أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - الفن ليس محظورا منذ الآن «2»















المزيد.....

الفن ليس محظورا منذ الآن «2»


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2105 - 2007 / 11 / 20 - 10:21
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في الميثولوجيا اليونانية كان "أيروس" اله الحب يمنح الدفء للعاشقين، وكانت أفروديت "فينوس" الأنثى المقدسى إلى جانبه تمنح الحياة والحب، عند ذاك كان للحب مركزية في الطقوس الدينية وهي طقوس مشحونة بالعشق، قبل أن ينكمش مفهوم الحب والجمال ليبدو في صيغته السماوية الميتافيزيقية، وحينذاك كان الإنسان حرا في تصاويره وتطلعاته لقيم الحب والجماليات، ولذلك كان الفن حاضرا كأحد القوالب التعبيرية التي يمارس من خلالها المرء الحب والتوق للمطلقات وعالم الأطياف، غير أن تغيرات جذرية ألقت بذيولها على هذا الصعيد وتمكنت من الحد من "أنسنة" الفنون والآداب لتجعل منها خاضعة لحيثيات ماورائية فيها من الصرامة الشيء الكثير، وهو ما حدث تحديدا في القرن السادس الميلادي، هكذا كان يعزو بعض المفكرين ظاهرة النزاع بين مقولتي الفن والدين لتلك التطورات الدينية التي يجب أن تخضع بالضرورة للتفسير"التاريخي".

كان "الفن للفن" و"الحب للحب" دون أن يكون له ارتباط فيما وراء الإبداعات الإنسانية، فهي مجردة، تمارس وظيفتها بإطلاق، لكن ثمة دعوات ظهرت أخذت تنتقص من هذه المقولات لتصفها بأنها عبثيةً تهدم القيم الحضارية والسلوك القويم، وأخذت تدعو للقول بأن "الفن رسالة" لذلك يجب أن يخضع لتوجيه الايديولوجيا.

أمام هذه التفسيرات التي كتب لها الظفر نتيجة لعوامل سياسية في مجملها تعلمن الفن، وهو ما أشرت إليه في مقالي السابق، أما قبل ذلك فلم يكن لعملية العلمنة هذه مسوغ أو مبرر لأن الفن كان منسجما مع طبيعة الدين آنذاك. وهنا أكرر القول بأن تلك الأعمال والأجناس الفنية كالرقص والموسيقى والنحت وغيرها نشأت وتطورت في مناخات دينية.

إننا ندرك أن الانسجام بين الجمال والمقدس أو على أقل تقدير عدم تصادمهما يكمن من خلال الطبيعة المجازية والوجدانية لهما معا، أما حين تسود الأصولية وهي المعروفة بنزعتها الدوغمائية الحادة في العقيدة والفكر والحياة فإنها تحد من الممارسة الوجدانية بقيود المصالح والمنافع العاجلة أو الآجلة!.

" مهمة الفن هي تحرير المعرفة من استعباد الإرادة" كما يعبر شابنهور، الفيلسوف الألماني، فإذا كان الدين يعتمد على الإرادة والاختيار فإن الفن يرتكز على التأمل اللاإرادي للأشياء والمطلقات -الجزئيات في صورتها المثلى وتكاملها الأسمى، إنه نوع من الإدراك المتحرر من قبضة الوعي، ومن ثم السياحة في رحاب اللاوعي واللاشعور. فحينما تجعل من ذلك المنظر الطبيعي الخلاب موضوعا لعمل فني ما فإنك بذلك سوف تحشد كل قواك التأملية الخارقة لتستخرج منه مكامن الجمال، لكن هذا المنظر نفسه سيتحول لعلامة تقودك للنجاة أو الهلاك وفقا للنظام السيميائي لهذا الدين أو ذاك.

و في إطار تشكل الجماعة تحتل الفنون أهمية بالغة على ضوء ما تمثله من معايير مكتسبة ومقصودة- أي متفق عليها- في كل نظام ثقافي، إن للفنون وظيفة محددة تمنح التبادل والتواصل بين أفراد المجتمع الواحد، وتخلق التماهي مع الجماعة فتكرس هويتها ووحدتها. لا ينحصر الفن في قيمته الذاتية والفنية وحسب بل هو بمثابة "ترمومتر ثقافي" يعكس مدى تمدن الجماعة وقدرتها الخلاقة على ابتكار الأنماط التعبيرية المختلفة والتي نسميها ثقافة.

للموسيقى بشكل خاص مكانة هامة بين سائر الفنون، وقد فطن لها الأقدمون وأولوها اهتماما كبيرا، حتى أن أفلاطون في كتابه "الجمهورية" قد أعطى الأولوية للموسيقى في التهذيب المنشود للناس، وقد أعتبرها من أهم الفنون وأرقاها، وفي تناسق نغماتها وآلاتها تعكس الموسيقى انسجام الكون والإنسان. بهذا اللحاظ يبدو الكون نوعا خاصا من الموسيقى في تناسقه وانسجام كل جزء من أجزائه! لذلك قيل: ليس العالم إلا موسيقى منجزة.. إنها تؤدي بالإنسان للاسترخاء واستجماع الإرادة، بل لها كما يعتقد كثيرون تُأثير كبير على انفعالات الإنسان واندفاعاته العاطفية، وقد أثبت العلم الحديث إمكانية استخدام الذبذبات الموسيقية كعلاج للمرضى.

تاريخيا يقال أن فيثاغورس تلميذ سليمان النبي كان قد اكتشف التنغيم عند سماعه ضربات الحدادين بالمطارق وهي تتوالى مشكلة إيقاعا خاصا، فوضع أسس هذا الفن، من هنا يمكن الاعتقاد أن الموسيقى من أعرق الفنون وأكثرها حضورا في الحضارات والثقافات البشرية. إنها لغة فوق شعورية لا تحدها الأفكار، فهي "تخاطب فينا شيئا أرق من العقل لهذا فهي تفوق باقي الفنون في مقدرتها على رفعنا والسمو بنا فوق كفاح الإرادة" كما يؤكد شابنهور. ليس مجال اشتغال الموسيقى هو المثل والجواهر ولكنها -يضيف شابنهور- نسخة من الإرادة نفسها وهذا هو السبب في أن تأثير الموسيقى أقوى أثرا وأكثر تغلغلا من بقية الفنون.

نعم يجب الاعتراف بأن هناك ممارسات حدثت قد أساءت إلى الفن، ولازالت تسيء إليه بطريقين أحدهما "أدلجة الفن" والآخر تشويهه وحرف مساره، وهذا ما نجده في الوسط الفني المعاصر الذي يخضع لاشتراطات تجارية تحد هي الأخرى من حركته وانطلاقته، لأنها تفرض على الممارسة الفنية اعتبارات وشروط خارجة بالضرورة عن نطاقه ومجاله، لهذا فهي تمسخ الفن وتجعل منه مصدر من مصادر الارتزاق، ليغدو مجرد تعبير غرائزي بأجلى صور البدائية. وفي كلتا الحالتين فإن ثمة حصار يلجم القدرة الإبداعية لدى الإنسان، وكما قلت سابقا، لا يجوز تأطير الفن وتقنينه، فبمقدار ما يقنن ويؤطر بمقدار ما يبتعد عن كونه فناً، يجب أن يكون العمل المتصف بالصفة الفنية حرا في انطلاقته وحركته لأن الطبيعة الفنية تقتضي ذلك.

من هنا فإن الفتاوى والرؤى الدينية التي نجدها عند بعض المسلمين، سنة وشيعة، مع احترامنا لأصحابها، ستشكل قيودا وخطوطا حمراء تحد من فعالية الفنون.. والعجب كل العجب أن لا نسمع بفتاوى تحظر تلك الأصناف المبتذلة من شعر الغزل الفاضح والذي ساد في الشعر العربي بين القبائل حتى استثنيت منها قبيلة عذرة التي نسب إليها الحب العفيف الطاهر و"الغزل العذري"! مع أن الشعر في الأساس قد ارتبط بالموسيقى ارتباطا وثيقا، بل يمكن القول أن الشعر هو موسيقى العرب، ولا يخفى أن كلاهما ينتمي لأصل واحد هو جنس تركيب الأصوات وتأليف الألحان. والسؤال الذي ينقذح في ذهني على عجل هو لماذا نرى تلك المواقف الدينية تحظر الموسيقى والتنغيم "بالجملة" دون أن تلتفت أدنى التفاتة لتلك الإباحية في شعر الغزل عند العرب؟!

هل يجوز وصف الأرداف والنهود ولا يجوز التغني بها مثلا؟ الموسيقى روح الفن وأبرز أصنافه فإذا تحولت هذه الفتاوى لقانون فماذا سوف يحصل؟ ألن يكون شبيها بما عايناه في تجربة طالبان والمحاكم الإسلامية؟ نحن نحترم هذا الموقف على أن يظل في حدود القناعة الشخصية والخيار الفردي لا أن يتحول لقانون نحاسب ونقمع به الآخرين! وأنا لا أعرف لماذا يجب علينا أن نصف بالتزمت سلوك طالباني دون آخر، فحين نلتقي معهم ونتوافق في هذا الموقف أو ذاك نتحسس ونمتلئ غيظا عندما يصف أحدهم هذا التوافق بالتزمت، أما حين نختلف فلست ملاما في إطلاق كل الصفات النابية وحبذا لو كنت متفننا في شتمهم وسبهم: عليك بهم، لا ترعى فيهم إلاً ولا ذمة!!

في مقالي السابق عاتبني البعض على وصفي للحركات الجسدية الموزونة التي يقوم بها المعزون في المواكب الحسينية بأنها حركات راقصة ظنا منه أني أحط من قدرها، لست أدري لماذا هذه الغضبة الشديدة التي انتابت هؤلاء الأخوة، مع أن الرقص في نشأته كان مجرد تعبير ديني، وهو لايزال عند بعض قبائل إفريقيا، حيث يقوم البعض منهم "برقصات لجلب المطر أو لطلب المساعدة في الحفاظ على المنطقة أو القبيلة من شر يحدق بها".

كانت التعليقات في مجملها لم تقترب من فكرة المقال الرئيسية، فالمقال في واد وتلك التعليقات في واد آخر، وأظن أن أغلبها كتب على عجلة من دون قراءة المقال نفسه، وإن طالعوه فهم لم يفهموه أو لم يحاولوا ذلك على أقل تقدير، أغلب التعليقات كانت تهكمية واستفزازية دون الاقتراب من الأفكار التي تعرضتُ لها. والأرجح أن بعضهم اكتفى بالعنوان لكي يرد. وانا لم أقترف جرما حين استشهدت بتلك الآراء التي تأتي في سياق ما نطمح إليه، خاصة وأن جملة من الفقهاء لهم نفس الرأي، هناك اختلاف في المسألة صحيح، لكن هناك شبه اتفاق حول عدم تحديد مصداق معين للغناء"المحرم"، لأن الحرمة التي وردت في النصوص لم تذكر مصداقا محددا لذلك، بعضهم حرم الغناء بمعنى التنغيم ولذلك فهم لا يستثنون حتى تلاوة القرآن على الطريقة المصرية لما فيها من تنغيم وترجيع وبعضهم جعل الغناء بلحاظ القول وهو ما يعرف بالغناء اللهوي ومما يتناسب مع مجالس الفسق والفجور وأرجعوا تحديد ذلك للعرف الخاص«الوسط الفني بمعنى دقيق!!».

يبدو أن تلك الردود الغاضبة قد جعلت من فهمها لشمولية الدلالة الدينية لكل مرافق الحياة حكما مسبقا وأخذت تحاكمني بناء عليه وهذا لعمري هو الالتباس الذي وقعنا ولازلنا نقع فيه، فعندما نشير لمسألة علمنة الفن فإن ذلك يعني عدم الاعتقاد بخضوع قضاياه ومجالات عمله ونشاطه لمعطيات دينية ثابتة خاصة وأن ثمة دعوات كثيرة بدأت بالظهور تعتقد بأن الخطاب الديني بأسره يحتاج لإصلاح وإعادة نظر شاملة، حيث أن عملية إنتاج الدلالة الدينية الرائجة غالبا ما تقوم على إهدار سياقات النصوص الدينية الاجتماعية والثقافية، لذلك تتلاشى إمكانية إعادة تأويل النص، وبالتالي لن يكون قادرا بشكل مستمر على توليد الدلالة.

في هذا السياق يبقى الطموح هو بتحييد الفن والحيز الفني عن سلطة الأفهام الدينية. والواقع أن الحقيقة الدينية لا يمكن أن تتصادم بهذه الصرامة مع الفن والإبداعات الإنسانية السامقة كما تفعل الأصولية الحاضرة، لذلك فالطموح لازال يحدوني للأمل بولادة فهم ديني أكثر تسامحا مع الممارسة الفنية الرائدة..
لندع تموز يتغنى بالحب، ويعزف أنغام الغزل في جمال عشتار، لأن الحب أكسير الحياة!




#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - الفن ليس محظورا منذ الآن «2»