هو الممثل الشرعي للشعب السوداني
- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - النص الكولاجي. . صنع الله إبراهيم نموذجاً