أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - مشاكسات على هامش الفقه!















المزيد.....

مشاكسات على هامش الفقه!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2340 - 2008 / 7 / 12 - 11:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تنشط في الوسط الشيعي حركة فكرية جريئة تجاوزت المألوف وتخطت حواجز التحريم والخطوط الحمر وتحدت "فيتو" السائد فكريا ودينيا على مستوى المؤسسة الدينية وعلى مستوى الرأي العام الديني في آن معا، إنها حركة طموحة ومتمردة تناولت القضايا الفكرية الدينية في مجالات معرفية عديدة فلسفيا وتاريخيا وفقهيا وحتى عقديا.

كانت بؤرة هذا النشاط اتجاه فكري واعد يشرق علينا من الضفة الشرقية لخليجنا العربي، فهناك في إيران ثمة إنتاج ثقافي وفكري خصب يعادل أو يفوق بلد عريق في الفلسفة والفكر والأدب كفرنسا. هذا السعار الثقافي وإن كان عصيا حتى الآن على اقتحام حصون المؤسسات العلمية الكلاسيكية التي تقودها الحوزات الدينية إلا أنه أحرز تقدما لافتا في قراءة الدين بوصفه ظاهرة تاريخية وهي العملية التي لاتزال مستبعدة ومحاصرة ضمن سياج "المستحيل التفكير فيه" في الحوزة العلمية فضلا عن عموم الأفراد والمجتمعات التي لم تزل تنظر للوجود بأسره بمرآة دينية مصقولة بأدوات تراثية "غير صالحة للاستخدام".

استمات التراثيون كثيرا في محاولة إجهاض هذه الحركة برصاص التكفير والتصفية المعنوية والطرد من عنايتهم وحظوتهم بتصويب اللعنات على الوجوه البارزة في هذه الحركة بل ونفيهم إلى "أرض الشيطان"، لكنهم -وإن تمكنوا من حجب الأتباع المتعطشين لكل جديد يشبع فيهم نهم المعرفة- لم ينجحوا تماما في خنق هذه الأصوات الإصلاحية المتنامية التي بدأت في طروحاتها النقدية والإشكالية رغم صراخ أهل الجمود هنا أو هناك..

فمن شريعتي في جوقة أفكاره الإصلاحية والتي استهدفت الأكليروس الديني بوصفه عائقا أمام أي مشروع نهضوي، إلى عبد الكريم سروش صاحب نظرية القبض والبسط الذي ترجم أحدث النظريات الفلسفية التي تقوم عليها الحداثة ووظفها في نقد البنى الفكرية الدينية السائدة ليعبد الطريق أمام نسبية القراءة البشرية للدين، إلى شبستري الذي دعا إلى إدماج الفكر الغربي المعاصر في الدراسات الحوزوية الدينية كما أدمج سابقا التراث الإغريقي، وهو صاحب المشروع التطبيقي للمنهج التأويلي الحديث الذي أخضع النص الديني رغم تعاليه وقداسته لمعطياته وأدواته، وغيرهم من المثقفين والمفكرين لا أستثني منهم المفكر الدكتور محمد خاتمي رجل الفكر والسياسة ورائد مشروع حوار الحضارات، وعطاء الله مهاجراني، وهاشم آغاجري المثقف المثير للجدل، ومحسن كاديفار، وأخيرا وليس آخرا المفكر الممتع دائما في كتاباته الدكتور مصطفى ملكيان الذي صدح بالمعنوية كدين معقلن لا يتصادم مع الحداثة..

المفكر ملكيان من أبرز الوجوه المثيرة للجدل في المشهد الثقافي الإيراني له آراء نقدية عديدة ليس أهمها أفكاره حول فلسفة الفقه، أو "مسبقات الفقه" التي يمكن عنونتها بعنوانين أساسيين:

الأول: ذلك المنهج الذي يُخضع الفقه للدراسة بصفته ظاهرة تاريخية واجتماعية.

الثاني: علم معرفة الفقه، وهو العلم الذي يهتم بالمباني والمرتكزات والأساسيات المعرفية والفلسفية والكلامية للفقه.

وإذا كان موضوع علم الفقه دراسة الأحكام الشرعية أو لنقل استخراجها من النصوص أو المصادر التشريعية المجازة فإن موضوع فلسفة الفقه هو الفقه ذاته، ولذلك فهي من معارف الدرجة الثانية فيما يقع الفقه ضمن معارف الدرجة الأولى، ولتجنب الخلط بين هذين الصنفين يجب التركيز على أن الأولى خارجية والثانية داخلية، الدكتور عبد الكريم سروش يضع تمايزات أساسية تكشف توهم وجود تناقض وتعارض بين فلسفة الفقه ذات الطبيعة النقدية وبين الشريعة والفقه المترشح عنها، وأبرز هذه الفروق هو أن علم معرفة الدين فرع من فروع نظرية المعرفة التي لها سيرورة وتطور مما يعني ضرورة مواكبة المستجدات العلمية مهما كان مصدرها، فالمعرفة ملك عمومي وليست ملكا خاصا!!

هذه المقاربة لفلسفة الفقه –كما هي عند ملكيان- تتمحور في عدة محاور وخطوط عريضة وأساسية نحاول أن نوجزها للقارئ الكريم، على الشكل التالي:

إن موضوع فلسفة الفقه يتأرجح بين علم الأصول وعلم الكلام وقضايا أخرى لم تدون حتى الآن، لهذا يلح ملكيان على الفقيه باتخاذ موقف محدد حيال كل واحدة من تلك القضايا.

أولا: المسبقات التيولوجية وهي التي تشمل جميع أبعاد الرؤية الكونية الدينية وكيفية تبريرها والدفاع عنها أمام الشبهات والإشكالات المثارة في الوسط الفلسفي والعلمي، كما تضم المنظومة العقائدية للإطار المذهبي الخاص للتشيع كالعصمة وتحديد نطاقها وحدودها وكل ما يمت بصلة لما يسمى "بقداسة النص" وكل الجوانب المتعلقة بالنصوص الدينية بما لها من صفة وحيانية، وغير ذلك من قضايا كلامية، كل هذه الإجراءات تقع ضمن مهمة لم تنجز حتى الآن في الثقافة والفكر الإسلاميين!

ثانيا: المسبقات الأصولية وكل ما من شأنه أن يمنح الجزم والوثوق "بالنص المقدس" كوثاقة النص وعلم الرجال والحديث والتواتر وغيرها من المسائل ذات الصلة بمناهج ومعطيات العلوم التاريخية التي لابد أن يتأثر بها الفقيه ويتفاعل مع منجزاتها الحديثة..

هنا يتسائل ملكيان بمرارة عن آليات توثيق الرجال بالطرق المعروفة في الجرح والتعديل حيث يشكك بعلميتها وصحتها، فالعدالة والانتماء للمذهب الإمامي –مثلا- لا يمكن اعتماده كمرجح أو معيار في اعتماد السند خشية أن يؤدي هذا الاشتراك إلى نزوعهم وانزلاقهم لمتطلبات الميول المصلحية والنفسية المشتركة..

ثالثا: المسبقات الخاصة بمناهج الاستدلال وأساليبه، وتحديد المفاهيم الفقهية كالمصلحة والعسر والحرج والضرر والإضرار .. الخ.

رابعا: المسبقات الهرمنيوطيقية وهي كما يرى ملكيان أهم المسبقات والمفروضات الفقهية على الإطلاق، وهي تشمل تاريخية القرآن والسنة وفرز الجانب المحلي والخاص للأديان عن الجوانب التي يمكن تعميمها زمكانيا، يقدم كاتبنا الجميل مثلا جميلا آخر حول ضرورة توفر الحس التاريخي للفقه، فحتى نفهم العلاقة الجدلية بين الدين والدنيا أو بين الدين والحداثة والتغيرات التاريخية دعونا نتصور المجتمع العربي في زمن الصدور بمثابة كتاب بينما الهوامش هي الدين ذاته، وبما أن إدراك وفهم الهامش لا يستقيم من دون فهم المتن، فمن الطبيعي إذاً أن تتوقف معرفة الدين على معرفة المجتمع آنذاك وظروفه وحيثياته.

وفي هذا السياق تقع مديات الفقه ومجالات اهتمامه وكل مفروضات دائرة الفقه، والمفروضات الخاصة بمقاصد الشريعة التي لم تجد لها ترحيبا في العقل الفقهي الشيعي حتى هذه اللحظة مع أنها ستحدث تأثيرا كبيرا جدا خاصة في ظل توجهات فكرية ساهمت في الإطار السني بمحاولة إصلاح تلك المقاصد السائدة التي صاغها الشاطبي وتجاوزها –دون أن يلغها- المفكر المصري نصر حامد أبو زيد في مشروعه الطموح في نقد التراث الديني، حيث وضع العقلانية بوصفها نقيضا للجاهلية إلى جانب الحرية والعدل كأسس وكليات ومقاصد كلية للشريعة والنص الديني الإسلامي. لكن المؤسسة الفقهية السائدة في الحوزة اليوم لازالت ترفض مبدأ توظيف مقولات من خارج المذهب، مع أن المتابع لمسار وتطور الفقه الشيعي يلحظ بشكل جلي تأثره بمناخات علمية وتقنية خارج نطاقه، كشدة الأحكام وفكرة "الاحكام الخمسة" التي يرى ملكيان أن لها أصولا رواقية من التراث الفلسفي الإغريقي، كما أن علماء كبار بقامة العلامة الحلي وبن طاووس والشهيدين الأول والثاني وغيرهم قد استفادوا من علماء السنة في الحديث والدراية حتى أن ابن طاووس قد أدخل التصنيف الرباعي للحديث الذي وضعه علماء السنة في بنية الفقه الشيعي، رغم هذا كله آثرت الحوزة العلمية الانغلاق والانكفاء على الذات في كل مناهجها في حالة أشبه بالنرجسية وصنمية الذات.

إن المنهج التاريخي والتأويلي في إطار فلسفة الفقه سيمنح الفقه قدرة التمييز بين أقوال وأفعال الرموز الدينيين (المعصومين) بصفتها تشريعا وبين طبائعهم الشخصية، فهل كل ما صدر عن هذا الإمام أو ذاك يجب أن تكون له دلالة دينية شمولية وأبدية متعالية على الزمان والمكان؟! يقول مصطفى ملكيان: ( لو أن المعصوم لبس ثوبا رصاصيا، فهل يمكن الاستنباط من ذلك على الأقل استحباب ارتداء هذا اللون من الثياب، أم يمكن القول أن ارتداء ثياب ذات لون رصاصي لا يدل سوى على رغبته الشخصية في ارتداء مثل هذا للون؟ وبالتالي لا يمكن وضع حكم استحبابي بناء على هذا.. هل يمكن القول أن كل ما يصدر عن المعصوم إنما يصدر عنه بصفته تجسيدا حيا للشريعة؟ كي يتسنى لنا بعد ذلك اكتشاف الوجوب أو الاستحباب في ذلك الفعل؟ أو لم يكن للمعصوم من عادات شخصية؟ أو لم تكن لهم أذواق ومشارب خاصة؟ هل من المستحيل أن يتذوق معصوم لونا معينا لا يرغب فيه معصوم آخر؟ ألا يجوز أن يصدر عن المعصوم أمر أو قرار متجذر في ظروف خاصة لا يناسب أية ظروف آخرى؟)

وبناء على هذا يمكننا فهم تلك الاستثناءات الفقهية حيث نجد أن هنالك من الفقهاء القدماء والمعاصرين من لا يرى خمس المكاسب لأن فعل الأئمة الذين استخرجوا أخماس المكاسب في أزمانهم يأتي في سياق ظرفي لا يمكن أن يعمم أو أن يحظى بدلالة دينية شمولية، وكانت العوامل السياسية الضاغطة هي التي فرضت على الإمام باعتباره قائد الجماعة أو الذي يحتل قمة الهرم في التشكيل التظيمي السري للشيعة أن يأمر أتباعه باستخراج أخماس مكاسبهم وهذا يعني أنها لم تكن سوى ضريبة مالية ليس لها شأن ديني على الإطلاق.

هذه صورة موجزة لخارطة فلسفة الفقه كما رسمها الدكتور مصطفى ملكيان، وهي دعوة إلى جانب دعوات مماثلة ربما كانت مجرد مشاكسة لم تعالجها بجدية تلك الحوزات الدينية مما أوجد شرخا بين المفكرين المصلحين على غرار كاتبنا ملكيان وبين السائد الفقهي الذي يفتقد نجاعة المنهج والمسبقات، لأن "التفسير /الفقه الأقوى هو الذي يبنى على مفروضات أو مسبقات أقوى"..



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فقهاء ولكن..!
- إلى من يتغنى بالموت ليل نهار!
- لماذا كذب وليد جنبلاط؟
- آمنوا ولا تفكروا!
- حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!
- التحية إلى روح بينظير بوتو
- نحو رؤية جديدة للزواج
- الإسلاموية و فوبيا التجديد!
- أحاديث في الحب
- فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
- الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - مشاكسات على هامش الفقه!