أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - آمنوا ولا تفكروا!















المزيد.....

آمنوا ولا تفكروا!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2255 - 2008 / 4 / 18 - 11:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يحرص رجل الدين غالبا على أن يتقمص دور عالم الاجتماع وعالم التاريخ ويحاول أن يبدو كمختص ملم بكل دقائق علم النفس والتحليل النفسي و خبير في الاقتصاد وبارع في السياسة ولا تخفيه خافية بين هذه الفروع والمجالات المعرفية، كما لو إن له باع في كل ميادينها وتفرعاتها، والتخصصات والحدود المميزة بينها تتلاشى داخل عبقريته الجامعة المانعة، لأن احتكار المعرفة والتأمل مرفوض في نظره إلا في مجال الفكر الديني فهو من اختصاصه وحده.
وبذلك فهو سليل تلك الرموز الباسقة في سماء التاريخ التي كانت تلم بكل العلوم والمعارف عند الأولين والآخرين، لكن هذا العليم الموسوعي حين يجد نفسه في زاوية "السؤال" والمقاربات الإشكالية والتساؤلات التي تحيط بكل من تعنيهم الممارسة الدينية، سواء أكانوا صعاليك أو أقزام يعتاشون على الفتات المعرفي المتناثر من علياء جمجمته المتفتقة عن معارف إلهية تحيط وتستوعب كل الحقائق، أو كانوا من أهل تلك الاختصاصات الذين ينازعهم فيها، حين يحشر في تلك الزاوية الضيقة تتفتق عن عبقريته اللامعة وحذقه البارع تلك الحجج القاصمة، فيلقمها حجرا ويجعلها تتبخر كرذاذ من أول نسمة بقوله: هذا اختصاص رجال الدين!
أما إذا اشتد به الحصار و أحاطت به سهام النقد والمعرفة العلمية فلا مندوحة له عن اللجوء إلى القول بأن "فوق كل ذي علم عليم"، وبهذا يحكم الطوق على العقول ويميت الرغبة في استثارة الأذهان وتوقدها، وهو مع هذا كله يلجأ باستمرار لإحاطة حديثه وحقائقه الممتزجة بالخرافات والأساطير بهالة من القدسية والتعالي والاستلهام من تلك الرموز التي لا ينفك يستدعيها كوسيلة إنقاذ عند الرمق الأخير.
على امتداد التاريخ كان هذا ديدن أرباب الدين والكهنة، وليس من الصدفة أن يندمج الدين مع السلطة السياسية طوال الحقب التاريخية قبل النهضة والتنوير، لأن رجال الدين بالطبيعة يمارسون السلطة ويحتكرون الشرعية، وليس من العجب أن ننتظر كل هذه السنين حتى يتمكن الإنسان من استعادة حقه في بلورة الشرعية و حتى التفسير الديني، كان يجب أن ننتظر سنوات طويلة و نحن نعيش في ظل الاستبداد والهلوسة و التخريف واحتكار المعرفة الدينية قبل أن يتمرد أمثال لوثر ويقول: الإنسان رجل دين نفسه، هذه المقولة التي ألغت الاحتكار المعرفي والتأملي و أتاحت للإنسان حقه في أن يتصالح مع ذاته، وأن يحمل ذهنية متوهجة ناقدة تتعدى نطاق المحظور والتابو في كل ما يتعلق بحاضره و مستقبله، أصبح الدين بمفعولها من أجل الإنسان وليس الإنسان من أجل الدين، و باتت "الأنسنة" هي الدين نفسه، وامتد شعاعها عبر المكان والزمان لتحرر الإنسان من ربقة الاستعباد، في كل صوره و أشكاله، واستعباد العقل و الإرادة لا يقل بشاعة عن استعباد الأفراد ذاتهم، لهذا قال كانط: "تجرأ على استخدام فهمك الخاص! هذا إذن هو شعار التنوير" و يضيف: التنوير هو خروج الإنسان من القصور الذي يرجع إليه هو ذاته. القصور هو عدم قدرة المرء على استخدام فهمه دون قيادة الغير".
ومع أن الكسل والجبن على ما يرى كانط سببان رئيسيان لتأبيد وضعية القصور، فإن هيمنة رجال الدين وملاحقتهم لكل مناشط الحياة سبب وعامل رئيسي لا يقل أهمية عن العوامل الذاتية المثبطة في تأبيد حالة الانزواء والاستقالة الفكرية.
بهذا المعنى يصبح التنوير المهمة النقيضة لوظيفة "التعتيم" التي يمارسها بعض رجال الدين بعدة وسائل وأدوات منها: احتكار المعرفة الدينية ومرجعية الإيمان، ودعوى استحالة تسرب الباطل والخطأ إلى المصادر الدينية التي يستند إليها في كل المعالجات الحياتية التي تمس الإنسان وتلاحقه من المهد إلى اللحد، لأن تلك المصادر المستقاة من الرموز الدينية تستوعب كل المعارف ولديها كل الأجوبة على المآزق والأزمات الروحية والمادية التي تتعرض لها البشرية، هذه دعامة ثقافة التعتيم المتبناة ظاهرا ومضمونا من قبل رجال الدين.
هذه الشمولية في المعرفة والقدرة اللامتناهية في تقديم الحلول ليست مجرد تعسف واستئثار سلطوي، بل هي بمثابة تطبيق عملي لفكرة راسخة في المخيال الديني نشأت جراء الاعتقاد بماورائية الرموز، واتسامها بطابع لا تاريخي ولا بشري، وهذه حقيقة تكاد تكون ثابتة في كل الحركات الدينية في التاريخ، بوذا كان ثائرا ومناضلا من أجل الإنسان و العدالة، لقد كان أميرا قبل أن يعود ثائرا من أجل حرية مجتمعه، ورغم حرصه الشديد على طابعه البشري، إلا أن أتباعه من بعده قد جعلوا منه أسطورة تحتوي على كل الرغبات والآمال المكبوتة بين جوانحهم.
والحقيقة أن الارتفاع بالرمز لدرجة التسامي والقدرة المطلقة تشبع لدى الإنسان الرغبة الناتجة عن ميله لمعايشة المثل والقيم التي يؤمن بها، إنها التعبير الأبرز للرغبة في النماء، لأنها تعكس حالة استطالة قضيبية، أو أحلام يقظة تحد من "قلق الخصاء"، و هي بالتالي بمثابة آلية إسقاط تشبع فينا التطلع نحو المطلق والكمال المفقود، فكل الكمالات المنشودة تسقط على الرمز، و لهذا كانت هذه الآلية هي الضامن لبقاء الجماعة لحقب مديدة من التاريخ البشري، و بتزعزعها تنهار الجماعة، كأن المرء لا يمكن أن يحيا بمعزل عن الأسطورة، وبديهي أن هذا العقل الأسطوري لا يمكن أن يتصالح مع العقل العلمي والفلسفي المتسم بحسه النقدي وبطابعه الحيادي البارد تجاه الأشياء.
المسافة الكبيرة بين الرمز في واقعه وبين الرمز في أسطورته، أي بين الحقيقة والخيال هي التي تعزز الطبيعة الحالمة للواقع بأسره، و تخلق انطباعا وسيطرة يوتوبية للحاضر والمستقبل، وانشدادا متأصلا للماضي البعيد الذي كان له المجد والفخر باحتضانه للرموز والأيقونات الدينية، إنها تتناسب عكسيا مع قدرة المجتمع على إحراز الصلاحية الدائمة في كل مجالات الوجود، إنها بمعنى مرادف نقيض للحداثة، لأنها تمارس تخديرا للذات وتجير الجهود في الوهم والسراب "الذي يحسبه الظمآن ماءً" و الأنكى من ذلك كله أنها تساعد رجال الدين على أداء مهمة "التعتيم"، وكلما ذادت هذه المسافة تباعدا زاد معها التجهيل والابتزاز الديني الممارس ضد التنوير، حتى تصبح ثقافة "التعتيم" هي المهيمنة على الجماعة.
وإذا كان هنالك ثمة معنى أو جدوى للإصلاح الديني فهو هذا، أعني تحجيم الفارق بين الرمز والأسطورة، هذه المهمة التنويرية هي التي جاهد لأجلها أمثال شريعتي ومطهري وغيرهما، لأن مهمة الإصلاح والتنوير هي عقلنة الممارسة الدينية وهذه الرموز ذاتها، وبحذر شديد أكاد أعتقد أن مفاهيم دينية كالولاية التكوينية و العصمة الذاتية وحصول الأئمة على شتى العلوم المتأخرة والمتقدمة وما أشبه ليست سوى تجليات وإفرازات خلفتها ثقافة الأسطورة، وما يدل على ذلك تشكلها و تبلورها النهائي المتأخر زمنيا، فهي مفاهيم طارئة ومنتج بشري كان للصراع السياسي دور بارز في صياغته، وقد ساهم في ذلك أن هذه الشخوص التاريخية هي الأقرب مسافة لما يراد لها أن تكون، أي الأسطورة، و بفعل التقادم اندمجت هذه المفاهيم الطارئة في بنية الدين ذاته، وأصبحت ممارسة النقد تجاهها بمثابة الردة والخروج عن الدين، هذا ما يفسر الحملة الشرسة التي يتعرض لها فضل الله حين يجهر بآرائه التنويرية المتعلقة بهذا الشأن، وكان مناؤوه يتمترسون دوما بحجة الاختصاص الديني، فكانت الخطوة الأولى للجم هذه الإصلاحيات هي التشكيك بكفاءته العلمية، وهي الحجة الجاهزة والمستدعاة باستمرار لتقويض كل المحاولات الإصلاحية التي هي في الأساس تهديد مباشر لسلطات رجال الدين المتجرين بالأسطورة.
على أن الرمز ليس بحاجة لأن يكون ملما بقانون النسبية لأنشتاين حتى يمارس دوره في التبليغ والهداية، و ليس بحاجة لحيازة تقنية المكوك الفضائي حتى يرشد الناس للسماء و المثل والقيم الأخلاقية، إن هذا كله خارج عن نطاق قعالية الرمز ولكن ما العمل وخطاب رجال الدين لازال يلح في دعوته للإيمان مجردا عن الفكر والقناعة الذاتية، فما دام ثمة رجل دين يستطيع التفكير نيابة عنا وله ضمير نيابة عنا وبيده الهداية والضلال وبيده صكوك البراءة أو التضليل أو التجريم، فلننصبه علينا وصيا، و لنجرد عقولنا من التفكير لأنه مستعد لتجشم عناء التفكير بالنيابة عنا مع شرط واحد فقط هو أن نبقى مؤمنين!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!
- التحية إلى روح بينظير بوتو
- نحو رؤية جديدة للزواج
- الإسلاموية و فوبيا التجديد!
- أحاديث في الحب
- فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
- الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة
- --تأملات حول التشيع السلفي-
- المرأة الاكثر تأثرا من الاستبداد في السعودية


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - آمنوا ولا تفكروا!